ذكرى وفاة النبي (ص) في 28 صفر: تأسيس لنهج التسامح ودعوة للتأسي بسيرته

النبأ/كتب: صباح جاسم

 شبكة النبأ: في البدء نعزي انفسنا والعالم الاسلامي ومراجعنا العظام بذكرى وفاة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه واله وسلم.

تمر علينا هذه المناسبة الاليمة لتزيد الاسى الذي يعاني منه المسلمون في اغلب بقاع الارض بين حرمان وفقر وتخلف وجزع، بالاضافة الى استعمار ثقافي وهجمة عالمية شرسة الغرض منها افراغ الاسلام الحنيف من محتواه الانساني العظيم واغراق المسلمين في تيارات علمانية وثقافات لا تمت للاسلام بصلة جعلت منا شعوبا مستهلكة لكل شئ وغير منتجة لاي شئ  سوى ثقافات التطرف والعنف الاعمى، اضافة الى عجزنا عن ايصال الافكار والمفاهيم الانسانية التي جاء بها منقذ البشرية وخاتم النبيين محمد (ص) الى انحاء العالم بصورة حضارية يمكن للمتلقي من خلالها ان يستشعر ويستحسن التعاليم السمحاء التي بقيت لقرون عديدة مصدر الهام الشعوب في اصقاع الارض للتقدم والرقي والازدهار.

ان السنّة او النظام والاحكام والقوانين التي اسسها نبي الانسانية محمد (ص) مثلها مثل النبي نفسه، فهي افضل واكمل القوانين والاحكام التي نزلت على الارض منذ خلقها، فاذا ما طبقت اليوم فانها ستحقق ما تحقق في العالم من نور وعلم وثقافة وعدالة قبل الف واربعمائة عام، وسيتحقق ايضا تاويل قول الله تعالى "ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا" وسنرى ملايين غير المسلمين يدخلون في الاسلام، والطريق لاستعادة هذه الامجاد لا يتحقق لنا الا بإتباع سيرة النبي الاعظم (ص) والتأسي بسياساته وحنكته وحكمته الالهية.

ولابد لنا ان نورد في هذا الموضع بعض المبادئ والمثل العليا والسياسات العادلة للمصطفى(ص) التي تستمد وحيها من رب العزة سبحانه وتعالى.

سياسة الاستقامة والصمود: اعلن النبي محمد(ص) عن الصمود العظيم في بدأ دعوته عندما بعث المشركون عمه ابو طالب(ع) اليه يستميلونه ويطلبون منه التراجع عن الدعوة الى الاسلام، فقال (ص) "ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على ان اترك هذا الامر مافعلت".

فارادوا قتله عدة مرات فصمد ولم يتزحزح قيد انملة عن دعوته المباركة حتى قال الله تعالى"واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك".

وقالوا تركه ربه وقلاه، فصمد حتى انزل الله تعالى فيه"والضحى* والليل اذا سجى ما ودعك ربك وما قلى".

واستهزؤوا به، فصمد صلوات الله عليه حتى نزلت الاية"انا كفيناك المستهزئين".

ونسبوه الى الجنون، فصمد حتى نزل قول الله تعالى فيه"بسم الله الرحمن الرحيم*ن والقلم وما يسطرون*ما انت بنعمة ربك بمجنون".

سياسة الشجاعة: وضرب الرسول الاعظم (ص) المثل الاعلى في سياسته الشجاعة التي لا تعرف الجبن والتقاعس، فهذا امير المؤمنين علي(ع) وهو الشجاع الذي لم يشق له غبار، يقول، كنا اذا اشتد الباس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله(ص) ولذنا به.

وعنه عليه السلام ايضا،"لقد رايتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي(ص) وهو اقربنا الى العدو وكان من اشد الناس يومئذ بأسا".

وتذكر الروايات ان النبي (ص) يوم حنين قد فرّ عنه معظم اصحابه، وجعل المشركون يقتربون من رسول الله(ص) يريدون الوصول اليه وقتله، وكان يدافع عنه امير المؤمنين علي (ع)، في ذلك الموقف الرهيب الذي انهزم فيه الشجعان خاض النبي(ص) الساحة بشجاعة فائقة وهو يقول"انا النبي لا كذب ...انا ابن عبد المطلب".

سياسة العفو: لقد مثل النبي (ص) عفو الاسلام خير تمثيل، وافهم الجميع ان الاسلام جاء يريد الخير للجميع، لاولياءه واعدائه على السواء، وليس دينا يحقد على احد، وليست بعض ممارساته الصارمة نابعة من القسوة او الحنق، وانما هي نابعة عن روح تعميم العدالة واقامتها على الجميع.

ومن امثلة سياسة العفو عند الرسول (ص)، انه كان نائما في وقت الضحى في بعض غزواته في ظل شجرة وحده بعيدا عن اصحابه، وكانوا هم ايضا قائلون، فجاءه"غورث بن الحارث" ووقف على النبي مصلتاً سيفه رافعا يده على النبي(ص) وصاح به: من يمنعك مني يا ابا القاسم؟ فقال النبي(ص)، الله، فسقط السيف من يده، فبدر النبي الى السيف واخذه ورفعه على غورث قائلا له: يا غورث من يمنعك مني الان؟ فقال عفوك، وكن خير آخذ، فتركه النبي(ص) وعفا عنه.

فجاء غورث الى قومه وقال لهم"والله  جئتكم من عند خير الناس".

سياسة اكرام الوفود: كان النبي(ص) مضرب المثل في اكرامه للوفود التي تدخل عليه من القبائل والعشائر، وحتى من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، فيكرمهم ويحترمهم.

وذكر التاريخ، انه كان يرحب بالوفود بشخصه العظيم، ويوسع لرؤسائهم في المجالس، ويؤنسهم في الحديث، ويدعوا لهم ويغير الاسماء غير الجميلة منهم الى حسنة، ويحلم عن جاهلهم، ويعفوا عن مسيئهم، ويطلق الاسرى منهم عندما ترده وفود ترجوا ذلك.

وكان (ص) اذا قدمه وفد احسن ثيابه، وامر اصحابه بذلك احتراما للقادمين.

وهذه الممارسات الكريمة كانت تحمل الكثير منهم على اعتناق الاسلام  وترك مذاهبهم الباطلة وعبادة الاوثان والاديان المنحرفة.

سياسة الوفاء: ان سياسة الرسول(ص) التي هي بمعناها الصحيح: ادارة البلاد والعباد كما يحب الله تعالى ويرضاه كانت مبتنية ايضا على الوفاء بالوعد، والالتزام بالقول، والوفاء الخلقي، وقد ذكر المؤرخون الكثير من القصص الرائعة في ذلك ومنها:

انه في مكة المكرمة، وقبل البعثة النبوية تواعد الرسول (ص) مع شخص ان ينتظره حتى يجئ ذلك الشخص، فراح الرجل، ونسي وعده، وترك النبي(ص) يترقبه ثلاث ليال في المكان نفسه، وبعد ثلاث جاء الرجل ليجد النبي(ص) في المكان نفسه لا يزال ينتظر.

وذكروا، انه كانت لخديجة ام المؤمنين(ع) امراة صديقة لها حين تركها اقرباؤها ونساؤها وقريش كلهم، فكانت تتعاهد خديجة وتاتيها، وتؤنسها من الوحدة، فلما توفيت خديجة(ع) كان النبي(ص) يرسل بالهدايا الى تلك المراة وفاءا لها وكان(ص) يقول"انها كانت تحب خديجة وكانت تاتينا زمن خديجة وان حسن العهد من الايمان".

سياسة الرحمة: وقد ضرب النبي(ص) الرقم الاول في التاريخ كله في الرحمة بما لا مثيل لها عند اي عظيم وقائد.

ويقال انه وفد اعرابي على الرسول(ص) يطلب منه شيئا، فاعطاه النبي(ص) وقال له: احسنت اليك؟ قال الاعرابي: لا ولا اجملت. وذلك في مجلس النبي(ص) وفي محضر اصحابه المهاجرين والانصار، فغضب المسلمون وشق عليهم تحمل هذه القسوة من الاعرابي، فقام اليه الصحابة ليوبخه ويؤنبه، فاشار النبي(ص) اليهم أن كفّوا، ثم قام(ص) ودخل منزله وارسل اليه وزاده وقال، أأحسنت اليك؟ فقال الاعرابي. نعم فجزاك الله من اهل وعشيرة خيرا، وودع الاعرابي وخرج.

سياسة العطاء للصديق والعدو: كان رسول الله (ص) مضرب المثل في العطاء والكرم والجود، حتى قيل عنه انه يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.

فكان يعطي للمهاجرين، ويعطي للانصار، ويعطي لاهل المدينة، ويعطي لاهل القرى والارياف، ويعطي للمسلمين، وكذلك يعطي للمنافقين وحتى للكفار، تاليفا لقلوبهم وردعا لهم عن المؤامرات ضد الاسلام والمسلمين.

وقد حفظ التاريخ للنبي(ص) عطايا فريدة في بابها لاعدائه واعداء الاسلام امثال ابي سفيان واولاده ومن لف لفهم.

فقد ورد في الخبر، انه(ص) اجزل العطاء من غنائم حنين حتى لاعداء الاسلام، ابي سفيان وابنه معاوية، وعكرمة ابن ابي جهل، وصفوان ابن امية، والحرث ابن هشام، وسهيل بن عمرو، فكان (ص) يعطي الواحد منهم مائة من الابل ورعاتها، اكثر من ذلك واقل.

وكان صلوات الله عليه يتولى تربية افراد الامة بنفسه غالبا، ومهما سنحت الفرص، فيندمج معهم في الحديث ويصحح ما اخطئوا امعانا في جلب قلوبهم الى الله ورسوله، وتعميقا في هدايتهم الى سبيل الله والرشاد، ليغنموا حرث الدنيا والاخرة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 18 آذار/2007 -28/صفر/1428