هل كان احتجاز الجنود البريطانيين متعمدا من قبل إيران ؟؟!

وداد فاخر*

قبل أن استرسل في حديثي عن قضية الجنود البريطانيين الذين اختطفوا من نقطة معينة في نهر شط العرب، أو كما يطلق عليه الطرف الإيراني بـ (آروند رود) بتاريخ 23 من شهر آذار / مارس الماضي، أقول مؤكدا إنها كانت عملية قرصنة ذات مغزى وهدف سياسي مقصود، وذلك لمعرفتي التامة بطبيعة المنطقة منذ طفولتي ورؤيتي للمنطقة من عدة جهات كان آخرها من الجهة الايرانية عندما كانت مدينة خرمشهر أو المحمرة الايرانية قاعا صفصفا لم يتم إعادة بنائها بعد في العام 1991 بعد أن سواها مع الأرض جنود  (القائد الضرورة) وسرقوا حتى حجر بيوتها بعد احتلالها من قبلهم.

فهناك نقطة حرجة جدا في المياه الحدودية لا يستطيع حتى (البلامة) المهرة أو أصحاب (الماطورات) العراقيين أو الإيرانيين ملاحظتها بين الجانبين العراقي والإيراني، وهي ما يسمى بخط تالوك وهي (أعمق نقطة في مياه النهر لتحديد المياه الإقليمية بين البلدين)، وهو ما أعيد الاتفاق عليه في اتفاق الجزائر العام 1975 بين الحكومة العراقية وبين حكومة شاه إيران. وكان البحارة والصيادين العراقيين والإيرانيين لا يأبهون لتجاوز هذا الخط وعلى الدوام وبمعرفة حراس الحدود من الشرطة العراقيين والإيرانيين نظرا لتداخل الحدود في هذا الخط الوهمي، ومراقبتهم الدقيقة للرائح والغادي على سطح النهر . وكنا كثيرا ما نستأجر   (بلم عشاري)، أو (ماطور) ونحن بعد في مقتبل شبابنا إن كان في سفرة خاصة، أو سفرة حزبية في شهر آذار حيث نحتفل بمناسبة عيد تأسيس الحزب الشيوعي أو باقي المناسبات الوطنية، ونفضل أن نتوغل بعيدا في طرف شط العرب لكي نكون بمنآى عن عيون النظام الفاشي ورجال أمنه، وأكثر الأوقات نرسي في ميناء(أبو الفلوس) الذي يفصل بين البلدين، أو نتجاوزه لبستان يبعد خطوات عنه ويقع ضمن الأراضي الايرانية وهو بستان مشهور ومعروف في منطقة تطل على شط العرب اسمها (أم الچلاب)، أي أم الکلاب، حيث قلبت الكاف جيما معجمة بلهجة أهل جنوب العراق وخاصة مناطق أبو الخصيب والفاو. وكثيرا ما كان رجال شرطة (ميناء أبو الفلوس) يحذروننا بأننا تجاوزنا الحدود وبأنهم غير مسؤولين عنا إذا حصل لنا أي شئ لكن لا احد من الطرف الإيراني يتقدم نحونا لمعرفتهم بأننا نجلس في البستان المطل على نهر شط العرب لنحتفل وفق برنامج والشرطة العراقية تراقبنا من بعيد ولا يسمعون ما يجري في حفلنا.

وعند زيارتي الأولى لمدينة خرمشهر الايرانية قبل إعادة بنائها وقفت على ساحل شط العرب في نقطة مصب نهر(نهر كارون) بشط العرب الذي يفصل بين مدينة خرمشهر وكوت الشيخ، وكنت أرى بوضوح وبالعين المجردة جزيرة صلبوخ التي تقع وسط شط العرب والتابعة لإيران وفق اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين العراق وإيران العام 1937 عندما كان العراق تحت الهيمنة البريطانية، وهو ما سمي بـ (خط تالوك) حينها. وكانت أشجار النخيل تترائى لي في الجهة الأخرى العراقية من شط العرب وأنا أهفو لرؤية البصرة التي حرمت منها حتى زرتها ما بعد سقوط نظام العفالقة في 9 نيسان 2003 في عام 2004.

بمعنى إن عملية احتجاز الجنود البريطانيين كانت عملية قرصنة مقصودة وذات أهداف سياسية واقتصادية معروفة كون المنطقة واقصد نهر شط العرب، وخاصة النقاط  الوهمية الفاصلة في الحدود النهرية هي مسرح لعمليات تهريب كبيرة مستمرة منذ العهد الفاشي حيث كان النفط المهرب يصل إيران بعيدا عن أعين قوات التحالف الدولي التي فرضت حصارا اقتصاديا على العراق بموجب قرار مجلس الأمن ضمن قرارات تحرير الكويت، وبموجب اتفاقات سرية جرت بين أقطاب النظام الفاشي وشخصيات رسمية إيرانية وخاصة الاتفاق الذي جرى لبيع النفط العراقي المهرب بين كل من المقبور عدي صدام حسين وابن الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيس مصلحة النظام في إيران ورئيس الجمهورية السابق.

وبعد سقوط نظام العفالقة وحدوث الفراغ الأمني، وغياب تام للأمن خاصة في الأشهر الأولى زادت عمليات التهريب المتبادل بين الطرفين العراقي والإيراني من قبل عصابات وميليشيات عراقية تتبع بعض الأحزاب الدينية المسيطرة على زمام السلطة في البصرة. فهناك تجد في مدينة البصرة كل ما موجود من صناعات وبضائع إيرانية في العلن، وفي السر يتم تهريب أنواع الأسلحة لجهات حزبية معينة تمارس دورا معروفا في عرقلة استتباب الأمن في محافظة البصرة وتشكل قلقا دائما للقوات البريطانية المتواجدة فيها. كذلك يتم وعن طريق اللنجات البحرية تهريب السيارات من مشيخة الإمارات المتحدة، ومن ثم يتم تسريبها لمعامل التفخيخ لكي تكون جاهزة في العمليات الإرهابية بما يسمى بـ (العمليات الانتحارية) . وحاولت إيران من خلال تلك العملية الضغط على البريطانيين لإطلاق سراح الدبلوماسي المختطف ونجحت في إطلاق سراحه، واستطاعت أن ترسل احد دبلوماسييها لمقابلة المحتجزين الإيرانيين عند القوات الأمريكية الذين القي القبض عليهم في اربيل بكوردستان العراق.مضافا لكل ذلك تخفيف الضغط الدولي عليها وعدم اتخاذ إجراءات شديدة بالنسبة لبرنامجها النووي. وهي بالتالي تحاول أن تقلص من تحرك القوات البريطانية لمراقبة السفن المارة في شط العرب، وبالتالي غض النظر عما تحمله من مواد مهربة تكون خاضعة للتفتيش بموجب القوانين الدولية.

لذا تعتبر تلك العملية هي عملية قرصنة مكشوفة لجنود نظاميين يقومون بعملهم الروتيني لمراقبة المياه الإقليمية وفي عمق الأراضي العراقية.

* ناشط  في مجال مكافحة الإرهاب

www.alsaymar.de.ki

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 13 نيسان/2007 -22/ربيع الاول/1428