تجارة الرق صورة ماساوية من العالم المتحضر

 رغم ان اغلب دول العالم متفقة على منع تجارة البشر او ما يسمى بالرق والعبودية الا ان الكثير منها لم يفي بالاجراءات التي تعد مهمة لردع مثل هذه التجارة المؤلمة، وبين فترة واخرى تظهر صور ماساوية تعبر عن هذه الحالة وتوضح مدى الاستغلال البشع للانسان من قبل اخيه الانسان، والملفت بالامر ان بيع البشر تجارة رائجة في بلدان العالم المتحضر والبلدان المتخلفة على السواء رغم انها جريمة يعاقب عليها القانون، وهي تجارة تنتقل من بلدان اسيا واوربا الشرقية نحو البلاد الغنية في بعض مناطق الشرق الاوسط والخليج العربي واوربا الغربية من خلال استغلال النساء والرجال على السواء باغرائهم في وعود كاذبة لنيل حياة حرة هنيئة اكثر، وما اكثر الامثلة الماساوية التي تصور عذابات هؤلاء في اول يوم تطأ ارجلهم الارض الجديدة.

جالينا فتاة روسية لمّا تتجاوز بعد الثانية والعشرين من عمرها، إلاّ أنها ذاقت شتى صنوف العذاب والقهر والذل في حياتها، فهي واحدة من آلاف ضحايا "الإتجار بالبشر" في بريطانيا والذين لا يقتصرون على النساء فقط، بل بينهم رجال وحتى أطفال صغار.

في سن الرابعة عشرة من عمرها لم تجد جالينا منفذا للخروج من جحيم العيش مع والديها "السكيرين" سوى الهروب من منزل العائلة لينتهي بها المطاف في شوارع ليتوانيا حيث تقابل هناك رجلا يعدها بتأمين فرصة عمل مغرية في بريطانيا تقفز لها فرحا وتدغدغ أحلامها بدفن الفقر والعيش في حياة هنيئة.

أما وقد استطاع الرجل أن يقنع جالينا برفقته، فلم تمر على الفتاة الروسية إلا ساعات قليلة من وصولها إلى بريطانيا حتى وجدت نفسها مرغمة على ممارسة البغاء كسبيل وحيد للنجاة بحياتها.

وتضيف "مخالب الرجل"كوابيس وأضغاث أحلام تنتابني، كما أنني أشعر بالقلق والخوف عندما يمر شريط الذكريات الأليمة أمام ناظري...نعم يتملكني شعور بالغضب الشديد نتيجة لما حصل لي، فأنا أشعر بالخجل لما أقدمت عليه.

تمر أشهر ثلاثة قبل أن تتمكن جالينا من الهروب من "مخالب الرجل" وتجد لها ملاذا آمنا في مؤسسة "بوبي" الخيرية التي تقدم ملجأً للهاربات من جحيم "تجار النساء"، وهي تعيش اليوم في مأواها الجديد بصحبة طفلها الرضيع الذي لم يتجاوز بعد من العمر شهرا واحداً.

آثار الندوب والعلامات لا زالت بادية بشكل جلي على جسد جالينا وهي التي وجدت ذات يوم في الانتقام من نفسها وسيلة لتفريغ شحنات القهر والتعبير عما يجول في مكنونات الذّات من شعور بالذل والنقمة والخوف.

تقول جالينا: "كان الأمر عسيرا جدا عليّ منذ أن تمكنت من الهروب، لقد حاولت الانتحار مرارا وجرحت نفسي عن قصد وتصميم".

لم تعد جالينا ترى مخرجا لمحنتها سوى بالتحديق مطولا في وجه طفلها الرضيع والتأمل في عينيه علّه يعيد إليها بعضا مما أفقدتها إيّاه تجربتها المرة من فرح وابتسامات ولحظات سعيدة.

تقول جالينا: "ولكن عندما أتطلع إلى ابني الصغير لا أشعر بكل هذه الأشياء، إنّه الشيء الوحيد الجيد في حياتي".

وهذا لايزال يحدث في بريطانيا كل يوم رغم ان البلاد تحتفل هذه السنة بالذكرى المئوية الثانية لإلغائها تجارة الرقيق فيها وبشكل رسمي.

ولغة الأرقام على لسان الدكتور إدموند نيويل، رئيس كنيسة القديس بولوس ومدير معهد القديس بولوس في لندن، تظهر أن تجارة البشر لا زالت واقعا حيّا وملموسا في المجتمع البريطاني حتى الساعة.

وفي المعرض الذي اقيم مؤخرا حول موضوع الاتجار بالبشر كانت فرصة فريدة أمام صنّاع القرار والرّأي العام ليروا ما الذي تعنيه فعلا تجارة البشر بالنسبة لضحاياها مثل هذه الممارسة البشعة وتاثيرها السلبي على المجتمع بصورة عامة.

ويقول الدكتور نيويل في حديث لبي بي سي قبيل افتتاح "معرض الإتجار بالبشر"، أو "بريطانيا العبودية: تجارة القرن الحادي والعشرين بأرواح البشر".

"لقد سجل في بريطانيا أكثر من 4000 حالة إتجار بالبشر عام 2004، نعم لقد وضع حد لهذه الظاهرة في بريطانيا بشكل قانوني قبل قرنين من الزمن، ولكنّها لازالت تمارس بشكل سري حتى يومنا هذا".

كما تشير إحصائيات حديثة إلى أن أكثر من خمسة آلاف شخص يقعون ضحايا للإتجار بالبشر في بريطانيا سنوياً.

ما يلفت الانتباه في حديث الدكتور نيويل هو تأكيده أن ضحايا ظاهرة الإتجار بالبشر لا يقتصرون على النساء فقط، بل هم أيضا من الرجال وحتّى الأطفال الصغار.

ويضيف الدكتور نيويل: "نحن لا نركز على قضية الجنس واستغلال النساء فقط، بل هناك أيضا ضحايا للإتجار بالبشر من الرجال والنساء والأطفال الذين يقعون ضحايا لشبكات تجارة الهجرة غير الشرعية، إذ يُخدع الكثير من البشر بوعود تأمين فرص عمل مغرية في بريطانيا ليكتشفوا فيما بعد أنها مجرد أوهام وحيل حيكت بخبث للإيقاع بهم".

وعلى الرغم من أن الدكتور نيويل ينظر إلى ظاهرة تجارة البشر في بريطانيا على أنها "تجري بشكل سري" إلا أنه يعتبرها "خرقا للقانون" ومصدر إزعاج وقلق للمجتمع والكنيسة.

ويضيف الدكتور "إنها حقيقة تصدم المرء أن يكون للإنسان القدرة على استغلال أخيه الإنسان وبهذا الشكل المريع".

جو بيكسلي من مؤسسة بانوس بيكتشرز يشدّد على أن في تنظيم المعرض في رحاب الكنيسة رسالة مفادها أنه يتعين على المجتمع ومؤسساته تكريم ضحايا الإتجار بالبشر وأن يكون للكنيسة دور فعال في تسليط الضوء على أهمية التثقيف وتوعية الناس بخطورة هذه الظاهرة.

أروقة المعرض الذي يضم 17 صورة نادرة لنساء ورجال حقيقيين هم من ضحايا الإتجار بالبشر التقطها لهم رسامان محترفان في مدن وبلدات مختلفة من بريطانيا منها شيفيلد وكارديف وبورتسموث ولندن وبيرمنغهام وليستر.

وتضيف جو بيكسلي، التي تنظم المعرض بالتعاون مع منظمة العفو الدولية والمنظمة الدولية لمقاومة العبودية، إنه في إحدى الحالات تم بيع فتاة ليتوانية تبلغ من العمر 15 عاما فقط ولسبع مرات متتالية في غضون ثمانية أسابيع فقط، أجبرت خلالها على التنقل بين أماكن عدة في كل من بيرمنغهام وكوفينتري ولييستر وشيفيلد حيث جرى اغتصابها وأرغمت على ممارسة الدعارة.

وتابعت بيكسلي القول: "تجارة البشر في بريطانيا لا تقتصر فقط على ساحة سوهو وسط لندن، بل هي تحدث بيننا وحقيقة أن عيوننا ليست مفتوحة تماما لمعرفة حجم هذه الظاهرة وليست القضية قضية عصابات إجرامية كبيرة متورطة بتجارة النساء، بل أن هناك نسوة قد تم بيعهن من قبل أصدقائهن وأفراد عائلاتهن".

وفي المعرض تطالعك وجوه وعيون لضحايا عائدين من عوالم التيه والخوف والرعب والقهر واستغلال الإنسان للإنسان.

صور تحكي قصص نساء ورجال وأطفال شكلوا يوما سلعا رخيصة يتعامل بها تجار البشر، ليتمكنوا بعدها من الهروب من جحيمهم ويفزعوا بعدها إلى أحضان بشر آخرين في قلوبهم رحمة أكثر يفتحون لهم صدورهم ويحدثونهم عن أحلامهم المتحطمة وضحكاتهم التي اختطفت منهم في غفلة من الزمن.

صور تحكي أيضا قصة رعب وخوف الإنسان من الإنسان عندما يقع أسيرا بين مخالبه فلا يترك له منفذا إلى عالم الأمان والطمأنينة والرأفة ولا يدع له أي مساحة للأمل تذكر مهما ضاقت وتلاشت في صغرها.

الفتاة الهندية ديفيا فيروي تروي عن نفسها قصة الخادمة التي انتقلت مع مخدوميها الكويتيين إلى عاصمة الضباب لتجبر على النوم خارج المنزل في العراء وتحرم من تناول حتى الطعام الذي تطبخه هي للعائلة.

وينتهي المطاف بديفا امرأة هائمة على وجهها حيث تمضي الليل بأكمله ولسنوات مشرّدة في الحدائق العامة بدون مأوى أو طعام أو شراب إلا ما تصدق عليها به الآخرون.

ومن قلب العتمة والظلام يبزغ شعاع من أمل ونور ينير ما تبقى من فسحة أمام ضحايا الإتجار بالبشر، وذلك عندما تتلقف هؤلاء في أعقاب هروبهم من سجنهم الكبير أيادي أشخاص ومؤسسات نذروا أنفسهم لإدخال ما استطاعوا من بهجة إلى قلوب هؤلاء ولتقديم يد العون والمساعدة لهم علّهم يجدون بذلك بعض التعويض عن حرمانهم ومواساة بمحنتهم.

إنها حقيقة تصدم المرء أن يكون للإنسان القدرة على استغلال أخيه الإنسان بهذا الشكل البشع.

تتحدث أنا باودن، الناطقة الرسمية باسم مؤسسة إيفز الخيرية، عن أنواع المساعدات السكنية والمادية والقانونية وغيرها التي تقدمها المؤسسة لضحايا الإتجار بالبشر من النساء فتقول:

"لدينا 35 سريرا تستخدم لإيواء النساء التي تلجأ إلى المؤسسة هربا من المتاجرين بالبشر. نحن نقدم لهن كل شيء من مأوى وطعام وشراب ومساعدة قانونية".

وتضيف باودن أن النساء النزيلات في ملجأ المؤسسة تقضي عادة حوالي ثمانية أشهر قبل أن تتمكّن من الانتقال إلى بيوت خاصّة بهُنّ وأنّ حوالي 90 بالمائة منهُنّ يحصلن على حق اللجوء السياسي في بريطانيا.

من جهة اخرى وفي أحدث تقرير سنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن الاتجار في البشر للعام 2006، أن دولا عديدة أحرزت تقدما في تطبيق أهداف مكافحة الاتجار في البشر.

 لكن ما زالت بعض الدول تحتاج إلى بذل مجهود أكبر حسبما قال التقرير المؤقت (نصف السنوي) الذي أجرى تقييما لبرامج مكافحة الاتجار في البشر في 39 دولة.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد نشرت يوم 19 كانون الثاني/يناير تقييمها المؤقت عن الاتجار في البشر في الدول التي كانت صنفتها وزارة الخارجية الأميركية في قائمة الدول التي تحتاج لمراقبة خاصة، والدول التي ضمتها تلك القائمة اعتبرت أنها بحاجة إلى مراقبة خاصة في جهودها الرامية إلى مكافحة الاتجار في البشر، حسبما يقضي قانون حماية ضحايا الاتجار في البشر الذي تجدد العمل به منذ العام 2003.

وضمت القائمة الدول التي لديها مشكلات كبيرة تتعلق بالاتجار في البشر، أو تلك التي لم تكثف جهودها خلال العام الماضي لوقفه، أو تلك التي وُصفت جهودها بأنها تتناقص في أحدث تقرير لوزارة الخارجية الأميركية. واستعرض التقرير المؤقت التقدم الذي أحرزته تلك الدول في الفترة ما بين أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر 2006.

وبين الدول الـ39 التي ضمها التقييم المؤقت الجزائر التي قيل إنها لم تحرز أي تقدم على الإطلاق، بينما ذكر التقرير أن جيبوتي وموريتانيا وتوغو وماليزيا ومصر وليبيا وقطر والأرجنتين والبرازيل وبيرو قد أحرزت تقدما "متواضعا" و "محدودا" أو "لا يفي بالغرض" أو "ضئيلا للغاية" في مكافحة الاتجار في البشر.

ومن ناحية أخرى طرأ تحسن مطرد على جهود كمبوديا والصين وإسرائيل وبيليز وبوليفيا.

وكان تقرير مكافحة الاتجار في البشر الذي قدم  إلى الكونغرس في شهر حزيران/يونيو 2006 – حسبما يقضي القانون بتقديمه سنويا- قد خلص إلى أن حوالي 800 ألف شخص أكرهوا على أن يكونوا من ضحايا عمليات الاتجار في البشر خلال العام الماضي.

ويصنف التقرير السنوي الدول إلى أربع فئات حسب جهودها في مكافحة الاتجار في البشر، والتحقيق مع المشاركين فيه، ومساندة ودعم ضحايا تلك الجرائم. وتصنف الدول التي تبذل أفضل جهود في الفئة الأولى. أما الفئة الثانية فتضم الدول التي أبدت التزامها بمواجهة المشاكل لكنها لم تصل بعد إلى مستوى المعايير الدولية.

والفئة الثانية التي يطلق عليها اسم "قائمة الدول المحتاجة للمراقبة" تتضمن الدول التي تبدو عليها دلائل التدهور باطراد وتتجه للتحول نحو الفئة الثالثة. والحكومات التي لا تلتزم بالحد الأدنى لمعايير مكافحة الاتجار في البشر ولا تبذل جهودا كبيرة من أجل تحقيق ذلك تصنف في الفئة الثالثة.

اما الفئة الرابعة وهي أدنى فئة فإن الدول التي تصنف في تلك الفئة تمنح فترة 90 يوما لاتخاذ إجراءات لمواجهة مشاكلها، وإن لم تفعل فإنها قد تصبح عرضة لفرض عقوبات عليها.  

والدول الـ39 التي ذكر التقييم المؤقت أنها من بين الدول المحتاجة للرقابة بصفة خاصة، فهي الدول التي إما أنها كانت انتقلت إلى فئة أعلى في تقرير العام 2006، أو تلك التي كانت مصنفة في الفئة الثانية في تقرير العام 2006 لكنها أخفقت في تقديم الدليل على تزايد جهودها في مكافحة الاتجار في البشر عن العام السابق، أو الدول التي صنفت في الفئة الثانية نظرا لتعهدها بالالتزام بتنفيذ إجراءات إضافية في المستقبل خلال العام التالي، أو الدول التي كان لديها عدد كبير أو زيادة في عدد ضحايا الاتجار في البشر.

ويقيس التقييم المؤقت ما تحقق من تقدم في مكافحة الاتجار في البشر، خاصة بالنسبة للدول المهددة بأن تصبح في الفئة الثالثة في تقرير شهر حزيران/يونيو 2007. ويقدم إرشادات للدول عن سبل تفادي تصنيفها في فئة أدنى.

وذكر التقييم المؤقت أن دولا عديدة تواصل إحراز تقدم، حتى تلك المصنفة في الفئة الأولى ففي مالاوي واصلت الحكومة التحقيق مع من يمارسون الاتجار في البشر ودربت ضباط الشرطة على أساليب المساهمة في الحيلولة دون حدوث الاتجار في البشر ومنعه.

وفي سويسرا ساهم سن قانون جديد في توفير مزيد من المساعدات لضحايا الاتجار في البشر. وفي سنغافورة طبقت الحكومة إجراء جديدا يهدف إلى مواجهة التعدي على الخدم الأجانب.

وعلى الرغم من ذلك، حسبما يقول التقييم، فإن جهود بعض الدول لمكافحة الاتجار في البشر لم تكن مناسبة ولا كافية. فبالرغم من أن حكومة جيبوتي اتخذت خطوات محدودة مثل إغلاق الحانات والمقاصف التي كان يجري فيها ممارسة الدعارة مع القاصرات، ما زالت هناك حاجة لبذل المزيد من الجهد.

ولم تف ماليزيا بالتعهد الذي قطعته على نفسها في العام 2004 بإنشاء مقر لإيواء ضحايا الاتجار في البشر.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 23 شباط/2007 -5/صفر/1428