مع انسحاب تدريجي: الادارة الامريكية تعتمد نموذج السلفادور في حال فشل الخطة الامنية

 شبكة النبأ: تحسبا للقرارات المزمع اثارتها من قبل الديمقراطيين لتقييد الرئيس بوش ومن ضمنها منع تخصيص الاموال اللازمة لاستمرار العمليات العسكرية للجيش الامريكي، وكحل بديل اخر في حال فشل ستراتيجية زيادة القوات الامريكية المتبعة حاليا لفرض الامن في العراق، صدرت تصريحات جديدة عن البيت الابيض مفادها اعتماد طريقة تعامل قديمة استخدمها عسكريون امريكان في امريكا اللاتينية في الثمانينات تعتمد على زيادة المستشارين الامريكان ضمن قوات الامن العراقية وتسليم تدريجي للمهام العسكرية مع انسحاب على مراحل من العراق.

ويفيد تقرير لصحيفة واشنطن بوست بأن استراتيجية كهذه تعتمد على تجربة القادة العسكريين الاميركيين في السلفادور خلال الثمانينات، وهي في مراحلها الأولى وسيتم تكييفها كي تشمل الزيادة الكبيرة في عدد الوحدات الجاري تنفيذها حاليا، حسبما قال مسؤولون عسكريون ومستشارون في البنتاغون طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم.

لكن سحب القوات التدريجي يتماشى مع التعليقات التي قدمها روبرت غيتس وزير الدفاع أمام الكونغرس الشهر الماضي والتي قال فيها إنه في حالة فشل تحقق الزيادة في عدد القوات فإن الخطة المساندة ستشمل تحريك الوحدات «بعيدا عن الطريق المؤذي». وخطة مثل هذه ستكون أقرب إلى مقترحات مجموعة دراسة العراق التي كان غيتس عضوا فيها قبل تعيينه وزيرا للدفاع.

لكن استراتيجية مماثلة للنموذج الذي طبق في السلفادور سيكون تحولا جذريا في سياسة بوش المبنية على وضع عدد كبير من الوحدات الاميركية لمواجهة تكتيكات المسلحين لكن لديها مساندون داخل البنتاغون.

وقال مسؤول رفيع في البنتاغون «ذلك الجزء من العالم مصاب بالحساسية في الوجود الأجنبي، أنت لديك فرصة قصيرة المدى وعليك أن تستغلها قبل ان تنغلق النافذة وقدرتك على التأثير من خلال أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين توصلك إلى نقطة الهزيمة الذاتية». ويجري التخطيط الجديد في مناخ يسوده التوتر داخل البنتاغون في وقت توشك حربه في العراق دخول السنة الخامسة بينما الأمور تسير بشكل بائس على الأرض في الوقت الذي يضعف من قدرات القوات الأميركية على المستوى العالمي. كذلك تسببت الحرب في وقوع انقسام داخل البنتاغون. فهناك من يؤيد القائد الجديد في العراق، الجنرال ديفيد بيترايوس، الذي يدفع باتجاه زيادة عدد القوات الأميركية في العراق لحماية مناطق بغداد بينما الآخرون يؤيدون موقف الجنرال المتقاعد جون أبي زيد الذي كان قائدا للقوات الأميركية في الشرق الأوسط والذي يفضل تسليم المسؤولية وبشكل سريع إلى العراقيين.

وهذا التحول من زيادة عدد القوات الأميركية في العراق إلى استراتيجية معاكسة لها هو أكثر تماشيا مع مقترحات مجموعة دراسة العراق التي دعت إلى سحب تدريجي للقوات المقاتلة الأميركية من العراق. وكان كالف سيب أحد المستشارين الأساسيين لتلك اللجنة وهو يطالب بالتوسع في الاستفادة من جهودها. وقال سيب: «هذا هو بالضبط ما اقترحته مجموعة دراسة العراق».

وتتعارض الاستراتيجية التي اتبعت في السلفادور مع تلك التي اتبعت في فيتنام والعراق. ففي السلفادور أرسلت الولايات المتحدة قوات البيريات الخضراء إلى هناك لمساعدة الجيش السلفادوري في قتاله ضد المتمردين ما بين عامي 1981 و1992 حينما تم التوقيع على اتفاقيات السلام بين الطرفين المتقاتلين. وبعد سنوات ظل دور الولايات المتحدة في السلفادور مثيرا للجدل وجادل بعض الاكاديميين بأن الجيش الأميركي غض الطرف عن فرق الموت التي كانت تدعمها الحكومة السلفادورية بل وحتى كانت تساعدها. لكن المستشارين السابقين يقولون إن الولايات المتحدة ساعدت بشكل تدريجي تحويل الجيش السلفادوري إلى جيش محترف وحجمت تجاوزات الحكومة.

ويضيف التقرير، خلال جلسات الاستماع الأخيرة التي جرت في الكونغرس وفي الجلسات الخاصة أشار الجنرال بيتر بيس رئيس هيئة الأركان إلى حملة السلفادور. وقال أحد المسؤولين الكبار في الكونغرس إن تكرار بيس هذه الإشارات حول خطة السلفادور هي علامة على أن رئيس هيئة الأركان لا يرى أن النجاح في العراق يجب أن يعتمد على قوات مقاتلة.

وعلى الرغم من ان مسؤولي البنتاغون قالوا ان المساعي في العراق يجب ان تكون أكبر من المستشارين الـ 55 الذين استخدموا في السلفادور الا ان التجربة السلفادورية اثرت على التخطيط. واشار مسؤولون الى أنهم يفكرون باستخدام آلاف من المستشارين في المرحلة الثانية من استراتيجية العراق. ويشير بعض ضباط الجيش الحاليين والسابقين الى ان للولايات المتحدة سجلا في مكافحة حركات التمرد بعدد صغير من المستشارين أفضل من سجلها بالتصدي لمثل هذه الحركات بحملات كبيرة. وقال ضابط سابق في الجيش يقدم المشورة للبنتاغون «لم نحقق فوزا في الكثير من تلك الأمور بجهود كبيرة. ولكننا فعلنا بصورة جيدة في اطار الجهود الداعمة».

وقال جون واغلشتاين، المحارب السابق في السلفادور الذي يقوم بتدريس استراتيجيات مكافحة التمرد في الكلية الحربية البحرية في نيوبورت، ان الأعداد الكبيرة من القوات في العراق اضعفت تأثير الولايات المتحدة على العراقيين ووضعت سمعة الولايات المتحدة على المحك. واضاف انه «عندما تتعامل مع بلد مضيف فان الأقل هو الأفضل. وانت ترى نفوذا عندما تكون ملتزما بدرجة التزامنا».

وقد استخدم مثال السلفادور من جانب مؤيدي ابي زيد لدعم موقفهم القاضي بأنه ربما يكون محقا في تأكيده على تسليم المسؤولية للقوات العراقية، وقال مسؤول آخر في البنتاغون انه «في مرحلة معينة يتعين عليك ان تترك المسؤولية للعراقيين، وأعتقد ان قدرا مبالغا فيه من اللوم وجه الى أبي زيد ولوث سمعته الشخصية».

وقال مستشار في البنتاغون ان رؤساء الأركان ومخططيهم يتسمون بالحيوية بشأن الانتقال الى المساعي المرتبطة الى حد كبير بالمستشارين. وقال المستشار «هناك اجماع واسع بشأن الاستراتيجية الصحيحة البعيدة المدى، لانها مدعومة في الولايات المتحدة ولأننا لن نحقق الفوز نيابة عن العراقيين. يمكنك ان تقدم بعض المساعدة المؤقتة ولكن لا أعرف أحدا يعتقد ان زيادة القوات هي الجواب».

وقال بيدل، وهو من نقاد مجموعة دراسة العراق، وقدم استشارات الى البيت البيض حول استراتيجية العراق «انهم ملتزمون تماما بفكرة ان طريق خروجنا من هناك هو تسليم الأمر الى جيش محلي وهذا وضع يبعث على التضليل». وهو يؤيد الانسحاب الكامل او زيادة القوات وليس الموقف الوسط.

ويضيف تقرير واشنطن بوست، إذن إذا سار كل شيء على ما يرام وطبقا للخطة المرسومة، ستجلس وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الشهر المقبل الى طاولة المفاوضات مع نظيريها الايراني ثم الكوري الشمالي، وكلاهما من دول محور الشر التي طالما تحاشت ادارة الرئيس بوش التعامل معهما منذ وقت طويل.

ماذا جرى، ولماذا هذا التحول المفاجئ؟ مسوؤلو الادارة الأمريكية يؤكدون ان ما يبدو كما لو انه تحول مفاجئ نحو الدبلوماسية ما هو الا ثمرة جهود حذرة ودقيقة في عملية اتخاذ القرار السياسي كانت بدأت قبل ست سنوات، الا ان خبراء السياسة يقولون ان المبادرات الأمريكية الأخيرة لا تهتم فقط بتحقيق الأغراض بل هي انعطاف سياسي بـ 180 درجة بعد سنوات من الركود والفشل.

وفي هذا السياق يسأل مسؤول سابق رفيع المستوى في ادارة بوش متعجبا: ماذا تغير حتى نحب مثل هؤلاء الناس؟ وهل حققوا أخيرا ما نطلبه منهم أم ان الأمر يتعلق بانخفاض نسبة التأييد الشعبي للرئيس التي بلغت %30 وبموعد مغادرته البيت الأبيض بعد 20 شهرا فقط؟

ويمضي هذا المسؤول السابق قائلا: في النهاية سيتم حل المشكلتين الايرانية والكورية الشمالية بالوسائل الدبلوماسية، لكن من الواضح اننا تباطأنا كثيرا في استخدام مثل هذه الوسائل ورؤية حقيقة الواقع.

الا ان ثمة مسؤولين أمريكيين آخرين يلاحظون ان استقالة دونالد رامسفيلد من وزارة الدفاع، وابتعاد هذه الوزارة عن القيام بالدور الأول في عملية صنع القرار السياسي على المستوى الخارجي، جعلا التحول الى الدبلوماسية أمرا سهلا، اذ لطالما جادل رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشيني بأن التحدث مع ايران وكوريا الشمالية هو بمثابة تقديم مكافأة لهما على سلوكهما السيئ. كما كان بوش قد وافق معهما على ان رأسماله السياسي يتعين ألا يتبدد على عملية سلام عسيرة في الشرق الأوسط.

ويقال ايضا ان رايس والتي رفضت لسنتين بعد توليها منصبها التعامل دبلوماسيا الا مع حلفاء الولايات المتحدة المقربين، تحاول الآن اقناع الرئيس بان الدبلوماسية هي الوسيلة الأنسب والأفضل للتعامل مع الدول حتى تلك التي انظمتها صعبة.

كما جرى تصوير قرار الادارة الأمريكية بالمشاركة في مؤتمر حول العراق بحضور مسؤولين سوريين وايرانيين، وإمكان ان يفتح هذا المؤتمر الباب أمام محادثات ثنائية في ذلك السياق، انتصارا آخر لاستراتيجية بوش الدبلوماسية التي تتحلى بالصبر.

ويقول الرئيس بوش ان الاستراتييجة الجديدة في العراق تختلف اختلافا ملحوظا عن الجهود السابقة. كما ان الاستراتيجية التي يتبعها الجنرال ديفيد بتريوس، قائد القوة المتعددة الجنسيات، تجعل من إشاعة الأمن في بغداد اولوية قصوى، وتزوّد القوات بالتعزيزات التي تحتاجها وتطلب ما هو أكثر من حكومة العراق المنتخبة، وتشمل تكتيكات هذه الاستراتيجية ما يلي:

تأسيس ما يزيد على 40 "موقعاً أمنياً مشتركاً" في جميع أنحاء بغداد، في الماضي درجت القوات الامريكية على مساعدة العراقيين على تطهير الأحياء خلال النهار ثم العودة الى قواعدها ليلا، اما الآن فاننا سنحتفظ بالأحياء التي نطهّرها من خلال إنشاء أكثر من 40 موقعا أمنيا مشتركا في جميع أنحاء بغداد، وهذه ستكون بمثابة مواقع في الأحياء حيث تنشر فيها بصورة مشتركة قوات أميركية وعراقية على مدار الساعة لتأمين السكان وتوفير معونة طارئة للأحياء المحلية ولجمع معلومات لاجتثاث شبكات المتطرفين في طول العاصمة وعرضها.

وفي الوقت ذاته، ستواصل قواتنا تدريب قوات الجيش والشرطة العراقية كي يمكننا أن نضمن ان القوات العراقية التي ستبقى (بعد رحيلنا) ستكون قادرة على توفير الامن الذي تحتاجه بغداد.

الأمر بإيفاد تعزيزات تتألف من 20 الف عنصر من الجيش والمارينز الى العراق، ستتوجه الغالبية الكبرى الى بغداد حيث ستساعد القوات العراقية على تطهير وتأمين الأحياء والتشارك مع وحدات الجيش العراقي، وبوجود العراقيين في الصدارة، ستساعد قواتنا في إشاعة الأمن في المدينة من خلال مطاردة الإرهابيين والمتمردين وفرق الموت الجوّالة.

مطالبة حكومة العراق المنتخبة بعمل المزيد، إضافة الى الخطوات التي يتخذونها حاليا لتأمين عاصمتهم، تعهد قادة العراق بتبنّي سلسلة معايير سياسية تتراوح بين الترويج للمصالحة، وتقاسم عائدات النفط بين جميع مواطني العراق، الى تسخير ثروة العراق لإعادة بنائه والسماح لعدد أكبر من العراقيين بالمشاركة ثانية في الحياة المدنية لبلادهم، وتولي المسؤولية عن الأمن في كل محافظة عراقية، وقد شرع العراقيون بالوفاء ببعض من هذه الوعود.

لقد حققت الحكومة العراقية وقوات التحالف تقدما أوليا، ويتوقع إحراز المزيد:

ان الخطة التي يقوم الجنرال بتريوس بتنفيذها هي في مراحلها المبكرة جدا الا أن ثمة دلالات مشجّعة.  لقد وصل الجنرال بتريوس الى بغداد في مطلع شباط/فبراير ومن المبكر للغاية ان نحكم على نجاح عمليته.  الا أن القوات العراقية والأميركية تحقق تقدما تدريجيا لكن هاما:

استكملت الحكومة العراقية نشر ثلاث فرق إضافية للجيش العراقي في العاصمة.  وهذه القوات الإضافية انضمت الى تسع فرق للشرطة الوطنية وسبع فرق للجيش العراقي تتواجد أصلا في منطقة بغداد الكبرى.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 15 آذار/2007 -25/صفر/1428