
شبكة النبأ: ان التحول السياسي الامريكي الجديد في
استراتيجية التعامل مع ملفات الشرق الاوسط الشائكة وضع السعودية
واسرائيل في موقف جديد امام ايران، فبينما ترى اسرائيل في ايران تهديدا
لوجودها، تعتقد السعودية ان حل المشكلة الفلسطينية - الاسرائيلية سيجعل
تأثير ايران اقل بالمنطقة، وهذا ما دفع المملكة على ما يبدو للانخراط
اكثر في عملية السلام العربية - الاسرائيلية. اضافة الى رغبة السعودية
في وقف المد الشيعي بالمنطقة العربية.
ويقول الكاتب والمحلل سيمور هيرش في مقال نقلته صحيفة (الوطن)، بأنه
مع تدهور الوضع الامني في العراق على نحو مخيف خلال الاشهر القليلة
الماضية، قررت ادارة الرئيس بوش تغيير استراتيجيتها في الشرق الاوسط
بشكل جوهري في مجالين: الدبلوماسية العامة والعمليات السرية.
ومن الواضح ان هذه الاستراتيجية الجديدة، التي يطلق عليها بعض
المطلعين على بواطن الامور في البيت الابيض تعبير «اعادة تحديد
الاتجاه»، جعلت الولايات المتحدة اقرب الى الدخول بمواجهة مفتوحة مع
ايران، ودفعت واشنطن الى التورط اكثر بالصراع الطائفي المتوسع في بعض
اجزاء المنطقة.
اذ يبدو فعلا ان ادارة بوش قررت اعادة ترتيب اولوياتها عمليا في
الشرق الاوسط بهدف تقويض ايران. ففي لبنان تعاونت الادارة مع حكومة
المملكة العربية السعودية للقيام بعمليات سرية هدفها اضعاف حزب الله
الذي تؤيده ايران.
وشاركت الولايات المتحدة ايضا في عمليات سرية اخرى استهدفت ايران
وحليفتها سورية.
بيد ان هذه النشاطات اسفرت - وهنا المفارقة - عن تعزيز مجموعات سنية
متطرفة تتبنى رؤية عسكرية للاسلام، تعادي امريكا وتتعاطف مع القاعدة.
فمعظم العنف الذي يواجهه الجنود الامريكيون في العراق يأتي من قوات
سنية وليس شيعية اذا ما استثنينا مجموعة مقتدى الصدر، التي يشتبك
رجالها بين وقت وآخر مع القوات الامريكية.
لكن تبقى ايران من منظور ادارة بوش هي المستفيد الاول من الحرب
الامريكية على العراق، حيث مكنتها هذه الحرب، على نحو غير مقصود، من
البروز كدولة قوية.
فقد اعلن رئيسها محمود احمدي نجاد في مناسبات عدة تحديه لإسرائيل
وتنبأ بتدميرها، واكد حق بلده بامتلاك برنامج نووي، كما ذكر القائد
الديني الاعلى علي خامنئي في خطاب تلفزيوني ان الوقائع في المنطقة تبين
ان جبهة المتكبرين المتعجرفين، التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها،
سوف تكون الخاسر الاكبر في المنطقة.
ويذكر ان الولايات المتحدة كانت قد قطعت علاقتها بايران عقب الثورة
التي اوصلت حكومة دينية الى السلطة في طهران عام 1979، وعملت على اقامة
علاقات اوثق مع زعماء الدول العربية المعتدلة كمصر، الاردن، والمملكة
العربية السعودية.
غير ان الحسابات اصبحت اكثر تعقيدا في اعقاب هجمات 9/11، لا سيما
بعد ما تبين ان الكثيرين من اعضاء «القاعدة» العاملين جاؤوا من دوائر
دينية متطرفة داخل المملكة العربية السعودية.
لذا، افترض مسؤولو الادارة الامريكية، المتأثرون بأيديولوجيات
المحافظين الجدد قبل غزو العراق عام 2003، ان قيام حكومة شيعية في
بغداد من شأنه ان يؤمن توازنا لصالح امريكا امام المتطرفين السُنة، لا
سيما ان شيعة العراق كانوا مضطهدين في عهد نظام صدام حسين.
ويضيف سيمور هيرش: في ذلك الوقت، تجاهل مسؤولو ادارة بوش تحذيرات
الاستخبارات الامريكية بخصوص العلاقات التي تربط الزعماء الشيعة
العراقيين بإيران التي كانوا قد عاشوا فيها سنوات طويلة هربا من بطش
صدام.
ومن المؤكد ان البيت الابيض غير سعيد الآن بالعلاقة الوثيقة التي
تقيمها ايران اليوم مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي.
لذا، كان لا بد من مناقشة السياسة الامريكية الجديدة بخطوطها
العريضة علنا.
فقد ذكرت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، خلال ادلائها
بشهادتها امام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس في يناير الماضي، ان
هناك تحالفا استراتيجيا جديدا في الشرق الاوسط الآن. وبعد ان فصلت من
اسمتهم «الاصلاحيين» عن «المتطرفين»، اشارت الى الدول العربية السنية
كمراكز للاعتدال وقالت ان ايران، سورية وحزب الله يقفون في الجانب
الآخر، وذلك لأنهم اخذوا بخيار زعزعة الاوضاع في المنطقة.
بيد ان بعض التكتيكات الاساسية في عملية اعادة تحديد الاتجاه هذه
ليست علنية بالطبع. فقد تركت الولايات المتحدة شأن العمليات السرية في
بعض الاحوال من ناحيتي التنفيذ والتمويل لعدد من حلفائها العرب، وحاولت
ايجاد السبل التي تمكنها من الالتفاف حول عملية المخصصات المالية في
الكونغرس، طبقا لما يقوله مسؤولون مقربون من الادارة.
اما اللاعبون الرئيسيون الذين وقفوا وراء عملية اعادة تحديد الاتجاه
هذه فهم: ديك تشيني نائب الرئيس، اليوت ابرامز نائب مستشار بوش لشؤون
الامن القومي، زلماي خليل زاد سفير الولايات المتحدة السابق في العراق،
والأمير بندر بن سلطان مستشار الامن القومي في المملكة العربية
السعودية.
وبينما انغمست رايس بعملية تشكيل السياسة العلنية، يقول مسؤولو
الادارة ان الجانب السري في الاستراتيجية الجديدة اشرف عليه تشيني.
امتنع مكتب تشيني والبيت الابيض عن التعليق بأي شيء حول هذه
المسألة، ولم ترد وزارة الدفاع على الاسئلة الموجهة اليها باستثناء
القول «ان الولايات المتحدة لا تعتزم الدخول بحرب ضد ايران».
ويقول هيرش: لكن من الواضح ان هذا التحول السياسي وضع السعودية
واسرائيل في موقف جديد امام ايران. فبينما ترى اسرائيل في ايران تهديدا
لوجودها، تعتقد المملكة العربية السعودية ان حل المشكلة الفلسطينية -
الاسرائيلية سيجعل تأثير ايران اقل بالمنطقة. وهذا ما دفع المملكة على
ما يبدو للانخراط اكثر في عملية السلام العربية - الاسرائيلية.
يقول مستشار رفيع للحكومة الامريكية يرتبط بعلاقات وثيقة مع
اسرائيل: تشكل الاستراتيجية الجديدة تحولا رئيسيا في السياسة الامريكية
بل هي «بحر من التغيير». صحيح اننا قد لا نستطيع استعادة المكاسب التي
حصل عليها الشيعة في العراق، الا اننا نستطيع كبحهم.
ويقول والي ناصر، وهو عضو رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية
كان كتب كثيرا حول الشيعة والعراق وايران: يبدو ان حوارا طويلا جرى
داخل الادارة الامريكية حول من يشكل الخطر الاكبر، هل هي ايران ام
المتطرفين السُنة؟ ومن الواضح ان ذلك الحوار انتهى اخيرا الى نتيجة
محددة تشير الى ان ايران هي التي تشكل ذلك الخطر وان المتطرفين السُنة
اقل اذى، وهذا انتصار بالطبع للدول العربية المعتدلة.
غير ان مارتن انديك، الذي كان مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية
الأمريكية ايام ادارة الرئيس بيل كلينتون، والذي عمل ايضا سفيرا
لأمريكا في اسرائيل، يقول ان الشرق الأوسط يتجه الآن نحو حرب باردة
خطيرة بين السنة والشيعة.
ويضيف انديك، الذي يدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد
بروكينغز قائلا: لا "أدري ما اذا كان البيت الأبيض يدرك تماما المضامين
الاستراتيجية لسياسته الجديدة هذه، فهو لا يضاعف بذلك الرهان في العراق
فقط بل ويضاعفه ايضا في المنطقة، و يمكن ان يؤدي الى تعقيدات خطيرة
تقلب كل شيء رأسا على عقب.
وفي نفس هذا الاطار يقول باتريك كلوسن، خبير الشؤون الايرانية،
ونائب مدير قسم الابحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: يمكن ان
تعقد السياسة الجديدة، التي تنتهجها الادارة لاحتواء ايران، استراتيجية
الفوز بالحرب في العراق، فكلما اقتربت الولايات المتحدة أكثر من السنة
المعتدلين أو حتى المتطرفين فستشعر حكومة المالكي في بغداد بالخوف
والقلق من ان يتمكن السنّة تدريجيا من الانتصار في الحرب الأهلية.
وربما يشكل هذا للمالكي حافزا للتعاون مع واشنطن في قمع ميليشيات
الشيعة الراديكالية كجيش مقتدى الصدر.
ومن المفيد الاشارة هنا الى المذكرة التي كتبها العام الماضي ستيفن
هادلي مستشار الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي، واقترح فيها على الادارة
محاولة ابعاد المالكي عن حلفائه الشيعة الأكثر راديكالية، وذلك من خلال
العمل لايجاد تأييد شعبي له لدى السنة والأكراد المعتدلين.
غير ان هذا الاقتراح لم يتحقق على أرض الواقع، اذ ان استمرار تعثر
الجيش العراقي في مواجهاته مع المتمردين السنة جعل قوة الميليشيات
الشيعية تزداد بثبات.
ويلاحظ فلينت ليفريت، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي سابقا ان
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ازاء العراق لم تأت بمحض الصدفة اذ
تحاول الادارة من خلالها ان تبين ان ايران أكثر خطرا من المتمردين
السنة على المصالح الأمريكية في العراق، وهذا كله جزء من حملة
استفزازية لزيادة الضغط على ايران بهدف ان يلجأ الايرانيون في احدى
مراحلها للرد مما يفتح الباب امام الادارة لضربها.
والحقيقة ان الرئيس بوش كان قد افصح جزئيا عن مثل هذه النهج في خطاب
القاه في العاشر من يناير الماضي وقال فيه: ان هذين النظامين - ايران
وسورية - يسمحان للارهابيين والمتمردين باستخدام أراضيهما في الدخول
الى العراق والخروج منه. كما تقوم ايران بتقديم دعم مادي لشن هجمات على
جنودنا في العراق. لذا، سنعمل على قطع هذا الامداد القادم من سورية
وايران، وسوف ندمر الشبكات التي توفر الأسلحة المتقدمة والتدريب
لأعدائنا في العراق.
ويقول سيمور هيرش، بعد أسابيع قليلة من ذلك تحدثت الادارة اكثر من
مرة حول تورط ايراني في الحرب بالعراق. ففي الحادي عشر من فبراير اطلع
الجانب الأمريكي الصحافيين والمراسلين على عبوات ناسفة متقدمة تم
العثور عليها في العراق، وذكرت الاداة انها جاءت من ايران.
وكان المغزى من ذلك توجيه رسالة قوية مفادها ان الوضع المزري في
العراق هو نتيجة ليس لفشل الادارة في تخطيط وتنفيذ الحرب بل لتدخل
ايران فيها.
وفي هذا السياق يقول مسؤول رفيع سابق في الاستخبارات ان العسكريين
الأمريكيين تلقوا أمرا باعتقال واستجواب المئات من الايرانيين في
العراق، وان عدد المعتقلين وصل في احدى المراحل الى 500 رجل، وان
الغاية من ذلك هي اثارة قضية محددة مفادها ان الايرانيين هم الذين
يوجهون الأعمال العدائية للأمريكيين في العراق.
وأكد مستشار في وزارة الدفاع الأمريكية ان قوات الولايات المتحدة
اعتقلت مئات الايرانيين خلال الأشهر القليلة الماضية ثم افرجت عنهم بعد
استجوابهم.
وبالرغم من اعلان وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في الثاني من
فبراير ان الولايات المتحدة لا تعتزم خوض حرب ضد ايران الا ان أجواء
المواجهة ازدادت سوءا فيما بعد. اذ يقول مسؤولون من الاستخبارات
الأمريكية ان العمليات السرية في لبنان ترافقت ايضا بعمليات مماثلة
استهدفت ايران.
فقد زادت فرق العمليات الخاصة نشاطاتها في ايران لجمع المعلومات كما
عبر بعضها حدود العراق الى ايران لملاحقة ايرانيين يعملون بالعراق.
ويذكر ان السيناتور الديمقراطي جوزف بايدن كان قد سأل رايس اثناء
ادلائها بشهادتها امام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، ما اذا
كانت الولايات المتحدة قد سمحت بعبور الحدود الايرانية والسورية في
ملاحقاتها للعناصر المسلحة، وردت رايس بالقول: لا يريد الرئيس استبعاد
القيام بأي شيء لحماية جنودنا لأن الخطة تقتضي تدمير تلك الشبكات،
واعتقد ان الكونغرس والشعب الأمريكي يتوقعان ان يفعل الرئيس كل ما هو
ضروري لحماية قواتنا.
هذا الرد غير الواضح تماما دفع السيناتور الجمهوري تشوك هاغل، الذي
ينتقد ادارة بوش عادة، الى القول امام رايس: يتذكر بعضنا سيدتي ما حدث
في كمبوديا عام 1970 عندما كذبت حكومتنا على الشعب الأمريكي بقولها ان
قواتنا هناك لم تعبر الحدود الكمبودية في حين انها فعلت ذلك في
الحقيقة. لذا، ارجو ان تدركي عندما تتحدثين عن انتهاج الرئيس اليوم نفس
تلك السياسة ان هذا الأمر خطير جدا جدا.
ويضيف هيرش، الواقع ان اهتمام ادارة بوش بدور ايران في العراق مرتبط
بقلقها المستمر منذ وقت طويل من برنامج طهران النووي.
ففي الرابع عشر من يناير الماضي حذر تشيني خلال لقاء مع شبكة «فوكس
نيوز» من امكان تحكم ايران، التي يمكن ان تصبح قوة نووية خلال بضع
سنوات، بامدادات النفط العالمية وما ينجم عن ذلك من تأثير سيئ على
اقتصاد العالم، كما ستتمكن ايران عندئذ من تهديد الدول المجاورة او اية
دولة اخرى، ومن شأن هذا بالطبع ان يثير شعوراً بالقلق في كل انحاء
المنطقة لذا من الواضح ان التهديد الذي تمثله ايران يزداد يوماً بعد
يوم امام هذا، ليس غريباً ان تعكف ادارة بوش في الوقت الراهن على دراسة
فيض من المعلومات الجديدة حول برامج أسلحة ايران.
وفي هذا الصدد تشير المعلومات السرية التي وردت عن عملاء اسرائيليين
يعملون في ايران الى ان طهران طورت صاروخاً عابراً للقارات يعمل
بالوقود الصلب على ثلاث مراحل ويستطيع حمل عدة رؤوس حربية صغيرة لكل
منها دقة محدودة ويبلغ في مداه حتى قلب أوروبا، بيد ان المناقشات
لاتزال دائرة لمعرفة صحة هذه المعلومات.
اذا كانت مزاعم سابقة تتعلق بتهديد وشيك تثيره اسحلة الدمار الشامل
قد مهدت الطريق امام غزو امريكا للعراق.
لذا، قابل الكثيرون من اعضاء الكونغرس معلومات عملاء اسرائيل حول
ايران بحذر شديد.
فقد قالت السيناتور هيلاري كلينتون خلال كلمة القتها في الكونغرس في
الرابع عشر من فبراير الماضي: لقد تعلمنا جميعا دروساً مفيدة من الصراع
في العراق، وعلينا الآن الاستفادة منها في مواجهة اية مزاعم قد يثيرها
البعض حول ايران، لذا، اعتقد سيدي الرئيس ان علينا الا نتخذ اية قرارات
استناداً لمعلومات سرية يمكن ان تكون غير صحيحة.
لكن بالرغم من هذا، لا تزال وزارة الدفاع الأمريكية تخطط للقيام
بعملية قصف جوي محتملة تنفيذاً لتوجيه رئاسي أصدره الرئيس بوش العام
الماضي.
فقد ذكر مسؤول كبير سابق في الاستخبارات الأمريكية انه جرى تكليف
مجموعة تخطيط خاصة في مبنى رئاسة هيئة الأركان المشتركة بوضع خطة قصف
طارئة ضد ايران يمكن تنفيذها خلال 24 ساعة من صدور أوامر الرئيس.
ثم ذكر مستشار امريكي بشؤون الارهاب يعمل في سلاح الجو ان مجموعة من
التخطيط تلقت امراً اضافياً يقضي بتحديد اهداف داخل ايران متورطة بدعم
ومساعدة بعض الميلشيات في العراق.
جدير بالذكر ان الادارة الامريكية كانت تركز سابقاً على تدمير منشآت
ايران النووية واحتمال تغيير النظام.
وهناك الآن قوة بحرية امريكية ضاربة تتألف من مجموعتي حاملات طائرات
في بحر العرب. الا ان العاب الحروب السابقة اظهرت ان مثل هذه الحاملات
يمكن ان تتعرض لتكتيكات هجومية من جانب اعداد كبيرة من القوارب
الصغيرة، وهو اسلوب مارسه الايرانيون كثيراً في الماضي، فمن المعروف ان
لحاملات الطائرات الضخمة قدرة محدودة على المناورة في مياه مضيق هرمز
الواقع قبالة ساحل ايران الجنوبي.
ويلاحظ مسؤول سابق في الاستخبارات الامريكية ان الخطط الطارئة
الراهنة تسمح بشن هجوم على ايران هذا الربيع لكنه اضاف ان كبار ضابط
هيئة الاركان في الجيش الامريكي يأملون الا ينفذ البيت الابيض مثل هذا
الهجوم الاحمق في ظل ما يجري في العراق اليوم وما يمكن ان يسفر عنه من
مشكلات للحزب الجمهوري في انتخابات عام 2008 الرئاسية.
ويقول هيرش، من الواضح ان جهود الادارة الامريكية لاضعاف النفوذ
الايراني في الشرق الاوسط اعتمدت بشكل كبير على المملكة العربية
السعودية والامير بندر مستشار الامن القومي في المملكة.
كان الامير قد عمل سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة لمدة 22 سنة
حتى عام 2005، وحافظ خلالها على علاقة صداقة طيبة مع الرئيس بوش ونائبه
ديك تشيني. ولا يزال يلتقي بهما بعد توليه منصبه الجديد، كما قام
مسؤولو البيت الابيض بزيارات عدة للسعودية في الفترة الاخيرة. ففي
نوفمبر الماضي طار تشيني الى المملكة فجأة للالتقاء بالملك عبدالله
وبندر.
وذكرت صحيفة «التايمز» آنذاك ان الملك حذر تشيني ان السعودية سوف
تدعم «السُنة» في العراق اذا ما انسحبت الولايات المتحدة منه.
وقال مسؤول امني أوروبي ان اللقاء ركز ايضاً على مسائل عامة أخرى
مثل تزايد النفوذ الشيعي وضرورة التصدي له.
فمن الواضح ان السعوديين يشعرون بالقلق من اختلال توازن القوة ليس
فقط في المنطقة بل وداخل بلادهم ايضاً. ففي السعودية اغلبية شيعية لا
بأس بها يقيم أبناؤها في المنطقة الشرقية التي تحتضن حقولاً نفطية
رئيسية.
وفي هذا الاطار يقول والي نصر عضو مجلس العلاقات الخارجية: يعتقد
السعوديون ان الناشطين الايرانيين العاملين مع بعض الشيعة المحليين،
كانوا هم من وقف وراء العديد من الهجمات الارهابية التي وقعت في
المملكة ويضيف نصر: والجيش الوحيد الذي كان قادراً على احتواء إيران،
وهو الجيش العراقي، دمّرته الولايات المتحدة، وهكذا بات عليك الآن
التعامل مع ايران التي يمكن ان تمتلك قدرة نووية، وهذا بخلاف جيشها
العامل الذي يربو عدد افراده على 450 ألف جندي مقابل جيش سعودي قوامه
75 الف جندي. وهنا كان لابد من تعاون ادارة الرئيس بوش مع الدول السنية
لكبح النفوذ الايراني المتصاعد في المنطقة.
وركزت العلاقة السعوديةـ الامريكية على لبنان، حيث بذل السعوديون
جهوداً كبيرة لدعم حكومة فؤاد السنيورة التي تكافح للبقاء في السلطة
امام معارضة شديدة ومستمرة من حزب الله وزعيمه الموالي لايران الشيخ
حسن نصرالله.
ولهذا الحزب بنية تحتية واسعة، ولديه ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل
جاهزين للعمل فضلاً عن آلاف من مؤيدين اضافيين.
ويذكر ان حزب الله، الذي ادرجت وزارة الخارجية الامريكية اسمه في
قائمة الارهابيين منذ عام 1997، كان من المتورطين في تفجير مقر مشاة
البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983 مما أدى لمقتل 241 جندياً
أمريكياً، كما توجهت اصابع الاتهام اليه ايضاً في اختطاف رعايا
امريكيين منهم رئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية في
لبنان الذي مات في الاسر.( انكر نصر الله ان تكون مجموعته قد تورطت في
تلك الاعمال).
ومع ذلك يرى الكثيرون فيه ارهابياً متشدداً حيث قال مرة «ليس
لإسرائيل كدولة حق في البقاء».
الا ان الكثيرين في العالم العربي، ولاسيما الشيعة، يرون فيه زعيماً
مقاوماً تمكن من الصمود عسكرياً امام اسرائيل لمدة 33 يوماً في حرب
الصيف الماضي، بينما لم يتمكن السنيورة، الذي يعتمد على الدعم
الامريكي، من اقناع الرئيس بوش بضرورة وقف القصف الاسرائيلي على لبنان.
غير ان ادارة الرئيس بوش تعهدت علناً لحكومة السنيورة تقديم مساعدة
بقيمة بليون دولار منذ الصيف الماضي، كما تعهد مؤتمر الدول المانحة
الذي عُقد في باريس في يناير الماضي، وساعدت الولايات المتحدة في
تنظيمه، تقديم ثمانية بلايين دولار اخرى منها وعد من السعودية بتقديم
اكثر من بليون دولار.
ويبدو ان الولايات المتحدة وفرت دعماً سرياً ايضاً لحكومة السنيورة.
اذا يقول مسؤول استخباراتي امريكي سابق رفيع المستوى: نعمل الآن
ببرنامج لتعزيز قدرة السُنة على مقاومة النفوذ الايراني، ونقدم في هذا
الاطار الكثير من المال.
ويقول مسؤولون امريكيون واوروبيون وعرب ان حكومة السنيورة وحلفاءها
سمحت بوصول بعض هذه المساعدات لمجموعات راديكالية سنية في جنوب لبنان
ووادي البقاع، وفي المناطق المجاورة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في
جنوب لبنان، اذ بالرغم من ان هذه المجموعات صغيرة الحجم الا انها تشكل
حزاماً عازلاً امام حزب الله، لاسيما انها ترتبط من خلال علاقاتها
الايديولوجية بالقاعدة.
ويلاحظ الستير كروك، الذي امضى حوالي 30 سنة من حياته العملية في
جهاز الاستخبارات البريطاني «إم - آي - 6»، ويعمل الآن في «منتدى
الصراعات» في بيروت، ان الحكومة اللبنانية فتحت المجال امام مجيء
مجموعات يمكن ان تكون خطيرة جدا منها مجموعة سنية متطرفة تدعي «فتح
الإسلام» كانت قد انشقت عن مجموعتها الأم المؤيدة لسورية «فتح
الانتفاضة»، حيث بدأت هذه المجموعة العمل في مخيم اللاجئين بنهر البارد
في جنوب لبنان بعد ان تلقت كميات من السلاح والمال من اشخاص قالوا انهم
يعملون لصالح الحكومة اللبنانية.
بيد ان اكبر هذه المجموعات هي «اسباط الانصار» المتمركزة في مخيم
اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة.
واعترف مسؤول كبير في حكومة السنيورة خلال لقاء صحافي معه في بيروت
ان هناك «جهاديون سنة» يعملون في لبنان وقال: لدينا موقف ليبرالي يسمح
لمثل هذه المجموعات بالوجود هنا، وارجع هذا المسؤول السبب في ذلك
لمشاعر القلق التي تراود بعض اللبنانيين من احتمال ان تجعل سورية او
إيران لبنان مسرحا للصراع. وأضاف: يمكن أن ينزلق لبنان في حال عدم
التوصل لتسوية مع حزب الله الى صراع يحارب فيه حزب الله علنا القوات
السنية، وسوف يكون لمثل هذا الصراع عواقب مخيفة جدا بالطبع، اما اذا
وافق الحزب على تسوية ما، واستمر في الاحتفاظ بجيش منفصل وبتحالفه مع
سورية وإيران، فإن لبنان سيصبح هدفا ايضا بل وسيبقى لبنان في كل
الحالين هدفا.
ويختتم هيرش القول، الواقع ان الامر سينطوي على خطر كبير جدا اذا ما
حكم حزب الله لبنان، اذ ان سقوط حكومة السنيورة سيغدو مثالاً لتراجع
النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط وتزايد قوة التهديد الارهابي برأي
ليزلي جيلب، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الامريكية سابقا الذي يقول:
لذا، يتعين ان تعارض الولايات المتحدة اي تغيير جديد في توزيع السلطة
السياسية في لبنان، ومن حقها في هذا الاطار ان تساعد اية اطراف اخرى
غير شيعية في مقاومة مثل هذا التغيير، وعليها ان تقول هذا علنا بدلا من
التحدث حول الديموقراطية.
غير ان مارتن انديك من مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد
بروكينغز يقول: لا تمتلك الولايات المتحدة تأثيرا كافيا لمنع المعتدلين
في لبنان من التعامل مع المتطرفين، فبينما يرى الرئيس بوش المنطقة
منقسمه بين المعتدلين والمتطرفين يراها اصدقاء امريكا الاقليميون
منقسمة بين السنة والشيعة كما ان السنة الذين تعتبرهم واشنطن متطرفين
يراهم حلفاؤها السنة مجرد سنة ببساطة. |