مع تزايد دعمهم للجماعات المتشددة: العرب السنّة والخوف المزعوم من المد الشيعي

 شبكة النبأ: بسبب التمويل غير الشرعي والمشبوه الوارد من بعض دول الخليج من الممكن ان تكون لبنان ساحة مواجهة جديدة لتصفية الحسابات للدول الاقليمية كما هو الحال في العراق، مع احتمال تكوين ملاذ جديد للعناصر المتشددة المحسوبة على السنة ومن ضمنها تلك المصنفة ارهابيا مثل جماعة فتح الاسلام وعصبة الانصار، الهدف المرسوم لها مواجهة الانتعاش الشيعي المتمثل بكسب حزب الله المعركة مع اسرائيل سياسياً، وتحجيم طموحات الحزب الجديدة الامر الذي من الممكن ان يؤدي لمواجهات طائفية. 

ويقول خبراء إن السعوديين وعرب الخليج الاخرين يزيدون اسهاماتهم الخاصة للمتشددين السنة في لبنان مما قد يغذي عنفا جديدا في صراع اقليمي متنام بين السنة والشيعة. حسب تقرير لرويترز نشر مؤخرا.

ويقول مسؤولو استخبارات امريكيون سابقون ومحللون مستقلون إن اخر تدفق للاموال بدأ في ديسمبر كانون الاول في محاولة لخلق ثقل مقابل لجماعة حزب الله الشيعية.

وينظر هؤلاء المسؤولون إلى الامر على أنه جزء من جهود السعودية لتعزيز الاسلام السني في مواجهة النشاط الشيعي المتنامي في الشرق الاوسط وافريقيا.

وقال مسؤول استخبارات سابق يراقب الشرق الاوسط عن كثب "هناك اموال سعودية تتدفق على جماعات سنية متطرفة لنية محددة هي مواجهة الشيعة وحزب الله في لبنان."

وجاء حديث المسؤولين السابقين الذي تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم منسوبا إلى مسؤولين سعوديين وسوريين. لكنهم رفضوا أن يكونوا اكثر تحديدا فيما يتعلق بمصادر معلوماتهم.

وأحجموا أيضا عن تحديد مبالغ الاسهامات في دولة معروفة بالتهريب والحدود التي يسهل اختراقها. غير أن محللا قال إن المبالغ يمكن ان تصل الى ملايين الدولارات.

وفي لبنان الذي يرزح تحت اسوأ ازماته السياسية منذ الحرب الاهلية بين عامي 1975 و1990 أثارت التبرعات للجماعات السنية المتشددة الآخذة في البروز مخاوف من نشوب صراع طائفي واحتمال بروز مركز جديد للتطرف المناوئ للغرب.

وقال اسعد ابو خليل وهو خبير في الشؤون اللبنانية بجامعة ولاية كاليفورنيا "لبنان على شفا حرب حرب اهلية."

واضاف "الخطورة هي أن لبنان يرجح أن يبرز كمكان يمكن ان تجد فيه القاعدة ومن يقلدونها ملاذا"، في اشارة الى وجود بؤر من الممكن ان تأوي العناصر المتطرفة او تقدم لها الدعم المتنوع وتساعد على اخفائها.

وعزز نجاح حزب الله ضد اسرائيل في الصيف الماضي الجماعة المتشددة في وقت ينتعش فيه نفوذ مساندتها الرئيسية ايران في الشرق الاوسط.

وكثف السنة العرب من الخليج الذين دأبوا على تمويل قضايا السنة في لبنان منذ الثمانينيات دعمهم بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005 وهو زعيم سني بارز.

وفي اخر تدفق للاموال ذهبت اسهامات الى جمعيات خيرية ومؤسسات يديرها السنة. ولكن خبراء يقولون إن مبالغ كبيرة ايضا اعطيت لجماعات متشددة في شمال لبنان ووادي البقاع ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

وقال مسؤولون استخباراتيون سابقون ومحللون مستقلون إن بين الجهات التي تقلت الاموال "عصبة الانصار" التي تصفها وزارة الخارجية الامريكية بأنها جماعة ارهابية فلسطينية مرتبطة بشبكة القاعدة التابعة لأسامة بن لادن.

وقالوا إن اموالا أيضا ذهبت الى جماعة "فتح الاسلام" التي اتهمت بتفجير حافلتين في قرية مسيحية بالقرب من بيروت في فبراير شباط.

وقال خبراء إن الولاء لجدول اعمال السعودية وأسرة الحريري هو المتوقع في المقابل. وقال ابو خليل "اهم هدف هو وضع جدول اعمال سني سياسي ينتقد الدور الايراني في المنطقة او يعمل على التصدي لاهدافه.

وفي سياق متصل كتب د.سعد الدين ابراهيم مقالا في صحيفة الراية القطرية عن تصرف المسلمون السنّة وكانهم اقلية مذعورة، يقول:

للتخلف ألف وجه ووجه. ومن هذه الوجوه الإحساس بالنقص، وانعدام الثقة بالنفس، والشعور الدائم بالاضطهاد والخوف، حتي عندما لا توجد أسباب موضوعية لهذه الأحاسيس والمشاعر. ومناسبة استدعاء هذه الملاحظة هي المخاوف التي عبّرت عنها بعض القيادات الدينية والسياسية، المصرية والعربية في الآونة الأخيرة، حيال المسلمين الشيعة.

فمنذ ثلاث سنوات والملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، يحذر العرب المسلمين السُنة، مما سماه هو بالمثلث الشيعي أو الهلال الشيعي. ويقصد به التكوينات البشرية المسلمة الشيعية، التي تمتد من إيران، عبر جنوب العراق، البحرين، وشرق السعودية، وشمال سوريا، إلي سهل البقاع والجنوب اللبناني. ثم انضم الرئيس المصري حسني مبارك إلي الملك الأردني، لينبه من عام، أي في ربيع 2006، إلي أن ولاء المسلمين الشيعة العرب ليس لبلدانهم العربية التي يعيشون فيها ويحملون جنسيتها، ولكن لإيران!.

وقد تصادف وجودي في منطقة الخليج، التي يعيش فيها هؤلاء الشيعة العرب الذين اتهمهم الرئيس المصري بعدم الولاء لبلدانهم، والذين عبّروا عن صدمتهم واستيائهم لتصريحات الرئيس مبارك. وقال بعضهم في مؤتمر كُنت أشارك فيه وقتها، إن أحداً لم يأخذ تصريحات الملك الأردني مأخذ الجد. ولكن أن تصدر مثلها، بل وأقسي منها من رئيس أكبر دولة في المنطقة، وهي مصر، فهو أمر خطير.

واعتذرت لمن عبّروا عن استيائهم وقتها. وبمجرد عودتي إلي مصر، كتبت مقالي الأسبوعي، في الدستور والذي ينشر في عدة بلدان خليجية بعنوان اعتذار للشيعة العرب، عن سقطة رئيس مصر، والذي فنّدت فيه مزاعم الرئيس المصري. فلم يحدث أن ثبت في أي صراع بين أي بلد عربي وإيران، أن شيعياً عربياً خان بلده لحساب إيران.

كما لم يثبت أبداً أن سُنياً إيرانياً خان بلده لحساب بلد عربي. وحقيقة الأمر أن ولاء المواطنين العرب لدولهم الحديثة هو أعمق بكثير من الولاء لأي عقائد دينية أو دنيوية.

ومع ذلك تظل المخاوف من الشيعة تتردد بين سياسيين عرب، لهم حسابات مع إيران، أو مع حزب الله اللبناني، ذو القاعدة الشيعية. والجديد في التعبير عن المخاوف من الشيعة، عبّرت عنه مؤخراً بعض القيادات الإسلامية مثل الدكتور يوسف القرضاوي، المصري الذي يعيش في دولة قطر، ومثل الأستاذ فهمي هويدي، الكاتب الصحفي بالأهرام، والدكتور محمد سليم العوا، المحامي المصري المعروف. وكان ثلاثتهم قد شاركوا في مؤتمر للتقريب بين المذاهب الإسلامية، عُقد في الدوحة، منذ عدة أسابيع. وفي هذا المؤتمر أشار ثلاثتهم بأن التبشير الشيعي أو التشيع في بلاد ذات أغلبية سُنية هو أمر خطير، ويهدد محاولات التقريب والتفاهم بين المذاهب. بل وتوجه اثنان منهم، بعد المؤتمر، إلي طهران لتحذير آيات الله الشيعة من محاولات هذا التبشير في بلدهم مصر!.

والغريب في هذا هو أن المفكرين الإسلاميين الثلاثة المذكورين «القرضاوي والعوا وهويدي» هم أول من يعلمون أو ينبغي أن يعلموا أن المعتقدات الإيمانية تستقر في الضمائر والقلوب قبل أن تنفذ إلي العقول أو تظهر في السلوك. وبالتالي لا يتم التفاوض بشأنها وكأنها مساومات سياسية، ولا التحذير منها كأنها مواد تخديرية.

ويضيف د.سعد الدين ابراهيم: إن المعتقدات الشيعية قديمة راسخة، منذ منتصف القرن الهجري الأول، أي قبل 1400 سنة. وهي تتمحور حول محبة آل بيت محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم، والاعتقاد أنهم كانوا وما يزالوا الأحق بخلافة الرسول في حكم المسلمين، لأنهم الأكثر تقوي، وطهراً، وصفاءً، وإلهاماً. وبصرف النظر عما إذا كانت

هذه الصفات الحميدة تنتقل بالوراثة من عدمه، فإن المعتقدات الإيمانية لا تتطلب إثباتاً أو برهاناً من أصحابها.

وأحد الطرائف العربية في التحذير من الخطر الشيعي و المثلث الشيعي و الهلال الشيعي هو الملك عبد الله الثاني بن الحسين، بن طلال بن عبد الله، بن الحسين، الهاشمي شريف مكة. وهو شأنه شأن بقية سلالته الهاشمية يؤسسون شرعيتهم في حكم مكة والحجاز، ثم سورية والعراق، وأخيراً الأردن، ارتكازاً علي أنهم من آل البيت.

بل وتحتضن العاصمة الأردنية عمان مؤسسة تحمل هذا الاسم، ويرأسها حالياً، الأمير الحسن بن طلال، عم الملك عبد الله الثاني. أي أن الهاشميين الذين يؤسسون شرعيتهم علي نسبهم لآل البيت، هم آخر من يحق لهم التحذير من الشيعة الذين تقوم دعوتهم تاريخياً علي التشيع لآل البيت، أي الانحياز لسلالة الرسول الكريم. لقد أتي هؤلاء الهاشميون من مكة، وحكموا في بلاد مثل سورية والعراق والأردن، ولم يكونوا أصلاً من مواطنيها، لا لشيء إلا لأنهم من آل البيت. واعتمدوا هم والبريطانيون الذين دعموهم في القرن الماضي، علي هذه الشرعية المستمدة من مصادر روحية نبوية.

وكما هو شأن كل المعتقدات الإيمانية الروحية في أي دين من الهندوكية إلي اليهودية إلي المسيحية والإسلام فإنها تتحول بمرور الزمن والأجيال إلي مذاهب، تلتف حول كل مذهب منها طائفة. ولتأكيد الوجود والتميز فإن هذه المذاهب والطوائف تنشأ مدارسها أو معاهدها الفقهية، لتأصيل معتقداتها وأفكارها وممارساتها وطقوسها. وينشأ مع هذا كله رجال دين، أو فئة تسهر علي كل هذه الأمور، وتكسب منها معنوياً واجتماعياً وسياسياً، وربما مادياً. من ذلك أنه إلى جانب الهاشميين من آل البيت، هناك السادة الذين يحرسون المقدسات الشيعية، وهناك المجتهدون، و المرجعيات «آيات الله» الذين يدرسون ويتفقهون ويقومون بمهام التدريس والخطابة والهداية والفتوى في شئون الدين. بل وقد تم تأصيل منظور الشيعة إلي الشريعة الإسلامية من خلال مذهب خاص مستقل بهم، وهو المذهب الجعفري مثلما لدينا نحن المسلمون السُنة مذاهبنا الأربعة «الحنبلي، والمالكي، والحنفي، والشافعي».

كذلك فعل أهل الشيعة باستحداث أماكن لطقوسهم الخاصة باستذكار محنة الامام الحسين بن علي، وفاطمة الزهراء، حفيد الرسول. وكان الحسين قد قُتل، ومُثل بجثته، في موقعة كربلاء، بعد أن تخلى عنه معظم أنصاره، وفروا من أرض المعركة، تاركينه وحده وقلة من أقربائه، يواجهون جيوش يزيد بن معاوية، التي فتكت بهم جميعاً. وهذه الأماكن أشبه بالمقارئ أو دور المناسبات عند أهل السُنة. ويسميها أهل الشيعة بالحسينية، نسبة إلي الحسين، رضي الله عنه. وفي هذه الحسينيات يتم استدعاء ذكرى كربلاء، بطريقة طقوسية مؤثرة، تُبكي السامعين.

ويقول د.سعد الدين ابراهيم: المهم لموضوعنا هو أن الشيعة لا تتعدى نسبتهم في العالم اليوم أكثر من 15% من مسلمي العالم «حوالي 150 مليونا من مجموع 1500 مليون». ومع ذلك يتصرف المسلمون السُنة حيالهم بخوف وهلع من أخطار انتشار مذهبهم.

ومن مظاهر هذا الهلع ما أشرنا إليه في صدر هذا المقال من تصريحات الملك عبد الله الأردني والرئيس حسني مبارك المصري، وثلاثة من المحسوبين مفكرين كبار بين أهل السنة «القرضاوي والعوا وهويدي». بل من آيات هذا الهلع في مصر، والتي كانت كل منها شيعية لعدة قرون في العصر الفاطمي، وكان الأزهر الشريف هو مسجدهم وجامعتهم، إن السلطات المصرية تناصب القلة القليلة من المصريين الشيعة، العداء.

فهي تطاردهم وتضيق الخناق عليهم، كما تفعل مع الطائفة البهائية ومع بعض الطوائف المسيحية. لقد تضاعف عدد المسلمين الشيعة في مصر في السنوات الثلاث الأخيرة. لا بسبب التبشير الشيعي، ولكن بسبب اللاجئين العراقيين، الذين تزايدت أعدادهم مع استمرار العنف والترويع والقتال في بلادهم، بعد الغزو الأمريكي، في 19 مارس 2003، أي منذ أربع سنوات. إن عدد هؤلاء اللاجئين الآن يتجاوز المائة ألف.

ويقيم معظمهم في المدن الجديدة مثل 6 أكتوبر. وهم لا يمثلون عبئاً علي الدولة أو المجتمع في مصر. فمعظمهم من الميسورين المتعلمين، ولا يتلقون أي إعانات رسمية أو أهلية. وقد استقبلت سوريا والأردن ولبنان وتركيا وبلدان الخليج وإيران أعداداً أكبر ممن استقبلتهم مصر. ولكن لأن هذه البلاد جميعاً يوجد بها شيعة من سكانها الأصليين، ولهم دور عباداتهم وطقوسهم من مساجد وحسينيات، فإن اللاجئين من شيعة العراق يمارسون فيها شعائرهم. أما في مصر، فلا توجد مثل هذه المرافق الخدمية الشيعية.

وقد نقلت صحيفة الحياة اللندنية خبراً مفاده أن السلطات المصرية رفضت التصريح ببناء مسجد أو حسينية شيعية في مدينة 6 أكتوبر لخدمة أكثر من ثلاثين ألف عراقي شيعي يقيمون بها وفي مدينة الشيخ زايد القريبة منها. فيا تري لماذا هذا الرفض؟

لماذا يتصرف كبار المسئولين المصريين من رئيسهم إلي قياداتهم الدينية السُنية بهذا القدر من الخوف والهلع؟

ويختم كلامه بالقول: إن الإسلام والمذهب السُني هو دين الأغلبية ومذهبهم في مصر المحروسة، ولم يمسسهما ضرر طيلة ألف عام. ولن يمسهما سوء خلال الألف عام القادمة؟ إن هؤلاء المسئولين يتصرفون كأقلية تشعر بالنقص والدونية. فعار عليهم إلي يوم الدين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس22 آذار/2007 -2/ربيع الاول/1428