اسباب تفشي ظاهرة العنف الاسري وجرائم الشرف في بعض الدول العربية

 شبكة النبأ: لا تزال حالات مختلفة من العنف الاسري الذي تتداخل فيه القيم التربوية والمبادئ مع عادات وتقاليد المجتمع المحلي او القبيلة مترسخة في بعض الدول العربية، مما ينتج خليطا من الترسبات التي تضر بالمجتمع وتؤدي الى مشاكل تفكك الاسر وتحللها.

وحسب تقرير لرويترز من الاردن، تقول سعاد انها خرجت من منزل ابيها هربا من الضرب المبرح الذي تتلقاه بشكل مستمر من اخوتها وزوجة ابيها ووجدت ملاذا في مأوى حكومي مخصص للنساء والاطفال المعرضين للعنف الاسري.

وتضيف سعاد وهي تجلس بهدوء في احدى غرف المأوى "كنت اتلقى الضرب من زوجي وكنت اصبر لاجل اولادي ولكن عندما لم اعد اتحمل عدت الى منزل اهلي وبدأت اتلقى الضرب المبرح من جميع افراد العائلة وخصوصا اخي وزوجة ابي."

واضافت "كان يضربني اخي بشدة على وجهي حتى خفت ان اتشوه او تصيبني عاهة دائمة فقررت ان اترك البيت."

ولجأت سعاد قبل بضعة اسابيع الى مديرية حماية الاسرة وتم تحويلها الى دار الوفاق الاسري في منطقة خارج العاصمة الاردنية عمان.

وافتتحت الملكة رانيا المركز مؤخرا ليعمل على توفير الاقامة الآمنة والمؤقتة للنساء اللاتي يعانين من العنف. ويستقبل المأوى هؤلاء النساء سواء مع اطفالهن ممن هم دون الخامسة من العمر أو بدونهم ويعمل مع اسرهن على كسر دائرة العنف وتنمية مهارات الحوار بين افراد الاسرة الواحدة.

وقالت امل العزام مديرة الوفاق الاسري لرويترز "نعمل مع المرأة ومع اسرتها لانه في اخر المطاف يبقى الحفاظ على وحدة وقدسية وتماسك الاسرة امرا مهما بالنسبة لنا."

واضافت "المشكلة لدينا هي نقص التفاهم في الاسرة الواحدة والاستعاضة عنها بالضرب."

ويشير تقرير (الصحة والعنف) للمجلس الوطني لشؤون الاسرة الى تنامي العنف ضد المرأة في الاردن.

ويقول التقرير ان العنف ضد المرأة لم يشكل ظاهرة بعد الا ان ازدياد العنف ينذر باحتمال تطور الوضع ليصبح ظاهرة فعلا. كما يشير الى عدد من التقارير يقول بعضها ان بعض الاردنيات لا يبلغن السلطات خوفا من الطلاق ونظرا لطبيعة العلاقات الاسرية والسلطات العشائرية في المملكة.

ويتيح المأوى للنساء اللاتي يلجأن اليه الراحة النفسية ليومين قبل ان يبدأن بالتحدث عن مشاكلهن. ثم تبدأ خطة الدعم التي تتطلب التزام المرأة التام بها لتحسين وضعها بشكل عام.

ويوجد في المركز حاليا اربع حالات يحظى كل منها بالسرية التامة والامان.

وقالت نهلة القرعان وهي احدى المرشدات النفسيات في المركز ان معظم الحالات التي تلجأ للمركز هي حالات عنف من زوجة الاب.

واضافت "نستقبل المرأة او الفتاة ونوفر لها الراحة التامة ونفهمها أن عملنا يحاط بسرية تامة."

ويتابع المركز المرأة بعد خروجها لمدة بين اربعة وستة شهور لضمان سلامتها والحفاظ على وحدة اسرتها.

ونقل تقرير الصحة والعنف عن دراسة للطب الشرعي ان 73 بالمئة من العنف ضد المرأة ظهر على شكل كدمات ناتجة عن الضرب والركل وان معظم الاصابات الشديدة مثل الجروح القطعية كانت في منطقة الرأس.

وفي سياق متصل بالموضوع نقلت الحياة تقريرا عن تزايد "جرائم الشرف" في سوريا المصنفة عالميا بالمرتبة الخامسة بهذا الشان وجاء في التقرير:

لم تكن «ز» تدرك إنها ستكون على موعد مع القتل عندما خرجت من «معهد الأحداث»، التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الذي أمضت فيه ما يقارب السنة اثر هروبها من بيت ابيها خوفاً من القتل.  

خرجت «ز» (16سنة)، وهي تحلم بأن تعود الى الحياة وتكوّن اسرة كبقية الفتيات، وان تصبح أماً بزواجها من ابن خالتها بعد تعهد عائلتها بعدم ايذائها، لكن هذا التعهد لم يلق تجاوباً من اخيها الذي انقض عليها وطعنها حتى فارقت الحياة بحجة الدفاع عن شرف العائلة.

لا تختلف قصة «ز» عن قصة «ش» الفتاة السورية الجميلة التي راحت ضحية رجل يبلغ 45 سنة من العمر، متزوج ولديه تسعة أولاد. أقام معها علاقة غير شرعية عندما كان يعمل لدى أبيها. استغلها وتلاعب بعواطفها ووعدها بالزواج. لكن «ش» (16 سنة) دفعت حياتها ثمناً غالياً لتلك العلاقة بعدما اصطحبها اهلها الى طبيبة نسائية ليفاجئوا بانها حامل»، ما دفع أخيها الى اطلاق الرصاص عليها وقتلها في احدى قرى شمال سورية.

قصتا «ز» و «ش»، مثل عشرات القصص الاخرى تأتيان في سياق «جرائم الشرف» التي انتشرت في الآونة الأخيرة في شكل كبير في المجتمع السوري، ما دفع رئيس مجلس الإفتاء الأعلى الشيخ احمد بدر الدين حسون الى المطالبة علناً بتعديل قوانين الشرف على اعتبار ان كلمة «الشرف تدل على قيم واخلاق، وليست دعوة الى القتل».

وقال حسون خلال محاضرة له نظمتها «الجمعية الوطنية لتطوير المرأة»، بعنوان «الشرف: قيم واخلاق ام احكام وحدود»: «جاءت الشرائع السماوية متكاملة. وجريمة الشرف في رسالة الأنبياء هي كيف نعيد الخاطئ والمخطئ الى رحاب الله وليس كيف نقتله».

وتعطي المادة 548 من قانون العقوبات السوري الرجل الذي يقتل زوجته او احد اصوله او فروعه او اخته بداعي «الشرف»، حق الاستفادة من العذر الذي يجعله في حكم البريء، أو الاستفادة من الحكم المخفف اذا فاجأ زوجه او احد اصوله او فروعه او اخته في حالة محرمة مع آخر، تشترط التلبس للعمل بها.

وتدعم هذه المادة من القانون ايضاً العادات والتقاليد الاجتماعية التي لا تزال تحفر في الذاكرة العربية منذ عصر الجاهلية حتى الآن، وتوفر تلك القيم الحماية الكافية للشخص الذي يرتكب «جريمة الشرف».

وتصنف سورية الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار «جرائم الشرف». ويقدر خبراء عدد الجرائم المرتكبة بداعي «الشرف» سنوياً بنحو 300 جريمة معظمها في المجتمعات الريفية. وكشف رئيس مركز الدراسات الإسلامية والنائب محمد حبش لـ «الحياة» عن التوصل الى مشروع قرار في البرلمان السوري لتعديل «قوانين الشرف»، لكنه لم يُعرض على التصويت بسبب تحفظ وزارة العدل.

وقال: «لوزارة العدل حسابات تتصل بمدى تفهم الناس هذا الموضوع. ومن المنطقي أن يطالبوا بفترة زمنية لتشكيل لجان خبراء، كي يحظى القانون بموافقة على الرأي الشعبي», مشيراً الى انه يخالف الوزارة على تحفظها «لأن مشروع القانون مدروس من الناحية الشرعية والحقوقية ومفتي الجمهورية يوافق على تعديل القانون الحالي».

وأوضح حبش أن جريمة «الشرف» تخالف الشريعة في ثلاث نواح «الأولى، أنها تفرض عقوبة القتل في جرائم ليست عقوبتها القتل. والثانية، فرض عقوبة القتل من دون بيّنة وهذا يُعتبر من الكبائر. وأما الثالثة، فهي الاعتداء على حق ولي الأمر في إقامة الحدود».

وكان بعض منظمات حقوق الإنسان والمواقع الالكترونية التي تهتم بقضايا المرأة في سورية، دعت الحكومة الى إعادة النظر في بعض القوانين التي تتعلق بجرائم الشرف. ونظم موقع «نساء سورية» حملة لوقف العنف ضد المرأة، شاركت فيها أكثر من 20 وسيلة إعلامية. ودعت الوثيقة، التي وقّع عليها أكثر من 10 آلاف مثقف وناشط في مجال حقوق الإنسان، الى إلغاء مواد من قانون العقوبات التي تمنح مرتكبي جرائم «الشرف» عقوبات مخففة.

لكن هذه الدعوات وغيرها لم تلق ارتياحاًعند بعض المتشددين، باعتبار الغاء هذه المواد «يشجع على الفحشاء وانتشار الرذيلة في المجتمع».

وقال قصي، وهو طالب دراسات اسلامية لـ «لحياة»: «أنا ضد الغاء المادة 548 لأن الشخص لا يستطيع ان يتخلى عن عرضه وشرفه، ومن المفروض ان يحصل على عقوبة مخففه في حال وجد أحد أصوله أو فروعه متلبسا بالجرم المشهود»، لكنه يرفض القتل بعد فترة من ارتكاب فعل الفاحشة «لانه يصبح عن سابق الاصرار والترصد والتخطيط ولا يدخل في نطاق ردة الفعل».

ويرى فادي العسافين (30 سنة) ان المطلوب، قبل الغاء أحكام الشرف، «حل مشكلات اجتماعية كثيرة ووضع برامج توعية لأن حرية الفتاة في المجتمع الشرقي تقوم على أسس غير صحيحة، فهي لا تزال متخبطة في مفهوم الحرية ما بين المدرسة والبيت والجامعة». واضاف: «عندما تلغى الأحكام المخففة فهذا يعطي فتيات كثيرات الحرية في تطبيق ما يشاهدونه على شاشات التلفزيون أو ما يسمعونه من قصص وروايات لذلك لا بد من التوعية في ظل العولمة».

والمستغرب ان تكون اراء رجال الدين أكثر تفهماً من اراء بعض الشباب المتشددين، عندما ينظرون الى القضية من الناحية الشرعية ويحرّمون قتل النفس من دون اسناد الى نص أو حديث.

ويلاحظ الشيخ عبدالكريم حمزة، وهو من علماء الشريعة، ان آراء العلماء تختلف في مسألة من يقتل زوجته. فمنهم من يرى ان القاتل يقتل، بينما يرى الآخر انه لا يقتل اذا ثبت الزنى، بينما قتل غير الزوجة، كالأخت ونحوها، فلا خلاف بين علماء الشريعة على ان القاتل في هذه الحالة يقتل. وقال لـ «الحياة»: «القضاء مخيّر في حال اختلف علماء الشريعة، في الأخذ بما يراه مناسباً للمصلحة العامة». وأيد إلغاء العقوبات المخففة لجرائم الشرف، لكنه طالب بتطبيق الحد الشرعي على القاتل والزاني.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 28 آذار/2007 -8/ربيع الاول/1428