الفقر والتهميش في المغرب الطريق الاسرع نحو التطرف والارهاب

شبكة النبأ: بعد الهجوم الانتحاري الذي نفذه عبد الفتاح الرايدي بتفجير نفسه في مقهى للانترنت في الدار البيضاء ربط مسؤولون وخبراء في المغرب بينه وبين شبكة ارهابية اسلامية جيدة التنظيم على مستوى المنطقة.

لكن أياً كان من دفع الرايدي الى تفجير نفسه فانه كان على علم تام بأن أحياء منطقة سيدي مؤمن هي المكان الامثل للعثور على أشخاص على أتم الاستعداد للموت في سبيل قضية حسب رويترز.

وتفوح روائح نتنة من المجارير المفتوحة وتلال القمامة المتناثرة الى جوار الكوخ الصغير الذي عاش فيه الرايدي مع خمسة من اخوته. ويقول جيرانه ان عدداً قليلاً من أبناء الحي لديهم عمل منتظم.

ولقاء دراهم معدودة يقضي الشباب في المنطقة وقتهم في مقاهي الانترنت في اقامة علاقات عاطفية أو الحديث الى أصدقاء لهم نجحوا في الفرار الى أوروبا مستخدمين أوراقاً مزورة.

ومثل هذه الاتصالات السهلة تعني كذلك أن قادة الجماعات الاسلامية المتطرفة بوسعهم اغراء أعضاء جدد واصدار أوامر لهم دون الحاجة حتى للوجود داخل البلاد.

ويقول استاذ علم الاجتماع عمران عبد الرحيم أنه لا يمكن انكار تأثير التقدم في وسائل الاتصال في المنطقة. ويضيف "لكن أكثر ما يستوقفني أن أحداثاً كهذه تنشأ وسط ظروف الفقر والطفولة الصعبة وفقدان الامل".

وتفيد تقديرات رسمية انه بين عامي 1994 و2002 فقدت الدار البيضاء 50 ألف وظيفة في القطاع الصناعي مع استمرار نمو عدد السكان بنحو 100 ألف نسمة في العام الواحد في حين تحتاج المدينة الى 250 ألف مسكن.

وفي سعيها لإعادة الامل الى منطقة سيدي مؤمن تهدف الحكومة لتحسين مستويات المعيشة وخلق وظائف جديدة في القطاع الخاص.

وغير بعيد عن الحي الذي عاش فيه الرايدي ترتفع وحدات سكنية رخيصة تتوفر فيها خدمات الصرف الصحي والامن والدفء. وفي الضواحي الجنوبية للدار البيضاء تهدف منطقة أعمال جديدة لخلق وظائف من خلال تقديم خدمات معاونة ومراكز اتصال للشركات الاوروبية.

ومثل هذه المشروعات الى جانب استنكار سكان سيدي مؤمن لمما جرى يوم الاحد قد يكون أفضل سلاح لدى الحكومة في حربها المعلنة على الارهاب والتي يزيد من تعقيدها الهيكل الفضفاض وغير الواضح للعدو.

لكن محمد توزي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء لا يعتقد أن هذه الجهود ستؤتي ثماراً ان تم وضع الموقف برمته بين أيدي الجهات الامنية.

ويقول "ما من شأنه احداث فارق حقيقي هو توفر ارادة صلبة في المجتمع لاحتواء هذا النشاط".

وتحركت قوات الامن سريعاً لاعتقال المشتبه بهم في أعقاب انفجار الاحد مخافة أن يحاول أعضاء الشبكة التي انتمى اليها الرايدي الانتقال الى مدن أخرى. واعتقلت الشرطة تسعة أشخاص في عمليات دهم اليوم الاربعاء في أحياء الدار البيضاء وصادرت متفجرات.

وأعرب المسؤولون عن خشيتهم أن تكون الخلايا في المغرب تسعى للاندماج مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر المجاورة وهي الجماعة التي غيرت اسمها في يناير كانون الثاني الماضي الى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي.

ويمكن لمثل هذا الاندماج أن يوفر لشبكة القاعدة العالمية موطيء قدم في المنطقة للوصول منها الى أوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء.

ولم يتضح بعد ما اذا كان الرجال الذين تتعقبهم الشرطة حالياً على صلة بجناح تنظيم القاعدة في الجزائر لكن المحللين يقللون من احتمالات أن الرايدي كان يحصل على الاوامر عن بعد من قيادة القاعدة.

ووصل بعض المحللين الى حد القول أن فكرة وجود حركة اسلامية متطرفة في المغرب ربما تم تضخيمها من قبل الحكومات العلمانية في المنطقة في محاولتها التصدي للصعود المتنامي للاحزاب الاسلامية الاكثر اعتدالاً.

ويقول ماجنوس روستورب خبير الارهاب في كلية الدفاع الوطنية السويدية "أي من هذه الاحداث يمثل أزمة وخطراً وفرصة للتحرك ضد جماعات معارضة بعينها."

الفقر وفقدان الامل حاضنة للتطرف

كان لابد من السير عبر مقلب قمامة ضخم تتوسطه مجار قذرة للوصول الى منزل عائلة عبد الفتاح الرايدي.. الشاب الذي فجر نفسه مساء الاحد في أحد مقاهي الانترنت في حي سيدي مومن المجاور لحي دوار السكويلة الفقير حسب رويترز.

لكن البيت أقرب الى الخراب ويتكون من غرفة واحدة صغيرة يعيش فيها اخوة عبد الفتاح الخمسة وأمهم.

اما عبد الفتاح (23 عاما) فقلما كان يشاطرهم البيت أو الغرفة بسبب ضيق المساحة وكان يقضي أغلب لياليه في الشارع حسب روايات الجيران وابناء الحي.

يصف الجيران عبد الفتاح بأنه كان ابنا يشعر بمشاكل أسرته وكان يبيع عصير البرتقال ليساعد أمه وأخوته.

تقول احدى الجارات "لا نريد مشاكل أكثر. اي واحد منا ممكن ان يكون مكانهم. انهم اناس طيبون واخلاقهم عالية. لم يؤذوننا ابدا."

وتضيف والدموع في عينيها "إنها شهادة حق. انظري الى حالتهم المادية. كلنا فقراء معذبون ومهمشون لكن هذه العائلة معاناتها افظع منا بكثير. هذا المكان لا يتسع حتى لمجرد العيش فيه."

وتتدخل جارة أخرى طلبت مثل المرأة الأولى عدم نشر اسمها وتقول "الأم المسكينة تعيش مع أبنائها الخمسة بعد طلاقها من الزوج الذي لا يكفلهم. إنها تتاجر تارة في ملابس خفيفة او تشتغل كخادمة مؤقتة لدى عائلات.. اما عبد الفتاح فكان يحاول ان يساعدها ببيعه عصير البرتقال."

وتضيف "لكن السلطات كانت تطارده كباقي الباعة المتجولين ولم تتركه في حاله يتدبر قوته."

وتمضي الجارة قائلة إن اخاه الاوسط كان يبيع "اكياس البلاستيك في السوق ويساعد السيدات على حمل الاكياس المملوءة بالخضر والفواكه بعد تسوقهن."

وذكرت السلطات أن عبد الفتاح الرايدي عاطل سبق وأنه حكم عليه في العام 2003 بالسجن لخمس سنوات في اطار قانون مكافحة الارهاب ثم استفاد من عفو ملكي في العام 2005 .

وشهدت الدار البيضاء تفجيرات انتحارية في 16 مايو ايار من العام 2003 خلفت 45 قتيلا من بينهم الانتحاريون الثلاثة عشر الذين نفذوا الهجمات في خمسة مواقع بالمدينة.

وعاد حي سيدي مومن الى الواجهة مرة اخرى يوم الثلاثاء بعد تفجيرات 2003 التي خرج انتحاريوها من نفس الحي.

وتقول الرواية الرسمية إن عبد الفتاح الرايدي فجر حزاما من المتفجرات كان يرتديه فقتل نفسه وأصاب أربعة أشخاص عقب شجار مع صاحب مقهى الانترنت بعد أن ضبطه بصدد فتح مواقع تحث على الارهاب وهم باستدعاء الشرطة.

وقالت صحف مغربية يوم الثلاثاء أن عبد الفتاح كان يريد فتح الموقع لتلقي تعليمات بتفجير نفسه في مكان حيوي بالمدينة وكان يرافقه شخص يدعى يوسف الخودري تمكن من الهرب بعد اصابته جراء الانفجار وترك حزامه الناسف على الكرسي.

وفيما كان باب عائلة الرايدي مفتوحا ولا يحجب ما بالداخل سوى ستارة قال الجيران إن الام ذهبت مع الشرطة لاستكمال البحث والتحقيق في حين بقي الابن الصغير البالغ من العمر نحو أربع سنوات يلهو وفي يده قطعة حلوى.

وبمجرد الاقتراب منه ومناداة الجيران عليه فر هاربا ويقول أحد أبناء الحي الذين تجمعوا حول المنزل "لقد اصبح كاخوته مفزوعا من كثرة تردد رجال السلطة والناس عليهم."

وفي الجهة المقابلة من مقلب القمامة برائحته الكريهة يختبيء بيت يوسف الخودري الذي يقل عمره عن 18 سنة بين ازقة الحي الضيقة والملتوية في فوضى ذميمة.

بدا الجو العام في منزل عائلة الخودري في حي دوار السكويلة أشبه بالعزاء.. الباب مفتوح على مصراعيه والجيران يحيطون بالعائلة واثار الصدمة بادية على الجميع.

في فناء البيت المتواضع المكون من غرفتين لعائلة تضم ثمانية افراد جلس الاب القرفصاء والشرود باد على وجهه في حين تنتحب الام بين الفينة والاخرى هي وجاراتها بعد أن أعلنت السلطات ان ابنها يوسف شريك لعبد الفتاح الرايدي.

تقول الام عايشة وهي تنتحب "ابني طيب وحنون وانساني جدا. مستحيل أن يفعل شيئا كهذا. انا اعرفه جيدا لقد غرروا به."

وتضيف "لم ألحظ فيه عيبا. كان يصلي في المنزل. ابني ليس ارهابيا. لو لاحظت شيئا غير عادي فيه لنصحته او لبلغت عنه الشرطة لاحمي ولدي."

وتقول إن يوسف الذي توقف تعليمه عند الصف الثالث الابتدائي "استعمل المخدرات قبل ثلاث او اربع سنوات ثم تاب وبدأ يصلي بعد ان ضربه اخوته."

ويقول ابوه محمد الخودري "لم نره لمدة 15 يوما. دار بيننا نقاش حاد. نصحته بأن يعود الى مهنته كلحام لكنه اصر على مساعدتي في بيع النعناع فنصحته بأن يترك لي الشقاء وحدي ويلتفت الى مستقبله فغضب وخرج الى ان سمعنا بالخبر الصدمة."

ويعاني أكثر من خمسة ملايين نسمة من سكان المغرب البالغ عددهم 30 مليونا من الفقر و40 في المئة منهم أميون.

وبعد مرور عام على تفجيرات 2003 أطلقت الحكومة خطة اسكان لمساعدة الاسر الفقيرة ومنها 270 ألف أسرة تعيش في عشوائيات حول الدار البيضاء ومدن رئيسية أخرى.

وتعهدت الدولة بمحاربة السكن الغير اللائق وقالت إنها تعتزم إعادة اسكان مئات الاسر التي تقطن أحياء عشوائية بالدار البيضاء ومنها دوار السكويلة وطوما وسيدي مومن في اطار مشروع يتكلف نحو 37 مليون دولار.

وتعد الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة وأكبر مدينة بالمغرب ويقطنها زهاء أربعة ملايين نسمة وبها نحو 388 حيا عشوائيا يعيش بها نحو 64225 اسرة.

ويقول المغرب إنه وضع خطة للقضاء على السكن الغير اللائق في 70 مدينة بحلول 2010.

وقال محمد (23 سنة) ويشتغل حلاقا "سمعنا هذا الكلام من قبل ولم نر شيئا. الحي مازال كما كان وكل شيء واضح للعيان."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 18 آذار/2007 -28/صفر/1428