مصطلحات اجتماعية: السيطرة الاجتماعية أو الضبط الاجتماعي

مصطلحات اجتماعية: السيطرة الاجتماعية أو الضبط الاجتماعي

Social Control 

شبكة النبأ: يستعمل اصطلاح (الضبط الاجتماعي) في ذلك الجزء من النظرية الاجتماعية الذي يهتم بدراسة أساليب المحافظة على النظام والاستقرار، أو قد يستعمل بمعناه الضيق الذي يشير إلى الوسائل الاخصائية التي تستعمل للمحافظة على النظام كالقوانين والمحاكم وقوات الأمن والشرطة، وأحياناً يستعمل في دراسة المؤسسات الاجتماعية وعلاقتها الواحدة بالأخرى وقت قيامها بالمحافظة على الاستقرار الاجتماعي وهذه المؤسسات هي المؤسسات الشرعية والدينية والسياسية. يدرس موضوع الضبط الاجتماعي عادة طبيعة وأسباب الاستقرار والتغير في المجتمعات الراقية. أما علماء الانثروبولوجيا الاجتماعية فيقومون بدراسة وسائل الضبط الاجتماعي في المجتمعات البدائية البسيطة التي يستعمل بعضها وسائل الضبط الاجتماعي الرسمية ويستعمل بعضها الآخر وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمية.

 متعلقات

الضبط الاجتماعي(1)

ان معنى الضبط الاجتماعي يحتوي على ابعاد خاصة منها مايتعلق بالسلوك اوغالبا مانجد في التاريخ ظهور وسائل ضبط مختلفة من اجل توجيه سلوك الفرد وكذلك الجماعة نحو مواقف محدودة. من تجارب (بافلوف )نجده استطاع التاثير على سلوك الكلب عن طريق الاشارات ( المثير ) المرتبة التي تعد كوسائل اتصال رمزي بينه وبين الكلب. اذا استطاع ان يضبط سلوك هذا الكلب الامر الذي يدفع الفرد للقول ان عملية الضبط الاجتماعي قد تستخدم بصورة ما في عالم الحيوان.

اما الابعاد الخاصة في عالم الانسان فان أي فرد يمكنه ان يفترض دراسة السلوك الاجتماعي المنضبط عن طريق المقارنات الثقافية بين المجتمعات وبعضها البعض حيث يؤدي ذلك الى اكتشاف معرفة تعميم أي عملية ثقافية وهذا بالتالي يؤدي الى تطور في المجتمع الانساني بعد دراسة ومعرفة النظم الاجتماعية الضابطة.

فالاسرة مثلا تعتبر من اقدم النظم الاجتماعية اذ تعتبر اداة اجتماعية ضابطة وان قل تاثيرها في المجتمعات المتقدمة، وكذلك الدين، النظم التربوية والاقتصادية كل هذة تعتبر نظماً

اجتماعية ضابطة حيث يكون لها تاثير فعال في توجيه سلوك الفرد.

ويعتبر مفهوم الضبط الاجتماعي لسلوك الفرد والجماعة من المشاكل النظرية في العلوم الاجتماعية حيث ان المعاملة التي يتلقاها من غيرة توثر في افعالة وتوقعاته من الاخرين على سبيل المثال نجد في بعض الافراد يكون سلوكهم الياس على الرغم من انهم يعيشون في اطار مجتمع منظم.

ويفسر (ماكلنج 1969)عملية الضبط الاجتماعي اذ يرى ان حياة الجماعة الاولية يكون العضو فيها اكثر حساسية للدور الذي يقوم به بينما في الجمع الكبير يفقد العضو ذاته وسط هذا الجمع الكبير في الحالتين فان وسيلة الضبط غير الرسمي تتم رغم رغبة الفرد بينما يتم الضبط الرسمي عندما تتطور سلوكيات الاعضاء وذلك باجتماعهم معا في اطار رسمي .

الضبط والحرية(2)

نتصور في كثير من الأحيان، إن أزمة الحرية ومعوقاتها، هي قضية تخص الفرد أو الجماعة، النشطاء والمبدعين، في مواجهة السلطة السياسية أو الدينية. فالمقابل للحرية، هو سلطة تمنع هذه الحرية أو تسمح بها. ولكن قضية الحرية في واقعها، تخص معاني أكبر من هذا، لأن في أي مجتمع أو أمة، هناك سلطة اجتماعية، يغلب عليها صفة العرفية والشفاهية. فالمجتمع بوصفه وحدة واحدة، يجوز قدراً كبيراً من السلطة تجاه الجماعات والأفراد المنتمين إليه. والمجتمع يمارس سلطته من خلال الضبط الاجتماعي، وهو آلية مهمة في أية جماعة، نتصور أنه لم توجد جماعة أو شعب بدونها، في السابق ولا في الحاضر، كذلك في المستقبل.

والضبط الاجتماعي، هو ممارسة شعبية وجماهيرية، يقوم بها الأفراد بشكل فطري تلقائي، في ترجمة واضحة لما هو متفق عليه بين الجميع. وبالتالي، فإن هذه الآلية الاجتماعية، تعتمد في المقام الأول على ما هو محل اتفاق، وبالتالي، على وجود هذا المشترك. والمتفق عليه، في كثير من الأحيان، يتحول إلى قانون ونظم رسمية، عندما تكون الأخيرة مستمدة من الأولى.

ولكن جانباً، مما هو متفق عليه، يظل محلاً للنقل الشفاهي، مشكلاً وعياً جمعياً. لذلك، ففي أي مجتمع، هناك مجال للقانون، ومجال آخر للعرف. والأخير بهذا المعنى، هو قانون اجتماعي. تتفق عليه الأمة، وتفرضه دون ممارسة سلطة منظمة، ودون اللجوء لسلطة ما. وتقوم الأمة بفرض ما اتفقت عليه من أعراف، خلال الضبط الاجتماعي.

وهذه العملية، تتم بشكل تلقائي، ولها قانونها الخاص من حيث الثواب والعقاب، وكلاهما يتم في حدود ضيقة ولكن مؤثرة. فالثواب الاجتماعي، هو القبول، والمدح، والتدعيم المعنوي. إما العقاب، فهو النبذ، والذم والعزل الاجتماعي.

بهذا المعنى، فإن الفرد أو الجماعة، عندما يسلكان من خلال العرف السائد، فإن المجتمع يدعم ذلك من خلال قبوله للسلوك واعترافه به، وتدعيمه، وربما تمجيده عندما يتميز، ويعلى شأنه. وفي المقابل، فإن السلوك الخارج عن الأعراف، يقابل بالرفض والذم، والضغط الاجتماعي، المهدد للفاعل بالعزل والتجنب والنبذ.

وربما تبدو أدوات الضبط الاجتماعي، غير فاعلة، إذا ما قورنت بالعقاب القانوني، واستخدام السلطة السياسية، وكذلك إذا قورنت بأدوات البطش على تنوعها. والواقع أن المقارنة ليست في محلها. فالقانون وضع لمعالجة السلوك الذي يهدد سلامة المجتمع، والسلطة السياسية يفترض فيها أن تعالج ما يهدر نظام المجتمع. وبالتالي، فالشكل الرسمي من العقاب، وضع كي يعالج السلوك الذي (يهدم) المجتمع وبناءه، ويعرض الأمة للخطر. فهو إذن، سلوك يتجاوز كونه غير مقبول، ليصبح فاعلاً في التأثير السلبي على الآخرين، أفراداً أو جماعات. وأمام ذلك السلوك، يصبح القانون فاعلاً،ومدعوماً بقوة الدولة، التي تفرض النظام العام، وتمنع انهياره.

ولكن الضبط الاجتماعي، معني بالسلوك الخارج عن الأعراف، دون أن يكون ذلك خروجاً على النظام العام، يفضي إلى تحطيم أسس هذا النظام. بهذا المعنى، هناك مستويات للسلوك الشاذ، مستوى يواجه بالقانون ومستوى آخر يواجه بالضبط الاجتماعي، والفرق الرئيسي بينهم، في نتائج السلوك، ومدى تجاوزها للآخرين، وإلحاق الضرر بهم.

بهذا فإن ممارسة الحرية، تواجه بالحدود التي يفرضها القانون، وتتعرض لعقابه،وكذلك تتعرض للحدود التي يرسمها العرف، وتتعرض لمواجهته. ولكن حجم ما يمارس من حرية، ويواجه بالقانون، مقارناً بحجم ما يمارس من حرية، ويواجه بالضبط الاجتماعي، أمر له دلالته المهمة، وكذلك له تأثيره على الأمة، وقدرتها على ممارسة التطور والإبداع. فإذا كانت كل ممارسة للحرية، تقع تحت طائلة القانون، فإن المتاح للتجديد والإبداع يتضاءل حتى يصل إلى أقل درجة، وربما ينعدم. أما إذا كان الجزء الأكبر من ممارسة الحرية يخضع للضبط الاجتماعي، فإن ممارسة الحرية توضع على محك اختبار للمصداقية والمسؤولية والقبول، وبالتالي يتم ترشيد الحرية، حتى تكون بحق تجديداً وإبداعاً.

ولكن إذا تصورنا أن ممارسة الحرية، هي فعل متجاوز للضوابط والمعايير والقوانين، أو أنه فعل مسموح به قانوناً، وغير خاضع للأعراف، فإن ذلك التصور مفض بلا شك للفوضى والعبث. لأن ممارسة الحرية، لا تعني أن السلوك حر في فضاء غير محدد المعالم، فأي سلوك مرهون بالبيئة والمواقف المحيطة به، بل إن السلوك يكتسب دلالته مما يحيط به. وعندما نتكلم عن حرية الفرد، فإننا ندرك بالتالي، أن فعله الحر يسير خلال سياق محيط، وكلما جعلنا حرية الفرد مطلقة، سحبنا من حرية السياق المحيط به. وتلك هي القاعدة الأولى في الحرية. لأن المساحة المتاحة للفرد، أن يتحرك فيها بحرية، هي المساحة التي لا تؤثر على حريات الآخرين.

والمشكلة لدينا، أننا تصورنا التقدم الغربي، بوصفه نتاج فعل الحرية المطلقة، وادعى البعض منا ذلك، وخصوصاً وكلاء الغرب الثقافيين. وهذا الأمر غير صحيح، حتى في الغرب نفسه، لأن تنظيم الحريات، شرط لممارسة الحرية. والتنظيم فاعل بأدوات عدة، من خلالها يفرض الاتفاق العام للمجتمع، على المجتمع. فمثلاً، نجد في الغرب الآن، موجة من الكراهية المنظمة ضد العرب والمسلمين، وضد الاسلام. هذه الموجة وصلت ـ للأسف ـ لحد الاتفاق العام، من خلال سيطرة وسائل الإعلام، ومداعبة العنصرية الغربية. ولذلك، فإن أية رسائل تصدر عن غربيين، وتظهر اقتناعها بتسامح الاسلام، وتؤكد تعاطفها مع العرب والمسلمين، مثل هذه الرسائل تواجه بضغوط شديدة، تجعلها لا تجد طريقها للعقل الغربي، وربما تجد طريقها للعقل العربي والاسلامي فقط.

لذلك، فالغرب يمارس الضبط الاجتماعي، من خلال الأفراد والمؤسسات، ودون اللجوء للقانون. وبالتالي فإن كتابات مثل كتابات فرنسوا بورجا، قد تلقى تعنتاً ورفضاً، وضغوطاً، ولكنها لا تمنع، ولا تصادر حريته، رغم أن ممارسته للحرية قد تلحق بحياته ضرراً مادياً ومعنوياً. وهذا الضبط يؤدي في النهاية للحد من انتشار آرائه حول ظاهرة الاسلام السياسي، وهي من أكثر الرؤى الموضوعية، التي لا تتحيز للاسلام السياسي، قدر تحيزها للرؤية الموضوعية.

نعني بذلك أن ممارسة حرية الفكر هي موضوع لممارسة الضبط الاجتماعي، والخروج عن ثوابت الأمة فكراً، هو فعل يواجه من الأمة نفسها أفراداً وجماعات ومؤسسات، ولا يجب أن يواجه بالقانون. لهذا، فإن إخفاق الضبط الاجتماعي، يؤدي إلى استخدام القانون في غير محله. كذلك فإن محاولة ضرب آليات الضبط الاجتماعي، والتقليل من فاعليتها، يؤدي إلى محاولة فرض الأعراف، والثوابت، بالقانون.

وما نبحث عنه، هو التوازن، الذي يعطي الأمة حقها، في إعلان ثوابتها، وحقها في ممارسة الضبط الاجتماعي، وقصر القانون على مجاله، أي حدود الفعل المادي الهادم للآخرين وحريتهم وممتلكاتهم، والهادم للنظام العام. وتنظيم تلك المجالات، يسمح بقدر أكبر من الحرية، وخاصة في مجال الفكر والإبداع؛ لأن آليات الضبط الاجتماعي التي تمارسها الأمة، هي آليات عزل، دون تدمير. وآليات نبذ، دون منع. وتلك حقيقة هامة. فدعاة الغرب، حسب ظني، يهاجمون أية محاولة للأمة لتمارس دورها في الضبط الاجتماعي، لأن الدعوة للحضارة الغربية، ليست فقط تخرج عن العرف والثوابت، بل تخرج عن هوية الأمة تماماً. لذلك، فإن رسالة وكلاء الغرب، تنحصر في تحييد القانون والضبط الاجتماعي معاً، وهو أمر لن يتحقق، وفي نفس الوقت فإنه لا يعني سوى استحلال كيان الأمة، ومحاولة العبث فيه، وإخراجه من ذاته.

وهذا الموقف في ظني، يؤدي إلى محاولة أخرى لا تقل خطورة، وهي تلك الداعية إلى مواجهة كل خروج عن العرف بالقانون، وكل تجاوز للثوابت بالقانون. وهذه الدعوة تحول مجال الضبط الاجتماعي، إلى مجال القانون، وهنا نتعرض لقضية هامة، وهي تحويل ثوابت الأمة إلى مقولات، تتبناها سلطة، أو فئة، وهو أمر مناف لدور الأمة، وآليات إجماعها واتفاقها، التي تتميز دائماً بالرحابة، لأنها اتفاق ضمني وليس نصياً.

وما بين محاولة للخروج عن الثوابت، والإفلات من كل وسائل الضبط، ومحاولة لجعل ثوابت الأمة ودورها يحال إلى القانون، يفقد المجتمع توازنه، ويفقد بالتالي قدرته على تحمل الحرية. فالحرية المتجاوزة للأمة تهديد لها، والحرية المعاقبة بالقانون تهديد للمبدع والمفكر، وكلاهما لا يؤدي إلى التطور ولا التجديد. والأصح هو إفعال آليات الضبط الاجتماعي، فيما يخص حرية الفكر والإبداع، لأنها آليات تحاور الفكر بدرجة أو أخرى، وتحاوره على حسب مضمونه. فالضبط الاجتماعي لا يعرف العقاب الرادع، ولا يعرف البنود المحددة، بل يعرف التعامل مع الفضاء الواسع من الدرجات والحالات، ويعرف أيضاً التعامل مع الحالات البينية. لذلك فإن في الضبط الاجتماعي، مساحة دائماً لتجاوز غير المسموح، ولكن بدرجات محددة. فالمجتمع يقبل الفكر المغاير نسبياً، ويرفض الفكر المتجاوز للمقدس والثوابت. وفي كل الحالات، فإن مواجهة الفكر بالفكر، ومواجهته بالعزل والنبذ، تعني أن الفكر المرفوض، ما زال يملك حق الوجود، واستمراره سيكون نتاجاً لمدى قدرة هذا الفكر على إثبات ملاءمته للأمة. وبهذا تمارس حرية الفكر، دون أن تهدم مقدسات الأمة، لأن الأمة تدافع عن نفسها. وأيضاً تمارس حرية الفكر دون أن تكون قيداً على آليات الأمة للدفاع عن نفسها، ودون أن تتحول مواجهة الفكر إلى ساحات القضاء. بهذا تصبح الأمة هي صاحبة الحق في الاعتراف بفكر ما، ورفض آخر.

مؤتمر التربية العربي: التحديات المشتركة وسبل التعاون المستقبلية(3)

هل وظيفة التربية المدنية هي تأسيس أو تأمين الضبط الاجتماعي؟ أجيب بنعم، إن وظيفة التربية المدنية هي تأمين الضبط الاجتماعي، وهذا تعترف به مختلف الأنظمة إذ أن التربية المدنية والمدرسة عموماً، وظيفتها تأمين الضبط الاجتماعي، (Social control) . إذاً، لا تكمن المشكلة هنا في أن تكون وظيفة التربية المدنية الضبط الاجتماعي، فالتربية في المنـزل تتم على أساس الضبط، وعلى أساس تكوين كائن اجتماعي في هذا الجسم البيولوجي. إذاً، هناك عملية ضبط تبدأ في البيت، أما وظيفة المدرسة، فهي استكمال عناصر هذا الضبط في مجالات لم تتعامل معها الأسرة.

التربية المدنية وظيفتها تأمين هذا الجانب من الضبط الاجتماعي الذي له علاقة بحياتنا المدنية وبالدولة. وبالتالي القضية ليست في أن تكون وظيفة التربية ضبطاً اجتماعياً أم لا؛ القضية

هي: هل تكتفي التربية المدنية بوظيفة الضبط الاجتماعي؟

برأيي، ثمة عناصر تغيير في التربية المدنية؛ ولتجاوز الوضع الناتج عن أي نظام كان وفي أي ظروف كانت، سوف نعترف بأن كل نظام اجتماعي، وكل نظام سياسي له تربيته المدنية. ولكن، هل نؤيد هذا النظام عبر تربية مدنية، أم إن هناك إمكانية لتزويد التلاميذ بعناصر التغيير عبر التربية المدنية؟ أظن أن هناك ثلاثة عناصر يمكن ممارستها، أو العمل عليها من خلال التربية المدنية، لتجاوز تقدمي للنظام الموجود.

العنصر الأول، هو استقلالية التلميذ، يعني أن يشعر التلميذ بأنه يتمتع بقدر من استقلالية التفكير والتعبير عن الرأي، وإتاحة الفرصة أمامه لكي يعبر عما يدور من حوله، وهذا عنصر أساسي ورئيسي في التطوير المدني.

العنصر الثاني، هو استخدام العقل. يجب أن نبني المنهج بطريقة أن نعطي التلاميذ فرصاً للتعبير عن استقلاليتهم، وان يستخدموا عقلهم ويخاطبوا وأن يعطوا الفرص لكي يفتشوا عن مسار المعلومات، ولكي يدافعوا عن رأيهم، ويقنعوا غيرهم ويقتنعوا بآراء غيرهم.

العنصر الثالث، وهو عنصر مهم، هو إمكانية "الانخراط" في تيارات أو وجهات نظر. فلا بأس إذا انقسم الرأي أو الصف، وظهر رأيان، واجتمع كل فريق على دعم رأيه. فهذه التيارات هي محاولة لإيجاد أو لابتكار بدائل للمشاكل المطروحة. وابتكار البدائل في هذا المستوى، هو مقدمة للبدائل والتيارات الموجودة والتي تمثلها أصلاً التجمعات المدنية عموماً، وهذه التجمعات المدنية توازي التجمعات السياسية من حيث البدائل والتيارات، وكلها حلقات تترابط باتجاه التغيير الاجتماعي.

ولا بأس من حين إلى آخر وحسب الموضوعات، أن تكون هناك تيارات في الصف، للدفاع عن الآراء المطروحة، لأن هذا جزء من عملية إلحاق التلاميذ لاحقاً بالمجتمع المدني، وبالتجمعات التطوعية للمجتمع المدني.

بحوث في علم الاجتماع الاسلامي(4)

نظرية الضبط الاجتماعي  

وتعتقد نظرية الضبط الاجتماعي ان الانحراف ظاهرة ناتجة عن فشل السيطرة الاجتماعية على الافراد. فتبدأ بطرح رأيها عبر تساؤل غير معهود قائلة: كيف لا ينحرف الافرا د، وامام اعينهم كل هذه المغريات؟ فللانحراف اذن، حسب زعمها، مكافأة اجتماعية يحصل عليها المنحرف مهما كان نوع انحرافه. والاصل ان سلوك الافراد المعتدل في النظام الاجتماعي انما ينشأمن سيطرة المجتمع، عن طريق القانون، على تعاملهم مع الآخرين، ولكن لو ألغي القانون الهادف الى تنظيم حياة الناس، لما حصل هذا الاعتدال الاجتماعي في السلوك ، ولانحرف افراد المجتمع بسبب الرغبات والشهوات الشخصية.

 وتعتمد هذه النظرية على تجارب اميلي دركيهايم ايضاً، الذي اكد على ان الانحراف يتناسب عكسياً مع العلاقة الاجتماعية بين الافراد، فالمجتمع المتماسك رحمياً يتضاءل فيه الانحراف، على عكس المجتمع المنحل. فلو درسنا نسب انتحار الافراد في المجتمع الانساني للاحظنا انها اكثر انتشارا في المجتمعات التي لا تقيم لصلة الرحم وزناً والمجتمعات التي لاتهتم بعلاقات القربى والعشيرة. وعلى هذا الاساس بنى رواد هذه النظرية رأيهم القائل بأن افراد المجتمع المتماسك من ناحية العلاقات الرحمية والانسانية اكثر طاعة للقانون واكثر اتباعاً للقيم التي يؤمن بها من افراد المجتمع المتحلل في علاقات افراده الاجتماعية.

ويرى رواد هذه النظرية، انه من اجل منع الانحراف الاجتماعي بين الافراد لابد من اجتماع اربعة عناصر هي:

1ـ الرحم والقرابة: حيث ان شعور الافراد بصلاتهم الاجتماعية المتينة يقلل من فرص انحرافهم. فالفرد يشعر بالمسؤولية الاخلاقية والالزام العاطفي في اغلب الاحيان، تجاه عائلته واصدقائه وعشيرته. وهذه المسؤولية حكمها حكم القانون الاجتماعي في المجتمعات الانسانية ، فاي خرق لهذه القوانين الاجتماعية يؤدي الى عزل الفرد المنتهك لحرمتها، اجتماعياً؛ وهذا العزل يعتبر عقوبة شخصية رادعة، لان المقاطعة الاجتماعية عقوبة قاهرة ضد المنحرف. اما الافراد الذين لا تربطهم صلة رحم او قرابة بالآخرين، فهم اقل اكتراثاً للمخاطر التي يترتب عليها ارتكاب الجرم او الجناية، لان السرقة مثلا لا تعرض التزاماتهم الاجتماعية للخطر، فانهم ابتداء لا يلزمون انفسهم بالالتزامات الشخصية المعهودة بين الافراد.

 2 ـ الانشغال الاجتماعي: وهو انغماس الفرد في نشاطات اجتماعية سليمة تستهلك طاقته الفكرية والجسدية، كالخطابة، والكتابة والهوايات الرياضية والرحلات وادارة الجمعيات الخيرية. وهذا الانشغال يقلل من فرص الانحراف. اما الافراد الذين لا يملكون عملاً او هواية تستوعب اوقاتهم ، فغالباً ما تنفتح لهم ابواب الانحراف.

 3 ـ الالتزام والمتعلقات: وهو استثمار الافراد اموالهم عن طريق شراء وتملك العقارات والمنافع والمصالح التجارية. ولا شك ان مصلحة هؤلاء الافراد المالية والتجارية تقتضي منهم دعم القانون والنظام الاجتماعي. اما اولئك الذين لا يملكون داراً او عقارا او لا يستثمرون في المجتمع اموالهم ولا اولادهم، فانهم معرضون للانحراف اكثر من غيرهم.

 4 ـ الاعتقاد: وهو ان الاديان عموماً تدعو معتنقيها الى الالتزام بالقيم والمبادئ الخلقية. فالمؤمنون بالاديان السماوية يحرمون على انفسهم سرقة اموال الغير، لان هذه الاديان تأمرهم بالتكسب الشرعي الحلال وبذلك تضمن لهم معيشة كريمة. ويقوم الدين ايضا بتهذيب السلوك الشخصي للافراد في كل مجالات الحياة الاجتماعية.

وبالجملة، فان الافراد الذين تربطهم الاواصر الاجتماعية المتينة، وينغمسون في اعمالهم

ونشاطاتهم ويستثمرون في المجتمع اموالهم واولادهم ويطبقون بكل ايمان احكام دينهم، فهؤلاء تتضاءل عندهم فرص الانحراف الاجتماعي، وتزداد من خلال سلوكهم فرص الاستقرار والثبات على الخط الاجتماعي السليم.

نقد نظرية الضبط الاجتماعي 

ولا شك ان هذه النظرية تعد من اقرب النظريات الرأسمالية للواقع الاجتماعي، وافضلها على الاطلاق من حيث تحليل الرابط الاجتماعي ودوره في تقليل الجريمة. فالمشردون والجياع في المجتمعات الانسانية يفتقدون الارحام والاقارب افتقاداً مادياً ومعنوياً، فقد ينحرف الابن اذا افتقد المعيل، وقد تنحرف البنت اذا كان ولي امرها منغمساً بشهواته ولذاته. هؤلاء الجياع والمشردون يشكلون بذور الجريمة في المجتمع الانساني، وما الازقة الظالمة في المدن الكبيرة الا اراضي خصبة لانبات الانحراف، لان هؤلاء المشردين يفتقدون العناصر الاربعة التي آمنت نظرية الضبط الاجتماعي بضرورة تواجدها، لبناء المجتمع السليم الخالي من امراض الانحراف.

ومع كل هذه النواحي الايجابية في نظرية الضبط، الا انها لا تخلو من هفوات ونواقص ايضاً . فهي لا تتعرض الى الانحراف بين افراد الطبقة الرأسمالية الغنية الذين تتوفر فيهم جميع عناصر منع الانحراف الاجتماعي. فالرأسماليون الاغنياء، يتمتعون بافضل الصلات العائلية، ويمارسون افضل الهوايات البدنية، والفكرية، ويستثمرون اموالهم المتراكمة في العقارات والمزارع والمصانع، ويعتقدون بديانتهم النصرانية واليهودية، ولكن الكثير منهم مع كل ذلك يرتكب جرائم الاغتصاب الجنيسي، والسرقات العظيمة، واستخدام المخدرات، والتآمر لقتل المناوئين. وهؤلاء الافراد الاغنياء متكاملون مع النظام الاجتماعي مدافعون عنه بكل حماس لانه يحميهم ويحمي ممتلكاتهم، ولكنهم مع ذلك ينحرفون عن المجرى الاخلاقي العام، فكيف تفسر نظرية الضبط الاجتماعي هذا السلوك؟ وكيف تفسر هذه النظرية انحراف الافراد الذين يملكون استثمارات واسعة، لا لشيء الا لزيادة الثروة والسيطرة على مقدرات النظام الاجتماعي؟ الا يعد خرق القوانين الاقتصادية المقررة من قبل النظام الاجتماعي انحرافاً عن خط المجرى العام للمجتمع؟ او ليس خرق القوانين والتعليمات السياسية المقررة من قبل النظام السياسي انحرافاً عن الخط الاجتماعي العام؟

تأثير التلفاز على المجتمع(5)

الضبط الاجتماعي Social Control

مما لا شك فيه أن عملية الضبط الاجتماعي تمثل عنصراً أساسياً في استقرار أي مجتمع تقوم عليه مؤسسات أمنية واجتماعية وفق نظم وقوانين ولوائح، غير أن هناك وسائل أخرى تمثل سلطة قائمة في المجتمع تعمل على الإسهام الجاد في عملية الضبط الاجتماعي وهي تلك التي تنبع من نفس المواطن وإحساسه بالانتماء بواجب الولاء بدافع ذاتي حضاري حتى ولو لم يكن هنالك رجل أمن أو ممثل للقانون ويتم ذلك عن قناعة ورضا، وقد قسم بعض المختصين هذا الجانب من عوامل الضبط الاجتماعي إلى ثلاثة أنواع.

(‌أ)  ما كان متعلقاً بأعراف المجتمع وتقاليده.

(‌ب) ما هو مرتبط بقيم الشخص وقناعاته.

(‌ج) ما يتعلق بقبول الآخرين ومواقفهم.

بالنسبة للجانب الأول وهو ما يتعلق بالقيم والأعراف الراسخة والقائمة في المجتمع فإنها تمثل عاملاً أساسياً في قيام ظاهرة الضبط الاجتماعي مثل قيم الشرف والمواطنة وهي قيم تحكم ضبط المجتمع ككل، أما بالنسبة  للقيم التي يرتبط بها الشخص ويلتزم بها بدافع ذاتي أو تعود ونشأ عليها فهي تحدد طريقة تعامله مع الآخرين وتبقي القواعد التي تنظم طرق التعامل مع الآخرين حيث يلتزم الفرد بما يلتزم به أفراد المجتمع في المظهر أو السلوك كالملبس ومواقف المجاملات والمواساة وغيرها.

وهنا نجد أن وسائل الإعلام تصبح أداة من أدوات الضبط الاجتماعي من حيث اعتماد الناس عليها في استيفاء  المعلومة وبالتالي تحديد وتبصير الناس بما يصح وما لا يصح من أقوال أو أفعال وما تروجه من قيم ومعتقدات مما يجعل منها مصدراً ومكوناً من مكونات العرف الذي قد يجد قبولاً من الجمهور المتلقي، إن وسائل الإعلام تعمل إلى حد ما على توحيد الناس على ثقافة قد يصبح الخروج عليها  أمراً غير مقبول.

لقد ظهرت عادات وقيم جديدة مكان عادات وقيم كانت سائدة وأصبحت هذه العادات الجديدة تمثل صوراً من صور الضبط الاجتماعي وذلك من خلال الرسائل المتكررة لوسائل إعلامية مؤثرة بل إن بعض عوامل الضبط الاجتماعي أصبحت بلا أثر ولم تعد تحتل موقعها القديم بعد أن وجدت الاستهجان أو الإنكار أو التعتيم من جانب رسائل الإعلام، ومع ذلك كله فإن وسائل الإعلام تقوم أصلاً على دعم تعزيز القيم السائدة في المجتمع حيث أنها من المفروض أن تكون على طبيعة محافظة.  

الشباب في الخليج

ملف ساخن وحلول مؤجلة(6)

ضعف الضبط الاجتماعي

تلعب البيئة الاجتماعية دورا مفصلياً في ضبط سلوكيات الافراد وتشكيل طباعهم، فالبيئة تعكس نفسها على شخصية الفرد، وتساهم بشكل كبير في صوغ اخلاقياته وميوله النفسية والثقافية والاجتماعية، كما توفر البيئة الاجتماعية قوة ردع معنوية مؤثرة تحول دون اختراق النظام العام، وتهديد الاستقرار الاجتماعي، أو اقتحام حريم المقدسات الاجتماعية بما فيها العادات والتقاليد الموروثة.

وقد نجادل ـ أحياناً ـ بأن مجتمعاتنا وبفعل امتثالها لتعاليم الدين الحنيف، تعتبر بيئة صحيّة لتربية أفراد ملتزمين دينياً وأدبياً، وتالياً امتلاكهم القابلية للرقي العلمي والخلقي، سعياً الى المقاصد الحضارية الكبرى التي تنتظرهم في بناء المجتمعات المتقدمة.

ولكن، نلحظ في السنوات الاخيرة، أن ثمة تراخياً قد تسرب الى البيئة الاجتماعية بوصفها وسيطاً صحياً مناسباً للفضيلة والرقي، انعكس في حالات اختراق متكررة للنظام العام، فيما ضعفت البيئة الاجتماعية عن كونها أداة ردع  وكابح للحد من الاختراقات، وأسباب ذلك عائدة الى تنامي الميول الانعزالية ذات الطابع الفردي في مجتمعاتنا، وفقدان الأمل في صلاح الحال بعد أن اتسعت رقعة الفساد وأخذت أشكالاً متعددة في المعاملات التجارية، والعلاقات الاجتماعية، والاخلاق العامة...الخ

والواقع، أن السبيل الى تقويم الاعوجاج لا يكمن في تسوية مشكلة جزئية هنا، واشكالية اخلاقية هناك، بقدر الحاجة الى استراتيجية اجتماعية عامة تهدف الى اعادة بناء النظام الاجتماعي وفق متطلبات متطورة بحسب تطور الحاجات الجديدة للافراد، مع الحفاظ على شروط وخصوصيات  المجتمع، أي بكلام ثانٍ اعادة تفعيل البيئة الاجتماعية، عبر تنشيط الروح الجمعية، وتحفيز  العمل الجمعي، وتشجيع المؤسسات الاهلية، أي توفير شروط قيام المجتمع المدني الذي يدير ذاته بذاته، ويوفر ذاتياً الوقاية المطلوبة لأفراده، بما يحقق مقومات النهوض كيما يعمل المجتمع على تسوير داخله وتحصين أفراده، وتالياً تحوّله الى مصهر تربوي للافراد.

......................................................................

 1- د. نبراس محمد/ الحصن النفسي

 2- د. رفيق حبيب/ البلاغ

 3- الدكتور عدنان الأمين/ مركز الدراسات اللبناني

 4- زهير الاعرجي/ موقع مؤلفات زهير الاعرجي

 5- د. أحمد حسن محمد/ شبكة المشكاة الإسلامية

 6- منيرة عبد الرزاق/ قضايا الخليج

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29 نيسان/2007 -10/ربيع الثاني/1428