مشروع قانون النفط اختبار في وطنية المجلس النيابي (4-4)

راجع القسم  الاول _ الثاني _ الثالث                                                                          علي الاسدي

((ان مشروع قانون النفط بالنسبة لشركات النفط الاحتكارية مجرد صفقة تجارية، اما بالنسبة لممثلي الشعب فهو اختبار في الوطنية)).

ناقشت في الجزء الاول من هذا البحث، بعض مواد مشروع قانون النفط الجديد، المعروض حاليآ للمناقشة في المجلس  النيابي الموقر. حيث تعرضت لما جاء في مسودة المشروع حول ملكية المصادر النفطية، والصلاحيات الممنوحة  للتشكيلات الادارية والفنية مثل المجلس الاتحادي للنفط، وهيئة الاقليم والمحافظات النفطية. وقد ضمنت هذا الجزء تسع ملاحظات حول الثغرات الخطيرة في صلب تفاصيله والتي غطى المواد من 1—9.

وفي الجزء الثاني نوقشت آليات التفاوض، وحقوق المحافظات النفطية في التفاوض على عقود التنقيب، ومدى الايفاء بالمواد 106 و111 و112و121 من الدستور العراقي .ومن خلال قراءتي للمشروع، استطعت ان ابين عدم صواب الاخذ بمبدأ المشاركة مع الشركات النفطية الاجنبية في انتاج النفط. وقد تعرضت بالنقد كذلك الى مدة العقود، التي يمنحها مشروع القانون، للحائزين على حقوق الاستكشاف والتنقيب والتطوير والانتاج.

اما في الجزء الثالث فقد حاولت تسليط الضوء، على غايات و نتائج محتملة يمكن استنباطها من المواد 14—35. كما  نوقشت ألتزامات مالكي تراخيص التنقيب الانتاج، وبعض الصيغ المبهمة، التي تخص ملكية النفط والغاز المنتج من قبلهم، والضرائب وحقوقهم في تحويل المدخولات الصافية الى خارج العراق.

وهنا ساتعرض الى موضوع الاستدراج التنافسي وما يثيره من غموض وضبابية، مما يتطلب من السادة أعضاء المجلس النيابي، الوقوف عنده ومسائلة مشرعي قانون النفط حول المعنى الحقيقي للأستدراج التنافسي المنصوص عليه في المادة 38 ،المغايرلمبدأ المناقصة الدولية المفتوحة، والتي لم يخض في اهميتهااو افضليتها  للعراق.

 الفصل الثامن- الاستدراج التنافسي(المادة 38).

عشرون- جاء في المادة 38/أ ما يلي:-

على جميع الشركات النفطية  العاملة في جمهورية العراق ان تلجأ الى عطاءات عامة على اسس تنافسية  وذلك عند  استدراجها لأي سلع وخدمات  وذلك وفق القواعد  العامة للأستدراج وللمجلس الاتحادي.

ان نص الفقرة 38/أ تمويهي وخادع، فهو يعطي الانطباع بأن مبدأ المنافسة الحرة، سيراعى في التعامل مع شركات النفط العالمية، في حال دعوتها للمشاركة في المناقصات، التي تعلنها وزارة النفط العراقية، للقيام بعمليات الاستكشاف او التنقيب او الانتاج والتطويرفي مناطق مختلفة في العراق.

ان الفقرات أ وب وت وث وج من المادة 38 تخص الشركات النفطية العالمية وشركات النفط العراقية العاملة في العراق، في حالة استدراجها لأي سلع  او خدمات، تحتاجها خلال عملياتها النفطية في العراق. وبموجب الفقرات الانفة الذكر، فان مشروع القانون، لا يلزم وزارة النفط العراقية، بمبدأ الاستدراج التنافسي عند الرغبة في التعامل او التعاقد مع  الشركات النفطية العالمية،  من خلال تقديم العطاءات عبر نظام المناقصات الدولية،للحصول على اقل وافضل العروض الي تتقدم بها الشركات العاملة في مجال النفط والغاز.

ان مشروع قانون النفط هذا قد حسم هذا الامرفي الماد رقم( 9) في  بند منح التراخص. فقد ورد في( تاسعآ) لن يتم ادراج اي شركة في دورات الترخيص، ما لم تكن مؤهلة من قبل الوزارة او الهيئة الاقليمية مسبقآ،على ان يتم  بيان معايير التأهيل المسبق، في الدعوة للتعاقد وفق الانظمة والتعليمات التي يضعها المجلس الاتحادي للنفط والغاز.

وجاء في (سابعآ) ان الهدف من تقييم المتقدمين المؤهلين مسبقآ، هو للوصول الى قائمة مختصرة بالمرشحين المؤهلين لمرحلة المفاوضات .

وورد في (تاسعآ) ويجب الاخذ بعين الاعتبار اللجوء الى اتحادات بين شركات مختارة ولا سيما في الحقول الكبرى.(النص صراحة على ضرورة وايجابية  التعاقد مع الاتحادات  النفطية الكبرى)—اي الشركات النفطية الاحتكارية البريطانية والامريكية—فهل يوجد في العالم، من يدعو صراحة للتعاون مع سارقي ثرواته النفطية منذ عشرينات القرن الماضي، حتى طردها من البلاد، في الستينتيات والسبعينيات من القرن الماضي. والان نشرع قانونآ لنسلم من جديد مقدرات شعبنا الى نفس السارق المتوحش، الذي ما ان حل في بلد، الا وحوله الى مصنع للفقر والحرمان والجريمة والتخلف.

لابد من التنويه الى ان الاشارة الى الاستدراج التنافسي  الوارد في المادة (38/أ) والذي خص المشرع به الشركات النفطية العاملة في العراق، فقط في حالة الاعلان عن الحاجة الى  استخدام السلع والخدمات، أثناء قيامها بالعمليات النفطية، وهو شان داخلي خاص بها. وقد سبق ونوقش هذا الموضوع في الجزء الثاني  من هذا البحث.

العقود القائمة،( المادة 39)

واحد وعشرون- لقد دعت هذه المادة، وزارة النفط  والهيئة الاقليمية، الى مراجعة عقود التنقيب والانتاج  السابقة، المبرمة مع اي جهة قبل نفاذ هذا القانون، لتكون منسجمة مع الاهداف والاحكام العامة لهذا القانون، بهدف تحقيق اعلى منفعة  اقتصادية. انه اذا صح ما ترمي اليه هذه المادة، فأنه ينبغي تحسين شروطه العقود القائمة المجحفة، بأتجاه مصلحة الشعب العراقي، ببذل جهد مثابر لأجل زيادة وتحسين دور العراق في ما يرمي اليه، من شروط تعاقد افضل في مجال الاستخراج والانتاج، وتطويٍرمصادره النفطية وموارده وليس العكس.

 لا يعني هذا انني مع استمرار العمل بعقود المشاركة  في الانتاج القائمة والتي سيعاد النظر فيها لمصلحة العراق كما جاء في مسودة قانون النفط والغاز.

 لكن وحسب ماتوقعته الباحثة الروسية جانا بوريسوفنا من مركز دراسات الطاقة، أن وزارة النفط العراقية ستعيد النظر بالعقود القائمة وفق مبدأ المشاركة في الانتاج،. وانه من المحتمل ان تطلب الشركات الروسية زيادة 20% اعلى مما تنص عليه الاتفاقات القائمة. وكل ذلك يعتمد على القوة التفاوضية للجانب العراقي.

 علمآ بان العقود التي ابرمت في عهد النظام السابق كانت قد تمت  خلف الابواب المغلقة، وبعيدآ عن الاعلام الداخلي او الخارجي.

 كانت عقودآ بشروط مغرية مع شركات عديدة، من جنسيات دول اعضاء في مجلس الامن الدولي او دول تتمتع بنفوذ  فيه. لقد برر النظام تلك العقود بالحاجة الى حشد التأييد، لألغاء قرار نظام العقوبات الدولي المفروض على العراق في حينه. ومن جانب آخر تمكين النظام من زيادة موارده المالية لتنفيذ سياساته الاقتصادية والعسكرية.

كانت اكثر العقود الموقعة في حينه، قائمة على اساس المشاركة في الانتاج.

 ففي عام 21/3/1997 وقعت وزارة النفط العراقية عقدآ لأستثماروأستخراج النفط المرحلة الثانية، شمل( حقل القرنة2)مع شركة (لوك اويل ) و شركة(زاروبيج) وشركة( ماشين امبورت) الروسية. لقد بلغت مدة العقد( 23) سنة قابلة للتمديد لمدة (5) سنوات. وبلغت حصة العراق من النفط المستخرج 25%، وحصة لوك اويل 52%، وحصة ماشين امبورت وزاروبيج نفط 11.5% لكل منهما. ولم يتسنى لي الاطلاع على فحوى ألعقود  القائمة مع الشركات و الاتحادات النفطية التالية:

1- عقد ( غرب القرنة) الموقع مع الشركات الروسية.

2- عقد( حقل مجنون)  الموقع مع شركات فرنسية.

3- عقد(حقل ابن عمر) الموقع مع شركات فرنسية.

4- عقد (حقل الاحدب) الموقع مع شركات صينية.

5- عقد(حقل الناصرية) الموقع مع شركات ايطالية واسبانية.

6- عقد(حقل الحلفاية) الموقع مع اتحاد شركات كورية وصينية واسترالية.

7- عقد (حقل شرق بغداد) الموقع مع شركات نمساوية ويابانية وصينية.

8- عقد(حقل الطوبا) الموقع مع اتحاد شركات هنديةو جزائرية واندونيسية.

ان العقود القائمة، التي وقعت في فترة التسعينيات من القرن الماضين تمت بنفس الظروف السياسية والاقتصادية ابان سريان القرار الدولي بفرض المقاطعة والحصار. لهذا السبب اعتقد ان الشروط التي تضمنتها العقود الانفة الذكر مع  الشركات والاتحادات النفطية، تشابه تلك التي اوردتها  بخصوص الشركات الروسية (لوك اويل)،وشركة (زاروبيج نفط)، وشركة(لوك اويل).

لقد سبق وأنتقدت عقود المشاركة في الانتاج  في فقرات عديدة عبر الاجزاء الثلاثة السابقة من هذا البحث، واتطرق هنا مجددآ، لهذا النوع من العقود، التي لم تعد تأخذ بها، الدول المستقلة في عالمنا الحاضر.

في بحث قيم تعرض الخبير العراقي في شؤو ن النفط، الاستاذ فؤاد قاسم الامير، الى عقود المشاركة في الانتاج، والعقود الاخرى، واسمح لنفسي بالاشارة الى بعض مااورده في بحثه المنشور في موقع صحيفة البلاد الالكترونية عن عقود المشاركة، كما ادعو المهتمين بالشأن النفطي، الرجوع الى البحث المذكور، لأهميته في هذا الوقت بالذات.

عقود المشاركة في الانتاج 

Agrement Production Sharing

 في هذه العقود يعتبرالنفط المنتج ملك الدولة النفطيةعندما يكون في المكمن، وكذلك يعتبرالانتاج المستخرج ملك الدولة، ولكن بمشاركة مع الشركة الاجنبية المستثمرة. وبموجب هذه العقود تقوم الشركة الاجنبية بتوفيرألرأسمال اللازم للتحري والاستكشاف والتطوير والتصدير. ويتم  استرجاع المبالغ المصروفة من قبل الشركة الاجنبية، وذلك بتخصيص حصة لها من الانتاج النفطي الاول، ويسمى نفط الكلفة. وبعد ان يتم اسـترٍجاع المبالغ المصروفة من قبل الشركة، فأن النفط الباقي يسمى بنفط الربح، والذي يقسم  بين الشركة الاجنبية والدولة النفطية، وفق نسب تحدد في العقد الذي ينظم العلاقة بين الطرفين.

وأود التنويه هنا الى ان العقود هذه لم يعد الاخذ بها حاليآ، الا في ظروف الهيمنة الاستعمارية المباشرة، او في ظروف الازمات الداخلية، وضعف الاجهزة الحكومية مقارنة بسطوة الشركات ونفوذها في البلاد. وهذا ما حذرت منه في اكثر من موقع في الاجزاء الثلاثة السابقة من هذا البحث. حيث ان العراق يمرحاليآ بظروف امنية وسياسية وأقتصادية واجتماعية متأزمة وغير مسبوقة. ان هذه الظروف غير ملائمة لأخراج قوانين نفطية وطنية،  تضمن الشروط المثلى للتعاون مع الشركات النفطية العالمية، التي تقف ورائها  وتدعم اهدافها دول عظمى .

واحد وعشرون- من يقف وراء قانون النفط ؟؟

لتوضيح الملابسات التي أحاطت بأخراج مشروع قانون النفط والغازاورد هنا ما اورده الباحث والسياسي البارز الاستاذ سلم علي، في مقاله المهم في جريدة الحياة اللبنانية في 31/1/2007 ، الذي اعتمد فيه على ما جاء في تقرير، نشرته صحيفة الاندبندينت البريطانية بتأريخ 7/1/2007.

لقد اوردت الصحيفة المذكورة  تقريرآ، حول تشريع  قانون للنفط  في العراق، تشير بنوده ( حسب رأي الصحيفة)، الى مايعتبر خروجآ جذريآ، عما هو معتاد بالنسبة الى البلدان النامية. فبموجب نظام تقاسم الانتاج، ستتمكن  احتكارات نفطية عالمية مثل( بريتش بتروليوم )و(شل )من بريطانيا، و(اكسون) و(شيفرون) من امريكا، من توقيع  اتفاقات  لأستخراج النفط العراقي  لمدة تصل الى( 30) سنة.

واشارت  الصحيفة الى ان المعلومات  التي استقتها،  استندت  الى نسخة  لمسودة مشروع قانون النفط ، جرى تداولها بين شركات النفط  الغربية في تموز من العام الماضي. حيث تسمح( اتفاقات تقاسم الانتاج )، او عقود المشاركة في الانتاج للبلد المعني، بأن يحتفظ  بملكيته القانونية  لنفطه، ولكنها تعطي حصة من الارباح للشركات العالمية،  التي تستثمر  في البنية التحتية وتشغيل اباروانابيب ومصافي النفط. وتذكر الصحيفة، انه في حالة تبني هذه الصيغة، سيكون العراق اول من يطبقها على صعيد منتجي النفط الرئيسيين في الشرق الاوسط.

فالسعودية وايران، اللذان يحتلان المرتبتين الاولى والثانية بين مصدري النفط في العالم، يفرضان سيطرة مشددة على صناعتهما النفطية، من خلال شركات تملكها الدولة من دون مشاركة اجنبية ذات شأن. وهو الحال بالنسبة الى معظم دول( منظمة اوبك).

وبموجب منظمة( بلاتفورم) وهي منظمةتعنى بشؤون حقوق الانسان والبيئة،و تراقب الصناعة النفطية في العالم، فقد اصدرت  تقريرآ عن (اتفاقات تقاسم الانتاج)، في تشرين  الثاني 2005، بعنوان( عقود تقاسم  الانتاج- التنازل عن مصدرسيادة العراق).  حيث اشارت الى ان الشروط التي تتحكم (باتفاقات تقاسم الانتاج) وفق (مشروع قانون النفط)، انما هي شروط سخية، تسمح بتثبيتها لمدة لا تقل عن 30 سنة. كما وتسمح للشركات الاجنبية ان تسترجع ما انفقته على تطويرالحقل النفطي، وان تحتفظ ب 20% من الارباح فيما يذهب المتبقي للحكومة العراقية.

يذكر خبراء صناعة النفط الى ان هذه النسبة عالية جدآ، مقارنة مع النسبة المعتادة وهي بحدود 10%، التي تتقاضها شركات النفط في البلدان الاكثر أستقرارآ. ومن خلال فترة استعادة اكلافها، ستتمكن الشركات النفطية وفق اتفاقات المشاركة المجحفة، من جني بين 60%—70% من العائدات النفطية، بينما تبلغ  النسبة المعتادة حوالي 40%.

وتعبر الصحيفة عن دهشتها، واستغرابها، ان يسمح لشركة استشارية تدعى (بيرينغ بوينت) أستأجرت  خدماتها الحكومة الامريكية، بالمساهمة في صياغة مسودة مشروع قانون النفط موضوع مناقشة هذا البحث. ووفق تقرير  الصحيفة البريطانية، فأن ممثلآ لهذه الشركة يعمل في السفارة الامريكية  في بغداد منذ اشهر عديدة. وتمضي الصحيفة في تقريرها، الى ان هناك ثلاث جهات خارجية ( اجنبية)، اتيحت لها فرصة تمحيص مسودة هذا التشريع(( اكثر مما اتيح لمعظم العراقيين)). حيث اطلعت الحكومة الامريكية  وشركات النفط الكبرى على مشروع القانون، في تموز الماضي(2006)، ثم صندوق النقد الدولي في ايلول من نفس العام، حتى قبل ان تطرح مسودة القانون على الحكومة  العراقية والمجلس النيابي.

ولهذا السبب ألفت عناية السادة الاعضاء في المجلس النيابي الموقر، ان يدققوا بكل عمق ومسؤولية، في مشروع قانون النفط المطروح امامهم.وان يطلبوا من المعنيين بمشروع القانون ،تقديم نسخته الاصلية في اللغة الانكليزية، مقرونة بالملاحق الثلاثة التي ما زالت بعيدة عن التداول. ولتوضيح بعض الغموض المتعمد الذي شاب العديد من بنوده ومواده، يستحسن الاستعانة بقانونيين واقتصاديين متمرسين باللغة الانكليزية، للوصول الى صورة اوضح لصيغه.

اختتم بحثي الموجزهذا بنداء اوجهه الى الخيرين من ابناء شعبي:

 ان مشروع القانون بالنسبة لشركات النفط الاحتكارية هو مجرد ( صفقة تجارية)، اما بالنسبة لممثلي الشعب فهو( اختبار في الوطنية).

الوطنية التي خاضت معاركها جماهير شعبكم، في ثورة العشرين وفي وثباته وانتفاضاته في 1948 و1952و1956و1958و19991 والتي خلالها، ضحوا بحياتهم، خيرة ابنائنا وبناتنا، من أسلاميين وقوميين وشيوعيين من كافة الاطياف العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 23 آذار/2007 -3/ربيع الاول/1428