مصطلحات نسائية: الكتابة الأنثوية

الكتابة الأنثوية

Ecriture feminine

شبكة النبأ: مصطلح يقتصر استخدامه على نوع معين من الكتابة النقدية النسائية التي نبعت من نسوية الناقدات الفرنسيات المعاصرات، مثل لوسي إريجارى وهيلين سيسو وجوليا كريستيفا. والعنصر الذي يميز هذا الشكل من النقد النسوي هو الاعتقاد بأن هناك مجالاً لإنتاج النصوص يمكن أن يسمى (أنثوياً) ولكنه مستتر تحت سطح الخطاب المذكر ولا يظهر إلا من آن لآخر، في صورة انشطار في اللغة المذكرة. وثمة افتراض آخر بأن المرأة تُعطى هوية معينة في إطار البنيات الذكورية للغة والسلطة وأنها يجب أن تسعى للتصدي لهذه الهوية المفروضة.

هذا الاتجاه من النسوية الراديكالية يُفهم عادة على أنه يفترض وجود أنوثة جوهرية يمكن استحضارها، وأنه من الممكن أيضاً التمييز بين الكتابة الأنثوية حقاً والأشكال اللغوية الأخرى، لكن بعض الناقدات مثل إليزابيث جروز في كتابها (جاك لاكان: مقدمة نسوية) (1990)، ومارجريت هايتفورد في كتابها (لوسي إريجارى، الفلسفة بصيغة المؤنث) (1991) تقولان إنه من الخطأ النظر نظرة حرفية إلى العلاقة بين جسد الأنثى وعملية الكتابة في أعمال بعض الناقدات مثل لوسي إريجارى، وتؤكدان أن إريجارى تستخدم ثنائية النوع الذكر / الأنثى على سبيل التعبير المجازي، ومن ثم تضع (تفسيراً رمزياً للتشريح) كما تقول إريجارى نفسها في (غرة المرأة الأخرى) (1974). وتوضح إليزابيث جروز ذلك بقولها: (إن إريجارى وغيرها من النسويات اللاتي يقلن باختلاف لا يشرن إلى جسد الأنثى بالمعنى البيولوجي، ولكن بقدر ما تكتنفه اللغة وتنتجه وتضفى عليه المعنى). 

 

متعلقات 

 

في الكتابة النسوية(1)

شاعت في الأوساط الثقافية العربية في السنوات القليلة الماضية مجموعة من الأبحاث التي تنظر لأدب المرأة باعتباره أدبا مختلفا ومنفصلا عن الأدب الذي ينتجه الرجل. وقد استندت تلك الكتابات على الفرضية التي تقول بوجود خصائص نوعية في النصوص التي تبدعها المرأة الكاتبة. في هذه الأثناء قفزت إلى الواجهة مجموعة من المصطلحات التي تصف هذه الظاهرة، كالكتابة الأنثوية مقابل الكتابة الذكورية، والكتابة النسوية مقابل كتابة الرجال. غير أن المشتغلين في هذا الحقل لم يتوصلوا إلى اتفاق محدد، فقد تشعبت الآراء فيما بينهم، وظل الموضوع محاطا بهالة من الغموض.

لا يمكن النظر إلى الأفكار المطروحة على الصعيد الثقافي العربي حول معاني (الجنسوية) بشكل عام، والكتابة (النسوية) بشكل خاص بعيدا عن الأفكار التي تم تداولها في الغرب خصوصا في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ففي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي نشطت في الغرب الدعوات التي تنادي بتحرر المرأة. وجنبا إلى جنب انبثقت مع هذه الدعوات مجموعة من الدراسات التي تتحدث عن نظرية خاصة بالأدب الأنثوي. لقد اكتشف عدد من رموز الحركة النسائية الأورو-أمريكية أن التحول الذي طرأ على وضع المرأة من ارتقاء مهني وتعليمي ومشاركة في الحياة السياسية لم يحل المشكلة. ذلك أن الحريات التي نالتها المرأة لم تشمل تحررها على صعيد (الجنس-النوع). وبحسب هذه الرموز فقد ظلت المرأة أسيرة للنظام البطريركي الذي يفرضه الرجل في جميع مجالات الحياة بدءا من الأسرة وانتهاء بالمؤسسة.

أما فيما يتعلق بالكتابة فقد تم ملاحظة مجموعة من الثيمات الخاصة التي تتكرر باستمرار في النصوص المكتوبة من قبل النساء والتي تدور في معظمها حول الاضطهاد والمعاناة الذين يسببهما الرجل.

في الواقع الثقافي العربي شكلت النصوص (الشعرية والروائية والقصصية) التي أبدعتها النساء العربيات، بالإضافة إلى الطروحات الفكرية والنقدية المقدمة من قبلهن إضافة مهمة للحركة الأدبية العربية الحديثة. لقد تمحورت هذه النصوص حول القضايا الشائكة التي يمر بها الإنسان العربي والحياة العربية عموما. لقد رصدت هذه النصوص مثلها مثل النصوص التي كتبها الرجل التحولات الهائلة الاجتماعية والسياسية التي مرت بها البلاد العربية تحديدا في المراحل التي تلت حقبة الاستقلال.

بالنسبة للبنى الفنية فلم تكن تلك النصوص لتختلف عن البنى الفنية المقترحة من قبل الكتاب الرجال. بناء على هذه المعاينة نسأل: من أين جاءت فكرة الكتابة الأنثوية أو النسوية؟ وهل هناك مسوغات موضوعية لإبرازها والتنظير لها باعتبارها كتابة تصدر عن النوع وهو هنا الأنثى دون الذكر؟! بعد ذلك يمكن لنا أن نسأل: هل الكتابة التي تنتجها المرأة والتي لا تتناول من خلالها واقعها الخاص كأنثى مضطهدة تعاني من السلطة الذكورية السائدة هي محض كتابة أخرى تقع خارج السياق؟ أخيرا نسأل: ماذا بشأن النصوص التي يكتبها الرجال والتي تنتصر للمرأة وتتحدث عن عذاباتها في الواقع القائم؟ هل نصنفها كنصوص نسوية نسبة إلى موضوعاتها أم نعتبرها نصوصا (رجالية) لأن أصحابها هم من الرجال في الأصل؟

 

الكتابة الأخرى(2)

 

التحول الثقافي وتدجين مصطلح الكتابة النسائية

بدأت المرأة العربية بداية الكتابة الفعلية مع بداية النهضة بعد الحرب العالمية الاولى، حيث اشتغلت نسبياً مثلها مثل الرجل في مستويات الابداع كافة وان كانت المسألة اتخذت مسلكية التطور البطيء والمحدود حتى بداية الستينات لتخوض الكاتبة العربية بعد الستينات غمار الكتابة المنفتحة متشابهة في ذلك مع الكاتبة الاوروبية فكانت تجربة الكتابة النسائية الحقيقية بكل اشكالياتها كما ونوعا مع تحفظات اجتماعية ايضا في وجهها.

وقد اقتصرت الكتابة النسائية في بداية النهضة الحديثة على مجموعة من المجلات العائلية الاجتماعية من خلال تاسيس بعض النساء لعشرات المجلات كتبن فيها القليل من الروايات والاشعار التعليمية المتسقة مع الكتابة الذكورية مع بروز لبعض الرائدات في النصف الاول من القرن العشرين مثل اليس البستاني، وزينب فواز، ولبيبة هاشم، وعائشة التمورية، وملك حفني ناصف، ومي زيادة، وهدى شعراوي، ووردة اليازجي وروزا انطون وغيرهن.

ومنذ الستينات تحديداً تطورت كتابة المرأة لتبدو كتابة متنوعة ومتمردة على الوعي الذكوري كنتيجة من نتائج التطور الحضاري الذي تحقق بانتشار التعليم الجامعي اولاً ثم الانفتاح الثقافي والاجتماعي والتحرري ثانياً اضافة الى نيل المرأة للكثير من حقوقها المتساوية مع الرجل من ناحية قانونية ثالثاً، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال وجد النقد النسائي على يد نساء اديبات واكاديميات - محررات، كاتبات، خريجات جامعيات محاضرات ومدرسات في الجامعة - شاركن في الحركة النسائية في اواخر الستينات وساهمن في التزاماتها الفعالة وهمومها الاجتماعية واحساسها بمسعاها الجماعي خاصة ان النقد النسائي هو الذي مهد لنظرية متميزة في الكتابة النسائية المختلفة عن كتابة الرجال، كما سنلاحظ من خلال قراءة مصطلح الكتابة النسائية في الثقافة الغربية من خلال تلقيها في الثقافة العربية.

وهكذا صار بالامكان الحديث بعد الستينات الى اليوم في الغرب وفي الشرق معا عن كتابة نسائية ونقد نسائي ووعي نسائي ومؤسسات نسائية واشكاليات نسائية مستقلة في المجتمع والابداع والثقافة.

وصار بالامكان ايضا التفاعل مع الخطاب الابداعي النسائي من خلال الرؤية النسائية للعالم في سياقات حوارياتها المختلفة مع الآخر الرجل لتهتم الكتابة النسائية التي تشكلت في ظل

حركات نسائية متعددة بمسائل جوهرية في حياة المرأة.

لذلك ركز النقد النسائي على كشف كراهية النساء في الممارسات الأدبية: الصورة المكررة للنساء في الأدب كملائكة او مسوخ الاساءة الأدبية او المضايقة النصية للنساء في اذب الذكور الكلاسيكي والشعبي واستبعاد النساء من التاريخ الأدبي لنجد الكتابة النسائية تعلن عن رؤية نسائية من خلال تركيزها على قضايا اجتماعية تهم المرأة كفرد اجتماعي رغبة المرأة في البحث عن مجال لا تكون فيه مجرد اداة وظيفية مسلوبة الادارة.

وامست الكتابة النسائية في ضوء هذا التصور بالنسبة للمرأة حياة جديدة تظهر من خلال تعددية المستويات في توصيف حياة امرأة تعاني ولا تجد مخرجاً لها مما تعاني سوى الكتابة التي تصبح الوسيلة الوحيدة للتنفس عند نوال السعداوي او علاقة زوجية حميمة بديلة عن علاقة المرأة بالرجل الزوج حيث تكون فيها الكاتبة ملكة وقلبها من الورد عند فوزية رشيد او جحيم ذهبيا في ظل الصراع مع الاحتلال عند ليانة بدر، او وسيلة لتحدي الموت عند رضوى عاشور لان الحياة في الكتابة تستوقف وتدهش وتشغل وتستوعب وتربك وتخيف.

وفي ضوء تصور قهر المرأة بشكل اساسي تشبعت الكتابة النسائية بتجارب نسائية مليئة بوعي المرأة المأساوي ابتداء من اللاوعي المتشكل في تجربة القتل غسلاً للعار ومروراً بوأد البنات والسبي واستبعاد النساء وتحويل الجسد للمتعة في سياق الجواري وازدواجية احتقار الجسد وتقديسه واجبارها على الزواج واختزالها في عذريتها ومطالبتها بانجاب الصبي وادانتها لانجاب البنت، وهجرها وضربها، والزواج عليها وتطليقه وحجبها, وانتهاء بجسديتها باسم التحرر في العالم المعاصر وكل هذه الاشياء وغيرها شكلت الصياغات المحورية والمفردات والمفاهيم والقضايا الرئيسية داخل الكتابة النسائية المتحولة من نمط الكتابة التقليدية المتعايشة مع كتابة الرجل الى نمط جديد يبحث عن الحرية من خلال التمرد ويرفض المساواة الابداعية تحت سقف الوعي الذكوري والمهيمن على كتابة المرأة، كتابة وقراءة ونقداً وبالتالي بدأت الكتابة النسائية تبحث عن تشكل نظري تطبيقي في بنى تسعى الى التنميط على مستويات الشخصية والزمكانية واللغة العناصر المشكلة لجوهرية اية كتابة ولكن من منظور نسائي مختلف تكون فيه المرأة انساناً يتشكل في اطر انسانية ترفض العبودية وعياً وتطبيقاً كما ظهر من خلال الروايات والقصص العربية الاولى في اواخر الخمسينيات وبداية الستينيات التي احتفلت بالحرية والحياة الجديدة حتى في العناوين مثل: انا أحيا (1958) لليلى بعلبكي وانا والمدى) (1962) لكوليت الخوري وعيناك قدري (1962) لغادة السمان وتعلمت الحب 1962 لنوال السعداوي ولن نموت غدا لليلى عسيران وطيور ايلول 1962 لإملي نصر الله.

وغالباً ما جاءت الحرية منتجة من خلال الأزمات العاطفية في الحب حيث كانت المرأة تشعر بانها كيان مستلب اجتماعياً في تجربة الحب بالذات اذ بدأت الرواية وما زالت وهي اكثر الأجناس الأدبية احتفالاً بتجربة الحب وما ينتج عنها من علاقات حياتية متعددة في حياة المرأة وكما يقول فنسنت فقد كانت كل الروايات عند القدماء تدور حول موضوع واحد هو الحب ولم يكن بامكان اي روائي او روائية ان يتخلص من موضوع او اشكالية الحب فالمازني الذي اراد ان يكتب رواية مصرية لا يدور موضوعها حول الحب ولا حول العلاقة بين الرجل والمرأة لم يكتب في نهاية المطاف في روايته (ابراهيم الكاتب) الا موضوع الحب كما يقول جورج طرابيشي.

ومن خلال الصور النمطية السلبية للمرأة انطلقت صياغات التحول في انشاء حركية اجتماعية ثقافية ادبية حاولت ان تعرف مصطلحات النسائية على اساس انها وعي المرأة لاضطهادها كأنثى ضعيفة وتابعة مجسدة ثورة على اضطهادها كجنس ثان متدن تجاه الجنس الأول الذكر ولم يعد بقدرة ألدّ اعداء المرأة الشوفينية المذكرة ان ينكروا او لا يعترفوا بوجود هذه الحركة التي اضحت عالمية من وجهة نظر بعض النساء.

ويمكن ان يعرف الأدب النسائي على انه الأدب الذي تكتبه المرأة على خلفية وعي متقدم ناضج ومسؤول لجملة العلاقات التي تحكم وتتحكم في شرط المرأة في مجتمعها ويكون جيد التحديد والتوصيف والتنقيب في هذه العلاقات ويلتقط بالقدر نفسه النبض النامي لحركة الاحتجاج معبرا عنها بالسلوك والجدل، وبالفعل والقول، وتعي كاتبته القضايا الفنية والبنائية واللغوية الحاملة للقدرات التعبيرية المثلى عن حركة التيارات العميقة المولدة للوعي النسوي الجمعي والوعي الاجتماعي الكلي المحيط والمشتبك معه في صراع حي متجدد وبالغ الحيوية.

ندوة الاختلاف والاتفاق في الكتابة الأنثوية والذكورية(3)

إلى متى ستبقى إشكالية الكتابة النسوية قائمة؟؟ وهل مصطلح (أدب نسوي) صحيح؟ وإن كان صحيحا فمقابل ماذا ؟؟ و لماذا لا يقال في النقد (أدب ذكوري) ؟؟ ثم لو فرضنا أن المصطلح صحيح..فما هي ظواهر الاختلاف ومظاهر الاتفاق بين الأدبين(ذكوري وأنثوي) ؟؟‏

كل هذه الأسئلة كان من المفترض أن تطرح في ندوة (الاتفاق و الاختلاف في الكتابة الذكورية و الأنثوية) التي أقامها اتحاد الكتاب العرب ضمن احتفالية الكتاب العربي في المركز الثقافي العربي في العدوي فبعد الترحيب بالجمهور القليل جدا و بالمشاركين أشارت الشاعرة فاديا غيبور ( مديرة الندوة ) إلى أن الكتابة حالة إنسانية شاملة و المعاناة الإنسانية واحدة لدى المرأة و الرجل و بالتالي المنتج الإبداعي لهذه المعاناة سيكون متشابها ولا فرق فيه بين إبداع ذكوري وآخر أنثوي.

ثم قدم الدكتور خليل موسى ورقة( شفوية) لم تقترب كثيرا من عنوان الندوة فبعد العرض التاريخي لوضع المرأة العربية و مقارنته بوضع المرأة في المجتمعات الغربية قال إن الكتابة حقل ذكوري خالص أما الاستثناءات النسوية فهي نادرة جدا و تكاد لا تلحظ و توقفت حسب رأيه عند غادة السمان التي استطاعت أن تكتب كما يكتب الرجل أما القليل الإبداعي الذي ينتج نسوياً فلا يزال يخرج من معطف الكتابة الذكورية، و مازال الذكر متقدما بأشواط في الكتابة عن المرأة التي قد تستطيع إنتاج إبداع ينافس إبداع الرجل في المستقبل لو استطاعت أن تنال الرعاية اللازمة!! و لم يوضح الدكتور موسى حول الجهة التي سترعى الكتابة الأنثوية، وغادر فور انتهاء ورقته مما لم يتح المجال للجمهور مناقشة هذه الورقة.‏

ورقة الدكتورة ماجدة حمود كانت حول(الخطاب الروائي بين الذكورة و النسوية) و تضمنت دراسة نقدية لعدد من الروايات السورية كوليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، ومجاز العشق لنبيل سليمان ولو لم يكن اسمها فاطمة لخيري الذهبي، ومن يجرؤ على الشوق لحميدة نعنع، والنعنع البري لأنيسة عبود, وساعة غضب لماري رشو، والرواية المستحيلة لغادة السمان, و قد رأت الدكتورة حمود خلال دراستها هذه الأعمال الروائية أن الأنا الانثوية متضخمة لدى الكاتبات أكثر من الأنا الذكورية و أن جرأة الكاتب الرجل أكثر من جرأة المرأة الكاتبة, و إن الصوت الانثوي صوت خافت غالبا حتى لدى الرواية الذكورية... ولكنها أشارت الى أن استخدام مصطلح الذكورة أو النسوية، لا يحمل أية دلالات تفضيلية , فالأفضلية للفرادة التي يقدمها المبدع بغض النظر عن جنسه، فهوية الأدب هي الإبداع فقط.‏

أما الروائية نعمت خالد فقد كانت ورقتها هي الأقرب إلى عنوان الندوة إذ ناقشت في ورقتها الاطروحات التي تدعي الاختلاف بين الكتابتين(الذكورية والنسوية) واعتبرت أن النقد الذي يشتغل على الابداع يركز على إشكاليتين: الأولى تتمثل بقراءة المرأة كاتبة و مكتوبا عنها في الثقافة والابداع.. والثانية تتمثل في إعادة قراءة التراث الثقافي البشري من المنظور النسوي المقابل للمنظور الذكوري الذي حجب وعي المرأة و خطابها في الماضي.. والإشكاليتان تنطلقان من وعي استلاب المرأة و تشييئها في الخطاب الذكوري ومن وعيها كضحية تبحث عن تحررها من الاستلاب الذكوري في الخطاب النسوي, ثم قدمت نماذج عن صوت المرأة الخاص بها في بعض الروايات العربية كرواية حب في بلاد الشام لناديا خوست و أنين القصب لحسن حميد و مدارات الشرق لنبيل سليمان و أهل الهوى لهدى بركات.‏

الخطاب النقدي العربي الأنثوي والبحث عن الهوية(4)

تشير النظرة المتفحصة للأدب العربي عموماً إلى وجود مساحة واسعة غير مضاءة تنتظر من النقاد والدارسين أن يلتفتوا إليها ويحاولوا مقاربتها، تلك هي مساحة الأدب الأنثوي، هذه المساحة التي نأت الأديبة العربية الخوض في غمارها لردح طويل من الزمن تزلفاً لنادي الأدب الرجولي/الفحولي لأن شيطان الإبداع لا يجالس إلا الفحول، وليس في الإبداع ((أنوثة))،وإذا ما ظهرت امرأة نادرة وقالت بعض الشعر فلابد أن تستفحل ويشهد لها أحد الفحول مؤكداً فحولتها كما هي الحال مع الخنساء. فالفحولة لا يكسرها إلا فحل، أما الأنثى فليس لها إلا أن تكون تابعة لا زائدة، وعاجزة لا قادرة، وتظل الأنثى أنثى وليس لها مكان في فنون الفحول. فالمجتمع الذي مارس وأد البنات في الجاهلية ولم يغير من نظرته السلبية/الدونية إلى الإناث ظل يمارس الوأد الثقافي ضدها، فهي لا تمتلك حق التحدث عن عاطفتها ولا أن تكشف أسرار ذاتها، لأن لها من ينوب عن لسانها ويتولى مهمة الحديث عنها ويصور لها عالمها النفسي، والأمثلة على ذلك كثيرة في ديوان العرب، فكثير من الشعراء نطقوا بلسان سلمى وهند ولبنى وبثينة وعزة وفوز وأخريات غيرهن.

وبذلك تغدو الثقافة العربية بوصفها صناعة بشرية ذكورية ثقافية قارة أحادية النظرة تبخس المرأة حقها وتحيلها إلى كائن ثقافي مستلب، يتعرض إبداعها للتهميش وللنظرة النقدية الدونية من قبل الدارسين والنقاد متجاهلين بذلك خطاباً نقدياً أساسياً تطور في الغرب منذ الستينيات من القرن المنصرم، وهو خطاب المدرسة النقدية الأنثوية التي أخذت تهتم بتقصي تاريخ المرأة الإبداعي وبنتاجاتها الإبداعية شكلاً ومضموناً بأبعادها الفلسفية والمعرفية والاجتماعية والسياسية.‏

وقبل الدخول في عوالم الإبداع الأنثوي لابد من الإشارة إلى ما تثيره هذه العوالم من أسئلة منها: هل يوجد خطاب أنثوي؟ وإذا كان هنالك خطاب أنثوي فهل بالضرورة أن يقابله خطاب ذكوري؟وهل يوجد فرق بين الخطاب الأنثوي، والخطاب النسوي؟ أم أنهما مصطلحان مترادفان؟..‏

إن المتتبع لهذا المجال من النقد يرى أن الأدب الأنثوي برمته وبتسمياته المختلفة-الخطاب الأنثوي، الأدب النسوي-يواجه برفض قاطع من قبل عدد غير قليل من الدارسين تقسمهم نازك الأعرجي إلى مجاميع أربع:‏

1-منهم من يعارضه من موقع الانضباط إلى عقائد شمولية سواء كانت يمينية أم يسارية لأن ذلك يتنافى مع المرتبة الدونية المطلوب الحفاظ على المرأة في إطارها حسب وجهة النظر اليمينية، أما اليسارية فلا تريد تمييز نتاج المرأة في أي مجال لأن ذلك سيضعها على قدم المساواة مع نتاج المرأة.‏

2-ومنهم من يعارض من موقف تقدمي خشية إحراز قدر من الزحزحة في المفاهيم والأعراف السائدة اجتماعياً وفكرياً وسياسياً ومن ثم ثقافياً.‏

3-وهناك معارضة من نوع آخر تحول دون التأصيل لهذا النوع من الخطاب في عالمنا العربي بشكل جاد إلى فترة متقدمة من تاريخ الثقافة العربية على أساس أنه مستورد، تأصل في وسط منتج ذي معطيات حية مستندة إلى حركة إنتاج متواصلة وحركة نقدية فاعلة لا علاقة لها بموازٍ لدينا، يصطدم حين نستخدمه بمسننات وانعطافات وجوامد عديدة، فنضطر إلى تمريره عبر منعطفات مصطنعة كي يكون بالإمكان تطبيق بعض ملامحه على بعض ما

يصلح من وسطنا المنتج.‏

4-وهناك أخيراً فئات الأديبات أنفسهن اللواتي يقفن موقفاً معارضاً من هذا الخطاب، فما إن تسأل إحداهن عن هذا الخطاب حتى تجيب على الفور أن ليس هناك خطاب أنثوي أو نسوي أنا أكتب أدباً إنسانياً(5)، إذ تخشى الكثير منهن (تصنيفها في إطار الحدود الذاتية أو النظر إليها بدونية أو تحديد جمهور القراء لأعمالهن نتيجة ذلك)).‏

لكن هذا الموقف السلبي من هذا الخطاب لا يلغي حقيقة الخطاب الأنثوي المكتوب والذي يحتل مساحة غير قليلة من خارطة الثقافة الغربية أولاً، والعربية في السنوات الأخيرة ثانياً، لأن المواضيع التي تكتب عنها المرأة –باعتراف المرأة نفسها- كثيراً ما تختلف عن تلك التي يكتب عنها الرجل لأن فكرة وحدودية الأدب الإنساني المجردة تلقى ولاءً كلامياً كاذباً تفضحه وتكشف زيفه الحقيقة الوجودية لكل من الذكر والأنثى من حيث الاختلافات الجنسية ومن النواحي المختلفة (البيولوجية، التجربة، الخطاب، اللا وعي، الشروط الاجتماعية والاقتصادية).

فعلى صعيد التجربة - مثلاً- وحدهن النساء يعايشن تلك التجارب الحياتية الأنثوية-الإباضة، الدورة الشهرية، المخاض- لذا فهن الوحيدات اللائي يستطعن الحديث عن تلك التجارب وعلاوة على ذلك فإن تجارب المرأة تتضمن حياة عاطفية وإدراكات حسية مختلفة، فالنساء لا يرين الأشياء بالطريقة نفسها التي يرى بها الرجال، ولديهن أفكار ومشاعر –حتماً-مختلفة بشأن ماهو هام أو غير هام.‏

ونظرة الاختلاف هذه لا تتوقف عند النواحي الشخصية وإنما تشمل مجمل مجالات الحياة، فعالم النساء يختلف اختلافاً كبيراً عن عالم الرجال من الناحية التربوية والسياسية والمناصب الإدارية-إذ ما تزال المناصب الإدارية المهمة أو الحساسة في مجتمعاتنا لا تستند إلى المرأة-لذا من الطبيعي أن تختلف القضايا التي تعالجها المرأة عن تلك التي يعالجها الرجل ويركز عليها..‏

أما مسألة الإقرار بوجود (أدب ذكوري) مقابل الإقرار بوجود (أدب أنثوي أو نسوي) فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها وإن كان البعض يعارض هذا الطرح وحجته في ذلك أن الأدب النسوي لا يعارض بالأدب الرجالي، وإنما بأدب المجتمع الذي سيطر عليه الرجل ولم تهيمن المرأة فيه إلا على موقع هامشي، وإنها برغم كفاحها المرير وتضحياتها العظمى لم تستطيع أن تزيح الرجل عن كرسي السيادة في المجتمع وكل ما استطاعت أن تفعله هو أن تنتقل من كونها((متاعاً)) للرجل إلى كونها ((متاعاً)) للمجتمع.‏

إن هذا الكلام لا يلغي حقيقة الأدب الرجالي في مقابل الأدب النسوي لأننا لا نستطيع أن نلغي طبيعة الفوارق بين الجنسين التي أشرنا إليها آنفاً ولا أن نلغي ذلك الصراع الأزلي بين الجنسين على سيادة المجتمع، إذ تكشف لنا قراءة تاريخ التحولات الاجتماعية حقيقة مفادها إن هيمنة الذكر على الأنثى تمت إثر معركة حدثت في عصور موغلة في القدم حينما كانت المجتمعات كلها مجتمعات أمومية (ماترياركي matriarchy ) تسيطر عليها الإناث، ويذعنون لإله أنثوي، وحتى التنظيم الاجتماعي ذاته يتصف بالأنوثة، ثم سيطر الذكور وأسسوا مجتمعاً مبنياً على الصراع والسلاح وعلى الغزو وأصبح كل التاريخ يدور حول مركز واحد هو الرجل وقد عرفت هذه المجتمعات الأبوية بـ(البطريركية patriarchal)(). ثم ظل هذا الصراع قائماً إلى يومنا هذا، فدعاة مابعد الحداثة من أنصار حركة التمركز حول الأنثى يذهبون إلى ضرورة ((وضع نهاية لهذا التاريخ، وتفكيك هذا العالم الذكوري... ويطرحون برنامجاً ثورياً يدعو إلى إعادة صياغة كل شيء: التاريخ واللغة والرموز بل الطبيعة البشرية ذاتها كما تحققت عبر التاريخ وكما تبدت في مؤسسات تاريخية وكما تجلت في أعمال فنية)) وأمام هذا التأثير الشمولي الذي تمارسه سيطرة كل حركة على كل مرافق المجتمع لا يمكن أن يكون الخطاب الأدبي بمنأى عن هذا التأثير، لأن الكتابة تحرير لمعاناة الكاتب وحاجاته وأحلامه، ومن أكثر دقة في التعبير المتكلم/ الحاضر أم الغائب المغيب المتكلم عنه والممارس عليه إرهاب الصمت.‏

ولو أردنا أن نضرب مثلاً لذلك فلا نذهب خارج ثقافتنا العربية الذكورية التي فرضت هيمنتها ووحدويتها على الخارطة إلى درجة إن النساء أنفسهن –كما يقول عبد الله الغذامي- ساهمن في ترسيخ هذه الهيمنة. وهاهي أحلام مستغانمي تشير إلى أنها وجدت التحدث بلسان الرجل يسهل عليها الكتابة ويساعد على السرد ويجعلها تقول ما تعجز عن قوله كأنثى. بينما ترى هدى بركات إلى أن شخصية الرجل تقدم لها حقلاً أكثر اتساعاً وتعقيداً مما تقدمه شخصية المرأة((لأن ماهو مطروح من أشكال الوعي والسلوك على الرجل العربي هو أصعب وأشكل مما هو مطلوب عموماً من المرأة.. وبتعبير آخر: المرأة في مجتمعنا مكتوفة عن أن تكون أحد أبطال التشكيل الاجتماعي، فكيف تريدينني أن أخترع –روائياً- شخصية غير موجودة في الواقع)). ومن هذا المنطلق يؤكد الكثير من النقاد المهتمين بالخطاب الأنثوي((على وجود إبداع نسائي وإبداع ذكوري، لكل هويته وملامحه الخاصة وعلاقته بحدود ثقافة المبدع وموروثه الاجتماعي والثقافي وتجاربه الخاصة النفسية والفكرية، والتي تؤثر على فهمه للعام من حوله وعلى المرحلة التاريخية التي يعيشها)).‏

أما ما يخص التساؤل الثالث وهو التفريق بين الخطاب النسوي والخطاب الأنثوي سنعتمد مبدئياً اقتراح (توريل موي) في التمييز بين المصطلحات(النسوية، الأنثى، الأنوثة) إذ ترى أن النسوية ماهي إلا قضية سياسية، والأنثى مسألة بيولوجية محض،والأنوثة على أنها مجموعة خواص محددة ثقافياً. وهذا التمييز الأولي يرسم لنا الخطوط العريضة التي يمكن أن يسير عليها البحث في مسألة التفريق بين الخطاب النسوي والخطاب الأنثوي على اعتبار أن الخطاب النسوي خطاب مؤدلج يسير وفق ماهو مرسوم له من قبل دعاة الحركة النسوية التي تناضل من أجل تحرير المرأة من طغيان الرجل –على حد زعمهن- وتحقيق المساواة بين الجنسين على كل الأصعدة. في حين أن الخطاب الأنثوي يتسم بسمات خاصة تجعل من المرأة جسداً وكياناً وعاطفة هي المركز، وتنظر إلى المرأة لذات المرأة في تكوينها البيولوجي والفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي. وقريب من هذا التفريق نجده في القرآن الكريم بين مفردة النساء التي منها يشتق مصطلح النسوية، ومفردة الأنثى التي منها يشتق مصطلح الأنثوية.

إن مصطلح (الخطاب النسوي) يتصف بالعمومية فهو حقل واسع له دلالته يشمل الأدب الذي تكتبه المرأة، أو هو الأدب الذي تكتبه النساء والرجال عن المرأة ويهتم –بوصفه خطاباً مؤدلجاً –بتصوير تجارب النساء اليومية والجسدية ومطالبهن ووعيهن الفكري والذاتي والاجتماعي في إطار شرطهن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي كما يصف معاناة المرأة في المجتمع ومشاكلها النفسية وآلامها الناتجة عن صراعها الداخلي بين تحقيق ذاتها وبين الإذعان لمقاييس اجتماعية محددة تهضم حقوقها الإنسانية، إنه الأدب الذي يعكس نظرة المرأة لذاتها وللرجل ولعلاقاتهما معاً ويكشف عن الآلية التي يعمل بها المجتمع على ترسيخ الاضطهاد الجنسي وازدواجية المعايير الحاكمة لحياة الجنسين والتي رغم اضطهادها للرجل أيضاً، إلا أنها تكفل هيمنة الرجل على المرأة اجتماعياً ونفسياً وثقافياً، بيولوجياً واقتصادياً ولغوياً..‏

أما الخطاب الأنثوي فلا يقوم على أساس قالب معين ينطبق على النساء عامة وإنما على أسس كثيرة تعتمد على اختلافات فيما بينهن وتباين تجاربهن، فليس كل ما تكتبه النساء يمكن إدراجه ضمن الكتابة الأنثوية التي أوجدتها – كمصطلح- هيلين سيسكو محددة إياها بأنها الأسلوب الذي يمكن به التحرر من طغيان المنطق الذكوري السائد والقائم على الازدواجيات المتضادة، إذ يمثل الرجل العناصر الإيجابية كلها (الفعالية، المنطق، الفعل، الحضارة...الخ). بينما تمثل المرأة تضادها السلبي (السلبية، اللا منطقية، القلب، الطبيعة... الخ) ويكون هذا النوع من الكتابة ذا سمات خاصة فهذه الكتابة هلامية، زئبقية تتخذ من جسد المرأة وفكرها وثقافتها منهلاً ثراً تنهل منه، وتجد مكانها في الغائب والناقص والمطمور والمقموع والمتمزق واللا معرَّف وبشكل تتوافق مع إيقاعات جسد المرأة الذي ينتفض ضد كل محاولات قمعه وتهميشه.‏

والخلاصة هي أن النظرية الأدبية النسوية ترى إلى أن (الكتابة النسوية) كتابة تتخذ موقفاً واضحاً ضد الأبوية وضد هذا التمييز الجنسي أي أنها كتابة مؤدلجة، أما الكتابة الأنثوية فهي التي تبدو وقد همشها النظام الاجتماعي والثقافي السائد بحجة وقوعها في زوايا التابو التي يجب على المجتمع أن يحاصرها، وبالتالي يمنعها- وبكل السبل- من أن تبرز هويتها بوجهه

بوصفها نوعاً من الكتابة له خصوصيته وفرادته،حاله حال غيره من أنواع الكتابة الإبداعية.‏ 

هوية الكتابة الأنثوية في عمان(5)

في زمن ينضح بالروح المتوثبة والعقلانية والوعي الفكري وتحتل التيارات الأدبية المتباينة مسارات الوجود الفكري المتنوع وتتصارع المذاهب الأدبية لتحديد هوية ثقافية وسبق ايديولوجي في عصر العولمة أجدني مضطرة للعودة عدة خطوات للوراء على خارطة هذا الجسد الزمني المتنافر حتى مع آنيته.

ان الأدب العماني وللأسف كان وما يزال أدبا ذكوريا تحركه (الشنبات) وتجره (العصي) الى ساحات المنتديات، واذا كان هذا الامر بدا مقبولا فيما مضى لان الأدب النسوي او الأنثوي كان مختبئا تحت الحجاب وفي البيوتات لأسباب الأزمنة الماضية التي لا تتطلب الكثير من البحث لأنها معروفة على الجانبين الذكوري والأنثوي- مع أن الباحث المتقصي وراء هذه الظاهرة الأدبية لا شك انه سيظفر ولو بعيد عناء شديد ببعض الدلالات والعلامات المؤدية الى تلك القافلة الأدبية الأنثوية التي سلكت طريقا مغايرا لطريق القوافل المعتاد واتخذت الزقاق وبين البيوتات دربا مستورا لها- ولكن اليوم وقد تحرك الركب سريعا وسارت القافلة بشقيها القوي والضعيف، بل حتى دلالات القوة قد تغيرت وبالتالي كان لزاما تغير دلالات الضعف.

هذا العصر الذي احتل فيه التواجد والحضور المعرفي والثقافي دور السطوة والقوة واتخذت أشكاله العلمية والمعرفية والثقافية هوية الريادة بعيدا عن (العضلات واللحى) الذي تفاخر بها الجنس الخشن ردحا من الزمن، وبرزت المرأة كند لا يستهان به في كل المجالات المعرفية لتحديد مكانتها وهويتها الانسانية بعيدا عن التقسيم الجنسي الأخرق، وكانت الهوية الأدبية للمرأة شكلا من أشكال الحضور والتواجد الانساي الحقيقي الذي يعزز كينونة المرأة ويغرس أظافره في لحمة هذا الوجود لتحقيق لذة الألم والتعريف بهذا الانسان المتجاهل (بفتح الهاء)، حتى بأكثر ما عرف به وهو العاطفة والاحساس، فبدأت المرأة في العالم العربي المتخلف أو النامي الولوج الى بوتقة الأدب بلهفة الفراش الراغب في النور بلذة الاحتراق، وبدأت ترسم أبعاد وجودها الثقافي والحضاري في مختلف الميادين لتشكل منجزا حضاريا ومشهدا ثقافيا يسير موازيا الى حد ما مع الأدب الذكوري.

لقد كانت للثقافة والأدب كأبر أبنائها القدرة على اغراء وجذب الايد من الضفائر الى هذا النهر الصافي للاقتراب منه اما للتخلل الكلي والاغتسال فيه من أدران الحياة وحواشيها او الوقوف عند مرحلة مسح القدمين محاولة لتحسس درجة حرارته، وأصبحت ثقافة المرأة دلالة حية وحقيقية على ثقافة المجتمع، وتجاوزت المرأة مرحلة التثاقف وعلت الكثيرات على الرجال سواء كان في مجال الأدب أو سائر فنون الثقافة والمعرفة ولمع الكثير من الاسماء في سماوات الأدب وسرقت البعض منهن الأضواء عن الرجال وسابقته في ريادة السبق او الحضور المتمكن، وما ينطبق على المجتمع في الوطن العربي الكبير يمكن أن نلمحه في مجتمعنا الخليجي الأقرب حيث نجد الكثير من الأسماء في قمة الجبل أما الكيان الأنثوي في عمان فقد ظل وبعيدا جدا عن الولود في هذا المضمار مما يضع علامتي تعجب واستفهام كبيرتين أمام هذه الظاهرة، ورغم كل التبريرات التي قد نوجدها كالأخذ بالاعتبار بعثنا القريب الذر يشكل خصوصية للثقافة العمانية، ودور المرأة الأدبي المردوم سابقا وانطلاقها في مرحلتها الجديدة من موقع خال من الأرث الثقافي والأدبي إلا الذكوري منه والذي يشكل خصوصية ثقافية أخرى للذات الثقافية الانثوية العمانية، نعم، إلا  أن الكيان الأنثوي الثقافي لم تظهر له فيما بعد أية ملامح سيرة أو دلالات حقيقية على قرب حدوث حمل ابداعي ثقافي قريب، بل كان ولا يزال بعيدا عن كينونة الثقافة الحقيقية، وهموم الإبداع المبكرة، رغم ظهور بعض الأسماء على استحياء أو مضض أو زج بعضها الآخر زجا مغرضا في معرض الحياة الثقافية، إلا انه ظل بين الذات الأنثوية المبدعة والإبداع بون شاسع وظل الابداع الأنثوي مجرد محاولات محكومة بالبراني من الظواهر الفنية والقضايا الأدبية وظلت الذات الأنثوية البدعة تحارب الطواحين.

وبعد ثلاثة عقود زمنية على خروج الذات الانثوية العمانية من بطن القمقم وقد انطلقت ترسم مفرداتها الخاصة على خريطة الصحراء في كل مكان وبكل خصوصية واندمجت بمدخلات الحضارة الانسانية ومعطياتها وهي تسير في خطاها العلمية والمعرفية بشكل يبشر بالخير.

ان الأدب النسائي الموجود على الساحة الثقافية العمانية أدب غير مختمر الوجود، غير محدد الملامح، غير متبلور الهوية بل لعله لا يعدو أن يكون (سحابة صيف سوف تنقشع) وبعيدا عن اشكاليات المضمون ودواعي العمق أو السطحية فأين الأسماء الأدبية النسائية التي تصلح ان تكون عصى الأعمى أو مؤونة الشتاء، واذ وجدت فكم عددها؟؟

ان أجواء الاحتفاء والربت على الاكتاف لابد أن تستبدل بأجواء من الاستنفار والفزعة، اننا بحاجة الى بناء صرح أدبي عماني ذي قدمين عريضتين سليمتين بعيدا عن أغلال الابتسامة الراضية عن حضور العباءة غير الحاضر في أغلب الأحيان، وثقافة محضة خالية من الشوائب والمجاملات والنزاع المرتكزة على الفطرة.

ان الأقلام سواء كانت ذكورية الحبر أم انثوية مسؤولة مسؤولية حقيقية عن بعث ثقافي أدبي منتظر، ول ابد من الايمان بأنه ليس هناك فكر ملتح وآخر يلبس عباءة، وليس للخصوصية الجنسية الخلقية (بفتح الحاء) أي أثر على انتاج الثقافة أو هضمها بل ان التشكيل الفكري يتأثر أولا وأخيرا بالأسس الحضارية ومدى الالتحام بآليات الثقافة وأبعاده ووسائطها والتفاعل مع أشكالها الخارجية والداخلية وقد نجد في بلد عدد المثقفات يفوق عدد المثقفين في بلد آخر لأن البلد الأول أكثر انفتاحا على الحياة الثقافية بأبعادها المختلفة.

إن صناعة الفكر والثقافة حاجة ملحة لمجتمعاتنا ولكياننا الإنساني (الذكوري والانثوي) المحكوم بها - أي الثقافة- بصورة جبرية في حاضره الراهن او مستقبله المنتظر، والنقد الأدبي الحقيتي (الذكوري والانثوي) على حد السواء هو الحل الأمثل لهذه الاشكالية (الذكورية الانثوية) فغربلة الجيد من الغث والسمين من الهزيل، هو بمثابة صدمة كهربائية للعقول التي غلفتها الغفلة، ودعوة للمكوث طويلا عند مناهل الثقافة والتأكد من امتلاء الخرج قبل الضعن، وثبات القدم قبل المجاهرة بفعل التورط في زعزعة الآني وخلق الجديد وهذا هو فعل الأدب كما هو مفترض، كل ذلك سيروض العقول ويبلور الأفكار، ويرقى بالهوية الثقافية الذكورية والانثوية الى مستوي التكوين الناضج بعيدا عن التشجيع الذي يشبه رقص الفتيات بما يشبه الريش في مباريات كرة القدم والذي لا يجعل الفريق الهش يفوز أو القوي يخسر بل هو لا يتجاوز ضربا من الباطل اريد به الحق، كما سيسهم النقد المتلمس الموضوعية في تكوين أدب مسؤول صافي المنابع غض النزيف، واعي المضمون وسيحول دون أن يتجرأ على الأدب مجترأ مدعيا كان أو مشجعا.

آمال موسى/الكتابة بشروط الجسد (6)

ليس ثمة كتابة اكثر اغواء   من مغامرة الكتابة التي تهجس  بروح  الانوثة  وطقوسها ،ليس باعتبارها هاجسا ايروسيا، بل باعتبارها مغامرة في استجلاء هيولى الجسد والوجود وفطرة اللغة وسرانيتها، وباعتبارها ايضا كتابة في نص الخصب و الارتواء... ولاشك ان هذه الكتابة قابلة للسيولة اكثر من غيرها لانها الاقرب الى ناسوت الجسد والى اسطورة خطيئته القديمة وحلوله في البحث عن طهرانية مضادة، والتي  عادة تستحضر الوجه المرئي للكائن  وهو يصطنع  لحظات وجوده الانسي، وفي الافصاح عنها، وكأنها نص حريته الغائبة والمحمولة على بطانة شعورية دافقة،، اذ يتلمس الجسد فيها فعل الخصب المتعالي ويقترب من لحظة حلوله وخطاب حضوره،،، مثلما يقترب هذا الجسد من الفعل الميدوزي للانوثة وقوة فعلها في السيطرة الافراغ والارتواء...

ان نص  الانوثة هذا  يفرش  تفاصيله كخطاب ورؤيا ولغة، بنوع من البذخ الاستعراضي عند لحظة التماس الكينوني والجسداني، ليس لكي يصير نسقا مكشوفا يستعيد به وهجه التعويضي، قدر ما هو محاولة لاستعادة  قوة  الوجود لتكون خطابا يتجدد في المحبة والقوة والمخيال واللذة،، باعتبار هذه الانوثة نزوعا عميقا  نحو انسنة العالم الذي يحيل الذات الانثوية الى ذات فاعلة ،خالقة ، توليدية في المعنى والاشباع، اذ هي  تتكشف عن جوهرها العميق الحاوي على كينونة الخلق مثلما تتكشف ايضا عن  كينونة اللذة السرية الكامنة في الاصل الجينالوجي للجسد عبرتماهيه مع سلسلة من  المستويات المتمظهرة في  الاقنعة والاسرار والعلاقات،، وكرؤيا تتلمسها قوة الخصب تلك،، عبر تمثل الكثير من المرجعيات المثيولوجية للالوهة والنظم العبادية القديمة المفعمة بروح الانثى و شغفها في الوصال والسيطرة والرغبة  والمزاج،، وكأنها تنشر عبر هذه الروح الكونية شهادتها عن الغواية الاولى التي تطلقها كدلالة فاعلة في صياغة اصل الوجود وعلاقاته الخالقة وسيولة رموزه وتماهياته،،

هذا الخطاب المكشوف على روح الانثى وسيرتها، والحامل لشفراتها   الضاجة بالنداء والسؤال والقلق والبوح ، هو ما تحاول ان تكشف عنه  الشاعرة التونسية امال موسى في كتاباتها الشعرية كهاجس وجودي تشيء عبره بقوة الروح الخالقة والحالمة والحسية،  هذا الهاجس تمنحه  غواية الكشف والافصاح من خلال لغة توظف شفرات الجسد كقوة فاعلة وشاهدة  لها نزوع يشبه المراودة نحو الاخر الذي يبادلها صناعة  اللذة،، مثلما يبادلها الحضور في الامكنة والوصايا والاصوات،،، هذه اللغة تتحول عبر هاجسها السراني   الى لغة باثة/ شفراتية    تتسارع نحو رمزيتها ، وكأنها  صوت عميق للانوثة المحمول على ماهو جسدي، طقوسي، له نداءات وأ شباعات عالقة، طالما تستحضرها الرغبة وكأنها جزء من صوت (ليليت) القديمة التي يستعيد فعل اللذة وقوة الحضور دائما،، تلك اللذة التي لاحدود لها لانها مقابل يملك سيولة المثيولوجيا في اصطناع  تهويمات الخلق والوجود،، وهي المفتاح والبرزخ الذي يقود الى اكتشاف الاسرار والكنوز الباطنة في الجسد الكينوني اللذوي !!

ان صناعة انوثة مضادة ليس شأنا شعريا ، قدر ما هو  صناعة في سايكولوجيا فاجعة ،،تحوز  تفاصيلها عبر شهود واسرار وتهويمات ،،تضعها الشاعرة( امال موسى ) ازاء نص الاستعادة الذي ينبجس من استحضار تقابلات( النفس بكل اخطائها، امام البيت / السرير / الثوب / الرجل ) وهذا الاستحضار هو مقابل دلالي لافتراض اللذة الذي يغيب احيانا ،لكنها  تواصل لعبته بامتياز، لانه نصها الخاص، ولانه  يضع هذه الانوثة ازاء طقوس استلابية، بغيابه تفقد  الذات صوتها الانثوي الداخلي وتلك الشفرة السرية في البوح واستحضار المحبوب والحلول في لحظته الخالقة، اذ يكون هذا الاستحضار هو(صناعة اللذة) وهو احتكام المعايرة الذي تلجأ اليه، لكي تتمثل اشباعات  طقسها وندائها ورؤيتها...

.......................................................................

1-  يوسف عبد العزيز/ جريدة الراي الاردنية

2- حسين المناصرة / جريدة الجزيرة

3- رشا عمران/ جريدة الاسبوع الادبي العدد 1004 تاريخ 29/4/2006

4- خليل شكري هياس – الموصل/ جريدة الاسبوع الادبي العدد 1032 تاريخ 25/11/2006

5- فاطمة الشيدي / مجلة نزوى

6- علي حسن الفواز/ مجلـة أوتـــار

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19 نيسان/2007 -28/ربيع الاول/1428