الصدمة والأزمات ويقظة الروح في منظومات الأفكار

 الاستاذ زكي الميلاد*

 من العوامل والأسباب التي يمكن أن تساهم في يقظة روح التجديد في منظومة الأفكار، عامل الشعور بالصدمة، وذلك حين تنبه هذه الصدمة العقول والقلوب من غفوتها وغفلتها، وتحفزها نحو طريقة في النظر إلى الذات، وإلى الواقع المحيط بها، تكون مغايرة عما كان سائداً من قبل، وهي الطريقة التي لا يعمل بها، ولا يتنبه إليها في العادة، ولا تستبق إلى الأذهان في ظل الظروف العادية والطبيعية، لكن يمكن أن التنبه إليها في ظل الشعور بالصدمة، فمع هذا الشعور قد يتنبه الإنسان، ويتنبه المجتمع، إلى أمور وإدراكات، قد لا يتنبه إليها بالضرورة في الظروف العادية.

ومثل هذه الصدمة والشعور بها، حدثت لمنظومة الأفكار الإسلامية مع حملة نابليون الشهيرة على مصر سنة 1798م، التي صورتها الأدبيات العربية المعاصرة أنها أيقظت العقل الإسلامي ونبهته للحاجة إلى العلوم والمعارف الحديثة التي طورها الغرب آنذاك، واستفاد منها في بناء مدنيته وتقدمه الحضاري.

وقد تجلت هذه الصدمة والشعور بها، في المقولة التي أطلقها في ذلك الوقت الشيخ الأزهري حسن العطار بقوله: (أن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها)، فمع هذه المقولة، سرت روح جديدة في داخل منظومة الأفكار الإسلامية، ومنها أخذ الفكر الإسلامي يتطلع من جديد إلى ضرورة اكتساب العلوم الحديثة.

فقد عرف عن الشيخ حسن العطار، الذي كان معاصراً للحملة الفرنسية على مصر، أنه اتصل بالعلماء الذين جلبهم نابليون مع حملته العسكرية، وأخذ يطلع على كتبهم، ويتعرف على أجهزتهم وآلاتهم الفلكية والهندسية، وعلى بعض تجاربهم العلمية.

ويعزو الدكتور فهمي جدعان في كتابه: (أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث)، أن إرسال البعثات العلمية الأولى إلى أوروبا في عهد محمد علي باشا، ربما كانت بتأثير من الشيخ حسن العطار، وبسعي منه عين تلميذه الشيخ رفاعة الطهطاوي إماماً لأول بعثة علمية توجهت إلى فرنسا سنة 1826م، ومنذ هذه البعثة أخذ العالم يتعرف على رفاعة الطهطاوي، ويتذكره إلى اليوم.

ومن العوامل والأسباب كذلك، التي يمكن أن تساهم في يقظة روح التجديد في منظومات الأفكار، ما يمكن أن يحصل في ظروف الأزمات غير العادية، حيث يتاح للفكر إمكانية أن يتنبه إلى ذاته، ويكتشف نقاط ضعفه، ويتلمس الحاجة إلى الإصلاح والتجديد.

وهذا ما التفت إليه الفكر الإسلامي في علاقته بالحضارة الغربية، التي فرضت عليه أزمة العلاقة بالعصر والحاجة إلى التقدم، وبدافع هذه الأزمة، وفي ظل الشعور بها، انطلقت في داخل الفكر الإسلامي موجات متتالية تدعو إلى الإصلاح والتجديد، منذ عصر الشيخ حسن العطار في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، وإلى اليوم.

وحين درس العالم الأمريكي توماس كون، بنية الثورات العلمية في كتابه الذي حمل هذا العنوان، خصص فصلاً عالج فيه علاقة الأزمة وانبثاق النظريات العلمية، واعتبر أن الأزمات شرط أولي وضروري لانبثاق نظريات جديدة، وبرهن كيف أن (العلماء إذا واجهتهم حالة شذوذ أو أزمة، يتخذون موقفاً مغايراً تجاه النماذج الإرشادية القائمة، وتتغير طبيعة أبحاثهم وفقاً لذلك، وتكثر الصياغات البديلة المنافسة للنموذج الإرشادي، والرغبة في محاولة عمل أي شيء، والإعراب صراحة عن حالة الانتقال من البحث القياسي إلى البحث الاستثنائي أو غير المألوف، ويتوقف مفهوم العلم القياسي على وجودها جميعاً، أكثر مما يتوقف على وجود الثورة).

هذه بعض العوامل والأسباب التي يمكن أن تساهم في يقظة روح التجديد في منظومات الأفكار، وليست جميعها بالتأكيد.

*باحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة،

رئيس تحرير مجلة الكلمة.

www.almilad.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 28 آذار/2007 -8/ربيع الاول/1428