التخريب الامريكي الاسرائيلي المتعمد لمساعي السلام

 نهاد عبد الاله خنفر- بريطانيا

تتمترس كل من الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية خلف مجموعة من السواتر السياسية الفجة والمفضوحة، بل ويمكننا القول بانها مواقف تصل في صفاقتها الى حد غير مقبول من الوجهة المنطقية حيال الحديث عن تعبيرهم عن الرغبه في الوصول الى افق سياسي واضح في عملية التسوية السياسية ، فيما يسمى الان بعملية السلام التي تعد منزوعة الروح بسبب المواقف الاسرائيلية الامريكية المعلنة فيما يخص مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي برمته.

ففي قراءة سريعة وعملية للاجواء الخاصة التي تمر بها المنطقة وخصوصا في الشأن الفلسطيني الاسرائيلي فاننا نلاحظ بان الموقف الاسرائيلي الامريكي لا يعدو كونه موقف يحمل في طياته الكثير من الاشارات الصريحة بالعدائية المطلقة لاي تطور ايجابي من الممكن الحديث عنه أو تحقيقه على صعيد المحادثات او المفاوضات بين الجانبين الفلسطيي والاسرائيلي، والعربي في بعض الاحيان.

 هذا اذا عرجنا الى المقاربة السورية في هذا الجانب والتي يرفض الاسرائيليون حتى مجرد المغازلة الاعلامية عبر اشارات الاستعداد للتفاوض مع السوريين على الرغم من التكرار السوري لذلك مرارا، وبرغم المئات من دعوات الكتاب والمحللين والخبراء الاسرائيليين في لدفع حكومتهم الى تلميح ايجابي في مقابل العرض السوري، لا حاجة لي طبعا بالتذكير في التلازم الحرفي العملي في ذلك بين الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية، لانها باتت مسألة كثيرة الوضوح ولا سبيل الى اخفائها حتى وان حاول الامريكيون والاسرائيليون ذلك، ذلك ان احتجاج اسرائيل والادارة الامريكية بعدم التعامل مع حكومة فلسطينية تشكلها حركة حماس اصبح مسألة مفرغة لا تحتاج الى مزيد من النقاش! ذلك ان الاشتراطات الامريكية الاسرائيلية للاعتراف او التعامل مع هذه الحكومة لا مكان له من حيث الاساس العملي، اذ ان المتطلبات الاساسية التي يقف على راسها وقف العنف او الارهاب كما يحلو لهم تسميته، هو موضوع منتهي.

 ولا مجال لنا في اعادة التذكير بان الساحة الفلسطينية تشهد هدوءً لا فتا وصريحا وتهدئة عسكرية من الجانب الفلسطيني الذي تعتبر حماس من اهم شروط نجاحها، بل ومن اهم المبادرين الى تنفيذها وضمان استمراريتها، واكثر الف مرة حتى من الفترة الذهبية لاتفاقات السلام الفلسطينية الاسرائيلية عقب اوسلو والذي كان وضعا متفجرا ومتأزما على صعيد العمليات التفجيرية الفدائية داخل اسرائيل والتي كانت حماس وجناحها العسكري على راس المبادرين لها، وعلى الرغم من ذلك، كان هناك تحركا اسرائيليا لافتا – وان لم يكن كافيا- في التحرك باتجاه المسار السياسي المرتبط بالتسوية السلمية.

  ان الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية يدركان ادراكا تاما بان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذهب الى ابعد الحدود في السعي الى التقدم في المسيرة السياسية، مع وجود توافق فلسطيني داخلي تلعب حماس دورا اساسيا فيه للحفاظ على تهدئة استمرت حتى الان ما ينوف عن العام ونصف العام ان لم يكن اكثر، مع الالتفات الى ان انهيار كل عمليات التهدئة الجزئية كان بفعل الاعتداءات الاسرائيلية التي لم تتوقف يوما حتى لحظة كتابة هذا المقال، للضغط على حماس والاجنحة الفلسطينية المسلحة للرد بانهاء التهدئة وبالتالي توفير حججا او مبررات جديدة للاسرائيليين للقول بانه لا يمكننا التعامل مع حكومة تتبنى العنف العلني، او لتبرير مجموعة من الاغتيالات التي هددت بها اسرائيل ضد قيادة حماس السياسية في الداخل والخارج.

 على كل الاحوال، كانت اسرائيل والادارة الامريكية يروجان باستمرار دعمهم الكاذب للرئيس الفلسطيني عباس ومن ورائه حركة فتح لاستفزاز الفلسطينيين بعضهم ضد بعض كما تكرس في الاحداث الدامية التي وقعت بين الحركتين في قطاع غزة، واجزاء من الضفة الغربية، والذي كان يروق جدا للاسرائيليين والامريكييين الذين اتخموا الاعلام ولا اقول الرئيس عباس بنيتهم اعطاء الرئيس عباس الكثير من الامل والافاق السياسية لدعمه في مواجهة حماس سواء بالمال او من خلال الخطوات السياسية على الارض لتعزز من موقعه وشعبيته بين الفلسطينيين على امل الانقلاب الشعبي على نتائج الديمقراطية الفلسطينية التي افرزت حماس والتي قالت عنها رايس قبل ايام في صحيفة اسرائيلية بانها كانت منطقية ونزيهة.

لقد علم الامريكيون والاسرائيليون واكثر من غيرهم مسبقا بان حماس ستفوز بالانتخابات، ومع ذلك فقد اصروا والحوا وكرروا وضغطوا لاجراء هذه الانتخابات، مع خطوات حثيثة لتخريب كل ما شأنه ان يحث الجهود السلمية الى الامام، مما قد يعزز من مكانة فتح وعباس، مما فتح المجال واسعا امام الامريكيين والاسرائيليين للتنكر لافكارهم ودعواتهم التي تحث وتكرس وتدفع بالديمقراطية الجديدة لتكون منهجا في تداول السلطة بالشرق الاوسط، وهنا طبعا فانه لا حاجة الى الاشارة الى نتائج الديمقراطية الامريكية في العراق وفي افغانستان وفي فلسطين وفي الصومال، وفي غيرها.

ما يهمنا هنا، بان الجهود الامريكية والاسرائيلية التي بذلت كانت في الغالب ترنو الى ترسيخ فكرة اللاشريك في صناعة السلام مع الجانب الاسرائيلي، من خلال اضعاف الرئيس الفلسطيني باطلاق الاشاعات والاخبار التي يعلمون اكثر من غيرهم بانها تضر بصورته وصورة حركته اكثر من اي شيء اخر، وبعلمهم لذلك فانهم لم يألوا جهدا في الحديث الكاذب والمخادع عن دعمهم لهذا الرئيس الذي طالما وصفوه بالضعف وقلة الحيلة، الى ان انفجرت الاوضاع بين حماس وفتح وادت برايس الى القول بانه بات من المشكوك فيه قدرة الفلسطينيين على حكم انفسهم، مع المسارعة الاسرائيلية بالاعلان عن استعدادهم لمنع صبرا وشاتيلا جديدة في قطاع غزة، وكأن الفلسطينيين هم المسؤولون عن الاولى. اجمالا، وبلا اية شكوك، وبعد الالتزام الامريكي الاسرائيلي في مهاجمة حكومة الوحدة الوطنية التي انهت الصراع الفلسطيني الداخلي، ويبدو انها من الناحية النظرية وحدت الفلسطينيين في برنامج سياسي حكومي واضح وموحد المعالم، على الاقل على الصعيد الخارجي، الذي اراد الامريكيون والاسرائيليون اظهاره بمظهر الموقف المتناقض الذي لا يصلح ان يمثل حكومة فلسطينية تمثل مصالح الشعب الفلسطيني بعد وجود بعض الشخصيات المستقلة المقبولة دوليا، وخصوصا في اوروبا من ضمن أعضاء هذه الحكومة، بل وفي اهم حقائبها تقريبا، كالمالية والخارجية، كدليل على ازمة امريكية اسرائيلية مشتركة في كيفية اقناع العالم بعدم التعامل مع هذه الحكومة بعد اذ جاءت ببرنامجي حماس وفتح الى نفس الطاولة، وخصوصا مع تفويض واضح للرئيس عباس بادارة المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي، والذي لاقى ترحيبا واضحا الى حد ما من قبل بعض الحكومات الاوروبية القوية وعلى راسها فرنسا، وبريطانيا بلسان رئيس وزرائها توني بلير الذي اعلن صراحة دعمه لحكومة الوحدة.

ويبدو ان الاحباط الامريكي الاسرائيلي جاء مضاعفا بعد ان كانت السعودية هي المبادر الاساسي الى جمع الاطراف والاشراف على انتاج وتشكيل حكومة الوحدة وهي الدولة الحليفة استراتيجيا للولايات المتحدة في المنطقة العربية، بالاضافة الى قوتها ونفوذها بين الدول العربية الكبيرة.

 ان الاجتماع الاخير الذي جمع رايس واولمرت وعباس يدفعنا الى الاستنتاج القوي بان الامريكيين والاسرائيليين لا يريدون التقدم على المسار الفلسطيني، تحت اي ظرف من الظروف، حتى لو تقدم الفلسطينيون بكل التنازلات، بدليل ان مبررات العنف التي يلوحون بها هي مبررات ساقطة عمليا، لكون حماس هي الراعية الاولى للتهدئة، ولكون عباس الان مفوض بشكل اكثر صراحة بملف المفاوضات مع ادراكهم بدعم موقف عباس في حالة التقدم على المسار التفاوضي، او من خلال الافراج مثلا عن من يمكن ان يسانده مثل القائد مروان البرغوثي الذي يعدون الان لطرح قانون جديد ومعقد قد يمنع الافراج عنه حتى سنوات طويلة قادمة، بما اطلق عليه بعض الكتاب الاسرائيليين اسم قانون البرغوثي، في اشارة الى أن الحكومة الاسرائيلية ومن ورائها الاحزاب الاسرائيلية لا تنوي اطلاقا تمهيد او فتح اي طريق او نافذة مهما كانت صغيرة للمضي قدما في طريق المفاوضات، وان ادعت بغير ذلك، وهي مسنودة بالكامل وبدون اي شروط من الادارة الامريكية التي تزداد تطرفا حيال الملف الشرق اوسطي، على الرغم من ازمتها الخانقة التي لا تحسد عليها في العراق وافغانستان.

ان الحكومة الوطنية لا تعجبهم، وما لا يعجبهم اكثر المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، عباس ومشعل، مع تقليمهم لاظافر عباس، وتشويه سمعته ونتف ريشه، ولا يعجبهم ايضا الموقف السعودي في انهاء الازمة، ولا يعجبهم الموقف الاردني في المبادرات التي قد تؤدي الى التطبيع الكامل معهم، ولا الموقف السوري الداعي الى التفاوض، ولا الموقف الاوروبي المرحب جزئيا بحكومة الوحدة الوطنية. ولا الموقف الروسي المطالب بتخفيف الضغوط عن الفلسطينيين من خلال اللجنة الرباعية، ما يعجبهم ويستهويهم هو اراقة الدماء الفلسطينية في غزة على يد الفلسطينيين انفسهم، واراقة هذه الدماء في الضفة على يد قواتهم المحتلة، والترويج للعالم بعدم وجود الشريك، وعدم صلاحية الفلسطينيين لحكم انفسهم، ومن ثم التبختر بدعم عباس بطريقة تخرج الملائكة عن طهارتها، طبعا بدون اي مصداقية، فكم من مرة سمعنا فيها عن عشرات الملايين، وعن شاحنات السلاح للحرس الرئاسي، والتي تبين فيما بعد بانها فقاقيع هوائية لا تستهوي حتى الاطفال، حتى ان هذه الملايين الهوائية باتت معرضة للشفط حتى قبل ان تضخ، كتعبير عن غضبهم من اتفاق مكة، وكثيرة هي المؤشرات التي تدل على ان الاسرائيليين يريدون افشال وتخريب اي مساعي نحو السلام في المنطقة، مع ابقائهم على اطلاق البالونات الحرارية الباردة التي تبريء اسرائيل من تهمة الاحتلال ومسؤولياته وتبعاته القانونية والانسانية بادعاء وجود السلطة التي يجب أن تقوم بذلك، على رغم عدم اعترافهم الواقعي بهذه السلطة، بدليل عدم اعترافهم بحكومتها او بوجودها الواقعي لمدة تقارب من العام.

وهو بالمناسبة ذات الشيء فيما يتعلق باطلاق سراح الاسرى وعملية التبادل مع الجندي الاسرائيلي الاسير، فمن الملاحظ انهم لا يريدون القيام ولا ينوون ان يقدموا للفلسطينيين اي بارقة امل، حتى ولو من خلال الحفاظ على جنودهم الاسرى، حكومة لا تقيم اي وزن ولا تقدر ولا تعير اي نوع من الاهتمام لاي ومضة قصيرة قد تفضي الى البدء بالسلام مع الفلسطينيين او العرب.  

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 27 شباط/2007 -10/صفر/1428