جدوى التغير البيروقراطي والشريط الأحمر

يحيى حسين زامل

    يعرف بعضهم اصطلاح البيروقراطية: بأنها (أياً من الموظفين الحكوميين أو الإداريين الآخرين الذين يتصفون بسمات معينة هي الشكلانية المفرطة، واللا مرونة في الإجراءات والإصرار على منح الصلاحيات لدوائرهم وفرض القيود عليها، باستخدام الروتين الحكومي أو ما يعرف بـ (الشريط  الأحمر). (الموجز في المصطلحات والمفاهيم لنظم الدولة/ص25).

   ولقد عانى العراقي على مدى سنوات من ويلات البيروقراطية المعبئة بالروتين الممل والمقزز، في الكثير من مؤسسات الدولة المختلفة وملاحقها، حتى بات يكره أي مراجعة لأي دائرة ولو كانت معاملة أو طلب بسيط، وبات معروفاً ذلك التأخير واللف والدوران المتعمد أو غير المتعمد والفوضوي.

  حتى باتت تلك المراجعة التي تتطلب ساعة واحدة تطول إلى أيام وأسابيع وربما تضيع وتفقد تلك الطلبات  ويكررها المواطن  مرة أخرى جراء الإهمال واللا مسؤولية الإدارية.

   وهكذا تضيع ألأيام والسنين من أعمارنا وعمر بلادنا بسبب هذا الركام الغير مبالي بآدمية وحقوق الإنسان والوقت، والزمن الضائع الذي أصبح سمة من سمات دول العالم الثالث، فيما تغذ السير دول العالم الثاني الأول مستثمرة وقتها وزمنها وتتزاحم وتتنافس في تسابق مبهر لصدارة العالم وسيادته ليبقى عالمنا يرزح إلى كولونيالزمية منظمة تعرض البلاد إلى الاستغلال والاضطهاد السياسي والاقتصادي  والنفوذ الثقافي الذي  يعرض البلاد إلى التراجع في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وفي كل مجالات الحياة الأخرى.

 وهكذا تضيع السنين من طلبة العلم وتهدر الأموال الوقت والجهد لكل من له صلة بواقع حياة البلاد ومؤسساتها (من حرف وصناعات ونشاطات مختلفة) تحت سطوة الروتين المطبق بذريعة القوانين واللوائح والأنظمة البالية التي عفي عليها الزمن أو لعدم مسايرتها لمستحدثات الحياة ومتطلباتها، كما لا يخفى أن مثل هذه القوانين والأنظمة والتعليمات تحتاج فضلاً عن التخصص والدراسة الموضوعية التجربة الميدانية للواقع المعاش والظروف المحيطة بهذه القوانين التي تقصم ظهورنا وملاحظة مواكبتها للحياة والتجدد.

   فما زال ذلك المدير المتربع على عرشه وهو ينظر من طرف عينيه إلى ذلك المواطن  نظرة فوقية، وما زالت تلك الأسلاك الشائكة تحيط عالمه البيروقراطي الذي يتكهن به وفق طوباوية مقيتة كمن ينظر في الطوالع والأبراج والحظوظ  ليصدر أحكاماً لا تقبل الحوا ر والنقاش والجدل.

 ولنسمع مثلاً موظفاً على الحدود يسمح لبعضهم بالمرور ولا يسمح للبعض الأخر لمجرد النظر اليهم  وهم قد يكونوا قد باعوا أثاثهم أو حاجاتهم لتوفير نقود السفر والوصول إلى هذه النقطة الحاسمة، ولعل أكثرنا قد تعرض للكثير من هذه المفارقات منذ أن فتح عينيه على هذه الحياة وإلى وقت كتابة هذه السطور ولازلنا نعاني ونقاسي من نفس القوانين والتعليمات والروتين و من نفس الأعذار، وقد يرى  بعضهم أنها  ازدادت  في بعض الأمكنة وصارت أكثر تعقيداً، فيما يقفز  فوق هذه القوانين من له صلة بهذا المسئول أو بذلك المدير أو من كانت جيوبه ثقيلة، ليبقى السواد الأعظم من الناس تحت قسوة  اللوائح البالية، ولعل الكثير يشعر بأن هذه الظاهرة لها صلة بالواقع الاجتماعي العام والتقدم العلمي لمسيرة البلاد.

 ويتطلب للانتقال منها إخضاع الأفراد والجماعات لعملية تغير كبيرة وظهور مفاهيم فكرية ثقافية وعملية حياتية جديدة تغير مفهومها وممارستها في المجتمعات الحاضرة عنه في المجتمعات السابقة،  ويكرس مفهوم الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي لعملية التغير إلى لعب دور جديد في المجتمع لفتح أفاق جديدة وفضاءات واسعة لعملية التغير المطلوبة، والاهتمام بشكل رئيس بالثقافة العامة التي تعد نتاجاً فكرياً وسلوكياً إنسانيا لبيئة صحية من منتجات الإنسان المادية وغير المادية التي تنتقل من جيل إلى جيل لتخدم قضيته وتوصله إلى هدفه المنشود، وليصبح الشريط الأحمر أبيضاً ناصعاً ومفتوحاً أمامنا وأمام الأجيال اللاحقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24 نيسان/2007 -7/ربيع الثاني/1428