الشيخ القرضاوي  لا تصالح!!!

دكتور أحمد راسم النفيس

بعد أن هدأت العاصفة التي أثارها الشيخ القرضاوي في نهاية الصيف الماضي عاد مرة أخرى ليواصل عزف نفس اللحن في برنامج (الشريعة والحياة) يوم 24-12-2006 حيث هناك دائما (الرأي والرأي الواحد) متحدثا عن الاختراق الشيعي ومصحف فاطمة وسب الصحابة مؤكدا أن الأمر يتعلق بخلافات عقائدية وليست مذهبية معلنا فشل فكرة التقريب بين المذاهب،ناعيا أي إمكانية للتقارب بين السنة والشيعة.

الطريف في الأمر أن الشيخ قد تراجع هذه المرة عن نظرية الاختراق الإيراني معتبرا أن من يقومون (بالتبشير المذهبي) هم (أناس يعملون بعيدا عن هؤلاء العقلاء .. فتكون النتيجة التوتر في العلاقات).

إنها على كل حال شهادة بالنزاهة ونظافة اليد يعتز بها هؤلاء (التبشيريون).. (حمقى ولكنهم شرفاء!!) من خصم لدود يمتلك العديد من المنابر الثقافية والإعلامية التي تفسح كلها المجال للرأي والرأي الواحد فهم بإقرار الشيخ يعملون بعيدا عن تلك الشخصيات والمرجعيات وها نحن قد عثرنا في القرن الحادي والعشرين على فئة لا تتلقى توجيهاتها من خارج الحدود ومن ثم وجب على شيخنا الفاضل أن يرد على السؤال الذي أثاره هو: مع من ستتوتر العلاقات؟!.

إنها إذا قضية داخلية بحتة لا تعالج في طهران ولا في الدوحة وعلى المتضرر أن يلجأ إلى الجهات المكلفة بتطبيق القانون هذه المرة بعد حذف تهمة الارتزاق من وراء الحدود التي أسقطها الشيخ مشكورا ولم يبق لهؤلاء من جريمة إلا مخالفتهم له في الرأي والرأي الواحد!!.

إنها الديموقراطية الطالبانية.

في اتجاه مغاير جاءت تصريحات الدكتور سليم العوا الحائر بين الصقور والحمائم الذي قال "يجب الاتفاق على ميثاق شرف للتعايش، وحقن دماء المسلمين، على أن يحرّم هذا الميثاق دماء أهل القبلة ومواطنيهم من غير المسلمين، ويجدد العهد بالسعي إلى التقريب، ومحاربة أية محاولة من محاولات الفرقة بين أبناء الدين والوطن الواحد". داعيًا إلى "التحلي بالحكمة والعدل وعدم التزييف أو المزايدة لدى مناقشة موضوع الفتنة بين السنة والشيعة" وأعرب عن أسفه "لأن أكثر أهل السنة لا يعرفون عن الشيعة سوى أنهم طائفة تغالي في التشيع، كما تنتشر مغالطات كثيرة بين السنة والشيعة، مع أن الأصل هو أنهم متفقون في كل شيء، إلا في بعض الأمور".

المطلوب إذا هو الحكمة والتعقل وتجديد العهد والسعي للتقريب ومحاربة محاولات التفريق بين أبناء الوطن الواحد والتخلي عن التزييف والمزايدة مؤكدا على أن أكثر أهل السنة لا يعرفون شيئا عن الشيعة رغم أنهم متفقون في كل شيء إلا النزر اليسير.

ونحن نضم صوتنا إلى صوت الدكتور العوا في خطابه العقلاني الواقعي ونعتبر الإصرار على اجترار أسطورة مصحف فاطمة وسب الصحابة والافتراء على أم المؤمنين عائشة جزءا من خط التزييف والمزايدة الذي أدانه ودعا لوقفه!!.

حنكة سياسية؟؟!!

رغم أن الإخوان المسلمين هم أول من استخدم مصطلح ليس هذا وقته يا أخي!! فمن الواضح ومن خلال قراءة التناقض بين تصريحات الشيخ القرضاوي وتصريحات الدكتور العوا أن الأول لا يقيم وزنا لاعتبارات الواقع (دعك من حكاية مصلحة الأمة) التي تملي عليه استخدام خطاب مغاير يطالب باحترام حرية الفكر والعقيدة والامتناع عن توجيه الاتهامات العشوائية للمخالفين.

أليس هذا ما تسعى جماعة الإخوان المسلمون الآن لإثباته وتصوير الأزمة القائمة الآن بينها وبين النظام السياسي باعتبارها أزمة حرية فكر ومعتقد لا أكثر ولا أقل!!.

على هامش ندوة أقامها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحدثت فيها عن ضرورة احترام حرية العقيدة لم أجد من يتصدى للرد على كلامي سوى مندوب مركز حقوق (الإنسان الإخوان) مطالبا باحترام حقوق الأغلبية أولا قبل حقوق الأقلية رغم أن الأحداث المتوالية التي تتعرض لها الجماعة أثبتت أنها مجرد أقلية تحتاج إلى من يمد لها يد العون!! ولكن كيف؟! إذا كان خطاب فضيلة الشيخ منظر الإخوان لا يعدو كونه خطابا فئويا فوقيا يهدف لإرضاء المشتبكين سياسيا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في معركة ليس لعامة الناس من السنة أو من الشيعة ناقة فيها ولا جمل!!.

فات فضيلة الشيخ أن خطاب حقوق الإنسان والدفاع عن الحريات كل لا يتجزأ كما أنه لا يمكن أن يتمذهب فهو خطاب يقوم على احترام الحقوق الثابتة لكل البشر بغض النظر عن الجنس واللون والعقيدة والمذهب وهو ما يتناقض مع هذا الخطاب الطائفي كما أنه يتناقض مع ضرورات الواقع الذي يملي على جماعة الإخوان أن تغير نهجها ورؤيتها لغيرها ومع ذلك فما زال الشيخ مصرا على موقفه!!.

فقه التعريف!!

الدكتور العوا أقر مشكورا والاعتراف بالحق فضيلة أن لا أحد يعرف شيئا عن الشيعة فكيف يمكن تعريف من يحتاج إلى هذا التعريف بينما يرى فضيلة الشيخ أن كل تعريف هو تبشير يسيء إلى العلاقات من دون أن نعرف بين من ومن؟!.

فهلا أفادنا صاحب فقه الأولويات وفقه المصالح وفقه الواقع عن الخيط الرفيع الفاصل بين التعريف والتبشير؟!.

ولأن الشيخ القرضاوي (بحر علم لا ينزف) فهو وحده صاحب الحق في تعريف من يحتاج إلى تعريف وهو صاحب (فقه مساوئ الشيعة) ومن بين هذه المساوئ أن الشيعة يفترون على أم المؤمنين عائشة حتى أن القرآن نزل ببراءتها في سورة النور!!.

هل يريد الشيخ أن يقنعنا أن سورة النور نزلت في واقعة الجمل؟.

إنها خرافة يرددها الوهابيون والبسطاء فهل يتعين علينا أن نزدرد كل ما يقوله ويردده الشيخ ولا يكون لنا حتى حق مطالبته بتقديم البرهان والدليل على هذا الافتراء الخطير؟!.

الحديث عن التعريف لا بد أن يسبقه اعتراف من قبل السادة المتصدين لشئون الدين أنهم لم يقوموا بواجبهم في تعريف الناس بحقائق التراث والتاريخ وأن الكثير منهم ليس معنيا بالبحث عن الحقيقة والجدال العلمي القائم على سرد الحقائق بدلا من تلك الحملات الدعائية الموسمية ذات الطابع السياسي الفج!!.

ولا أدري عن أي تعريف يتحدثون؟!.

كيث أليسون وفشل مفاوضات التقريب والتعريف!!

بينما يصر البعض على التزام سياسة (فرق تسد) كانت الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر!) تستقبل أول نائب مسلم في مجلس النواب الأمريكي هو النائب كيث أليسون الذي أعلن عن عزمه القسم على المصحف وبالطبع (لم تقم الدنيا ومن ثم لا حاجة بها لأن تقعد) واعترض من اعترض ومن بينهم النائب الجمهوري فيرجيل غود الذي قال «أخاف أنه في القرن القادم، سيكون عندنا المزيد من المسلمين في الولايات المتحدة، إذا نحن لم نتبن سياسة هجرة صارمة أعتقد أنها ضرورية للإبقاء على القيم والاعتقادات التقليديِة للولايات المتحدة الأمريكية وإذا لم يستدرك الأمريكيون الوضع سيزداد عدد المسلمين المنتخبين الذين سيطالبون باستخدام القرآن».

وعلى الفور تصدى له بعض أعضاء الكونجرس، ووصفوا تصريحاته بالعدائية، وأنها رسالة خاطئة موجهة للمسلمين في أمريكا وتثير شعور الكراهية والأحقاد ضد المسلمين.

أما السبب في تمكن رجل مسلم من الوصول إلى الكونجرس فهو أن دستور (الشيطان الأكبر) ينص على الحرية الدينية وهذا هو جوهر القضية.

دعك إذا من محاولات التقريب بين المذاهب والجدل البيزنطي حول مصحف فاطمة وسب الصحابة فهو لن يوصلنا إلى شيء في الأمد القريب وطبقوا القانون والدستور الذي ينص على حرية العقيدة وحرية التعبير فضلا عن المساواة بين البشر بدلا من الإصرار على بث تلك (الرسائل العدائية الخاطئة التي تثير الكراهية والأحقاد بين المسلمين) وتعلموا الحكمة ولو من أعدائكم فالحكمة ضالة المؤمن يلتمسها أنى وجدها ولو كانت عند الأمريكيين!!. 

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 18 كانون الثاني/2007 - 28 /ذي الحجة /1427