درس في صحافة الاثارة للمبتدئين فقط!

رياض الحسيني

 بداية لابد من التنويه الى ان هنالك نوعين من صحافة الاثارة وهما: "صحافة الاثارة المغرضة" ونشرها طبعا يتحمل عبئه كل طاقم الصحيفة واحيانا الحكومة برمتها ان كانت الصحيفة ناطقة باسمها وليست مسؤولية الصحيفة وحدها التي يفترض ان تراعي الهم الاول وهو المصداقية والحقيقة في كل ما تنشره، ومن الطبيعي ايضا في حال نشر خبر كاذب او تقرير مفبرك فأن الصحيفة تتحمل المسؤولية لانها مطالبة بايضاح الحقيقة امام الرأي العام.

 هذه الفقرة اولى بدائيات العمل الصحافي وهي ايضا فقرة مهمة في كل المواثيق الصحفية والاعلامية وانا شخصيا اصادق عليها واحترمها اشد الاحترام ليس باعتباري صحفي وانما لانها تلامس ضمير الانسان ودينه وخلقه.

 اما النوع الثاني فهو "صحافة الاثارة الموضوعية" وهي التي تستند على وقائع وارقام صحيحة ولكنها تقدم الى المتلقي عبر استخدام مفردات نارية ان صح التعبير وهذا النوع من الصحافة ينتشر في التقارير الرياضية او في التقارير التي يرسلها المراسلون لتغطية الحملات العسكرية ايضا. فالمقام هنا يستوجب تحريك المشاعر لدى المتلقي لامر هام ولتوليد ردة فعل كبيرة لديه مقارنة باتباع الاسلوب التقليدي في السرد.

صحافة الاثارة باطارها العام هي ذلك النوع من الصحافة الذي يمكن ونؤكد هنا على كلمة "يمكن" ان يخلط الحابل بالنابل كما يقول المثل!! بمعنى ان صحافة الاثارة قد تجانب الحقيقة احيانا ولكن احيانا اخرى تعتمد على الخبر الصحيح ولكن الاثارة تكون من خلال الكلمات المنتقاة لسرد الخبر الصحيح وهو جانب لا علاقة له بمجانبة الحقيقة. بيد ان عرض الحقيقة احيانا يتطلب استخدام عبارات صارخة وحادة لتبيان مدى وقع الخبر وقت حصوله وهو مايولّد لدى المتلقي الكثير من الانتباه والحرص على متابعة الخبر وتفاصيله الاخرى. فالصحفي الشاطر هو الذي يقدّم صحافته المقروءة او المسموعة بشكل تجذب انتباه المتلقي لامر هام ووقع جلل مع التقيد باصول المهنة الصحفية واخلاقياتها طبعا. بمعنى اخر ان الصحفي او الصحيفة ترى احيانا ان الشارع بحاجة الى هزة لايقاضه!

يحكى في ذلك أن صحيفة فرنسية مشهورة شكّلت لجنة رقابة خاصة لتتبع شأن مالي في إحدى حكومات فرنسا فاكتُشِف أن 50% من الوزراء ضالعون في قضايا اختلاس ورشوة. فكتبت الصحيفة على صدر صفحتها الأولى: " نصف مجلس الوزراء حرامية"! أصبح الصباح وإذا بباريس تضج لهول هذه الفضيحة بعد الانتشار الواسع لعدد صحيفة ذلك اليوم، طبعا دافعت الحكومة الفرنسية عن نفسها بشراسة وقدمت شكوى للنائب العام وطبعا صدر الحكم على الصحيفة محملين اياها ضرورة نشر خبر تكذيب بمستوى "خبر الاثارة"؟! هنا جعلت النيابة العامة الصحيفة على المحك امام الرأي العام والقضاء فما كان من الصحيفة الا ان نشرت خبر التكذيب وبالمانشيت العريض هذه المرة وجاء فيه " نشرنا بالأمس أن نصف مجلس الوزراء حرامية، واليوم نصحح ذلك الخبر ونؤكد أن: نصف مجلس الوزراء ليسوا حرامية"!.

وعلى صعيد متصل بالموضوع حكى لي بعض أخوتنا السودانيين أن الأديب سر الختم (إبان رئاسته لتحرير إحدى الصحف) كتب مانشيت عريض في عهد النميري قال فيه: "اليوم تعود العادة الشهرية لرئيس الجمهورية" وهو خبر مثير للغاية ولكنه كان يعني بذلك أن هناك عادة شهرية كان يجتمع فيها الرئيس برؤساء القبائل للتباحث معهم حول الأمور التي تخص مواطنيهم وقد توقفت تلك الاجتماعات فترة ثم أعادها النميري، المهم أن قراراً قد صدر بتنحية رئيس التحرير أخونا (سر الختم) إلى غير رجعة منذ كتابة ذلك المانشيت والى حد كتابة هذا المقال "المثير"!

يظل ان اقول انه ليس كل عنوان مثير عار عن الصحة او "صحافة صفراء" وليس كل كاتب يمكن ان يكون صحفي ناجح ومن دون اثارة فلايعدو الخبر او المقال الا ان يكون جثة هامدة.

 ختاما نتمنى ان نكون قد وفقنا لرد الشبهة واسهمنا في تنوير البعض وبدون ذلك فاننا نكون قد اسهمنا في حرث البحر مع الذين يحرثون ولايدرون انهم يحرثون والله الموفق.

*محلل سياسي وناشط عراقي مستقل

www.alhusaini.bravehost.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 20 آذار/2007 -30/صفر/1428