الأنسان المسلم وتفشــّي ثقافة العنف

كيف ولماذا وعلى منْ تقع المسؤولية ؟؟

ياس خضير محمد الشمخاوي*

 هل القرآن متورّط في أثارة الرعب ونصب العداوة أم أن الأرشاد الديني موضع الاتهام والتجريم بحق الآخرين؟؟

وكيف السبيل للخروج من تلك الدائرة الانتقامية ؟؟

تلك التساؤلات لطالما أثارت اهتمام وهموم العديد من الباحثين والمفكرين من علماء اجتماع وأخلاق ناهيك عن أنها باتت موضع جدل وخلاف في الرأي ليس لدى الأوساط غير المسلمة فحسب أنما بين المسلمين أنفسهم أيضا.

قبل أن نستعرض وجهة نظرنا لابد لنا أن نسـلــّم بأن الحقيقة شيء وفهمنا للحقيقة شيء آخر ، إذ ليس بالضرورة أن تكون أفهامنا المتواضعة قد أدركت الحقيقة الكاملة لقضية معينة لذا فان الحقيقة قد تكون كاملة تامة ولكن فهمنا لها جزئي ونسبي ومن هنا ينشأ الاختلاف في وجهات النظر أو بمعنى أدق أن أفكارنا ليست دائما تمثـل عين الواقع والصواب حتى لو توفرت لدينا النوايا الحسنة في البحث عن الحقيقة

أما العامل الآخر الذي يحجب الصورة المتمثـلة بالواقعية فهو تغليب مصلحة الأنا الفردية والبراغماتية الآيدلوجية التي ينتمي اليها الأفراد والجماعات بفعل الولاء القومي أو السياسي أو الديني أو ماشابه ذلك.

وبعد تلك المقدمة علينا أن نعرف أذن أن هناك جهتان يمثلان مصدر التشريع والدستور هما الله والإنسان ، وبما أن الله عليمٌ خبير عادلٌ حق متصف بالكمال فهو لا يعتريه النقـص والإفلاس بعكس الأنسان الذي هو جاهلٌ محدود الفكر والتفكير عرضة للخطأ دائما ، فلذا يتوجب علينا أن نقدّم رأي منْ هو أفضل منــّا فطنة ودراية في تنظيم شؤون المجتمع عملا بمقتضيات الحكمة والعقل والمنطق السليم ، إذ ليس من المعقول أن يقود الجاهل العالم أو التلميذ المعلـّم.

يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس ، فيما لو تعارض القانون الوضعي مع قوانين السماء فعلينا أن نطرح القانون الذي شرّعناه بأيدينا أرضا.

ولكن ربما هناك سؤال وجيه يطرح نفسه ؛

إن كان العالم الإسلامي يتبع أرشاد الخالق فما أسباب هذا التراجع الفكري والتخلف الملحوظ عن باقي الأمم غير المسلمة في جميع ميادين علوم الحياة ، لاسيما في إشاعة ثقافة المحبة والتسامح التي أهتمت بها حتى القوانين والدساتير الوضعية ؟؟

أقول وبالإضافة الى جملة الأسباب التي تناولها الباحثين والكتــّاب في أسباب التراجع والانحسار والتي من بينها المصالح الاستعمارية والأفكار الدخيلة والتيارات الفكرية المناهضة علمانية وغير علمانية الى آخرهِ ، أقول أن السبب الحقيقي والرئيس وراء ذلك هو ابتعاد المسلم نفسهُ عن وجه الحقيقة التي أرادها الله لشعبهِ

أن هذا التخلي والرفض الذي مارسهُ المتأسلم ضد أطروحة الخالق ورسالتهِ العظيمة منذ البعثة النبوية وبدافع سلطوي أناني دنيء تحقيقا للمصلحة الشخصية ، قد خلق منعطفا خطيرا وبائسا في حركة النهظة الفكرية التي قادها وأرسى دعائمها محمد خصوصا بعد رحيله ، وقد أساءت تلك المسارات الملتوية الى حدٍ ما لرسالة الأسلام التي كان يفترض بها أن تكون حركة تحرر وانعتاق من الظلم والظلام والعبودية لادعوة الى التعسف والجور والإخلال بالأصول والقواعد الإنسانية كما صيّرها ولاة بني أمية وبني العباس ووعاظ السلاطين والأقلام المستأجرة.

وأن لهذا التمرّد والانحراف عن المسار الصحيح الذي رسمهُ الخالق قد مزّق جسد الأمة الإسلامية وأغرقهُ في متاهات الضلالة ووحل الخطيئة متمثلة بالفكر الراديكالي والسلوك الرجعي للمرجع الديني والمفكر الإسلامي مما أتاح فرصة كافية للانتهازيين والنفعيين والوصوليين من قيادة رعية يسودها الجهل المطبق ويعتريها الشعور باللامسؤولية تجاه الخطاب السماوي الحقيقي.

والشواهد كثيرة في التاريخ على تخلــّي الأمة وزيغها عن طريق الحق ، أبرزها حادثة كربلاء عندما قام رهط بني هاشم بقيادة الحسين بن علي للوقوف بوجه الحاكم المستبد يزيد بن معاوية فنرى كيف أن الأمة قد خذلت هذا الرجل الثائر ووقفت الى جانب السلطة الحاكمة آنذاك مستندة الى أحاديث وأقوال موضوعة وتفاسير مكذوبة تمنح الشرعية لقتل الحسين وأبناءهِ وذبح أطفاله ومنْ ناصرهُ وسبي عياله بحجة أنهم خوارج لاينبغي لهم أن يثوروا على خليفة المسلمين وأن ليزيد الحق الشرعي والسلطان الألهي بحكم الشعب.

أذن ؛ من أهم الأسباب الرئيسية التي دعت الى انتشار ثقافة العنف هو التفسير المغلوط للنصوص القرآنية ووضع الأحاديث النبوية والروايات الكاذبة عن قصد وغير قصد كذلك الصراع المصلحي والتنازع السياسي والتنافس الانتهازي غير الشريف للوصول الى دفة الحكم والقيادة ، الأمر الذي ولــّد حساسية مفرطة بين أتباع الفرق والطوائف والتيارات الدينية من حيث يشعرون أو لايشعرون لدرجة أن تلك النزاعات قد تولــّد أحيانا اقتتالا بين أفراد عائلة واحدة بسبب دراسة لشخصية تاريخية مرّ عليها قرون عديدة من الزمان.

هل القرآن أذن مسئول عن تلك الخروقات والممارسات السيئة والجدل الغير معرفي أم أن محمد كان يدعو لاستبدال الإنسانية بالهمجية ، والفكر والقلم بالسيف والدم ؟؟

قطعا القرآن لم يأمر أحدا بقتل إنسان ولو كان ملحدا أو كافرا أو مشركا مالم يحمل سيفا بوجه المسلم أو يغتصب حقا أو يقمع لهُ صوتا ، كذلك ليس من أخلاق الأنبياء ولا من أخلاق محمد أن يكون متوحشا بربريا في سلوكهِ فكيف يرضاه أو يوصي بهِ لأتباعهِ ، وواقعة بدر تشهد على حسن أخلاق الرسول وإنسانيته حتى مع ألد أعدائه من قريش ، فعندما أعتلا عبد الله بن مسعود صدر أبي جهل ليحتزّ رأسهُ و يجرهُ بالحبال أستنكر فعلة أبن مسعود مخاطبا أياه أنّ هذا العمل منافي للرحمة مجانف للذوق الإنساني.

أين نحنُ اليوم من ثقافة الذبح بالسكين والمنشار التي يروج لها دعاة ما يسمى بالجهاد ؟؟

وأين دور الإرشاد الديني وخطباء المساجد والمؤسسات الدينية المحلية والعربية والعالمية مما يجري ويحدث في العراق من تفجير معابد وكنائس واغتصاب وقتل عشوائي بالجملة ؟؟

ولماذا يحدث القتل على الهوية في العراق ولم يحدث في بلد آخر ؟؟

دون شك أن الخطاب الديني المسيّس هو المسؤول عمـّا يجري من مأساة في الشارع الأسلامي وأن رجل الدين والسياسي الأنتهازي يتشاطران مسؤولية الأحتقان الطائفي والتمييز المذهبي والعرقي بين أطياف الشعب.

بالأمس كان نظام صدام يسوم الشعب ألوان العذاب ويقتـل الناس بلا رحمة ولا هوادة مستخدما كل أنواع وأساليب الأبادة الجماعية وبطرق وحشية ومحاكم صورية لم يسبق لها مثيل في تاريخ التسلط والجبروت ولم نسمع أو نشهد أي استنكار من منظمات إنسانية أو هيئات دينية، في حين تعالت أصوات النحيب والبكاء والعويل وأذنت الجوامع وكبـّرت المساجد استنكارا عندما سقط الصنم.

ولاندري أين كانت تلك الجباه التي أدّت صلاة الغائب على روح الجلاد عندما سحق الطاغية أطفال الكرد ونسائهم وأين أختبئت تلك الضمائر الميتة عندما تجرّع شباب العراق كأس الموت ومرّ المنايا ، وأين كانت تلك الأبواق عندما أبتلع صدام دولة عربية شقيقة ؟؟؟

على منْ تقع مسؤولية الاحتقان الطائفي والتمييز المذهبي والعرقي أذن ؟؟

لابد من الجميع أن يكونوا قدر المسؤولية وأن يتحملوا جزءا من أعباء المهمة متجردين عن أنانيتهم وعصبيتهم ليصبحوا فريقا واحدا وكـتـلة واحدة تقف بوجه العنف والدمار الذي يعصف بوجه الإنسانية ؛ لابد أن يخلع رجل الدين عمامة التعصب ويتنازل السياسي عن غرورهُ وأطماعهُ الدنيئة ولابد من أن يجتمع كل ممثلي أطياف وشرائح المجتمع ليقرروا ماذا يجب أن يفعلوا وماذا يريد الشعب منهم لاما يريدون هم.

ولابد أن يعلم الجميع أنهم متهمون أمام الشعب بالخذلان والتقصير لانستـثـني أحدا من الهوس في سلب أرادتنا والتفريط بكرامتنا وأنسانيتنا ولانعذر قوة دولية أو أقلمية أو عربية أو محلية في التباكي على مصالحنا ومصائرنا ولانخرج أحدا من دائرة لومنا أبتداءً من المربيّ المفكر والباحث والكاتب الى أبسط خطيب ومسرحي وفنان وأديب وأعلامي.

كيف السبيل للخروج من تلك الدائرة الأنتقامية ؟؟

ربما لا نستطيع بتلك العُجالة أو ببحث مختصر أن نأتي على جميع السبل لوضع حلول كافية للخروج من هذا المستنقع الأليم وتلك الأزمة المعقدة ولكننا قد نستطيع أن نورد معالجة أهم المشاكل التي من شأنها أن تعرقل مسيرة السلام ونشر رسالة التسامح والتآخي لاسيما بين المسلم وأخيه المسلم من جهة وعلاقتهِ بأصحاب الديانات الأخرى من جهة.

أولا - الدعوة الى عقد مؤتمر قمة أسلامي يضم جميع الطوائف والمذاهب الدينية الأسلامية الغرض منهُ تأسيس منظمة أو هيئة عالمية مؤلفة من عدة لجان مختصة تــتـفق على تحديد النقاط الرئيسة لمفهوم التوحيد والتي بموجبها يتم الأعتراف بهوية المسلم الموحد المحتقن دمهُ والمصان عرضهُ وأرضهُ ومالهُ وأصدار فتوى واجب الأعتراف بها قانونا وشرعا.

ثانيا - تحديد نوع الممارسات الكفرية من عادات وطقوس وشعائر تقوم بها بعض الفرق والطوائف الإسلامية التي يستوجب قرار الحكم عليها بالكفر والخروج من حظيرة الإسلام وتعيين ما إذا كان أصحاب تلك الممارسات يستوجبون شن الحرب عليهم وقتلهم أم لا.

ثالثا - تحديد ما إذا كان القرآن والسنة النبوية تشير فعلا الى مقاتلة الكتابي أو غير المسلم المعاهد والمسالم الذي لا يبتدئ الإسلام بحرب أو عداوة وإصدار فتوى علنية بذلك بالإجماع والاتفاق.

رابعا - تحديد نوع العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين من جميع المحاور ، إنسانية واجتماعية واقتصادية وسياسية ...الى آخرهِ ، تــُجمل في نقاط واضحة ومعينة كي يعرف المسلم حدود علاقاتهِ مع الآخرين وفق ظوابط معرفية وأصولية وشرعية

خامسا - تحديد موقف الإسلام من حرية الأديان والمعتقدات وذلك بإصدار بيان شرعي متفق عليه واجب الأخذ بهِ والعمل بموجبهِ

سادسا - تحديد مفهوم وفلسفة الجهاد والعمل الجاد لتقريب وجهات النظر الى أقصى حد ممكن من خلال البحث العلمي الشفاف بعيدا عن التعصب الطائفي توكل مهمتهُ الى أشخاص من ذوي الكفاءة والخبرة العالية والخروج بحصيلة معتمدة ومعتبرة متفق عليها على أن يكون أتخاذ قرار الجهاد مناط بتلك المنظمة المشار إليها حصريا فيما لو تطلب الأمر بعد المداولة والمشاورة.

سابعا - العمل على عدم ارتباط تلك المنظمة بسياسة دولة معينة والتمتع باستقلاليتها وتغليبها المصلحة العامة على مصالح الدول والحكومات والكيانات القومية والعرقية والطائفية.

ثامنا - التوقيع على اتفاقية بين الأعضاء يــُمنح من خلالها صلاحية التفويض باتخاذ القرارات المصيرية التي تهم مصلحة الشعوب الإسلامية.

تاسعا - تــُمنح المنظمة شرعية اتخاذ القرارات أو المواقف ضد أي جهة تعمد الى أثارة العداء والضغينة بين طوائف المسلمين أو بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الملل والنحل.

عاشرا - الاعتراف كليا بأن هيئة المنظمة هي أعلى سلطة تشريعية للمسلمين فيما يخص برامج وأهداف عملها فقط.

أحد عشر - مطالبة الحكومات العربية والمؤسسات التربوية والمجامع والمعاهد الدينية والمنظمات ودور الصحافة والنشر الإسلامية والكتاب والمفكرين بوضع قانون يكفل للجميع حرية الرأي والتفكير ومحاسبة كل من يثير العداوة والكراهية بين أطياف المجتمعات المسلمة وغير المسلمة وأعادة النظر في المناهج التربوية والتعليمية خصوصا فيما يتعلق بالفقه والتشريع وقانون الأحوال الشخصية.

أثنى عشر - الضغط على الحكومات العربية باحترام لوائح حقوق الإنسان وتفعيل قانون عدم ازدراء الأديان وعدم الإساءة الى أي رمز ديني أو طقس يمارسه الإنسان المسلم أو غير المسلم ما لم تخل تلك الممارسة بالآداب العامة.

ثلاثة عشر - فتح قنوات حوارية بين المسلم والعالم الآخر مبنية على أساس المحبة والتسامح والإخاء الإنساني قائمة على أساس الاحترام المتبادل من خلال عقد لقاءات قمة وإصدار نشرات دورية تشيع ثقافة الحب والسلام.

أربعة عشر - تمثيل المنظمة للعالم الإسلامي في المؤتمرات الدولية والعالمية ومناقشة القضايا المطروحة والعالقة التي تهم شعوب المنطقة والعالم.

الهدف والغاية من البحث

لاغرو أن العالم الإسلامي اليوم يغرق في نزاعات طائفية وخلافات مذهبية دامية حوّلت المنطقة برمتها الى آتون من نار قد يلتهم الأخضر واليابس ، ومن الجدير بالذكر أن لتلك القوات والأجهزة الظلامية أجندتها الخاصة ووسائلها القذرة في تزييف الحقائق وترويج الأباطيل للتعدي على قدسية الحياة والإساءة لمفهوم الرسالات الألهية والحريات الشخصية ؛

أن الاستهتار بهذا الشكل لتفريغ الخطاب الإلهي عن محتواه الحقيقي جعل من العالم والرأي العام العالمي أن يضع منظومة الفكر الإسلامي في خانة الأفكار والنظريات المتعجرفة السوداوية في مجال حقوق الإنسان.

أن هذا التصحــّر الفكري والنهج الدموي العنصري ينبغي لهُ أن يـُجتث من العروق لما يحملهُ من خلايا سرطانية وآفات فكرية تنم عن حقد وعداء للإنسانية.

ومثل تلك النظريات الجامدة لا تخدم إلا المصالح الشوفينية والأهداف الدكتاتورية للأنظمة الرجعية التي تجعل مثل هؤلاء المتحجرين أداة لتنفيذ مآربهم السياسية وطموحاتهم وملذاتهم الدموية.

ينبغي للإنسان المتحرر صاحب الفكر الحصين أن يقف الآن بوجه تلك الهجمة الشرسة ليحدد علاقتهُ الطيبة بالله والبشر من خلال توحيد الكلمة والخطاب وليعرب عن أسفهِ لما يجري من انتهاكات صارخة وسافرة باسم الدين لمن شاركوه حق الحياة على ظهر هذا الكوكب كي يُبلغ عن رسالته الحقيقية ويكشف عن مضامينها التي تحمل بين طياتها الحب والخير والسلام للعالم. 

*الأمين العام رئيس منظمة حوار الديانات

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 22 نيسان/2007 -5/ربيع الثاني/1428