الصراع على السلطة يحول غزّة الى صومال جديدة

 شبكة النبأ: رغم ان قطاع غزة يعتبر نواة لاقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة الا ان هذه النواة اخذت بالتجزؤ والانشطار والتفتت بدل ان تكون مركزا يجتذب ما حوله للانظمام والتوسع  وصولا لتحقيق الحلم الفلسطيني، وهذا بطبيعة الحال احد افرازات جهل السلطة الذي غالبا ما يصيب المجتمعات حديثة العهد بالديمقراطية والانتخابات وحرية الراي.

ويتخذ ذلك منحاً اكثر خطورة عندما يتعلق الامر باستمرار عمليات القتل والخطف بين جهتي الصراع وتقسيم مدينة غزة الصغيرة الى كانتونات مجزاة على جهتين واحدة للفتحيون واخرى للحماسيون.

ولا يقف الامر عند هذا الحد من الخطورة بل يتعداه الى ظاهرة جديدة تقوم بزرعها فصائل فلسطينية مقربة من التشدد والتطرف وهي محاولة فرض بيئة اجتماعية وسلوكيات شبيهة بتلك التي كانت تفرضها طالبان في افغانستان. وكل هذا في غزة التي لاتتعدى مساحتها مساحة حي من احياء عاصمة عربية.

ومرة اخرى جددت حركتا المقاومة الاسلامية (حماس) وفتح تعهدهما بالعمل على سحب المسلحين من شوارع قطاع غزة وذلك عقب استقالة وزير الداخلية هاني القواسمي وأعنف موجة اقتتال بينهما منذ شهور. حسب تقرير لرويترز.

وجاءت المحادثات بين حركتي حماس وفتح بعد ان استقال القواسمي الذي كان من المفترض أن يتولى السيطرة على الاجهزة الامنية في محاولة لانهاء الفوضى المتزايدة التي أحيت المخاوف من اندلاع حرب أهلية.

وبعد ساعات من اجتماع الحركتين قتل نشط من حماس فيما قال مسعفون انه تراشق بالنيران مع احتدام الاشتباكات بين مسلحين من الحركتين في القطاع وذلك حسبما قال شهود عيان. وقتل اربعة فلسطينيين منهم مدنيان في حوادث عنف في وقت سابق.

وقال مسؤولون ان القواسمي الذي كان من المفترض أن يتولى السيطرة على الاجهزة الامنية استقال بعدما شعر بخيبة الامل لانه لقي منافسة من جانب مسؤولي الامن المنتمين لفتح على السيطرة على الاجهزة الامنية.

وقال شهود عيان فلسطينيون ان مسلحين مجهولين خطفوا محاضرا من الجامعة الاسلامية التي تعرف على نطاق واسع بتأييدها لحركة حماس. ولم يصدر تعليق فوري من الفصائل الفلسطينية.

وقال مسؤولون عقب محادثات مع رئيس الوزراء اسماعيل هنية الذي تولى الاشراف على وزارة الداخلية بعد استقالة القواسمي ان زعماء من الحركتين اتفقوا على سحب كل المسلحين من شوارع غزة عدا أفراد الشرطة الفلسطينية.

وقال غازي حمد المتحدث باسم مجلس الوزراء الفلسطيني ان زعماء الحركتين تعهدوا بأن ينهي الطرفان جميع أشكال التوترات والاستعراضات المسلحة وبسحب المسلحين وبازالة نقاط التفتيش من الشوارع والافراج المتبادل عن الرهائن.

وأفسد العنف عدة اتفاقات سابقة كانت تهدف لوضع حد لحالة انعدام الامن. ولم تتمكن عمليات انتشار سابقة للشرطة من تأمين كل أجزاء قطاع غزة الذي انسحبت منه اسرائيل عام 2005.

وتلقي استقالة القواسمي بشكوك جديدة على امكانية استمرار اقتسام السلطة بين حماس وفتح. وكان شغل منصب وزير الداخلية من بين العقبات الاساسية التي اعترضت سبيل تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية.

وعبر عبد الحكيم عوض المسؤول في فتح عن المخاوف من أن بعض الناس يرغبون في "اطلاق رصاصة الرحمة" على اتفاق مكة في اشارة الى الاتفاق الذي وقعته الحركتان في فبراير شباط بوساطة سعودية لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وانهاء الفوضى.

وأضاف أن الجانبين سيسعيان لمنع حدوث ذلك لانه لو حدث فسيجلب كارثة على الوضع الداخلي وستغرق المنطقة في حمام دم.

وكانت مصادر من حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس قالت في وقت سابق أن التوتر الناجم عن تجدد العنف مع حماس بعد اعلان هدنة جديدة في وقت متأخر مساء الاحد قد يؤدي الى انهيار حكومة الوحدة الوطنية خلال أيام.

وقال رجل يركب دراجة وهو يمر قرب مسلحين ملثمين أغلقوا شارعا رئيسيا في غزة "كلام الليل مدهون بالزبد يطلع عليه النهار فيذوب" مشيرا الى مفاوضات وقف اطلاق النار.

وكان يتعين على الطرفين بموجب اتفاق وقف اطلاق النار سحب مسلحيهما من الشوارع قبل يوم من احياء الفلسطينيين ذكرى "النكبة".

وجددت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني في افادة أمام لجنة برلمانية تأكيد موقف اسرائيل أن الوقت غير مناسب لاجراء مفاوضات بشأن قيام دولة فلسطينية مادامت حماس التي وصفتها بأنها "جماعة ارهابية" في السلطة.

غزة وطالبان جديدة؟

ومنذ أوائل العام 2006، بدأت الأراضي الفلسطينية عموماً، وقطاع غزة على وجه التحديد، تشهد موجة جديدة من الممارسات والسلوكيات والتحولات التي تتسم بمزيد من الراديكالية والتشدد. حسب تقرير للـCNN.

البعض بات يصف هذه الموجه الجديدة بأنها نموذج "طالباني"، نسبة إلى حركة طالبان في أفغانستان، أو تغلل فكر "تنظيم القاعدة" بين عدد من الجماعات والأفراد.

ولعل آخر هذه الأعمال، تلك المتعلقة بخطف الصحفي البريطاني، الذي يعمل مراسلا لشبكة BBC، آلان جونستون، على يد تنظيم فلسطيني مجهول، ربط إطلاق سراحه بأجندة إقليمية تتعلق بالتشدد والراديكالية وتتجاوز الساحة الفلسطينية.

عبد ربه يحمّل حماس المسؤولية

أمين سر اللجنة التنفيذية، رئيس دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، حمّل حركة حماس جزءاً من المسؤولية، حيث قال في تصريح لـCNN بالعربية: "إن تنامي هذه الظواهر في المجتمع الفلسطيني يتم "تحت مظلة السياسة المحافظة والمنغلقة التي تمارسها حركة حماس على المستوى الثقافي والأيديولوجي والاجتماعي."

وأضاف عبد ربه موضحاً: "هم يحاولون استخدام هذه الأعمال لتهديد العالم وابتزازه"، مشيراً إلى أنّ تفجير وإحراق المدرسة الأمريكية في غزة، وتعطيل المهرجانات الثقافية والفنية، تصب في هذا الاتجاه.

واعتبر أن رسالة حماس للعالم من خلال هذه الأعمال هي دفعه باتجاه الاعتراف بها والتهديد بما هو أكثر تطرفاً، موضحاً أن الحركة الإسلامية تقول للعالم "إذا لم تعترفوا بنا، فإنه يمكن أن يأتي الأسوأ منّا."

وأشار عبد ربه إلى أنه لم يصدر عن حركة حماس "أي كلمة أو إدانة أو تبرير" بشأن هذه الظواهر، مثل حرق محلات الفيديو ومقاهي الإنترنت، والدفع باتجاه "الطالبانية"، مشيراً إلى أن هذه الأعمال هدفها تحميل العالم مسؤولية وضع حد لها.

تصريح عبد ربه هذا جاء أيضاً بعد انتقادات سبق أن وجهها للحركة على خلفية محاولة إعدام كتاب "قول يا طير" على يد وزارة التربية والتعليم، وهو عبارة عن دراسة وسرد لعدد من الحكايات الشعبية الفلسطينية، بحجة "خدش الحياء"، ومصادرته من المدارس الفلسطينية، رغم أنه ليس في عداد المناهج الدراسية.

حماس تنفي الإتهامات

من جهته، نفى المتحدث باسم حركة حماس، مشير المصري، في تصريح لـCNN بالعربية، الاتهامات الموجهة للحركة ودورها عما يحدث في غزة.

وقال المصري: "هذه الاتهامات باطلة.. فالجماعات التي تمارس تلك السلوكيات حديثة وغير معروفة، وهي غريبة عن المجتمع الفلسطيني."

وأشار المصري إلى أن المطلوب هو وضع حد لهذه الظاهرة ومعالجة الوضع من خلال معالجة أسبابه، والتي يعزوها بمجملها إلى الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، وما ترتب على ذلك من إرباكات.

خلفيات تأزم الأوضاع..

بعد فوز حركة حماس الكاسح في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في أوائل العام 2006، وتشكيلها الحكومة، وما رافق ذلك من تأزم وضع الفلسطينيين، وبخاصة مع رفض دول العالم التعامل مع الحكومة ما لم تنبذ العنف وتعترف بإسرائيل، ازدادت الأوضاع توتراً في غزة بين كل من أنصار حماس وفتح، وتفاقمت الأوضاع الأمنية سوءاً، وأزداد الفلتان الأمني. 

فقد استهدفت جماعات مجهولة مقاهي الإنترنت، ومحلات بيع الهواتف الجوالة، ومستحضرات التجميل النسائية، وصالونات تصفيف الشعر الخاصة بالنساء، إلى جانب استهداف عدد من الاستراحات على شاطئ البحر.

وعن هذه الأعمال، حاول المتحدث باسم حركة حماس، المصري، التأكيد على أن "قلة قليلة" فقط تتصرف هكذا.

ولكنه، بنفس الوقت، قال إنها "في تنامي، وأن استمرار الحصار الخانق سيولد ثقافات غريبة وخارجة عن قيم الشعب الفلسطيني، وسيخلق مزيداً من هذه الإرباكات أمام حالة الفراغ التي يعيشها الشباب."

ومن بين هذه الجماعات، أشار المتحدث باسم حماس إلى جماعة "سيوف الحق في أرض الرباط" التي تبنت عدة عمليات تفجير لمقاهي إنترنت، ومحلات لبيع أقراص الفيديو المدمجة، وعمليات "قتل شرف"، والتي وصفها بأنها "تشكل سابقة تاريخية خطيرة."

وهو الرأي الذي اتفق مع القاص الفلسطيني محمود شقير، حيث قال، إن هذا التوجه في المجتمع الفلسطيني، وبالتحديد في غزة، يقتصر على "شريحة محدودة"، مشيراً إلى أن "الغالبية العظمى من الناس ترغب في العيش بسلام والتخلص من الاحتلال."

لكن شقير أوضح أن من بين الأسباب وراء هذا التوجه المتشدد في المجتمع الفلسطيني في غزة، قوة انتشار الحركة الإسلامية، وجذورها العميقة في القطاع، والتي تعود إلى بدايات حركة الأخوان المسلمين في مصر، وبدء تفرعها في الدول العربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17 آيار/2007 -28/ربيع الثاني/1428