روسيا المترنحة والحنين الى صقيع الحرب الباردة

شبكة النبأ: رغم ما يشاع عن التلكؤ في العلاقة بين روسيا وامريكا حتى وصل الامر الى ادانة ونقد واضح وصريح لسياسات الاحتواء التي تتبعها الولايات المتحدة في اوربا الشرقية وعلى لسان الرئيس الروسي، الا ان محللون في شبكة النبأ لا يرون في ذلك سوى حنين لايام الاتحاد السوفيتي وسيطرته المطلقة على معظم شمال اسيا، وكلمة مرارة يجب البوح بها نتيجة وعود كاذبة كان الامريكان قد اعطوها للروس على انهم لن ينشروا قواعد صواريخ الدرع الدفاعي للناتو قرب الحدود الروسية وهاهم يفعلون ذلك. ويمكن ان تندرج هذه التصريحات ايضا في خانة استغلال التعثر الداخلي الذي تعيشه امريكا والتخبط في سياستها الخارجية وخصوصا بالشرق الاوسط.

وقال مسؤول رفيع في الكرملين إن الانتقادات الحادة للولايات المتحدة من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليست ايذانا ببدء حرب باردة جديدة لكنها تثير "أسئلة محرجة" يجب على الغرب ان يجيب عليها

وقال اناتولي سافونوف المستشار الخاص لبوتين في مكافحة الارهاب لرويترز في مقابلة إن الدولتين أقامتا علاقة قوية بينهما في مجال تبادل معلومات الاستخبارات لن تضعفها الخلافات السياسية بينهما.

وقال إن قراءة متأنية للكلمة التي ألقاها بوتين في ميونيخ هذا الشهر حينما اتهم واشنطن بانتهاج سياسات تهدف إلى جعلها "السيد الأوحد" في الشؤون العالمية تظهر أنه "يثير تحديا ... أسئلة مهمة من أجل حوار جديد."

وقال سافونوف في المقابلة التي جرت في مؤتمر عن الأمن نظمه معهد الشرق والغرب في بروكسل "بدلا من الرد على السؤال فإننا سمعنا على الفور التعليق .. إنها كلمة معادية .. إنها عودة للحرب الباردة."

واضاف قوله "إنه سؤال محرج لكن يجب (على الغرب) أن يجيب عليه."

وقال إنه من بين الاسئلة التي تحتاج إلى إجابات لماذا تعتزم الولايات المتحدة نشر أجزاء من نظام دفاعي مضاد للصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك على الرغم من تعهدات حلف شمال الاطلسي في أوائل التسعينات ألا يقيم قواعد عسكرية على أراضي دول سابقة في حلف وارسو.

وقال سافونوف "هذا ما وعدوه لنا بصراحة... فلماذا خدعونا."

وسئل هل كلمة "خدعونا" شديدة.  فرد بقوله " ماذا تسميها إذن. إنهم قالوا لنا (لن نفعل ذلك) وها هم الآن يفعلونه."

وكانت كلمة بوتين في العاشر من فبراير في ميونيخ التي هاجم فيها مفهوم عالم "القطب الواحد" الذي تهيمن عليه واشنطن من أشد انتقاداته للولايات المتحدة خلال سبع سنوات قضاها في الحكم.

وفي كلمات أكثر تصالحية قال مسؤول الكرملين إن روسيا تدرك ايضا عيوبها.

وقال "نحن لا نقول إننا نظام ديمقراطي يتسم بالكمال ولا نقول إننا نفذنا حملة لا غبار عليها في الشيشان. إن لدينا الكثير من المشكلات."

وأشاد سافونوف بالتعاون في مجال الاستخبارات بين الولايات المتحدة وروسيا على مجموعة من الجبهات ومنها افغانستان وتجارة المخدرات الدولية وقال إنه يتوقع أن يستمر هذا التعاون.

 سعى مسؤولون أمريكيون وروس الى التقليل من أهمية خلافاتهم في محادثات حول الامن الدولي لكن ليس من المتوقع  حسب رويترز، أن تسفر النبرة التصالحية عن تحسن يذكر في العلاقات بين البلدين والتي وصلت الى أدنى مستوياتها خلال سنوات.

وجاءت زيارة ستيفن هادلي مستشار الامن القومي الامريكي الى موسكو في أعقاب خطاب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهم فيه واشنطن بفرض ارادتها على العالم من خلال سياسات خطرة.

ونقلت وكالة انترفاكس الروسية للانباء عن هادلي قوله "نحن لا نعتبر خطاب الرئيس بوتين دعوة للمواجهة ولا نعتقد أن خطابه كان يرمي الى هذا" وذلك في اشارة الى خطاب بوتين في ميونخ يوم العاشر من فبراير شباط.

ومن بين بواعث القلق الذي يساور روسيا خطط أمريكية لنشر نظام للرادار وصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك وتوسع حلف شمال الاطلسي والحرب في العراق والمواجهة المتزايدة بين واشنطن وطهران بسبب برنامج ايران النووي.

وخلال محادثات مع ايجور ايفانوف رئيس مجلس الامن القومي الروسي في وقت سابق في الكرملين عرض هادلي العمل معا لازالة المشكلات التي تعتري علاقات البلدين.

ورد ايفانوف بالقول "هذا لا يعني أن علاقاتنا صافية تماما. هناك خلافات و/نقاط/ يعتريها سوء الفهم بما في ذلك موضوع الامن.

"وهذا هو السبب في ضرورة ابقاء حوار فعال بيننا ومواصلة تطويره الامر الذي يمكن أن يسمح لنا بازالة هذه الشكوك وتجنب الحاق الضرر بعلاقاتنا الثنائية."

ولكن محللين دبلوماسيين قالوا انه ليس لدى واشنطن وموسكو الا القليل لوضعه على مائدة المفاوضات من أجل تخفيف حدة الخلافات بشأن عدد من الموضوعات التي تمتد من الشرق الاوسط الى كوسوفو.

وقال المحلل السياسي بوريس ماكارينكو "التناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا عميقة ولا يمكن أن تختفي في هذه المرحلة."

"العلاقات تراجعت الى حدها الادنى لكن الجانبين يحاولان اظهار أن العلاقات لن تصل الى ما دون الحد الادني المطلوب من التعاون الثنائي في قضايا مثل الامن وحظر انتشار الاسلحة النووية والحرب على الارهاب."

وجاءت محادثات موسكو بعد يوم واحد من رفض وزيرة الخارجية الامريكية انتقادات موسكو لخطط الولايات المتحدة نشر نظام للرادار وصواريخ في بولندا وجمهورية التشيك ووصفتها بأنها "مؤسفة للغاية".

وتعتبر روسيا أن هذا النظام يمثل انتهاكا لمناطق نفوذها السابقة. ووصف بوتين الخطة بأنها تهديد لامن روسيا القومي.

وقال محللون ان من الممكن أيضا أن تكون زيارة هادلي جزءا من جهود أمريكية لتهدئة الشكوك المتبادلة في وقت ربما تحتاج فيه الولايات المتحدة الى الدعم الروسي في خلاف حول الطموحات النووية الايرانية.

وفي وقت سابق من الاسبوع الجاري أبدى عضو الكونجرس الامريكي البارز توم لانتوس لهجة استرضائية مماثلة خلال زيارته لموسكو.

والخطاب الذي ألقاه فلاديمير بوتين وشن فيه هجوما عنيفا على الولايات المتحدة والغرب أعلن الرئيس الروسي فيه أن الروح العسكرية العدوانية لأمريكا "التي أطلق لها العنان" قد أوجدت عالما "لم يعد يشعر فيه أحد بالأمان" وعالما كاد يشعر فيه الآخرون بأنهم مضطرون لصنع الأسلحة النووية للدفاع عن أنفسهم حسب نقل مجلة نيوزويك الامريكية.

لقد حاول وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس التقليل من أثر الخطاب مازحا بالقول: "كمحارب قديم أثناء الحرب الباردة" فإن الخطاب " كاد يغمرني بالحنين إلى الماضي» إلى زمن أقل تعقيدا". واستمر في حديثه يصف ويشرح تفضيل واشنطن للشراكة والعلاقات الجيدة.

ورغم ذلك لا تخطئ، لقد أوصل بوتين رسالة وسمعها البيت الأبيض بوضوح تام: في التسعينات من القرن الماضي دفعتنا أمريكا للسير في حلقة مفرغة. بالنسبة إلى توسيع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، طلبنا منكم مراعاة مصالحنا القومية، بيد أنكم قابلتم ذلك بالتقدم داخل الأقاليم السوفييتية السابقة في أوروبا الشرقية.

لقد تحدثتم عن الشراكة في مجال الطاقة، لكنكم قمتم بمد خطوط أنابيب جديدة لتحاشي مرور النفط عبر أراضينا. واستغلت الشركات الغربية متاعبنا الاقتصادية لشراء حق استعمال ثرواتنا الطبيعية بأثمان زهيدة.

لقد طلبنا منكم احترام  معاهدة عدم انتشار الصواريخ البالستية المضادة للصواريخ» لكنكم قمتم بنقضها. إنكم تتوقعون منا أن نبقى ساكنين بلا حراك في الوقت الذي تثيرون فيه المتاعب في أوكرانيا وجورجيا وروسيا البيضاء وآسيا الوسطى» وهي الأراضي التي ظلت ضمن منطقة النفوذ الروسي قبل أن تصبح أمريكا أمة. إنكم تطلبون منا مساعدتكم في الحرب على الإرهاب في الوقت الذي تشجبون فيه نضالنا وكفاحنا ضد الإرهابيين الشيشان. الآن، ترغبون في نشر أنظمة دفاع صاروخية في أوروبا الوسطى. نعم. نحن نتطلع إلى الصداقة مع أمريكا. لكن روسيا تحت قيادتنا هي روسيا جديدة.

إذا عاملتمونا بعدم احترام، فستكتشفون أننا نستطيع أن نقول لا.

ويضيف تقرير لمجلة النيوزويك: كل هذا الامتعاض والاستياء المتعاظم كان واضحا في خطاب بوتين. ولكن قبل عقد من الزمان أو نحو ذلك لم يكن يتعين على الولايات المتحدة أن تأخذ روسيا بالحسبان، لقد كان الكرملين يعاني أزمات مالية ومهموما بقضية حكام الأقاليم المتمردين والأوليغاركيين الجشعين والشيوعيين الذين يشعرون بالمرارة لفقد نفوذهم والانفصاليين الشيشان. وقد بث بوريس يلتسن، مدمن الكحول والغريب الأطوار، قدرا ضئيلا من الثقة في شعبه.

 ولم يكن الاقتصاد في وضع أفضل لبث المزيد منها. كل ذلك قد تغير الآن لقد أخاف بوتين الأوليغاركيين وروعهم بالتهديد والوعيد واستطاع أن يروض منافسيه السياسيين بما في ذلك الدوما التي كانت مستقلة ذات يوم. وتضاعفت أسعار البترول ثلاث مرات في الفترة بين 2002 و2006 وملأت خزائن روسيا بالأموال ودفعت بالنمو إلى نسبة 7 بالمائة سنويا. وتصل تقديرات المؤيدين لسياساته نحو 75 بالمائة من الروس.

لقد دفعت رغبة روسيا في إبداء قوتها التي اكتسبتها حديثا البعض للتكهن بأننا على أعتاب حرب باردة جديدة، لقد شهدت العلاقات الأمريكية الروسية تدهورا كبيرا بالتأكيد.

لكن هل ثمة حرب باردة جديدة تلوح في الأفق؟

إن المشهد أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، الاتحاد السوفييتي وترسانته النووية يشغلان حيزا في الزوايا المظلمة من تفكير وخيال الأمريكيين لكن في الوقت الحاضر، تتمتع روسيا بمزايا تنافسية كان الاتحاد السوفييتي يفتقر إليها. لقد أسقطت النظام الاقتصادي والسياسي المتصلب الذي كان سائدا في الفترة السوفييتية ولم تعد هناك إمبراطورية تثقل كاهلها بأعباء إدارتها. كما أن بوتين على النقيض من القادة السوفييت، يستند إلى تفويض وسند شعبي ليس داخل روسيا فحسب بل أكثر فأكثر، خارجها أيضا.

الآن يستقبل الزعيم الروسي بحرارة في أماكن عدة حيث تحولت اتجاهات الشعوب العامة إلى شعور بالمرارة إزاء سياسة أمريكا، إن لم تتحول إلى العداء نحوها.

أثناء خطابه في ألمانيا، قال بوتين ما يلي بشأن الحرب الباردة: "لقد كان سلاما هشا، سلاما جبانا، لكن كان يعول عليه إلى حد بعيد. أما في الوقت الحاضر فإنه لا يعول عليه كثيرا".

وهناك شواهد متزايدة تشير إلى أنه على صواب» وقد تم الاعتراف بذلك على نحو واسع. بوتين لم يضرب بحذائه على المنصة. ولم يشأ أن يقابل تحرك الادارة الأمريكية لإقامة أنظمة دفاع ضد الصواريخ في أوروبا الشرقية بإطلاق التهديدات الجوفاء بنصب صواريخ في كوبا. لكن إذا ما كانت الإدارة الأمريكية تطمح، على سبيل المثال في الضغط على إيران للتخلي عن طموحها النووي، فإنها ستكون بحاجة إلى مساعدة روسيا وفي هذا الصدد، أشار بوتين إلى أن الكرملين قد ذهب إلى أبعد مدى يمكنه الذهاب إليه.

في ميونيخ، ألمح بوتين إلى استجابة "غير متناسقة" مع القوة المفرطة لأمريكا.

وتقدم إيران أحد المفاتيح لفهم ما يعنيه ذلك. لم يعد المنطق في الأساس اقتصاديا كما كانت الحال سابقا ففي الوقت الحاضر يريد الكرملين تقليص بعض النفوذ الإقليمي لأمريكا.

لقد عرض بوتين على السعودية إنشاء برنامج مدني نووي سلمي» وفي قطر، تحدث عن تكوين اتحاد منتجين للغاز الطبيعي للتخفيف من وطأة المنافسة بينهم. أما في الأردن، فقد مارس ضغوطا من أجل إقامة روابط اقتصادية وسياسية جديدة. وبعد ذلك بأيام أرسل وزير خارجيتها سيرغيه لافروف لمقابلة نظيريه الهندي والصيني لمناقشة الطرق الكفيلة بموازنة قوة الولايات المتحدة من خلال إقامة كما يرى بوتين (عالم متعدد الأقطاب).

وروسيا الآن بصدد الدخول في دورة انتخابية وليس من الواضح من سيخلف بوتين في نهاية العام القادم، لكن الملاحظ في داخل الكرملين يعتبر بوتين ضمن أكثر القادة الروس الموالين للغرب، اما الباقون حوله فهم من الذين يجاهرون بالعداء الشديد لأمريكا.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 26 شباط/2007 -9/صفر/1428