المرجع السيد الشيرازي: يجب أن تعرِّفوا الإسلام الحقيقي لأقرانكم وللعالم أجمع

 شبكة النبأ: قال اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) ان العالم في الماضي كان منغلقاً على نفسه، لكن اليوم حيث هو عصر الانفتاح والتطور العلمي والتكنولوجي أو ما يسمى بعصر المعلومات ومع وجود شيء من الحرية، فالأرضية مناسبة لكي يعرب كل واحد عن رأيه ويفصح عن فكره. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات ـ من باب أولى ـ أن ينتهزوا هذه الفرص المتاحة ويستثمروها في العمل على تعريف الصورة الحقيقية للإسلام للبشرية قاطبة. وأنتم بصفتكم طلاب للعلم يجدر بكم أن تعرّفوا أقرانكم والعالمين أجمع الإسلام الحقيقي، وبالخصوص للذين تعرَّضوا لغسيل الدماغ فباتوا يظنُّون أن الإسلام هو دين العنف والحدة، والإسلامُ بريء من ذلك.

جاء ذلك في كلمة القاها على جمع من الإخوة أعضاء الشورى المركزية للاتحاد الإسلامي لطلاب الجامعة الإيرانية انطلاقا من حرص المرجعية الرشيدة في نشر الاسلام بمعناه الحقيقي وقيمه السمحاء، وحرصا على بث العلوم القرانية من مصادرها الأمينة الثرّة، حيث تستقبل مرجعية اية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كل يوم وفود المؤمنين من شتى اصقاع الارض لتلقي الارشادات والتعاليم الاسلامية والعلوم الدينية والانسانية المختلفة.

وقال سماحته:

ذكرت الروايات الشريفة عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنه قال: «قال أمير المؤمنين سلام الله عليه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه، ومن الإسلام إلاّ اسمه».

وعقّب سماحته: إننا نعيش في زمن رديء جداً، إن لم نقل إنّه الزمان الذي ذكره مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في الحديث أعلاه فلا أقلّ من القول إنه ينذر بخطر قرب ذلك الزمان. وهذه الحالة تستدعي منّا جميعاً بذل المزيد من الجهود لتعريف الإسلام الحقيقي للبشرية أجمع.

وأضاف: وأنتم بصفتكم ممثلين عن الاتحاد الإسلامي يجدر بكم أن تعرّفوا الإسلام الحقيقي لطلاب وطالبات الجامعة كافة.

وخلال إشارته إلى الحكومة الظاهرية لمولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي استمرت لمدة خمس سنين والحرية التي منحها الإمام للناس، قال سماحته:

لو أرادت مجموعة من الناس أن تخرج في تظاهرة ما إلى الشوارع في أرقى دول عالم اليوم ممن تدّعي التقدم والتحضر وتتبجّح بالحرية، فيجب على هذه المجموعة قبل تظاهرها أن تعرّف نفسها للحكومة وأن تطلعها على أهداف وشعارات التظاهرة وأن تحصل على الإذن  بذلك.

أما الإمام عليّ سلام الله عليه فإنه في زمن حكومته قد منح معارضيه الحرية المطلقة في أن يتظاهروا وأن يعربوا عن آرائهم حتى إن كانت تمسّ شخصيته صلوات الله عليه. فالإسلام الواقعي والحقيقي هو الإسلام الذي طبّقه مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه خلال فترة حكومتيهما.

وفي ختام حديثه أكّد دام ظله: في الماضي كان العالم منغلقاً على نفسه، لكن اليوم حيث هو عصر الانفتاح والتطور العلمي والتكنولوجي أو ما يسمى بعصر المعلومات ومع وجود شيء من الحرية، فالأرضية مناسبة لكي يعرب كل واحد عن رأيه ويفصح عن فكره. فيجدر بالمؤمنين والمؤمنات ـ من باب أولى ـ أن ينتهزوا هذه الفرص المتاحة ويستثمروها في العمل على تعريف الصورة الحقيقية للإسلام للبشرية قاطبة. وأنتم بصفتكم طلاب للعلم يجدر بكم أن تعرّفوا أقرانكم والعالمين أجمع الإسلام الحقيقي، وبالخصوص للذين تعرَّضوا لغسيل الدماغ فباتوا يظنُّون أن الإسلام هو دين العنف والحدة، والإسلامُ بريء من ذلك.

يذكر، أن العديد من وسائل الإعلام الإيرانية قامت بنشر هذا اللقاء.

المؤمن يحبّ الخير لغيره كما يحبّه لنفسه

وفي توجيهات لسماحته لدى استقبال جمع من الإخوة والأخوات من مدينة اصفهان قال المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله:

كل إنسان في الدنيا ينشد هدفاً ما، وكل واحد يبني أمره على شيء للوصول إلى ماينشده، وهذا يصدق على الناس جميعاً. فبعض يهتم بالكسب فقط وهدفه أن يزداد مالاً وثروة، وللوصول إلى ذلك تراه يضحي بكثير من الأمور المهمة.

وبعض يهتم بالراحة واللذات وتلبية رغبات النفس فقط. وبعض يكون همه وهدفه نيل رضا الله تعالى، فتراه يفضّل معتقداته على شهوات نفسه، وعلى ملذات الدنيا وزخرفها.

وأضاف سماحته: يقول مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «أحبّ لأخيك المسلم ما تُحبّ لنفسك». وهذا الحديث الشريف معيار واضح وسهل لتشخيص العمل الصالح عن العمل الطالح. بعبارة: عندما يتأذى المرء من سوء تصرف أحد من الناس، عليه أن يسعى إلى عدم صدور هذا النوع من التصرف منه تجاه غيره. فمن الجدير بالإنسان أن يتدبر ويتأمل قبل أن ينطق بكلمة ما، وقبل أن يعمل عملاً ما، فإن رآه حسناً فليهمَّ به، وإن وجده سيئاً فليجتنبه.

وعقّب سماحته: إن الإنسان المؤمن وصاحب الخلق الحسن ـ كالحلم ومداراة الناس ـ يعيش حياة أقل مشاكل، وأكثر راحة بال واطمئناناً.

وبعد أن ذكر الرواية الشريفة التالية: عن أحمد بن محمد الرافعي عن إبراهيم بن عليّ عن أبيه قال: حججت مع عليّ بن الحسين [سلام الله عليهما] فالتاثت عليه الناقة في سيرها، فأشار إليها بالقضيب، ثم قال: آه، لولا القصاص. وردّ يده عنها. قال سماحته مؤكّداً:

إن تعامل الإمام زين العابدين سلام الله عليه هذا عبرة لنا جميعاً، فيجب أن نتعلّمه ونطبقه في واقع حياتنا، وذلك بأن يجعل كل واحد منّا تقوى الله والخشية منه جلّ وعلا نصب عينيه دائماً وبالأخص عند تعامله مع الناس بالقول والفعل.

المؤمنون أصحاب همم عالية لا تعرف معنى للتعب

ويؤكد المرجع السيد الشيرازي على "إن الإنسان خلق مجبولاً على حبّ السعادة والكمال وتحصيلهما، ولكن الوصول إلى هذه الغاية دونه عقبات وصعوبات، ولذلك فالذين يجتهدون في طلب الكمال قليلون، والذين يصلون إلى الغاية أقل، وعلوّ الهمّة وحده هو الذي يسهّل العقبات، ويذلل المصاعب. يقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «المرء بهمّته لا بقنيته»".

وقال سماحته أيضاً مشيراً إلى دور الهمة في تقدّم الإنسان والمجتمعات: الهمّة العالية تبعث الإنسان على أن يقدم خدمات كبيرة لنفسه ولمجتمعه. أما قاصر الهمة فقد يقعد به العجز عن السعي وقد يرجع إلى الوراء من منتصف الطريق، وفي ذلك يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: «ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمة، وقلة الحيلة، وضعف الرأي».

إن دولة الهند حينما كان تعداد نفوسها يبلغ أربعمئة مليون نسمة كانت على مدى سنوات تحت نير الاستعمار البريطاني، غير أن شخصاً واحداً وهو غاندي استطاع بهمته العالية أن يحرر شعبه من المستعمر.

كما أنّ قيام دولة إسرائيل الغاصبة في فلسطين ـ وهي حقيقة مرّة ـ كانت بسبب مساعي شخص واحد من مثقفي اليهود وهو هرتزل. فقد سعى هذا الرجل بقوة وفي كل الاتجاهات

وعلى الأصعدة كافة ولسنوات عديدة حتى استطاع أن يحقق ما يبغيه وهو تأسيس دولة لليهود.

وأكّد دام ظله: يجدر بالمؤمنين والمؤمنات جميعاً أن يكونوا أصحاب همم عالية لا تعرف معنى للتعب والصعوبات والمشاكل وذلك بأن يبذلوا المزيد من الجهود في طريقهم نحو الرقي والكمال في المجالات كافة، وبالأخص في مجالات طاعة الله تعالى، والعمل الصالح، وفي تحصيل الأخلاق الفاضلة، وفي خدمة الناس ، وإنّ من يلتزم بذلك ينفع نفسه ومجتمعه ويحظى بالسعادة في الدنيا والآخرة.

للصبر عاقبة حلوة ونتائج إيجابية كثيرة

"يعدّ الصبر أحد أركان الإسلام، وكل مسلم مكلّف بالتحلّي بالصبر في أمور حياته كلّها وبالأخص في علاقاته وتعامله مع عائلته، وأرحامه، وأقاربه، وأصدقائه، وزملائه، ومع باقي الناس".

حيث قال سماحته أيضاً: إن دائرة الصبر واسعة وكبيرة، فهي تحيط بكل تصرفات المرء وعباداته أيضاً. فيجدر بالكاسب أن يتحلّى بالصبر في تعامله مع نظرائه ومع الزبائن وأن يحلم عن سوء تعاملهم، وفي إطار العائلة الزوج عليه أن يتحمّل سوء تعامل زوجته، وعلى الزوجة أن تتحمل سوء خلق زوجها، فالصبر له أجر عظيم عند الله تعالى. وتحمّل مشاقّ وصعوبات الطاعات والعبادات كنافلة الليل يعدّ من أفضل مصاديق الصبر.

وأشار سماحته إلى أن الصبر والحلم من أبرز صفات المؤمن كما صرّح القرآن الكريم بذلك وقال: لقد دعا القرآن الحكيم المؤمنين والمؤمنات إلى الالتزام بالصبر إذا أصابتهم مصيبة، وأمر بالصبر عن المعصية وعن وساوس الشيطان الرجيم، وأوعد كل من يصبر على حدّة أخلاق والديه بأن له مقاماً محموداً عند الله سبحانه.

وأوضح سماحته قائلاً: صحيح أن الصبر مرّ وصعب على النفس الإنسانية لكنّ له عاقبة حلوة ونتائج إيجابية كثيرة. فالصبر يسهّل الصعوبات، ويهوّن المشاكل، فيجدر بكل إنسان أن يصمم ويعزم على الالتزام بالصبر إذا نزلت به مصيبة، أو واجهته مشكلة، أو لاقى تعاملاً فظّاً أو خلقاً سيّئاً، وأن يذكر الله تعالى بالصبر عن المعصية والحرام. فمن يصبر في أمور كهذه سيحظى برحمة الله وألطافه جلّ وعلا، فضلاً عما له في الآخرة من الأجر العظيم والمقام الرفيع.

وبعد أن ذكر رواية سبب نزول سورة (هل أتى) ختم دام ظله حديثه بقوله: إن سيدة نساء العالمين مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها هي خير أسوة لنا جميعاً في الصبر، فيجدر بكل شخص، سواء كان رجلاً أو امرأة، أن يتأسّى بسيدتنا الزهراء سلام الله عليها في التحلّي بالصبر، وأن يطلب من الله تعالى أن يعينه على ذلك.

بعد ذلك ألقى فضيلة السيد جعفر الشيرازي دام عزّه كلمة في الجمع أيضاً تطرق فيها إلى بيان مفهوم الصبر وحدوده، وذكر مصاديق بارزة من حياة الصابرين في التاريخ الإسلامي.

الخلق الحسن له دور مؤثر وبالغ في هداية الناس

وقال المرجع الشيرازي حول اهمية الخلق الحسن في بناء شخصية الانسان ورقيه:

أن صاحب الخلق الحسن هو من أهل الجنة وإن لم يعمل بالمستحبات والمندوبات، أما ذو الخلق السيئ فإن العبادات لا تقلّل من مساوئه وإن صام نهاره وقام ليله. وإن حسن الخلق توفيق إلهي، ولكي يحظى المرء بهذا التوفيق عليه أن يصمم ويعزم بأن يكون من ذوي الأخلاق الحسنة. فذو الخلق السيئ في الواقع لم يرد بنفسه أن يكون حسن الخلق لا أنه لم يقدر على ذلك.

وأشار سماحته إلى أن حسن الخلق له دور تربوي بالغ ومؤثر وقال: إن من يتعامل بالحسنى مع من يسيئ التصرف معه، ويتحمّل سوء تعامل الآخرين، يكون سبباً في تأثّر المسيئ بهذا النوع من الخلق الرفيع فيدفعه نحو تغيير نفسه وإن طالت المدة، فضلاً عما لصاحب الخلق الحسن من الثواب والأجر.

وبعد أن تلا قوله سبحانه:"وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" قال سماحته: لقد صبر مولانا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله على سوء تصرف وتعامل الجهلة فكان يغض الطرف ويحلم عنهم، وهكذا كان أئمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

على سبيل المثال: إن رجلاً شامياً دخل المدينة وكان متأثراً بالتضليل الإعلامي الذي مارسه معاوية وبافتراءاته الكاذبة على مقام آل الرسول صلى الله عليه وآله، فرأى الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلما فرغ أقبل الحسن سلام الله عليه، فسلّم عليه وضحك، فقال:

أيها الشيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال:

أشهد أنك خليفة الله في أرضه. اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم.

وأكّد دام ظله: لو أن الإمام الحسن سلام الله عليه كان قد ردّ بحدّة وغلظة على ذلك الرجل الشامي لبقي الأخير على ضلالته وانحرافه، ولكن حسن تعامل الإمام ورفعة أخلاقه سببت في اهتداء الشامي إلى نور أهل البيت سلام الله عليهم. وهكذا يجب على المؤمنين والمؤمنات كافة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وآله وبالأئمة الأطهار سلام الله عليهم، لكي يحظوا بالتوفيق الإلهي في الدارين، ويكونوا سبباً لهداية غيرهم إلى نور آل البيت الطيبين الطاهرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 18 آيار/2007 -29/ربيع الثاني/1428