تأملات في ذكرى وفاة رسول الانسانية (ص)

سليم الجصاني

ـ ان العراق بما يملكه من تنوع ديموغرافي زاوج بين الثقافات العربية والفارسية والرومية وغيرها وكان ارضا خصبة لتفتق العلوم وارساء التعددية الفكرية او ما يصطلح عليه الديمقراطيات، فضلا عن الاجتهادات الفكرية والسياسية والعلمية وهذا ما أثبته تقادم الايام

ـ كانت اول لبنة تؤسس لهذا المجتمع هي مكارم الاخلاق فالدين هو المعامله وقائد هذا التغيير في المجتمع هو من وسِم في قوله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم). 

مجتمع وثني يسوده الاختلاف

عاشت القبائل العربية قبل مجيء الاسلام في ظل مجتمع يسوده التشرذم والتشظي والضياع بكل ما تحمله هذه المفردات من معاني الانزلاق وما تحمل من سمات اللامدنية ، وقد كان وسط الجزيرة العربية والعرب عبارة عن قبائل يغزو بعضها البعض ويحارب بعضها الاخر ولاتنساق في ضوابط تحفظ للانسان انسانيته ، ابتداءً بوأد البنات بما تحمله هذه الكلمة من قتل للانسانية التي كان ينبغي ان ترى النور لتبني المجتمع وتنظمه، الامر الذي يربك الحياة ويخلق حالة من الخوف في دواخل باقي النساء اللاتي يكتب لهن العيش مما ينتج شخصية انسانية قلقة وذلك لان المرأة لاتربي الاناث حسب بل تعمد الى تربية الذكور كذلك.

وكذلك عرف عن ذلك المجتمع تطلعه الى المفاخرة باقتتاله والحق انها قبائل تتطلع الى غزو بعضها البعض بغية السلب والاعتداء والتفاخر واراقة الدماء ،هذا فضلا عن الكذب ونكث الوعود والاخلال بالامانة وغيرها من سمات الانحلال الاجتماعي الذي لايخضع لضوابط رصينة فهم يعبدون اصناما يصنعونها بايديهم ،بل انهم يعمدون الى اكلها في بعض الاحيان وذلك عندما تكون قد صنعت مما يؤكل كالتمر وغيره.

وان وصفنا لهذه الحقبة بهذه السمات لم يأتِ من تحامل عليها بل انه امر حقيقي تذكره لنا الروايات المتواترة،وان سمات المجتمع الجاهلي او مجتمع ما قبل الاسلام كما يصطلح عليه البعض الخيرة لا ترجح على السمات السلبية بل انها كريشة في مهب رياح الانحلال العاتية ،وان ما يحاول ترويجه العروبيون لهذه الامة من صفات الكرم والجود والخير هو امر غير دقيق ودليل ذلك راي الزهراء في هذا الامر اذ خاطبت المسلمين واشارت اليهم بفضل الرسول الاكرم في انتشالهم من الظلمات الى النور ولا يقصد بالظلمات هو عدم اعتقادهم بالباري (جل شانه) وعبادتهم الاصنام حسب بل اكلهم للميتة واعتداء بعضهم على الاخر ووأدهم البنات وسبيهم النساء وقتلهم النفس المحترمة التي قال عنها القران الكريم( ومن قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا )، ومن كل هذه المداخلات كان للسماء تدخل في انتشال هذا المجتمع.

السماء تأذن بقيام الدولة الفاضلة

تأتي رحمة الباري جل شأنه ويظهر هذا الامر في ايات كثيرة منها قوله تعالى "وما ارسلناك الا رحمة) فكان ان بعثت السماء مبعوثها الرسول الاكرم (ص) ودعته لان يقرأ،وذلك في قوله تعالى "اقرأ بسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم" ونلمس من هذه الدعوة القرانية التدبر والعناية والتفكر والنظر الى الامور بموضوعية وتفحصها بدقة وهذا شيء مما تعنيه مفردات هذا النص القراني بتراكيبه ، فكان زرعه لبذرة الاسلام في مكة فلم تأت أكلها بما تستحق وكانت الهجرة الى المدينة المنورة ليكون التاسيس لانسان بما يحمله من سمات الانسانية المؤسساتية الدستورية التي تستمد معانيها من قوله تعالى" ان خلقكم من ذكر وانثى وجعلكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم" لقد جاء الرسول الاكرم (ص) هبة من السماء ورحمة من الباري جل شانه لينتشل الانسان من مستنقعات الظلمات الى النور تلك المستنقعات التي اغرقت الانسان الجاهلي بقيود الجاهلية والذلة والانصياع الى اللاعقل والانجرار وراء تشضي العقل والركون الى سواه مما لايزن الامور ولا يضع المسائل في نصابها وموضعها الصحيح.

الرسول الأعظم يشيد الدولة المؤسساتية

من هنا جاء الرسول (ص) لينقل الانسان المرتبط بالقبيلة والتي بدورها كانت ترتبط بوثن ،الى جعل الانسان يرتبط بالمدينة التي تستمد تعاليمها من السماء أي زج الانسان ضمن المجتمع المؤسساتي المنظم والذي يسير وفق القانون الذي يحفظ للانسان حقوقه ويلزمه واجباته وهذه القوانين قد انتظمت في دستور هو القران الكريم الذي تناول جوانب الحياة وما بعدها وبتفصيلات العبادات والمعاملات والحقوق والواجبات وتنظيم الاسرة والمجتمع وكانت اول لبنة تؤسس لهذا المجتمع هي مكارم الاخلاق فالدين هو المعامله وقائد هذا التغير في المجتمع هو من وسم في قوله تعالى (وانك لعلى خلق عظيم) وبعد هذا التأسيس شرع الرسول (ص) الى تفعيل الجانب العلمي في حياة المجتمع ومما وصلنا من سيرته يشير الى ذلك وما أمر الرسول به من اخلاء اسرى المشركين الذين جاؤا لقتل المسلمين في احدى المواجهات شريطة ان يعلموا عشرا من ابناء المسلمين ما هو الا دليل يشير بوضوح الى تفعيل الجانب العلمي وكان هذا التفعيل تشير اليه السماء بشكل واضح نلمسه من بدايات النزول فالوحي جاء بقوله تعالى "اقرا باسم ربك الذي خلق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم) وما نلمسه من بعض معاني هذه الجمل القرانية ومن استقراء بعض مفرداتها (أقرا ـ علم ـ بالقلم) اشارة واضحة الى اهمية الدور العلمي في حياة الامة وهي مصطلحات تشير بوضوح الى هذا الامر في بعض من معانيها.

 وكذلك يفعّل هذا المعنى باعمال النظر نحو ما يشير اليه النص من اتمام النعمة على المجتمع بتعليمه وتوفير المنهجية الصالحة لديه في سبيل السير في سبل الصواب والابتعاد عن الخطأ وتجنب الوقوع في المنزلقات الشيطانية بزواياها المظلمة والمتعددة ثم جاءت الاية لتشير الى اهمية العلم والعلماء يتقدمها العلم بوحدانية الباري جل شانه وتتبع سبل الحق وكذلك معرفة باقي العلوم وتنشط المجتمع وتنظم معاملاته واخلاقياته ومن ذلك قوله تعالى "هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون" وهذا العلم السماوي الذي حمله الرسول الأعظم لابد له من سوق لتصريفه وجامعة تُطرقُ للنهل منها فكان حديث الرسول (ص) "أنا مدينة العلم وعلي بابها" ليشير بوضوح الى المرحلة الثانية من حياة الاسلام.

الإمام علي(ع) يدعم الدولة بالمعلوماتية ويؤسس للعلوم

من هنا جاء الدور المكمل للإمام (ع) فالرسول (ص) كما أشير نقل الانسان بارتباطه بقبيلته المرتبطة بوثن الى انسان يرتبط بمدينة مؤسساتية تتصل بالسماء التي وضعت لها دستورا ينظمها لتكون مدينة نموذجية لا يعوزها غير العلم الذي يتبنى تفعيله هذه المرة الامام علي (ع) وكما ان الرسول (ص) قد انتقل من مكة المكرمة الى المدينة المنورة ليشيد دولة الاسلام كذلك كان للامام علي (ع) انتقالة من المدينة الى الكوفة ليُنَظِرَ للعلوم ويؤسس لها وهذه الانتقالة لم ترق لكثير من الشخصيات وعُدّت المسألة من قبل هذه الشخصيات خروجا على المألوف اذ عرف عن المدينة المنورة انها عاصمة الخلافة الاسلامية في عصر الرسول (ص) ومن تلاه وهي مثوى النبي وانطلاقة الاسلام.

ولكن البعض علل هذه الانتقالة كونها تعد حركة عسكرية يراد من ورائها التصدي للتمرد الذي قاده معاوية في الشام ولاتخاذ العراق جبهة عسكرية وسياسية، والحق ان العراق بما يملكه من تنوع ديموغرافي زاوج بين الثقافات العربية والفارسية والرومية وغيرها وكان ارضا خصبة لتفتق العلوم وارساء التعددية الفكرية او ما يصطلح عليه الديمقراطيات، فضلا عن الاجتهادات الفكرية والسياسية والعلمية وهذا ما أثبته تقادم الايام فالعربية بعلومها من النحو والصرف والصوت وغيرها اينعت في هذا البلد والمذاهب الفقهية والسياسية والأدبية وغيرها كانت تتخذ من العراق بشعبه ومكوناته ورافديه وتنوعه ساحةً لها ...

ثم بعد ذلك ليكون رسول الله (ص) قد قدّمَ وهيأ لدول الاسلام المهدوية عن طريق احاديثه الشريفة.. ( يخرج رجل يمكن لال محمد ...وجب على كل مؤمن نصره).

ثم ليأتي الامام علي (ع) ليؤسس الدولة المهدوية في العراق بركائزها العلمية ليدعم التنظير بالتطبيق.

المهدي (عج) يجمع بين المؤسساتية والتكنلجة

وكما تحدى رسولنا الأعظم (ص) كل العقبات ونشأ في مجتمع تسوده السلطوية الداخلية المتمثلة باجلاف القبلية في قريش ،والخارجية المتمثلة بإمبراطوريتي فارس والروم. فان الامام المهدي (عج) سوف ينشأ في هرج ومرج يصطلح عليه بالعصر الجاهلي الثاني فزمام الأمور ليس بأيدينا وإرادتنا تحاوا ان تسيطر عليها مافيات داخلية وقوى خارجية ومن بين هذا وذاك ينشأ رجال قلوبهم كزبر الحديد يؤسسون لدولة المهدي (عج) ويمهدون لظهوره دون ان ترعبهم تفخيخات او يخيفهم قتل ويكونون لمحمد بن الحسن(ع) كما كان رجالات النبي لنبيهم محمد بن عبد الله (ص)، فهم أشبال من تلك الليوث او انهم يكونون كشيء مما كان عليه أميرهم علي بن ابي طالب (ع) لأميره الرسول (ص) وليكون...

ختامها مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 18 آذار/2007 -28/صفر/1428