نجاح الرئيس الامريكي  بلبننة العراق..!!!

  عبدالامير علي الهماشي

 إشارتي الى مصطلح اللبننة لاأقصد به الحرب الاهلية التي جرت في لبنان بقدر ما أُشير الى تكاثر الاحزاب في تلك الفترة وتفرخها وتداخل المصالح الدولية والاقليمية في  بلد اصبح بالون اختبار للقوى الاقليمية والدولية.

ويبدو أن العراق قد تحول الى بلد لتفريغ الاحزاب والتنظيمات التي تحاول الدول المجاورة والقوى الدولية ايجاد موطئ قدم لها في مرحلة التأسيس بعد سقوط الطاغية وتفكك الدولة لربطها به..

ولذلك نرى تداخل وتقاطع التنظيمات بعضها ببعض وحصول المواجهات بينها واختلاط الاوراق بين ما هو مذهبي وديني ما هو علماني وسياسي وليس هناك تحفظ في عسكرة هذه التنظيمات من قبل المؤسسين والراعين لها.

وكما كان يُقال عن لبنان: إن شأت أن تُنشأ حزبا فما عليك إلا أن تأخذ  أموالك وتذهب الى لبنان وربما ينطبق هذا القول اليوم على العراق أيضا..

كما إن للولايات المتحدة المصلحة الكبرى ضمن استراتيجيتها في البقاء في العراق أن لايكون هناك تنظيما قويا يملك إمتدادا جماهيريا واسعا ويُشكل خطرا عليها،بحمله لمشروع وطني ينتزع السيادة الكاملة للعراق.

وبفضل خبرتها في التعامل مع الامور الستراتيجية تسمح بانتفاخ هذه التنظيمات ومن ثم تجهز عليها حسب الحاجة وتوظف ذلك في إكمال مشروعها الذي تسير عليه.

وقد تغاضت عن الكثير من الاعمال الاستخبارية للدول المجاورة ولكن ضمن الخطة المعدة لذلك. وما قصة  حصولها على (شفرة التعامل) للمخابرات الايرانية في العراق بعد أشهر من سقوط صدام إلا مثالا على معرفتها بتحركات الاجهزة المخابراتية العاملة في العراق.

وقد أشرت في مقالات سابقة إن الخطر الحقيقي على الولايات المتحدة في العراق هو أصحاب المشروع الوطني سواءا كانوا أفرادا أو أحزابا،وأما من يعمل بأجندة إقليمية أو دولية فهذا لايمثل خطرا حقيقيا لانه سيزول بزوال المؤثر والممول ويسقط بعد تلافي الخلافات بين الولايات المتحدة والاطراف الاخرى.

وستختفي هذه الاحزاب والتنظيمات كما تختفي فقاعات الصابون،وقد شاهدنا اختفاء الكثير من المنظمات والاحزاب من لبنان بعد اتفاق الطائف والاتفاقات التي حصلت بعد غزو صدام للكويت.

وكانت لتصريحات الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش عن الاستراتيجية الامريكية في العراق باعلانه ساحة  حرب لامريكا مع (الارهاب) الايذان بجلب أعداء امريكا الى العراق الساحة الجديدة للمواجهة..

وما يهمنا هو نجاح  الاستراتيجية الامريكية في ذلك بغض النظر عن الانتقادات التي وجهها الديمقراطيون حول فشل الادارة الامريكية في العراق، فلقد كانت معالم الخطاب الامريكي واضحة في إطاريين لايلتقيان:

اولهما: أن العراق هو ساحة الحرب المفتوحة بين الولايات المتحدة واعدائها المفترضين وثانيهما أن يكون هذا البلد مثالا للديمقراطية في الشرق الاوسط..

وقد نجحت الولايات المتحدة في جلب القاعدة للعراق بتغاضيها إستخباراتيا وعسكريا وأمنيا عن تواجد القاعدة في العراق وسهلت بطريقة واُخرى تنامي نفوذه في العراق بعد سقوط(صدام حسين)، كما غضت الطرف عن تسهيل البلدان العربية (ومازالت)لامداد القاعدة بالمتطوعين اليائسين من الحياة كخطوة لتفريغهم من هذه البلدان الصديقة للولايات المتحدة..

ويبدو أن الولايات المتحدة مازالت غير مستعدة للقضاء النهائي على هذا التنظيم في العراق بحسب تحذير مسؤول المخابرات الامريكية في العام الماضي أمام لجنة الكونغرس حيث  حذر من تشديد الخناق على القاعدة ونجاح الولايات المتحدة بالقضاء عليه عسكريا سيدفع ياعضاء هذا التنظيم الى الدول المجاورة ويشكل تهديدا أمنيا خطيرا لها..

وربما تحاول الولايات المتحدة استخدام القاعدة كجدار صد أولي ضد التنظيمات الشيعية التي تراها خطرا مستقبليا عليها،وإبقاء هذا التنظيم كمصدر قلق للشيعة في العراق لتبنيه الخطاب التكفيري الذي يمنح أتباعه الاجازة بقتل العراقيين بكل الوسائل واعتبارهم الخطر الاول على الاسلام !!

وما يُفسرهذا القول هو أن  في معظم العمليات القتالية والانتحارية كانت موجهة الى أبناء هذه الطائفة دون تفريق بين رجل وامرأة وشيخ وبين  مدني أو عسكري قياسا الى العمليات التي استهدفت القوات الامريكية من حيث الكم والنوع. ومن الممكن مراجعة تقارير السفارة الامريكية المبشرة بانخفاض الهجمات (العدائية) ضد القوات الامريكية.

وقد عمدت الدول العربية المجاورة الى إنشاء أحزاب وتنظيمات خاصة بها تسير وفق الاستراتيجية التي ترسمها هذه الحكومات أو إنها افتتحت القنوات اللازمة مع الشخصيات العراقية لتبني السياسة التي تُريدها هذه الدول..

وقد ركز الاعلام الامريكي والعراقي الرسمي على الدور السوري فقط دون غيره باعتبار أن هذه الدولة تبنت خطابا رسميا وشعبيا ضد التواجد الامريكي على خلاف الدول العربية الاخرى التي عمدت الى العمل بصمت ضد التغيير في العراق!!

وقد لعبت الخبرة السورية في لبنان دورا في الساحة العراقية وقد امتد الاخطبوط المخابراتي السوري في أكثر من اتجاه الى القاعدة والى البعث والى العشائر السنية في المناطق الغربية وأخيرا الى بعض الخطوط الشيعية بمباركة ايرانية مع حزب الله اللبناني.

ولهذا يقول الرئيس السوري بشار اللاسد بأن لسوريا اليد الطولى في حل الازمة العراقية متخذا من العراق ساحة لحل خلافاته مع الولايات المتحدة ولقبوله في المجتمع الدولي من جديد..

أما الدور التركي فقد اتجه الى التنظيمات السنية مقابل وقوفها ضد الطموح الكردي وبدأت ملامح تحول آخر نحو التنظيمات الشيعية بعد أن خيبت الاطراف السنية أمل تركيا في تحالفها مع تركمان العراق..

أما الدور الايراني فهو لايقل خطورة عن الدور السوري وإن تبنت إيران خطابا رسميا مؤيدا للعملية السياسية وداعما للحكومة العراقية بعد الانتخابات العراقية الاولى والثانية.

ومازالت استراتيجة الدولتين تقضي بافشال المشروع الامريكي في العراق واعتباره (الوحل الذي سيعلق أقدام الامريكان من الزحف يمنيا أو شمالا).

ومازالت الولايات المتحدة تتغاضى عن هذا الدور لتخويف الدول العربية من الخطر الايراني (الشيعي) وتحويله كعدو أول للعرب (تطرقت الى ذلك في موضوع هل تم استبدال العدو الاول للعرب؟).

وتحاول الولايات المتحدة إظهار ايران وتنظيماتها العنقودية في العراق كمستفيد أول من التغيير في العراق في محاولة لتأزيم الوضع مع الدول العربية.

وعندما تبدأ ساعة التصفية مع هذه التنظيمات سيبدا الالتباس لدى الشارع العراقي بأن قتالا شيعيا _شيعيا بدأ في العراق.

كما رأينا قتالا سنيا_سنيا حدث وإن لم يكن بتلك الصورة الكبرى التي تأخذ حيزها،وبدأت المنافسة تظهر إعلاميا بين أخوة الامس وأعداء اليوم،وأولها ابتدأ بهجوم الهاشمي على هيئة علماء السنة وأعقبه هجوم الهيئة عليه ثم أردف تنظيم القاعدة هجومه على الهاشمي وبقية الرفاق في جبهة التوافق.

أما الجانب الشيعي فظهر من خلال بعض الشخصيات المقربة لايران ومن على منبر الجمعة وإن نفى مكتبه ذلك بعد حين.

كما إن رئاسة الوزراء حذرت الجانبين الامريكي والعراقي من اتخاذ العراق ساحة للصراع.

ويبدو أن الولايات المتحدة قد استطاعت جلب أعدائها الى العراق وقد انتقل حزب الله من العمل الاستخباراتي في رصد تحرك الموساد في العراق الى العمل الميداني وهو ما سيولد تأزما حقيقيا في الشارع الشيعي.

إن نجاح الولايات المتحدة في جلب ايران والقاعدة الى العراق والاشتباك معهما كحائط صد لاراضي الولايات المتحدة وإشغالهما فيه هو دليل نجاح الاستراتيجية التي أطلقها الرئيس الامريكي.

كما إن لبننة العراق حزبيا وتنظيميا سيؤدي الى خدمة المصالح الامريكية وإضعاف أي مشروع وطني يعيد للعراق سيادته الكاملة.

وستحمي الولايات المتحدة من المواجهة مع التيارالوطني الذي سيصطدم  مع هذه التنظيمات عاجلا أم آجلا بتحريض من الولايات المتحدة الذي ستظهر بموقف المدافع عن الحكومة العراقية والحامية للعراق. والسبب الرئيسي لهذا الاصطدام هو عدم امتلاك هذه التنظيمات لرؤية وطنية بل انها تعمل بأجندة إقليمية ودولية على حساب العراق.

مع عدم تمكينها الحكومة من أخذ زمام المبادرة في المعالجة إلا في الوقت الذي تراه الولايات المتحدة مناسبا،وماحصل مع تنظيم (جند السماء) الذي مازال غامضا بالرغم من القضاء عليه عسكريا واستيلاء القوات العراقية والامريكية على معسكره إلا أن الكثير من الالتباسات في موضوع التمويل والتدريب والاتصالات لهذه المنظمة هي قيد التعتيم وقيد التمييع !!

ويبدو أن تنظيمات اخرى على شاكلة (جند السماء) قد بدأت تلوح في اُفق المحافظات الجنوبية وسنفاجأ بمعالجتها عسكريا من قبل القوات الامريكية متى ما احتاجت الولايات المتحدة لذلك.

وهكذا سيكون الامر مع التنظيمات التي ترتبط بايران أو ايران _حزب الله وهكذا مع التنظيمات التابعة لسوريا والبلدان العربية الاخرى وللقوى الدولية  وتكون الكلمة الفصل فيها للولايات المتحدة كقوة حامية للعراق!!!

وبقاء العراق على حاله بحاجة ملحة لبقاء القوات الامريكية كقوة حامية وحريصة عليه من التدخلات الخارجية!!

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 25 شباط/2007 -8/صفر/1428