الاعتقالات العشوائية والتعذيب ممارسات مألوفة في مصر

 قضت محكمة مصرية بالسجن ثلاثة أشهر على رجل كان اتهم الشرطة بالاعتداء عليه جنسيا وذلك بعد ادانته بمقاومة السلطات في سياق اتهامات تتعلق بالواقعة نفسها.

وأصبح عماد الكبير وهو سائق حافلة صغيرة بالقاهرة شخصا شهيرا بعد نشر فيديو على مواقع للمدونات المصرية بالانترنت في نوفمبر/ تشرين الثاني يظهره ممددا على الارض وقد تعرى نصفه الاسفل بينما يقوم اشخاص لم تظهر وجوههم بوضع عصا في مؤخرته.

وقال محامي عماد ان موكله تعرض للتعذيب من قبل ضباط شرطة في يناير/ كانون الثاني 2006 في مركز للشرطة بمنطقة بولاق الدكرور بعد محاولته التدخل في مشادة بين شرطي واحد اقاربه.

وقد أدانت المحكمة عماد وحكمت عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر مع الاشغال الشاقة لمقاومته واعتراضه السلطات واعتدائه على شرطي.

وحضر النقيب إسلام نبيه والعريف رضا فتحي وهما رجلا الشرطة المتهمان بتعذيب عماد الكبير الى المحكمة نفسها يوم الثلاثاء في المراحل الاولى من محاكمة منفصلة.

وقد رفضت المحكمة طلب الدفاع الافراج عنهما بكفالة.

وفي الوقت ذاته قال ناصر امين محامي الكبير انه يخشى على سلامة موكله خلال فترة سجنه.

وأضاف لوكالة الاسوشيتيد برس "احمل وزارة الداخلية مسؤولية الحفاظ على سلامة الكبير".

ومن ناحية أخرى قال المحامي أمين لجماعة لحقوق الإنسان، انه تلقى العديد من المكالمات الهاتفية التي تهدده هو واسرته اذا لم يسحب القضية التي تنظرها المحكمة ضد الشرطة.

وتقول منظمات لحقوق الانسان ان التعذيب يمارس على نطاق واسع في مصر وهو ما اكده المجلس القومي المصري لحقوق الانسان، المدعوم من الحكومة المصرية في تقرير له العام الماضي.

وأوضح مجلس حقوق الانسان إنه من ممارسات التحقيق المألوفة قيام أجهزة الامن المصرية باعتقال كل الاشخاص الذين يتواجدون في مسرح الجريمة وتعذيبهم حتى تنتزع المعلومات منهم.

وأضاف المجلس إن المشتبه فيهم في أقسام الشرطة المصرية يتعرضون للصدمات الكهربية والتعليق من الارجل والاذرع في السقف والضرب بالهراوات والسياط ومؤخرة البنادق.

وجاء التقرير قويا على غير المتوقع كون الحكومة تموله وتعين أعضاءه.

ولطالما تحدثت منظمات مستقلة لحقوق الانسان عن وقوع هذه الانتهاكات، لكنها المرة الاولى التي تقر فيها هيئة معينة من قبل الحكومة بوجود مثل هذه الانتهاكات في مصر.

وأصدرت منظمه مراقبه حقوق الإنسان العالمية HRW في تقريرها السنوي لعام 2006 موضحه أن السلطات المصرية كانت تستخدم الشدة ضد المعارضة السياسية. وفي إبريل/نيسان 2006، جددت الحكومة حالة الطوارئ لمدة عامين إضافيين، موفرةً بذلك أساساً متواصلاً للاحتجاز التعسفي والمحاكمات أمام محاكم عسكرية ومحاكم أمن الدولة، وما برح التعذيب على أيدي قوات الأمن يمثل مشكلة خطيرة.

ولا تزال منظمات حقوق الإنسان تتلقى أنباء موثوقة تفيد بأن أجهزة الأمن والشرطة دأبت على تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم، وخاصة أثناء الاستجواب، ففي العام الماضي اعتقل ضباط من أمن الدولة كلاً من كريم الشاعر ومحمد الشرقاوي، وانهالوا عليهما بالضرب المبرِّح، كما اعتدوا جنسياً على محمد الشرقاوي.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش أن على الحكومة المصرية أن تلاحق قضائياً المسئولين عن الضرب والاعتداء جنسياً على أحد الأشخاص من القاهرة أثناء احتجازه لدى الشرطة في العام الماضي.  

وقال عماد الكبير، وهو سائق ميكروباص من حي بولاق الدكرور في الجيزة، لـ هيومن رايتس ووتش أن عنصرين بملابس مدنية احتجزاه يوم 18 يناير/ كانون الثاني 2006 بعد أن تدخل في مشاجرةٍ بين هذين العنصرين وبين ابن عمه، وقال عماد أن الرجلين ضرباه في الشارع أول الأمر ثم أخذاه إلى قسم شرطة بولاق حيث قام رجال الشرطة (ومن بينهم اثنان على الأقل من الحي تعرف عليهما) بربط ساقيه وقدميه وجلده بقسوة شديدة، ثم جردوه من ملابسه ورفعوا ساقيه واغتصبوه بعصا بينما كان أحدهم يصور المشهد بهاتفه المحمول. وقد أخلت الشرطة سبيل عماد الكبير بعد 36 ساعة دون توجيه أي اتهام له.  
 وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يجب على المسئولين عن هذه الجريمة المقززة المثول أمام العدالة". وأضافت: "وعلى الحكومة توجيه رسالةٍ مفادها أنها لن تتسامح مع التعذيب من جانب الشرطة أو غيرهم من موظفي الحكومة".  

 ويقول عماد الكبير أن رجال الشرطة وزعوا التسجيل المصور على بقية سائقي الميكروباصات في الحي وقالوا له أنهم فعلوا ذلك "لكسر عينه" ولإيصال الرسالة إلى بقية السائقين. وانتقل هذا التسجيل من هاتفٍ محمولٍ إلى آخر حتى وصل إلى الإنترنت في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2006 فأثار غضباً شديداً واهتماماً صحفياً كبيراً. وسرعان ما وصل وائل عبد الفتاح، وهو صحفيٌّ في جريدة الفجر الأسبوعية، إلى عماد الكبير ونشر قصته في عدد 11 ديسمبر/كانون الأول من الصحيفة.

 وقال عماد الكبير لـ هيومن رايتس ووتش أنه، وبعد نشر القصة، تلقى كثيراً من المكالمات على هاتفه المحمول تحمل تهديداتٍ له ولأسرته إن هو لم يلتزم الصمت.

 وفي 12 ديسمبر/كانون الأول، أوردت صحيفة الأهرام المصرية شبه الحكومية قصة مختصرة ولكن صادقة قالت فيها أن عماد كذّب القصة التي نشرتها صحيفة الفجر، وأنه يعتزم مقاضاة الصحيفة جراء نشرها، لكن عماد قال أمام النائب العام في اليوم التالي، وبعد تشجيعٍ من ناصر أمين، محامي حقوق الإنسان، أن التهديدات هي التي جعلته يعود عن روايته وأنه يطلب من النيابة العامة حمايته وتوجيه الاتهام إلى من اعتدوا عليه. وسرعان ما فتحت النيابة العامة تحقيقاً في الأمر.  

 وقالت ويتسن المسؤولة في منظمة هيومن رايتس: "ليست هذه القضية إلا قمة جبل الجليد". وأضافت: "إن التعذيب منتشرٌ في مراكز الاحتجاز المصرية. وأن الملاحقة القضائية للعناصر المسئولة عن التعذيب ليست مسألة التزام قانوني فقط، بل يجب ردع رجال الشرطة عن ارتكاب إساءات جديدة".  

 ومصر من الدول الموقعة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وعلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب)؛ وهي بالتالي ملزمةٌ بحظر أي شكل من أشكال التعذيب وسوء المعاملة، وكذلك باتخاذ خطوات إيجابية لحماية الضحايا من خلال إجراء تحقيقات سريعة وشاملة ونزيهة في جميع مزاعم التعذيب، وبتوجيه التهم الجنائية حيث يلزم.

 وتنص المادة 42 من الدستور المصري على أن أي شخص محتجز "تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً".  
 ويعتبر قانون العقوبات المصري أن التعذيب جنايةً، لكن تعريف جريمة التعذيب لا يرقى إلى التعريف الوارد في المادة رقم 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب. فعلى سبيل المثال، يرد في المادة 126 من قانون العقوبات أن التعذيب يقتصر على الإساءة الجسدية ولا يحدث إلا عندما يكون الضحية "متهماً" وعند استخدامه كوسيلةٍ لانتزاع الاعتراف. وهذا التعريف الضيق يستبعد (على نحوٍ خاطئ) حالات الإساءة النفسية والعقلية، كما يستبعد الحالات التي يرتكب فيها التعذيب ضد شخصٍ "غير متهم" أو لغايةٍ غير انتزاع الاعتراف.

 وكثيراً ما قدم المشرّعون المصريون المعارضون إلى مجلس الشعب مشاريع قوانين تهدف إلى تغيير القانون الحالي بما ينسجم مع التعريف الدولي للتعذيب، ولكن بدون نتيجة.  
 وقالت ويتسن: "أن مقاضاة المسئولين عن الجرائم التي وردت في تسجيل الفيديو قد تعتبر خطوةً إيجابية أولى". وأضافت: "لكنها لابد ألا تكون الخطوةً الأخيرة. فعلى الحكومة المصرية تغيير الثقافة السائدة التي تجعل من التعذيب أمراً معتاداً في السجون المصرية".

وكانت منظمة العفو الدولية قد دعت السلطات المصرية إلى ضمان سلامة ضحية التعذيب عماد محمد علي محمد، المعروف بعماد الكبير، وحمايته من الإخضاع لمزيد من الترهيب أو الانتقام في السجن، وهذه مسألة في غاية الأهمية لضمان إحقاق العدالة أثناء المحاكمة التي ستجري في 3 مارس/آذار 2007 لرجلي شرطة متهمين بتعذيبه، بما في ذلك باغتصابه، في يناير/كانون الثاني من العام الماضي.

وحُكم على عماد الكبير أمس بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة "مقاومة السلطات" و"الاعتداء على رجل أمن"، ونُقل إلى السجن فوراً عقب ذلك، وفق ما ذُكر. وحوكم لتدخله من أجل وقف شجار بين ابن عمه وبين رجال الشرطة في يناير/كانون الثاني 2006. وتخشى منظمة العفو الدولية أنه الآن، وبعد نقله إلى السجن، سيكون أشد عرضة لأن يُخضع لمزيد من الترهيب أو الانتقام لإجباره على سحب شكواه المتعلقة بالتعذيب.

وسيحاكم الشرطيان التابعان لمركز شرطة بولاق الدكرور، في محافظة الجيزة، أمام المحكمة بتهم اعتقال عماد الكبير بصورة غير قانونية وتعذيبه واغتصابه. كما سيحاكمان بتهمة الاستحواذ على مواد تضر بالأخلاق والحياء العامّيْن وتوزيعها، نظراً لقيامهما، وفق ما ذُكر، بتصوير عملية اغتصاب عماد الأكبر وتوزيعها، مستخدميْن في ذلك هاتفاً نقالاً، وذلك بغرض الحط من شأنه وتعريضه للمزيد من الإذلال. وقد وجِّهت إليهما في ديسمبر/كانون الأول 2006 تهم بمقتضى المواد 178 و268 و282 من قانون العقوبات المصري، ويمكن أن يواجها حكماً بالسجن لتسع سنوات.

إن إحالة شرطيين إلى المحاكمة في ديسمبر/كانون الأول 2006 بسبب تعذيبهما عماد الكبير هي خطوة أولى نحو معاقبة المسؤولين عن ارتكاب أعمال تعذيب مزعومة، بيد أن ما حدث مع عماد الكبير ليس مجرد حادثة منعزلة بأي صورة من الصور، فالتعذيب في مصر يظل واسع الانتشار ومنهجي، وتدعم البيِّنات المصوَّرة والخطية الآن مزاعم التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة بعد نشرها على شبكة الإنترنت. وآخر أشرطة الفيديو في هذا الخصوص تم نشره على الإنترنت في الأسبوع الماضي، حيث يظهر امرأة تصرخ وهي في وضع ملتوٍ نتيجة ربطها بعمود يصل بين كرسيين، وتعترف بأنها قد ارتكبت جرم القتل العمد.
وبحسب ما ورد، فإن وزير الداخلية المصري أمر أجهزة الأمن بفتح تحقيق لمعرفة هوية الضحية.

إن منظمة العفو الدولية تدعو الحكومة المصرية مجدداً إلى تنفيذ التوصيات المحددة الصادرة عن هيئات المعاهدات والإجراءات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، ولا سيما تلك الصادرة عن لجنة مناهضة التعذيب؛ وإلى التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ وإلى توجيه الدعوة إلى مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لزيارة البلاد بعد أن جدَّد طلبه للزيارة في يوليو/تموز 2006.
وعلى وجه الخصوص، تحث المنظمة السلطات المصرية على إقرار ضمانات تكفل عدم تعرض المعتقلين للتعذيب أو سوء المعاملة، كما تحثها على التحقيق في جميع مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة، وعلى حماية ضحايا التعذيب من الترهيب أو الانتقام، وبذا على أن تُباشر، على نحو روتيني، تحقيقات سريعة وشاملة وغير متحيزة في أية مزاعم بالتعذيب وتقديم من ارتكبوا مثل هذه الأفعال أو أمروا أو صرحوا بها إلى العدالة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 16 كانون الثاني/2007 - 26 /ذي الحجة /1427