على الشاعر أن يكون إنسانا ً لا أن يكون مرتزقا ً

قاسم ماضي

 يبدو أن البعض ممن ينتسبون إلى طبقة الشعراء لم يتعلموا من تجاربهم الإبداعية أو حياتهم العامة ما يجعلهم مؤثرين فيما يطرحونه من رؤى ً إزاء أي قضية سواء في مجال اهتمامهم الأدبي أو في أي فضاء آخر، ولم تسعفهم سنوات عمرهم في إستيعاب الدرس الذي يجب أن يكون لهم فيما بعد البوصلة التي يتحركون بموجبها خلال مسيرتهم، فدروس الكتابة الهامة هي التي تتكون بعيدا ً عن الورق والأقلام، بل هي ذلك الرواء الذي تكتنز به الروح كما تكتنز الوردة بندى الصباح.

 أما في حالة بعض الشعراء الذين غالبا ً ما يثيرون حلقات من الجدل بفعل ما يصدر عنهم من مواقف ودعوات جلها يتمحور في فلك ذاتهم فقط، ونحن نطالب بإعادة النظر في تصرفات هؤلاء الثلة من الشعراء وبمناقشة مواقفهم الأخلاقية التي يجب أن تتسم بها الثقافة، لأن البعض الآخر من الشعراء الحقيقيين بدأوا ينكسون بنادقهم وراء متاريسهم، لأن مفاهيم بعض الشعراء المرتزقة أخذت تعطي دروسا ً في الخسة والتلاعب في المواقف بين الحين والآخر، فهؤلاء تفوح منهم رائحة (النفتالين) ومشكلتهم أنهم لا ينتمون إلا إلى أنفسهم.

 وهؤلاء أهينت مطامحهم بهذه الصورة حتى أصبحوا متمردين ويخترعون كل أشكال الصور في قصائدهم أو خطاباتهم لعلهم يفلحون في الحصول على بعض الأموال أو جلب الإنتباه إليهم، فالزمن لا يرحم هؤلاء وما على الشعراء إلا محاربة هؤلاء وإنزال أقصى العقوبات بهم وكشف زيفهم، وليس ثمة إستئناف للحكم ! ولا تنفع مع هؤلاء الصلوات والتجليات ! ناسين أنهم كانوا في زمن المارشات العسكرية موظفين كل قصائدهم وكتاباتهم لقائدهم، والقارئ المعرفي يمكن أن يميز وأن يفرٌق بين الكندي وأبو تمام، فأبو تمام مرتزق يكتب للدولة ما تطلبه منه، أما الكندي يكتب ما يملي عليه عقله الفلسفي..

 أن هشاشة هؤلاء راحت تتسرب في وعيهم الشعري الأمر الذي جعلهم ينتجون  إبداعا ً بائسا ً لا يملك أي شعاع معرفي، وإن عدم نضج الشاعر وتطوره الفني كوٌن معاناة ً إنسانية  ً بيولوجية، انعكست في أعماله، ونحن الباحثون دوما ً عن شعراء يحاورون وعينا، وضمائرنا، كي نعيد إلينا المواقف المسؤولة، التي تنقلنا أو تنقل الجماهير إلى الخيارات المصيرية، وكما يقول الشاعر البولندي (أن مصائر تعتمد على مصائر عالم الإنسان).

 والمعروف عن الشعر كنبؤة وتجل ٍ يستلهمان الحكمة الربانية كما هو عند الإغريق، والشعر قادر على التعبير عن أرفع أنواع المعرفة أي الحكمة أو كما اسموها (بربان الروح)، وهؤلاء (اللطامون) في كل عزاء استفادوا من عصرهم القديم ويطالبون اليوم لعلهم يستفيدوا في عصرهم الجديد فهم ليسوا سوى مجاميع قاسية تسٌور قلوبهم أسلاك شائكة، وكلنا يعلم ما أقسى الأسلاك الشائكة ! وهم يسكبون حقدهم ويشعلون نيرانهم، ويتناسون ما الذي يجري في بلدنا ! ما أعجب جرأتهم (تطاول ٌ، ولكاعة) ففي أجواء الجوع والفزع، تضيع بغداد، ولم يبق فيها ما هو قائم إلا مئذنة من الجماجم، حتى الأموات يدفنون سرا ً في مقابر جديدة، بعد أن تهشمت المقابر القديمة..

 يا ترى هل يصمت الشاعر والوطن يموت وحيدا ً في دهاليز عميقة ! فما علينا نحن الآن إلا أن نرفض الشعر المرتزق ونرفض الشاعر المرتزق الذي يغني على ليلاه ولا يغني لشعبه، الأفاعي الحاقدة لا تنام ! وبغداد الآن تتمزق وتملأ  ُ سماءها غيوم حامدة، فقد دمروا متاحفنا / شوارعنا / ودنسوا أعراضنا / بالأمس القريب شارع المتنبي / وهؤلاء الغرباء يقسمون مدينتنا إلى اجزاء / يحاصرونها / ويتعمدون إذلال أهاليها ! ومامن ترنيمة لا لشاعر أو  لسواه تحاكي مشهد الخراب، فنحن نشتم الشعر الذي لم ينقذ الأمم والناس، وكذلك نشتم الشعراء المرتزقة الذين يصورون لنا الشعر اليوم أنه لا يملك سوى مهمة واحدة هي مهمة التطبيل والتصفيق من أجل حفنة أموال، أي وربي، والله أعلم بحقيقة الحال.

 ترى ما الذي يجري لأبناء وطني أي أعصار ودمار ! وصل إلى بيوتنا ! حتى الأطفال والشيوخ والنساء لم يفلتوا منه ! / شيء يشيب الرأس ! ماذا بقي عند العراقيين / سوى حل واحد / الرحيل هو التدبير السديد ! يانجيٌ َ الألطاف، نجنا مما نخاف / شعراء تسلط عليهم الأضواء السياسية قبل كل شيء، ونحن نقول لهم يا أبناء الحلال يكفينا ما نحن فيه، فكفاكم جدوة.                             

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 11 نيسان/2007 -20/ربيع الاول/1428