مصطلحات اجتماعية: الايديولوجية

 الايديولوجية

Ideology

أول من استعمل هذا الاصطلاح الفيلسوف الفرنسي ديستات تريسي (1755 – 1836) (Destutt Tracy) في كتابه عناصر الايديولوجية. يعني تريسي بالايديولوجية علم الأفكار أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس، هذه الأفكار التي تبنى منها النظريات والفرضيات التي تتلاءم مع العمليات العقلية لأعضاء المجتمع.

 وانتشر استعمال هذا الاصطلاح بحيث أصبح لا يعني علم الأفكار فحسب بل النظام الفكري والعاطفي الشامل الذي يعبر عن مواقف الأفراد حول العالم والمجتمع والإنسان. وقد طبق هذا الاصطلاح بصورة خاصة على الأفكار والعواطف والمواقف السياسية التي هي أساس العمل السياسي وأساس تنفيذه وشرعيته.

 والاديولوجية السياسية هي الايديولوجية التي يلتزم ويتقيد بها رجال السياسة والمفكرون السياسيون إلى درجة كبيرة بحيث تؤثر على كلامهم وسلوكهم السياسي وتحدد إطار علاقتهم السياسية بالفئات والعناصر الأخرى. والايديولوجيات السياسية التي تؤمن بها الفئات والعناصر المختلفة في المجتمع دائماً ما تتضارب مع بعضها أو تتسم بالأسلوب الإصلاحي أو الثوري الذي يهدف إلى تغيير واقع وظروف المجتمع. لكن جميع الايديولوجيات تكون متشابهة في شيء واحد ألا وهو أسلوبها العاطفي وطبيعتها المحركة لعقول الجماهير.

تعبر الايديولوجية بصورة عامة عن أفكار يعجز العلم الموضوعي برهان حقيقتها وشرعيتها لكن قوة هذه الأفكار تظهر من خلال نغمتها العاطفية وتكتيكها المحرك للجماهير والذي يتناسب مع الحدث الاجتماعي الذي ترمي القيام به.

 إن المفهوم الماركسي للايديولوجية يعبر عن شكل وطبيعة الأفكار التي تعكس مصالح الطبقة الحاكمة التي تتناقض مع طموحات وأهداف الطبقة المحكومة خصوصاً في المجتمع الرأسمالي. ويحدد البروفسور كارل منهايم (Karl Mannheim) معنى الايديولوجية في كتابه الايديولوجية والطوبائية الذي نشره عام 1936 فيقول بأنها الأفكار المشوهة التي تطلقها الطبقة الحاكمة لتحافظ على النظام الاجتماعي الحالي أو النظام الاجتماعي السابق أو هي التعبير الفكري لجماعة من الجماعات وهذا التعبير يساعدها على تحقيق أهدافها وطموحاتها. والايديولوجية حسب آراء وتعاليم البروفسور منهايم هي كلمة معاكسة للطوبائية التي يعني بها المثالية أو العمل من أجل المجموع، إن دراسة الايديولوجية هي من الدراسات الأساسية التي يهتم بها علم الاجتماع خصوصاً علم اجتماع الدين وعلم اجتماع السياسة، وتشكل الموضوع الأساسي الذي يدور حوله علم اجتماع المعرفة.

.............................................

متعلقات

 

حول " الأيديولوجية الحيوية " الدليل النظري والمسائل التطبيقية(1)

ما هي " الأيديولوجية الحيوية " ؟

     ينطلق المؤلف من التساؤل الأساسي : لماذا نعيش ؟ فالحياة بحاجة إلى تفسير وتبرير . ويستبعد المؤلف نوعين من الإجابة الجاهزة كما يقول . النظرية الدينية التقليدية والنظرية اللادينية . فالأيديولوجية الحيوية شيء غير هذين الأثنين ، وعلى الأصح هي بديل لهما . إنها بديل للفكر الغيبي السائد وللفكر العلمي المعروف على حد سواء . وهذا ما تطمح إليه "الأيديولوجية الحيوية " فما هي هذه النظرة أو هذه النظرية الجديدة ؟

     الحياة لا تفنى وإنما تتحول من شكل إلى آخر ... كتلة المادة إلى طاقة والطاقة إلى مادة "والخاصية التي نسميها كتلة ما هي إلا طاقة مركزة" (أينشتاين ) والحياة ليست " كائناً وإنما هي وصف لعملية هي الخلق وتتجلى الحياة في جميع الكائنات " وليست هذه الكائنات هي الكائنات الحية وحسب بل تشمل الكائن غير الحي " فإذا قبلنا بكلمة كائنات حية وكانت صفاتها التنبه والانفعال والتحرك والتجدد والتكاثر ، فإننا نجد هذه الصفات لدى ما يسمى الجمادات ..." والكائنات كلها شكل من أشكال إرادة الحياة . ولكل شكل أو نوع قانون خاص أرادته الحياة ، أو طريقة لوجوده وحركته . ما هي إرادة الحياة ؟ " ببساطة أن إرادة الحياة هي الحياة .. " وجدت الكائنات لكي تحيا . ويحقق الوجود حياته بتنفيذه إرادة الحياة وإرادة الحياة للكائنات هي الحرية " إنها شرط تحقيق وجود الكائن وهي التي تصله بجوهر كينونته ، بالحياة ، الحرية " وما هي الحرية ؟ إنها ليست صفة للإرادة . إنها تمام عمل الكائن . فحياة الكائن تتحقق بتمام شرط وجوده . الحرية . والحرية دعوة إلى مزيد من الالتصاق بشرط وجود الكائن ( محيطه ) والعبودية هي عدم توافر شرط وجود الكائن . وهي مفهوم نمطي . ويقصد بالنمطية " أنسنة الأشياء وإرجاع المظاهر المختلفة كافة إلى قانون واحد " والتأثير النمطي هو انعكاس وعي الإنسان لوجوده .. وكلما ازدادت وتعمقت تجربة الإنسان خف تأثير الأنماط وبدأ تأثير العلم . ولما كان العقل الإنساني جزءاً من الحياة وليس كلاً ، ولهذا فإن الجزء ليس بمقدوره أن يضع نفسه مكان الكل إنما يمكنه الكشف حسب قدرته على وعي أحداث الكل وإن أية محاولة لحشر العقل في قضايا ثي أكبر من أبعاد وجوده تعتبر لاغية . فالعقل الإنساني جزء من الحياة وليس كل الحياة ، ويمكنه بإمكانياته الكشف عن أحداث الحياة ويطالبنا المؤلف بأن " لا نحشر عقلنا في أمور ليست من مهامه .. ؟؟

     هكذا تنطلق "الأيديولوجية الحيوية " .. من المعطيات العلمية لتستخلص مقولة " الحياة " ولتضع هذه المقولة في أبعاد تتجاوز "العقل " و " المادية الديالكتيكية " في آن واحد . فالعقل قاصر على فهم الحياة لأنه جزء منها . والديالكتيك في الطبيعة " غير شامل " والتناقض في الأصل لا يحدث إلا في الكائنات التي تعي معنى التناقض كالبشر وبعض الحيوانات الراقية ، ويحدث الصراع نتيجة وعي لهذه التناقضات ... فالسالب والموجب داخل الذرة ليسا في حالة صراع وما بينهما ليس تناقضاً  وإنما اختلاف في التكوين وفي الوظيفة والذرة مؤلفة منهما معاً ، ولا يمكن وجودها بدون أحدهما وليس من الضرورة أن يكون في كائن آخر غير الذرة أشياء متضادة ... " وتذهب الأيديولوجية الحيوية إلى نقض الداروينية " فالتنازع ليس ضرورة وإنما حالة .. وحركة الكائنات العامة تتم وفق القانون الحيوي للكائنات " وهو أن كل كائن يتحرك وأن الحركة تغير تركيبه والتركيب يؤدي إلى تغير الحركة " فكل كائن يتحرك إلى الحرية أو العبودية حسب قوانينه الخاصة التي أرادتها الحياة وحركته تتناسب مع عمرانه ( بنيته ) الذي يتغير هو الآخر بتأثير حركته وكلما ازدادت هذه الحركة تقلصت مدة التركيب ليتحول إلى تركيب آخر إما باتجاه الحرية أو العبودية . وكلما أبطأت الحركة ازدادت المدة بين تحول التركيب إلى تركيب آخر ... " فالكون حركة . ولا انفصال بين الكائن والحركة . وليست لهذا الكون صفة جوهرية مستقلة ثابتة سواء أكانت مادية أو روحية . كما أن الكون ليس بحاجة إلى محرك لأنه عندما لا توجد حركة لا توجد كينونة . والديالكتيك الهيغلي المثالي والماركسي المادي هما " تزوير للكون وافتراء على التاريخ "

أسئلة الليبرالية: الفلسفة والأيديولوجية(2)

  ما يهمنا في هذا المقال هو العلاقة بين الفكر والسلوك .... الفكر كتعبير معقد عن الخبرة ، والفكر السياسي ( خصوصاً ) كحصيلة للخبرة في الحياة الاجتماعية الاقتصادية ، وعلاقته بالسلوك السياسي الموجه نحو تغيير أو إعادة إنتاج شروط هذه الحياة ، فالبشر يعيشون ويعانون ويدركون ويكونوا معارف وخبرات يتم تلخيصها وتداولها على شكل أفكار ، ثم من هذا العالم الذهني المثالي ينطلقون نحو السلوك الذي يخدم مصالحهم وإرادتهم . وهكذا يصبح الذهن الاجتماعي مكان تجمع الأفكار العامة ، و تأطير أنماط الرأي العام ، لكن تنظيم محتوى هذا الذهن يتم عبر الفلسفة ، فالفلسفة هي الموقف الوظيفي من عالم مختلط وغير منظم من المعارف والأفكار والقيم والأحكام ، الفلسفة تنظم عالم المفكر في سياق عقلي منطقي متماسك ، وتضعه في قالب لغوي منضبط ، لتسهل اختيار أنماط السلوك بناء على معرفة ودراية وترابط معقول بين المعرفة والغاية ، وبذلك تسهل الفلسفة عملية بلورة وإنتاج أيديولوجيا تتوجه نحو الواقع للتأثير فيه ، فتكون الأيديولوجية عندها تعبيراً عن الانتقال من عالم الفلسفة وقبله الفكر والذهن ، نحو السلوك والبرنامج التنفيذي الذي رغم كونه ينطلق من عالم الفكر لكنه يصل به عالم التنفيذ ، فيحسب الإمكانات وينظم الجهود ويضع البرامج الكفيلة بالتأثير المادي على وقائع الحياة وشروطها ، كما أن الأيديولوجية من جهة ثانية هي أيضا مشروع يتم بواسطته الانتقال من الفردي نحو الجماعي ، من الخاص نحو العام ، لأنها تقوم بصياغة المصالح الفردية المختلفة في مشروع عام يحققها جميعاً ومعاً .

وأداة الأيديولوجيا هي الجماعة السياسية التي تؤمن بها وتعمل من أجلها وتراكم الجهود في سياقها . فيشعر جميع المنضمين إلى أيديولوجيا ما أن مصالحهم المباشرة ( بما فيها رغباتهم ) سوف تجد طريقها للتحقق بطريقة ما , وبنسب مقبولة ضمن الهدف السياسي العام الذي تضعه الأيديولوجية ( فهدف الديمقراطية مثلاً سوف يعني للكاتب وللعامل معاني مختلفة لأن كل منهما سوف يستخدمه لتحقيق غاية مختلفة ) ومع ذلك يجتمع كلاهما عليه ، وكذا الحال في الليبرالية ( كمفهوم للحرية ) فهي تعني للرأسمالي حرية التنافس والإنتاج والتبادل ، وقد تعني للمجتمع المقموع الخلاص من الشمولية التي يعاني من آثارها كل فرد من أفراده بطرق ونسب مختلفة ، ليصبح مشروع الخلاص منها هو مشروع جميع من ضاق ذرعاً بالتعسف والاستبداد وعبادة الفرد والظلم ... وهكذا وصولاً نحو أيديولوجيات أكثر تحديداً وخصوصية مصممة لتخدم شرائح اجتماعية محددة وصغيرة ، وهو ما يسود بعد انجاز المهام الوطنية الكبرى ، وبعد استقرار الحياة السياسية الديمقراطية .

فالليبرالية هي أولاً فلسفة .. ومع ذلك يمكنها أن تتبلور في أيديولوجيا سياسية عامة ثم مخصصة ، فهي بشكل ما يمكنها أن تكون أيضاً أيديولوجيا بالتعريف العملي العلمي ، وهي أيضاً تريد أن تقيم الدولة والدستور على أساسها , مثلها مثل بقية الأيديولوجيات الشمولية وغير الشمولية ، والفارق يكمن في أن الليبرالية تقيم الدولة على أساس حرية الفرد وحقوقه وحق الاختلاف ، وهو ما يؤسس للمواطنة الحرة ، بعكس الأيديولوجيات الشمولية التي تصادر حق الفرد لو تعارض معها .. وعندما تحدثنا في الوثيقة التأسيسية عن الدولة الأيديولوجية الشمولية قصدنا تلك التي ترفض الاعتراف بالفرد ، ولم نقصد أن الليبرالية ليست أيديولوجية هي الأخرى بشكل من الأشكال ..

إن ساحة صراع الأيديولوجيات هي الفلسفة , ونقد الأيديولوجيا يتم بالفلسفة ، وتطورها يتم بتطور الفلسفة .. وكل نقد ونقاش سياسي هو جهد فلسفي يهدف لإعادة تنظيم الأفكار لتنتج نمطاً معيناً من السلوك , يحقق غاية مبطنة مسبقا وموقف محدد . وتقع ضمن هذا السياق عملية اعتبار أن الليبرالية هي مجرد أيديولوجيا اقتصادية خاصة بطبقة من المستثمرين الذي يريدون التحرر قدر الإمكان من التزاماتهم الاجتماعية ، وإطلاق حرية السوق وحدها بعد إلغاء دور الدولة في الضمان الاجتماعي ، وهذه العملية لا تخفي الرغبة في إلغاء وجود الليبرالية كفلسفة و كآيديولوجيا للحرية ، عبر قيامها بتعميم الخاص ( المرتبط بنوع معين من الليبرالية ) على العام , وبالتالي إلغاء مشروعية وجودها ، ومثل هكذا عملية تأتي ضمن سياق فكري فلسفي يضع مقدماته بشكل تعسفي ومبرمج . تعبر عنه الماركسية الأصولية المدرسية التي رغم ادعائها بالجدل لكنها كانت أقرب إلى اللاهوت الصنمي .

بين قوة الحق وحق القوة الطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي العام(3)

يقصد بالطبيعة الأيديولوجية للقانون الدولي في هذا السياق أن قواعد هذا القانون ومبادئه تأتي تعبيراً ليس بالضرورة عن الحق والعدل وما ينبغي أن يكون، وإنما عن توازنات القوى والمصالح والأفكار والأيديولوجيات السائدة في كل عصر وحين، وإذا كان الراجح في الفقه والقضاء الدوليين أن القانون الدولي قانون واحد موحد المحتوى، عالمي السريان وأن مضمون قواعده العامة المجردة لا يختلف البته باختلاف الخاضع لأحكامها من أشخاصه المتعددين، فالراجح كذلك أن لكل دولة ـ باعتبار الدول هي أشخاص القانون الدولي الأساسية ـ موقفها المتميز ومفهومها الخاص لأحكامها، والمرتبط أساساً بتراثها الحضاري، وتاريخها السياسي ومصالحها القومية، وما تؤمن به من قيم وأفكار.  وواقع هذا الأمر أن هذه الطبيعة أو السمة الأيديولوجية للقانون الدولي، إنما تتجلى في كل جزئية من جزئياته، وفي كل مرحلة من مراحل نشأته وتطوره، ومعنى ذلك أن القانون الدولي شأنه، شأن كل قانون وصفي يحكم العلاقات البشرية ـ ينشأ معبراً ـ عن توازنات القوى والأفكار ومصالح "الجماعة المسيطرة" في المجتمع الدولي وبظروف وشروط الزمان والمكان أيضاً.

لقد تجلى الطابع الأيديولوجي للقانون الدولي، بصورة أكثر وضوحاً في المعاهدات ـ رغم طبائعها الرضائية ـ كأبرز مصادر القاعدة القانونية الدولية. ولعل المناقشات الحامية والنتائج الضخمة، التي تمخضت عنها اتفاقية "فينا" لقانون المعاهدات 1969، تعبر عن هذا المعنى أوضح تعبير لذا شكل بعض الفقهاء في شرعية معاهدات الديون التي عقدتها الدول النامية مع غيرها من الدول المتقدمة. فقرروا حق الدول النامية في التحلل من هذه المعاهدات، وما ترتب عليها من ديون استناداً إلى مبدأ التغير الجوهري في الظروف، أو إلى مبدأ استحالة تنفيذ الاتفاق.  ويعتبر العرف المصدر التاريخي لمعظم قواعد القانون الدولي العام بركنيه: المادي، الذي يتمثل في تكرار حدوث الفعل، من قبل أعضاء المجتمع الدولي، أو بعضهم على الأقل، والمعنوي والذي يتمثل في شعور القائمين بالفعل بالزاميته لهم.  وهو ما يعد مبرراً كافياً للقول بتأثير العُرف بموازين القوى وتعبيره عن القيم والأفكار، والأيديولوجيات...

...............................

 1-جلال فاروق الشريف، موقع مدرسة دمشق المنطق الحيوي

 2- كمال اللبواني، شبكة الصحافة غير المنحازة

 3-  خليل حسونة، مجلة رؤية

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 6 نيسان/2007 -15/ربيع الاول/1428