رئيس باكستان بين مقصلة جمهورية الموز او مصير يوليوس قيصر

شبكة النبأ: قبل ستة أشهر نفى الرئيس الباكستاني برويز مشرف شائعات عن حدوث انقلاب ضده بينما كان يقوم بجولة في الخارج وقال للباكستانيين حينها ان بلادهم ليست "جمهورية للموز حيث تحدث هذه الانقلابات فجأة."

لكن مع تنامي الشعور بالازمة السياسية المتفاقمة يحتاج الباكستانيون الى تأكيدات جديدة الان لكن هذه المرة أزمة مشرف حقيقية ويبدو انه هو الذي أدخل نفسه فيها.

فمحاولة الرئيس الباكستاني لعزل كبير القضاة في البلاد والاستخدام المفرط للقوة لاسكات وسائل الاعلام الباكستانية والاحتجاجات خلقت أكبر تحد لسلطة مشرف على الدولة الاسلامية منذ توليه الرئاسة عقب انقلاب قبل سبع سنوات ونصف حسب رويترز.

وألقى مئات المحامين الباكستانيين الحجارة على الشرطة يوم السبت بعد أن أطلقت الشرطة الغازات المثيرة للدموع لانهاء تجمع عند المحكمة العليا في لاهور للاحتجاج على اجراءات لعزل كبير قضاة البلاد.

وفي مطلع الاسبوع تفاقمت المصادمات بين الشرطة الباكستانية والمحامين بسبب وقف كبير القضاة افتخار تشودري عن العمل منذ التاسع من مارس اذار مما دفع مشرف للقول ان هناك متامرين يثيرون الاضطرابات ويقلبون الناس ضده.

وسارعت الولايات المتحدة التي تخشى من حدوث اضطرابات في دولة حليفة لها وجارة لصيقة لافغانستان وايران بالدعوة الى ضبط النفس وتحكيم العقل.

ودعا متحدث باسم الخارجية الامريكية يوم الجمعة لان يتحلى الطرفان بضبط النفس. وتعتبر الولايات المتحدة مشرف حليفا مهما لها في الحرب على الارهاب.

وأثارت محاولة التخلص من تشودري غضب المحامين ووحدت أحزاب المعارضة ضد مشرف الذي من المتوقع أن يسعى للفوز بفترة ولاية أخرى خلال الانتخابات في وقت لاحق من العام الجاري.

وأثار وقف تشودري عن العمل الشكوك بأن مشرف يخشى من أن يعارض القاضي صاحب الاراء المستقلة أي تحرك من جانبه للحفاظ على منصبه كقائد للجيش الذي يتعين على رئيس الجمهورية أن يتخلى عنه هذا العام بموجب الدستور.

ويوم الاحد دارت من جديد طاحونة الشائعات ووصلت الى أبعاد جديدة ودار الحديث عن تعليق الدستور وان البرلمان والمجالس الاقليمية حلت وأعلنت الاحكام العرفية في البلاد.

كانت مجرد شائعات لكن المحللين يقولون ان هذا يمكن ان يحدث فعلا.

وقال نجم سيثي رئيس تحرير صحيفة ديلي تايمز "مشرف يمكن ان يعلن الاحكام العرفية ويمكن ان ينسحب سياسيا ويعلن ان هذا نصر."

وباكستان التي يديرها الجنرالات منذ أكثر من 60 عاما حين انفصلت البلاد عن الهند وأصبحت وطنا لمسلمي جنوب اسيا اعتادت ان ترى قادتها يلجأون الى اجراءات تنم عن اليأس.

بدأت الازمة الاخيرة في التاسع من مارس اذار الجاري بوقف كبير القضاة. ولم تكشف السلطات تفاصيل بشأن الاتهامات ضد تشودري الا ان وكالة انباء مملوكة للحكومة اشارت الى اتهام "بسوء السلوك واساءة استخدام السلطة".

ويضطلع تشودري أيضا بقضايا تتعلق بحقوق الانسان ودعا السلطات للكشف عن مصير أشخاص اختفوا بعد احتجازهم.

وقالت الصحف ان الاشتباكات اضرت بمصداقية الحكومة وان التحرك ضد القضاة ووسائل الاعلام ستكون له اثار سلبية على الانتخابات المقبلة. ونددت جماعات حقوقية واعلامية دولية بتحرك الشرطة.

الا أن مشرف أبلغ حشدا بأن هناك مؤامرة تحاك ضد وان المتآمرين يحاولون القاء اللائمة عليه ويقفون وراء الاغارة على قناة تلفزيونية.

ورفض تشودري أن يستقيل وحددت اقامته في منزله وسدت الشرطة كل السبل للوصول اليه. ومثل تشودري مرتين أمام هيئة قضاة تنظر في الدعوى ضده.

وأمرت الهيئة يوم الجمعة برفع القيود المفروضة عليه وقال أحد محاميه انه أصبح الان حرا. ونفت الحكومة وضعه تحت الاقامة الجبرية في أي وقت.

وأظهرت لقطات تلفزيونية الشرطة وهي تضرب محامين في لاهور وتجتاح مكاتب قناة تلفزيونية للاخبار خلال مظاهرات في اسلام اباد يوم الجمعة وأثار ذلك غضب الشعب على مشرف.

وقال مشرف في اليوم التالي "من يحيك هذه المؤامرة حتى يلقى كل شيء علي."

ويقول محللون ان مشرف سيخسر ما بقي له من ثقة الباكستانيين اذا أنزل الجيش الى الشوارع.

ويرون ان الخيار الافضل أمامه هو ان يكسب الوقت ويصلح الخلافات بينه وبين بينظير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة التي تعيش في المنفى باختيارها.

ومهما يفعل مشرف ومهما تكون اختيارته فقد ضعف موقفه في العام الذي يسعى فيه للفوز بفترة رئاسية أخرى.

وقال سيثي "هذا موقف ليس أمامه فيه أي فرصة للفوز.

"الخيارات أمامه واضحة للغاية اما المزيد من الديمقراطية أو المزيد من القمع."

ويعني المزيد من الديمقراطية تخليه عن دوره كقائد للجيش وربما تشكيل تحالفات مع سياسيين تقدميين مثل بوتو التي رأست الحكومة مرتين.

اما خيار المزيد من القمع فيعني التراجع عما وعد به من اجراء انتخابات عامة ومحلية نزيهة والمقررة هذا العام او بداية العام القادم.

ومثل مشرف ترى بوتو ان التطرف الديني هو الخطر الاعظم على باكستان لكنها لن تكون في عجلة من أمرها لتتحالف مع رئيس متهم بانتهاك الدستور والتهوين من شأن كبير القضاة.

وقال أحمد راشد وهو صحفي باكستاني يحظى باحترام دولي "مشرف أصبح كالبطة العرجاء. النظام أصيب بالشلل بوجوده".

وظهرت على السطح توترات بين المؤسسة الباكستانية التي تقوم على قوة مختلطة عسكرية ومدنية مع تحول الغضب الى الداخل بسبب أزمة كبير القضاة وكيفية التعامل معها.

وقال مسؤول كبير طلب عدم نشر اسمه "قد تطير بعض الرؤوس."

ويتكهن قليل من المحللين بأن ما حدث في منتصف مارس اذار ينبيء بنهاية مشرف غير أن الجدل بشأن القاضي يأتي في وقت غير مناسب مع اقتراب الانتخابات وملاحظة أن الولايات المتحدة تعيد تقييم صداقتها مع حليف هام في الحرب على الارهاب.

وكتب معين تشيما في عمود بصحيفة ديلي تايمز يوم الخميس يقول "الرسائل .. سواء أكانت مقصودة أم لا .. التي تلقاها العامة من خلال هذا التصرف من جانب الرئيس هي أنه اصبح دكتاتورا عسكريا بالمعني الحقيقي للكلمة."

وعلق تشينا أستاذ القانون المساعد بكلية علوم الادارة التابعة لجامعة لاهور أعرق الجامعات الخاصة على الاطلاق في باكستان "كشف قيصر عن وجهه وهو ليس مشهدا جميلا."

وتستأنف محاكمة رئيس المحكمة العليا القاضي افتخار تشودري يوم الجمعة في جلسة مغلقة غير أن تشودري قال بالفعل للجنة من خمسة قضاة يشكلون مجلس القضاء الاعلى انه لا يتوقع محاكمة نزيهة.

ويواجه تشودري اتهاما غير محدد "بسوء السلوك واساءة استخدام السلطة" غير أن هناك شكوكا قوية في أن مشرف شعر بالقلق من أن القاضي لن يقبل اي تحرك من جانبه للاحتفاظ بمنصبه كقائد للجيش والذي يتعين عليه التخلي عنه هذا العام بموجب الدستور.

ونفى مشرف يوم الخميس في أول تعليق علني له على هذا الجدل اعتزامه التأثير على قرار اللجنة.

واعتبر رفض القاضي التنحي بهدوء أكبر تحد لسلطة الرئيس مشرف منذ توليه السلطة في انقلاب عسكري غير دموي حظي بتأييد شعبي نسبي في البلاد في عام 1999.

ووصف محامون التحرك ضد رئيس المحكمة العليا بأنه غير دستوري كما يقول منتقدون ان احتجاز تشودري في مقر اقامته باسلام اباد يحمل علامات على سلوك دولة بوليسية.

ويعتقد المحلل السياسي شفقات محمود أن من المحتمل للجدل أن ينتهي غير أن من السابق لاوانه جدا قول ذلك.

وقال محمود "حدثت أمور غريبة.. والغضب ليس مقتصرا على الاحزاب السياسية أو بين المحامين فحسب.. ولكنه منتشر في جميع أنحاء البلاد."

ولا يزال أكبر تهديد لمشرف يتمثل في إرسال تنظيم القاعدة أحد أعضائه لاغتياله رغم أن هناك دائما أقاويل بشأن ضباط ساخطين بالجيش رغم قيام الرئيس الباكستاني بترقية موالين له إلى المناصب الكبرى.

غير أن هذا الجدل أضر دون شك بصورة مشرف كجنرال حسن النية عازم على وضع بلده المسلم المحافظ على طريق التقدم والاعتدال كما سيثير السخرية من وعوده باجراء انتخابات حرة ونزيهة على المستوى الوطني وعلى مستوى الجمعيات التشريعية بالأقاليم والمقررة في وقت لاحق من هذا العام أو في عام 2008.

وقال اياز عامر المعلق السياسي الذي يعتقد مثل كثيرين أن الجنرال يتمتع بوعي يكفيه للقيام بتراجع استراتيجي بشأن القضية "إنها أخطر أزمة على الإطلاق نواجهها خلال سبع سنوات."

وقد تستغرق الاجراءات ضد رئيس المحكمة العليا أياما أو تطول لأسابيع أو شهور وكلما طال أمدها كلما منحت معارضي مشرف فرصة أكبر لحشد الدعم لصالحهم.

وتنظم الأحزاب الإسلامية احتجاجات ويمكنها حشد أغلب الدعم السياسي من استغلال الجدل بعدما همش مشرف الحزبين السياسيين الرئيسيين اللذين يقودهما رئيسا الوزراء السابقين واللذان يقيما في المنفى بينظير بوتو ونواز شريف.

وقال عامر "اذا استمرت الاضطرابات وإذا لم يتم التوصل إلى حل سريع لهذه الأزمة القضائية.. فسيبدأ الناس في كل مكان التفكير في خيارات أخرى.. هذا يحدث دائما."

ولن يرغب الغرب في زعزعة استقرار مشرف في السلطة ما دام الغرب يحارب حركة طالبان في افغانستان ويخوض مواجهة مع إيران ويتعقب تنظيم القاعدة في المناطق القبلية الباكستانية.

ولكن في وقت يعتقد فيه - سواء أكان ذلك صوابا أم خطأ - أن واشنطن تعيد تقييم صداقتها مع باكستان فكلما كان انتهاء الانتقادات بشأن رئيس المحكمة العليا سريعا كان ذلك أفضل بالنسبة لمشرف.

وقال ريتشارد باوتشر مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون جنوب ووسط أسيا خلال زيارة لباكستان يوم الخميس "إننا ندرك حساسية الاتهامات ضد شخصيات قضائية. وجهت أسئلة كثيرة. سنراقب عن كثب مع مضيها في مسارها."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 21 آذار/2007 -1/ربيع الاول/1428