مدن الصفيح والبؤر الإجرامية المرتع الخصب للإرهاب في المغرب العربي

 شبكة النبأ: يلعب الفقر والحرمان وفقدان العناية والاهتمام دورا كبيرا في انحراف الشباب نحو العنف والجريمة من خلال استغلالهم من قبل عصابات المافيا والارهاب التي تزرع فيهم حب الانتقام والقتل والدمار والافكار الدينية المتطرفة مستغلة جهل الكثير منهم بمبادئ الدين الاسلامي السمحاء التي تحرم الاعتداء على الكافر المسالم فضلا عن قتل المسلمين الابرياء العزّل بعمليات انتحارية الغرض الوحيد منها نشر الفوضى والرعب ونقل صورة سيئة عن الاسلام الى ارجاء العالم.

وتخوض مدينة الدار البيضاء المغربية سباقا مع الزمن للتخلص من 450 مدينة صفيح تحيط بها وتعتبر "مرتعا خصبا" لقادة التنظيمات الذين يجندون الارهابيين.

وقال محافظ الدار البيضاء محمد كباج لوكالة فرانس برس، "يوجد بالدار البيضاء 450 مدينة صفيح يعود بعضها الى مطلع القرن الماضي ونريد التخلص منها من اجل راحة الناس اولا ولكنها تشكل كذلك ارضا خصبة لمن يريدون استغلال هذا الوضع لاغراض ارهابية".

وتقيم الان بمدن الصفيح 98 الف اسرة تضم حوالى 500 الف شخص اي 12% من سكان الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية والتجارية للمملكة و38% من اجمالي سكان مدن الصفيح في البلاد.

وجاء غالبية الانتحاريين الذين فجروا انفسهم في 11 و14 نيسان/ابريل الجاري وكذلك منفذي اعتداءات 16 ايار/مايو 2003 من دوار سكويلا وهو واحد من اكبر مدن الصفيح في الدار البيضاء.

وقال كباج "لا توجد صلة تلقائية بين الفقر والارهاب ولكنها مجموعة عوامل وهناك على سبيل المثال الصدمة التي تنتج عن الانتقال من الريف الى المدينة مع تغير المحيط الاجتماعي والفوارق في القيم".

واضاف "هناك كذلك ضغوط الحياة في المدينة والبحث عن عمل والصور التي تذيعها المحطات الفضائية وتلك التي تبث على شبكة الانترنت".

وكان محمد السادس ملك المغرب قد اطلق في ايلول/سبتمبر 2005 برنامجا لازالة مدن الصفيح في الدار البيضاء بحلول 2010 في اطار "مبادرته الوطنية للتنمية البشرية" ولكن من الواضح ان معالجة هذا الملف اصبحت اكثر الحاحا بسبب انتماء الانتحاريين الى هذه المناطق

ويوجد اكبر تجمع لمدن الصفيح في منطقة سيدي مومن حيث يقع حي سكويلا (6400 اسرة) ودوار توما (4 الاف اسرة) ورحامنة وزرابا (200 اسرة في كل منهما).

ويقول عبد الرحمن افراسن مدير شركة "ادماج-سكن" التي اسستها السلطات في شباط/فبراير 2006 لتنفيذ مشروع بناء مساكن بديلة لقاطني مدن الصفيح انه "تم البدء في بناء 51 الف مسكن من بينها 23 الفا سيتم الانتهاء منها في نهاية 2007".

وتبلغ الكلفة الاجمالية لمشروع اعادة اسكان اسر مدن الصفيح 7,2 مليار درهم (645 مليون يورو) تمول وزارة الاسكان 39% منها وسيساهم السكان انفسهم والبلديات ومالكو الاراضي التي يتم البناء عليها في تدبير التمويل الباقي.

وشاهد صحفي وكالة فرانس برس الذي دعي لزيارة مواقع البناء مساكن من ثلاث غرف مساحتها 55 مترا مربعا على وشك الانجاز في بعض المناطق اما في مناطق اخرى مثل دوار سكويلا فتم توصيل الكهرباء والماء حتى تتجمع كل اسرتين لبناء وتقاسم منازل مساحة كل منها 84 مترا مربعا.

واضافة الى توفير المساعدة الفنية اللازمة للبناء تقدم الدولة مساعدة قدرها 25 الف درهم (2240 يورو) لكل اسرة للمساهمة في تمويل المسكن الواحد الذي تبلغ كلفته 60 الف درهم. وستحصل كل اسرة على قرض ميسّر قدره 35 الف درهم لتغطية بقية تكاليف البناء.

وبينما يشكو السكان من ارتفاع سعر الوحدة فان مدير شركة "ادماج-سكن" يقول ان "المشروع ميسر للغاية لان السكان يدفعون حاليا 600 درهم شهريا لاستئجار كوخ او 80 الف درهم لشرائه.

مقاربات متباينة حول تحصين المغرب ضد الارهاب

ويبحث السياسيون والمثقفون في المغرب عن السبيل في تحصين بلادهم في مواجهة الارهاب الذي عاد ليطل برأسه بعد التفجيرات الانتحارية التي شهدتها الدار البيضاء ولكنهم يختلفون في تحليل اسباب العنف ويتبنون رؤى متباينة للتصدي له.

فالحكومة المغربية التي تواصل جهودها الامنية بحثا عن خلايا ربما تكون مرتبطة بمنفذي التفجيرات الاخيرة وتؤكد تعاونها مع "الدول الصديقة" للحصول على معلومات حول الشبكات الارهابية اكدت على لسان وزير الاتصالات محمد نبيل بن عبد الله ان الفقر لا يمكن ان يفسر ظاهرة الانتحاريين.

ودعت الحكومة حسب الـ فرانس برس، الى "مواجهة فكرية وايديولوجية" لدحض الفكر السلفي الجهادي الذي تتبناه المجموعات الارهابية.

وتعتقد القوى والحركات السياسية من جانبها ان الارهاب "صناعة مغربية بالأساس" وناتج عن تضافر عوامل عدة على المستوى المحلي حتى لو كانت تسلم بأن الوضع الاقليمي والدولي  يلقي بظلاله على المملكة.

واقترح حزب العدالة والتنمية الاسلامي (42 مقعدا من اجمالي 325 في البرلمان) الذي لا يشارك في الحكومة وان كان يأمل في الحصول على اكبر عدد من النواب في انتخابات ايلول/سبتمبر المقبلة "خطة شاملة" لمكافحة الارهاب تقضي بتشجيع الاسلام المعتدل ومواجهة "البؤس الاجتماعي" وفتح حوار مع الاسلاميين المعتقلين.

وقال النائب مصطفى الرميد ان "افضل من يمكن له اجراء حوارات مع هؤلاء الذين يتبنون ايديولوجيات متطرفة هم اولئك الذيم اعتنقوا هذه الافكار لفترة ثم تخلوا عنها وهؤلاء موجودون في السجون".

وفي الاتجاه ذاته ينتقد عبد العالي حامي الدين عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الانسان المقرب من حزب العدالة والتنمية "المقاربة الامنية المبالغ فيها التي تم اعتمادها" منذ اعتداءات 16 ايار/مايو 2003 لمواجهة الارهاب.

ويدعو حامي الدين وهو استاذ للعلوم القانونية والاقتصادية في جامعة طنجة الى فتح حوارات مع الجهاديين السلفيين المعتقلين على غرار ما حدث في مصر مع قيادات الجماعة الاسلامية (تنظيم مسلح تبنى اعمال العنف التي شهدتها مصر تسعينات القرن الماضي) والذي انتهى بهم الى مراجعات فكرية ادت الى نبذ العنف.

ويقول ان "الرسالة الوحيدة الواضحة من التفجيرات التي وقعت الاسبوع الماضي في الدار البيضاء هي رسالة انتقامية من رجال الشرطة خصوصا ان العديد من المعتقلين تعرضوا للتعذيب" بعد اعتداءات 2003.

ويشير الى "صدور بيان عن المعتقلين في سجن الدار البيضاء يؤكد ان عبد الفتاح الرايدي (الذي فجر نفسه في مقهى للانترنت في 11 اذار/مارس الماضي) تعرض للاغتصاب داخل السجن".

ووفقا للارقام الرسمية اعتقلت السلطات المغربية اكثر الفي شخص في اعقاب اعتداءات 2003. ودين 1087 منهم بالحبس لمدد مختلفة وحكم على 56 من هؤلاء بالسجن المؤبد كما صدرت احكام بالاعدام بحق 17 اخرين ولكنها لم تنفذ اذ امتنعت السلطات المغربية عن تنفيذ احكام الاعدام منذ العام 1994.

ويدعو حامي الدين "الدولة الى اعتماد سياسة الحوار المباشر مع المعتقلين من خلال علماء مستقلين ومشهود لهم بالكفاءة مثل احمد الريسوني الذي كان رئيسا لحركة التوحيد والاصلاح او عبد السلام الهواس رئيس جماعة الدعوة الاسلامية بفاس الذي يحظى بمكانة واحترام كبيرين".

ويرى ارسان فتح الله الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة وهي اكبر الحركات الاسلامية في المغرب ان ظاهرة الانتحاريين "تعكس استرخاصا للحياة واقبالا على الموت يرفضه الاسلام ولكنها ناتجة عن ارتفاع وتيرة الظلم الاجتماعي الذي يدفع الى الياس".

ويضيف "لا ابرىء القاعدة مما يحصل ولكن القاعدة تستغل تربة مهيأة والدولة لا تحل مشاكل الشباب ولا تتيح المجال للحركات المعتدلة لتأطيره".

ويطالب فتح الله الذي ترفض حركته المشاركة في ما يسميه "اللعبة الديموقراطية غير المجدية في ظل دستور يبقي الصلاحيات كلها بيد ملك البلاد ولا يخول رئيس الوزراء الا القليل من السلطات" بحوار شامل حول ما ينبغي عمله لمواجه الارهاب.

ويتابع "نحن نقول تعالوا نتداعى كلنا يمينا ويسارا واسلاميين وكل غيور على البلد لنرى ما ينبغي عمله بعد ما جرى (من تفجيرات) (...) تعالوا نجري حوارا مجتمعيا لينبثق عنه ميثاق جديد يصوت عليه الشعب".

ويشدد فتح الله على ضرورة ان يكون "هذا الحوار مفتوحا امام الشعب وان تنقله وسائل الاعلام لان المشكلة في ان النخبة تتحاور في ما بينها من دون ان تشرك الناس".

التشدد بالجزائر يجنّد المهمشين والمجرمين

وأظهرت التفجيرات الدموية التي هزت العاصمة الجزائرية الأسبوع الماضي، أنّ الجماعات المتشددة التي يعتقد أنها على علاقة بتنظيم القاعدة بدأت في تجنيد عناصر لها من ضمن الفئات المهمشة في المجتمع الجزائري من أجل تنفيذ استراتيجية جديدة يكون لها وقع عنيف. حسب تقرير للـ CNN.

غير أنّ هذا التوجّه يلقى معارضة وانتقادات واسعة لدى شخصيات إسلامية سبق لها أن حملت السلاح في عقد التسعينات من القرن الماضي.

وشهدت تلك السنوات التي يطلق عليها الجزائريون "سنوات الدم والدموع" سقوط نحو 200 ألف قتيل بعد أن عطّل العسكريون انتخابات عام 1992 التي كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ (التي تمّ حلها) في طريقها للفوز بها.

ونقلت أسوشيتد برس عن "الأمير" السابق في الجبهة مدني مزراق قوله "أنا أشجب هذا الأمر ومستعدّ للعمل من أجل وقف إراقة الدماء."

ووقع مزراق عام 1997 هدنة مع السلطات الجزائرية قبل أن يستفيد من عفو شمله ضمن سياسة المصالحة التي أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

واعتبر مزراق أنّه "ليس هناك حاليا أي اسم للتمرد. فالقاعدة اليوم هي مظلة، فالكل يمكن أن يعمل والقاعدة توقّع، إنه أمر سهل."

وأعلن تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" الذي كان يحمل اسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التفجيرات التي وقعت في 11 أبريل/نيسان 30 قتيلا و330 جريحا.

وشكّلت تلك التفجيرات اختراقا لفترة من الهدوء اعتقدت معها السلطات الجزائرية أنّها طوت نهائيا، أو على الأقلّ، في طريقها لإنهاء الحرب الأهلية.

ويقول مدير صحيفة "الجزاير نيوز" الناطقة بالعربية حميدة عياشي، الذي هو بصدد تأليف كتاب عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال إنّ "الجيل القديم هو الذي يدير الجماعة حاليا حيث أنّ النواة الصلبة الإيديولوجية قاومت الإجراءات العسكرية ونجحت في ذلك ثمّ رفضت العفو."

ويضيف "غير أنّه وفيما يتعلق بالتجنيد، فإنّه ومن دون شكّ هناك جيل جديد."

وفعلا، فإنّ شخصية المفجر الذي تعتقد السلطات أنه وراء الهجوم على قصر الحكومة هو واحد من الفئات المهمشة وسبق له أن اشتهر بارتكاب أعمال الجنوح وجرائم صغيرة وبصفة متكررة.

وحددت وزارة الداخلية الجزائرية المفجر بأنه مروان بودينة، 23 عاما، وهو نفس الشخص الذي ظهرت صورته على موقع إلكتروني أعلن فيه تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" مسؤوليته عن الهجوم.

وتقول الصحف المحلية إنّ مروان، وهو من عائلة تضمّ 10 أطفال، قضى عدة فترات في السجن بسبب جرائم مخدرات تجارة واستهلاكا.

وقالت وزارة الداخلية الجزائرية إنّ زميلي بوذينة تم تحديد هويتهما وهما جزائريان أيضا.

غير أنّ صحيفة "ليبرتيه" الناطقة بالفرنسية أوضحت أنّ احدهما هو مولود بن شهاب وهو على غرار زميله أحد المعروفين بتجارة المخدرات، ويعيش وسط الجزائر، وتمّ تجنيده من قبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال عند قضائه فترة في السجن.

وقال حميدة العياشي "إنهم أشخاص عرفوا السجن، وتمّ تهميشهم ولهم الكثير من المشاكل."

ووفقا للعياشي فإنّ التفجيرات جاءت لتظهر الطريقة الجديدة التي تتبعها الجماعة السلفية للدعوة والقتال من أجل توسيع منطقة نشاطها والبحث عن كيفية لفت انتباه وسائل الإعلام "وحتى تثبت أنها الآن فعلا الممثلة الحقيقية للقاعدة في المغرب."

وفيما ندّد مؤسسها عام 1998 حسن حطاب بالتفجيرات، يبدو أنّ القيادة الجديدة للجماعة، حسب العياشي، تريد "تدويل النزاع وخلف المزيد من بؤر الفوضى."

وقبل ذلك، اعتبر وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني، وفقا لصحيفة "المجاهد" التفجيرات علامة "على وصول (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) إلى النفق بحيث لا خيار أمامها سوى الاستسلام أو الانتحار، وهم الآن يفضلون الحل الثاني."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 نيسان/2007 -6/ربيع الثاني/1428