المرجع السيد الشيرازي: الاعتقاد بالله والخلق الحسن والعزم الطريق نحو التوفيق الالهي

الاعتقاد بوجود الله تبارك وتعالى له تأثير عميق وبالغ على حياة الإنسان وتعامله وعلاقاته المختلفة، لذا لا يحق لأيّ إنسان أن يتعامل مع الآخرين بالسوء، سواء كان زميله أو صديقه، أو زوجته، أو عائلته وغيرهم. بل يجدر اجتناب الغضب وكظم الغيظ ونبذ الخُلق السيئ، فإن في ذلك رضا الله تعالى، لذا فإن بلوغ مراتب الإيمان العظيمة يستلزم بذل الجهود والمساعي، كما أن بلوغ المقامات الرفيعة تستلزم أو يصاحبها غض الطرف عن كثير من اللذات الدنيوية فإذا عزم المرء وصمّم وبنى أمره بصدق وإخلاص على أن يكون جيّداً وصالحاً، فسينال التوفيق الإلهي في حياته والعكس بالعكس أيضاً.

هذه هي مجموعة توصيات المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله وإرشاداته القيمة بجمع من المؤمنين والمؤمنات من اجل بناء الانسان المؤمن والناجح والذي ينال رضا الله سبحانه وتعالى وتوفيقاته.

فقد قال سماحته: كان الله سبحانه وتعالى لا يُرى بحاسّة العين، لكن الكون وما فيه من الآثار والآيات العظمى دلّت على وجوده جلّ وعلا. فهو سبحانه مع الإنسان دوماً في المسجد، وفي المدرسة، وفي الشارع، وفي كل مكان، بل وفي الأماكن التي يختلي فيها المرء لوحده، كما قال تعالى: «وهُوَ مَعَكُم أَينَما كُنتُم».

وقال سماحته: من طبيعة الإنسان أنه يدرك الأمور المادية والملموسة أكثر من الأمور العقلية وغير الملموسة. ولكن ليس كل ما لا يدرك أو لا يلمس فهو غير موجود، فالأرض لها جاذبية وهي موجودة ولكننا لا نراها. وهنالك الكثير من الأمور الموجودة حولنا لا ندركها بالحواس الخمس ولكنها موجودة ولا يمكن نفي وجودها. وهكذا من غير الصحيح بل لا يمكن إنكار وجود الباري تعالى.

وأضاف سماحته: إن الاعتقاد بوجود الله تبارك وتعالى له تأثير عميق وبالغ على حياة الإنسان وتعامله وعلاقاته المختلفة. فالذي يعتقد بوجود الله ويعلم أن الله معه أينما حلّ وارتحل وأنّه تعالى ناظر إليه فإنه يتجنب ظلم أخيه الإنسان مثلاً.

وأكّد دام ظله على أهمية الخُلق الحسن في ثقافة الإسلام وماورد عن مولانا رسول الله وأهل بيته الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين من أحاديث في الالتزام بالأخلاق الحسنة وقال: يكفي دلالة على أهمية حسن الخلق أن الروايات الشريفة لأهل البيت سلام الله عليهم ذكرت أن حسن الخلق يضمن سعادة المرء في الدنيا والآخرة، وهذا الأمر من أسس أخلاق وثقافة الإسلام. فيجدر بالأشبال والشباب كافّة أن يتحلّوا بهذا الأمر المهم في تعاملهم مع الوالدين، والمعلمين، والزملاء، والأصدقاء وغيرهم.

وتحدث سماحته كذلك عن مضرّات سوء الخُلق ونتائجه السلبية وآثاره الوضعية على الإنسان وقال: كان سعد بن معاذ ـ الذي أسلم على يد مصعب بن عمير رضوان الله تعالى عليه ـ من خيرة أصحاب مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد جاهد في سبيل نصرة الإسلام كثيراً، وأبلى بلاء حسناً، واستطاع أن يهدي قبيلته إلى نور الإسلام عدا فرد واحد. وقد ذكر التاريخ في أحواله أنه لما مات شارك رسول الله صلّى الله عليه وآله في تشييعه ودفنه كما في الرواية التالية عن مولانا الإمام الصادق سلام الله عليه حيث قال:

أتي رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب. فلما أن حُنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول الله صلى الله عليه وآله بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة، حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لحّده وسوّى اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً يسدّ به ما بين اللبن. فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه. فلما أن سوّى التربة عليه قالت أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أمّ سعد مه لا تجزمي على ربّك، فإن سعداً قد أصابته ضمة.

قال فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء؟

فقال صلى الله عليه وآله: إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسّيت بها. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة؟

قال: كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحدته في قبره، ثم قلت إن سعداً قد أصابته ضمة؟

قال: فقال صلى الله عليه وآله: نعم، إنه كان في خُلقه مع أهله سوء.

وعقّب سماحته قائلاً: المستخلص من هذه الرواية أن مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله قد تعامل تعاملاً استثنائياً لم يتعامل بمثله مع كل الناس وهذا يدل على مكانة سعد بن معاذ.

لكن الملفت للنظر والعجيب في هذه الرواية هو قول رسول الله صلّى الله عليه وآله لأمّ سعد: «كان في خُلقه مع أهله سوء». فسوء الخلق له تبعات سلبية وآثار وضعية وإن كان قليلاً أو صدر من شخص ذي مكانة وشأن كسعد بن معاذ.

وشدّد سماحته بالقول: لا يحق لأيّ إنسان أن يتعامل مع الآخرين بالسوء، سواء كان زميله أو صديقه، أو زوجته، أو عائلته وغيرهم. بل يجدر اجتناب الغضب وكظم الغيظ ونبذ الخُلق السيئ، فإن في ذلك رضا الله تعالى، والتوفيق في الدنيا، والسعادة في الآخرة.

وأكّد دام ظله: لقد أمرنا الله عزّ وجلّ بالاعتبار بقصص وسيرة الماضين، كي نتعلّم منهم الصالحات والخير، وحتى لا نكون يوم القيامة من النادمين أو المتحسّرين.

واضاف سماحته في لقاء آخر مع مجموعة من الآخوات: إن الله تعالى وهب العقل للرجل والمرأة فكل واحد منهما يجلب السعادة لنفسه في الدنيا والآخرة بمقدار استفادته من هذه الموهبة الإلهية. فبنعمة العقل العظيمة يستطيع الإنسان أن يعرف الحسن والقبيح، وبالتأمل والتدبر يشخّص أن العمل الكذائي الذي يبغي فعله صالح أو طالح. فليس من اللازم غالباً أن يكون للمرء معلم يعلّمه الصالح والطالح، أو الحسن والسيّئ، فكل إنسان على نفسه بصيرة كما صرّح القرآن الكريم بذلك.

وقال سماحته أيضاً: إن بلوغ مراتب الإيمان العظيمة يستلزم بذل الجهود والمساعي، كما أن بلوغ المقامات الرفيعة تستلزم أو يصاحبها غض الطرف عن كثير من اللذات الدنيوية. إذن نيل هذه المراتب والمقامات ليس بالمستحيل، بل كل من يجدّ في بلوغها يحصّلها. فإذا عزم المرء وصمّم وبنى أمره بصدق وإخلاص على أن يكون جيّداً وصالحاً، فسينال التوفيق الإلهي في حياته. والعكس بالعكس أيضاً.

وأضاف سماحته: إن آسية بنت مزاحم كانت زوجة فرعون وكانت امرأة مؤمنة عاشت في بيت خلا من الصلاح، وكان بيتاً فاسداً أخلاقياً، وعقائدياً، وسلوكاً وعملاً، وهو بيت فرعون. وهي لم تكن خيّرة وصالحة فحسب، بل بلغت الذورة والقمة في الخير والصلاح، حتى جعلها الله عزّ وجلّ مثلاً يقتدى بها، للنساء المؤمنات، وللرجال المؤمنين، وذلك بقوله عزّ من قائل: «وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين».

ولم تكن آسيه معصومة حتى يكون لها خصوصية خاصة، إنما وصلت إلى هذه المرتبة الرفيعة بعزمها على الفضيلة والصلاح، مهما كلّفها أمر ذلك.

واعتبر سماحته سر توفيق امرأة فرعون هو صبرها وتحمّلها، وأوضح قائلاً: الصبر معناه تحمّل الصعوبات وعدم التضجر. ومعنى الحلم هو الصفح عن الآخرين وعن الجهلاء مع وجود القدرة والاستطاعة على ردّهم. فقد عدّ القرآن الحكيم الحلم عن تصرفات الجاهلين من أبرز صفات المؤمنين. فآسية بنت مزاحم لم تشرك فرعون في ظلمه وسوء أعماله، بل صبرت على ظلمه إيّاها، وكظمت غيظها، والتجأت إلى الله جلّ وعلا من أعمال فرعون، فمنّ الله تعالى عليها بتوفيق الاستقامة والصمود أمام ظلم فرعون وتصرفاته السيئة.

وأكّد دام ظله: كل واحدة منكنّ أنتنّ أيتها الأخوات المحترمات يمكنها أن تصبح كامرأة فرعون وذلك بالعزم والتصميم على الصلاح والعمل به.

كما قال سماحته في مجموعة من الشباب: يجب على كل إنسان عندما يدعو الله تعالى لقضاء حاجته أن يكون كلامه معه وكأنه يراه جل وعلا، مثلما يتكلم الطفل مع أبويه عندما يقف بين يديهما طلباً لما يريد. فقد جاء في وصية مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه أنه قال: «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

وقال سماحته:‏ إن الله سبحانه لا يمكننا أن نراه أبداً، لكنه ناظر إلينا دائماً، ويرى كل شيء يصدر منّا، سواء كان قولاً أو فعلاً، ومطّلع على السرائر وهو أرحم الراحمين، فيجدر بكل فرد حينما يقول ويفعل أن يفترض هذا التصور في ذهنه بأنه يرى الله تعالى، فإن لقّن المرء نفسه هذا النوع من التفكير حين الكلام والفعل سيتجنّب المعاصي، وستكون حياته في الدنيا والآخرة حياة سعيدة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 5 آذار/2007 -15/صفر/1428