ثلث سكان العراق فقراء وسياسات اقتصاد السوق الحر تفاقم مستوى الحرمان

 أكدت دراسة حديثة اصدرها برنامج الامم المتحدة الانمائي يوم الاحد ان ثلث سكان العراق يعيشون في فقر بينما يعيش اكثر من خمسة بالمئة في فقر مدقع.

واظهرت الدراسة التي اجراها الجهاز المركزي للاحصاء العراقي بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة ويعتمد على مسوح اجريت في عام 2004 ان نسبة عالية من العراقيين يعيشون في مستويات مختلفة من الفقر والحرمان على الرغم من الموارد الطبيعية والمادية الهائلة للبلاد.

واظهرت الدراسة التي صدرت من عمان "تراجع في المستوى المعيشي للعراقيين وخسارة ما تم تحقيقه في السبعينات والثمانينات خاصة في ما يخص البنية التحتية."

وتتراوح نسبة المعاناة بين توفر خدمات اساسية مثل الكهرباء والماء تتبعها الحالة المادية للعائلات ثم الظروف السكنية للعراقيين.

وقالت الدراسة إن هناك اختلافا كبيرا في مستوى المعيشة في انحاء العراق حيث تعاني المنطقة الجنوبية من ابرز علامات الحرمان تتبعها المنطقة الوسطى ثم الشمال.

واضافت أن المناطق القروية تعاني من الحرمان بنسبة تزيد ثلاث مرات عن المدن حيث تعتبر مناطق بغداد من افضل المناطق في العراق.

وانتقدت السياسات التي تطبق لتحويل الاقتصاد العراقي لاقتصاد السوق الحر قائلة انها تفاقم مستوى الحرمان.

و اضافت الدراسة "إن الخطوات المتخذة لتحويل الاقتصاد العراقي نحو اقتصاد السوق مثل رفع الدعم الحكومي ادت إلى تفاقم مستويات الفقر والحرمان."

وقال القائمون على الدراسة التحليلية للمستوى المعيشي في العراق التي نشرت نتائجها في مؤتمر صحافي بعنوان (خريطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق) ان المؤشرات التي اعتمدت عليها الدراسة هي مؤشرات بعيدة المدى.

واضافوا ان التدمير الذي حصل في الانبار وبغداد وغيرهما بعد اجراء المسح «قد لا ينطبق على توصيف الحرمان»لعام 2004 مشيرين الى انهم يجرون حاليا مسحا آخر لمعرفة مدى التدهور او التحسن في معيشة العراقيين في كل المحافظات.

من ناحيته قال رئيس المجلس المركزي للاحصاءات في العراق الدكتور مهدي العلاق ان الدراسة تعتمد على معايير الفقر البشري متعدد الابعاد موضحا ان المعايير المعتمدة تشمل ميادين التعليم والصحة والبنى التحتية ومستوى المعيشة والمسكن ومحيط المسكن والوضع الاقتصادي للاسرة والتي تعتبر كلها ذات صلة بمستوى المعيشة وتعبر عن مستوى الحرمان.

واضاف العلاق ان اعلى مستويات الحرمان التي يعانيها العراقيون هي في ميدان البنى التحتية التي تشمل المياه والكهرباء والصرف الصحي والنفايات مبينا ان العراقيين يعانون منها في معظم المحافظات يليها مستوى الدخل ثم محيط المسكن من مواصلات وامن ونظافة وغيرها.

من جهتها اكدت مسؤولة فريق الفقر في مكتب برنامج الامم المتحدة الانمائي في العراق علياء الدالي ان مسح عام 2004 الذي شمل 21 الف اسرة بمعدل الف اسرة لكل محافظة يعتبر الدراسة الاولى الشاملة للوضع المعيشي للعراقيين منذ 1997.

وارتكزت نتائج الدراسة على مسح اجري في 2004 اي بعد عام من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق وستستخدم كدليل لتقارير التنمية البشرية المستقبلية في العراق على ما افاد المنظمون.

وقال باولو ليمبو مدير برنامج الامم المتحدة الانمائي في العراق ان "العراق الذي انعم الله عليه بكميات كبيرة من الموارد الطبيعية وافضل نوعية من الموارد البشرية ادت ايدي البشر الى انهياره".

واضاف ليمبو "ما يحصل الان في العراق هو مأساة من صنع الانسان" داعيا المجتمع الدولي ودول الجوار العراقي الى ان "يوحدوا جهودهم مع العراق لاعادة اعمار البنية التحتية في هذا البلد".

وقال "هدفنا الان استعادة الامكانات الحقيقية لهذا البلد ليس فقط لمصلحة العراقيين الذين يعيشون في العراق بل لمصلحة العالم اجمع".

واضاف "لدينا مسؤولية اخلاقية وسياسية بان ما يحصل في العراق هو ايضا مسؤوليتنا".

وراى ليبمو ان الدراسة تاتي "لمخاطبة فكرة الفقر ليس فقط ما يتعلق بالدخل والمؤشرات الاقتصادية ولكن ايضا في ما يتعلق بالحصول على الخدمات المتعددة" كالتعليم والصحة والسكن.

وقال العلاق "سنستغل نتائج هذه الدراسة لاستهداف مشاريع كتلك التي تخلق فرص العمل السريعة بشكل افضل وبالتركيز على المناطق ذات الاحتياجات الاكبر وحيث تفتقر الى البنية التحتية وخصوصا المياه وتلقي العلاج الصحي".

والدراسة التي اطلق عليها "خارطة الحرمان ومستويات المعيشة في العراق" اتهمت السياسات المتبعة في العراق والتي تسعى الى تحويل اقتصاد هذا البلد الى سوق حرة بانها وراء تفاقم الاوضاع المعيشية هناك.

ووفقا للدراسة فان "السياسات المتبعة لتحويل الاقتصاد العراقي لسوق حرة كرفع الدعم وتفكيك اجهزة الدولة فاقمت من مستويات الحرمان".

وقالت ان "جهود اعادة الاعمار الكبرى (..) الهادفة الى تامين الخدمات الاساسية للسكان يجب ان تسبق التحول من ادارة مركزية الى اقتصاد السوق الحرة".

وتقوم المنهجية التي تتبعها هذه الدراسة على:

 (1) تبّني تعريف موسع للفقر باعتباره متعدد الأبعاد، وينتمي إلى مفهوم الفقر البشري،

 (2) اعتماد قياس لمستويات المعيشة المختلفة المحققة واقعياً في العراق من أدنى مستوى إلى أعلى مستوى، كما يمكن التعرف عليها من خلال نتائج التحقيق الميداني والاستبيان المعتمد فيه. ويتم القياس من خلال بناء دليل سمي دليل أحوال المعيشة،

 (3) تعريف الحرمان الموازي لما يمكن اعتباره الفقر بمعنى الفقر البشري باعتباره تعبيراً عن النقص في «إشباع الحاجات الأساسية» نسبة إلى «عتبة إشباع» تمثل الحد الفاصل بين حالات الحرمان ومستويات المعيشة الأخرى.

وتقدر الدراسة نسبة الأسر التي تعيش عام 2004 في حال من الحرمان بحسب دليل أحوال المعيشة، بحوالى 31 في المئة من الأسر وحوالى 34 في المئة من الأفراد. وهؤلاء هم الأسر والأفراد الذين يعيشون في مستوى معيشة متدن، بحسب دليل أحوال المعيشة. ومن أصل هذه النسبة، فإن خمساً في المئة من الأسر ستة في المئة من الأفراد يعيشون في مستوى معيشة منخفض جداً.

وباعتماد تصنيف الأسر إلى ثلاثة مستويات هي مستوى معيشة متدن (وهو يمثل الأسر المحرومة) ومتوسط وعال، يلاحظ وجود تفاوت بين نسب الأسر المحرومة بحسب الميادين المختلفة. ويعني هذا التفاوت ان عدم توافر البنى التحتية والخدمات المرتبطة بها تشكل إلى جانب الوضع الاقتصادي للأسرة الأبعاد الأكثر أهمية في الحرمان التي تعاني منها الأسر العراقية، ويجب بالتالي إعطاؤها أولوية في السياسات وبرامج التنمية وذلك عن طريق توفير خدمات البنى التحتية وتوسيع تغطيتها وضمان استقرارها، وكذلك عن طريق مكافحة الفقر ورفع مستوى الدخول في وجه عام.

وبينت الدراسة ان منطقة بغداد هي الأقل حرماناً في ما يخص مستويات المعيشة بوجه عام (20.3 في المئة من الأسر محرومة) تليها المنطقة الشمالية (23.9 في المئة) فالمنطقة الوسطى (30.5 في المئة) وأخيراً المنطقة الجنوبية (42.9 في المئة)، التي تزيد فيها وحدها نسبة الحرمان عن المتوسط الوطني، في حين ان نسبة الحرمان في المنطقة الوسطى أقل.

ويشكل الوضع الاقتصادي للأسر أولوية، فهو يحتل الترتيب الأول أو الثاني لجهة دليل أحوال المعيشة في كل المناطق. ولكن الميادين الأخرى تتفاوت أهميتها بين منطقة وأخرى. ففي الشمال، هناك أولوية لميدان التعليم. وفي المنطقة الوسطى، الأولوية لميدان البنى التحتية يليها التعليم. وفي منطقة بغداد الأولوية أيضاً لميدان البنى التحتية يليها ميدان محيط المسكن (خصوصاً البعد الأمني). وفي منطقة الجنوب، الأولوية أيضاً لميدان البنى التحتية يليها ميدان محيط المسكن (خصوصاً وضع البيئة والمواصلات).

وتتشابه منطقتا الوسط وبغداد لجهة المسار، إذ كانت مؤشرات التنمية في هاتين المنطقتين الأعلى خلال السبعينات بفضل تركز النمو والتنمية خلال فترة استقرار النظام. وتراجع الوضع نسبياً خلال الثمانينات والتسعينات بسبب الحرب العراقية - الإيرانية، ثم حرب الخليج والحصار الدولي، إلا ان المعاناة فيهما كانت أقل نسبياً منها في مناطق الجنوب التي كانت الأشد تأثراً بالحرب مع إيران خلال الثمانينات وبالحصار.

أما بعد عام 2003، فإن منطقتي إقليم الوسط وبغداد هما اللتان تعانيان أكثر من المناطق الأخرى من انعدام الأمن والعنف ما يؤثر سلباً في ظروف المعيشة والاقتصادية. ومع ذلك فإن هذا الوضع المستحدث لم يلغ تأثيرات سابقة، ما يعني ان مستويات المعيشة فيهما لا تزال افضل من المناطق الأخرى، ما عدا الميادين الشديدة الارتباط بالوضع الأمني.

وفي منطقة الجنوب، كانت مؤشرات التنمية خلال السبعينات أدنى من الوسط وبغداد، إلا ان وضعها تدهور في شكل شديد خلال فترتي الحرب العراقية - الإيرانية والحصار ما جعلها أكثر المناطق حرماناً. واستمر الوضع غير المستقر بعد انهيار النظام عام 2003، خلافاً لما هو عليه الوضع في الشمال.

ويتبين من الدراسة ان ريف المنطقة الشمالية هو الأكثر حرماناً بين المناطق وفقاً لدليل مستوى المعيشة، في حين ان حضر هذه المنطقة هو ثاني أقل المناطق حرماناً، ما يجعل التفاوت بين الريف والحضر في المنطقة الشمالية الأعلى بين المناطق.

وفي المنطقة الوسطى، سجل حضر هذه المنطقة أدنى نسبة حرمان بين المناطق، في حين أتى ريفها في الترتيب الثالث لجهة نسبة الحرمان بعد ريفي الشمال والجنوب. ونتج من ذلك أيضاً مستوى تفاوت مهم بين حضر المنطقة الوسطى وريفها.

وتظهر منطقة بغداد أقل المناطق تبايناً بين الحضر والريف بالنسبة الى دليل مستوى المعيشة. وفي الواقع تحظى منطقة ريف بغداد بأدنى مستوى حرمان ضمن مناطق العراق بالنسبة الى المسكن والوضع الاقتصادي للأسرة. ويرجع مستوى الحرمان المنخفض في المنطقة المذكورة على الأغلب إلى جملة عوامل ترتبط بموقعها حول مدينة بغداد. ومن بين أهم هذه العوامل ارتفاع دخول بعض أسر هذه المنطقة، وفي مقدمها الأسر التي تمتلك بساتين الفواكه ومشاتل الأشجار ونباتات الزينة، وسكن بعض الأسر المرتفعة الدخل التي تعمل ضمن مدينة بغداد واستفادة هذه المنطقة من الخدمات أكثر من أي منطقة ريفية أخرى، بل وحتى أكثر من بعض المناطق الحضرية، نظراً الى قربها من مدينة بغداد وكون الجزء الأكبر منها يشكل امتداداً للمدينة المذكورة، في حين تراجعت مؤشرات مدينة بغداد بسبب التوسع الكبير للأحياء العشوائية التي تفتقر إلى الخدمات، وكذلك بسبب الأوضاع الأمنية بعد عام 2003 والتي أدت إلى تخريب المباني والمنشآت واحتلالها وتدهور المرافق العامة.

وتعاني المنطقة الجنوبية من درجة عالية من الحرمان سواء بحضرها أو ريفها. وتبلغ نسب الحرمان في حضر المنطقة الجنوبية أعلى نسبة بين المناطق، في حين يأتي ريف المنطقة الجنوبية مباشرة بعد ريف كردستان في مستوى الحرمان.

واعتبرت الدراسة ان «الخطاب التنموي السابق» في العراق لم تعد له «صدقية عملية»، داعيةً إلى «توصيف نظري جديد ودقيق لآلية عمل الاقتصاد العراقي لاستنباط السياسات التي تنفع الناس». وأضافت: «ان الاقتصاد العراقي في معطياته الحالية منقطع انقطاعاً كبيراً عن الأوضاع التي كان عليها نهاية السبعينات، والتراجع الذي عاناه الاقتصاد العراقي في ربع القرن الأخير كان عميقاً وشاملاً. كذلك حصلت تغيرات عالمية بالغة الخطورة بما فيها تحولات في النظريات الاقتصادية والاجتماعية السائدة والتي تتحكم بمنظومة الاقتصاد العالمي».

وأشارت الدراسة إلى ان العراق دخل بعد عام 2003 «مساراً من الإصلاحات الاقتصادية التي تتطلبها معالجة الاختلالات الاقتصادية الموروثة وكذلك تلك الناتجة من الوضع الحالي ومتطلبات الاندماج في الاقتصاد العالمي. ويتم ذلك بتأثير حاسم ومباشر للعامل الدولي الذي يلعب في حقيقة الأمر الدور المقرر في رسم الخيارات الاقتصادية والتنموية الكبرى للعراق حالياً ومستقبلاً في ضوء التوجهات السائدة في العولمة الراهنة. وتتضمن هذه الإصلاحات الاتجاه نحو تحرير الاقتصاد على مختلف المستويات، وتقليص الدعم أو تغيير شروطه، ودعم القطاع الخاص، وتحرير الأسعار وغيرها من الإجراءات التي يمكن أدراجها تحت عنوان عام واحد هو اتجاه الاقتصاد العراقي الأكيد نحو نظام يقوم على آليات السوق والدور القيادي للقطاع الخاص في الاقتصاد. ويعني ذلك تحولاً جوهرياً عن النمط الدولتي الذي كان سائداً قبل 2003، واستبدالاً للآليات الإدارية - السياسية في إدارة الاقتصاد والمجتمع بآليات أخرى تلعب فيها عوامل السوق دوراً حاسماً».

لكن الدراسة أكدت ان عملية من هذا النوع «ليست سهلة على الإطلاق إذ تتمثل إحدى المشكلات الأكثر أهمية التي تواجهها العملية التنموية في العراق في ان المستقبل غير واضح. ففي ظروف العراق الحالية من الصعب توقع ما سيكون عليه الوضع بعد سنة. فالعراقيون غير متأكدين مما سيحصل غداً. ويعود ذلك في جانب منه إلى ان العراق لا يزال في مرحلة انتقالية غير مستقرة، كما يعود في جانب أخر لوجود عدد كبير جداً من العوامل المؤثرة في وضع العراق، عوامل معقدة عالمية وإقليمية ووطنية على المستوى المحلي الداخلي، تتفاعل فيما بينها لتولد ديناميكيات متعددة ومتناقضة تخترق المجتمع والدولة وتفتح المستقبل على احتمالات كثيرة، ليست كلها في صالح العراق أو شعبه أو المكونات المتعددة لهذا الشعب».

وبحسب الدراسة، فإن مرحلة الانتقال الاقتصادي لا بد من ان تكون أطول مما توحي به السياسات الحالية، وأن يخطط لها في شكل جيد.

وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد حذرت يوم الجمعة من ان العنف الطائفي قد يرغم مليون عراقي آخر على ترك منازلهم والنزوح هذا العام بعد ان غادر بالفعل نحو 1.5 مليون عراقي شيعي وسني وكردي المناطق المختلطة طائفيا الى مناطقهم العرقية او مناطق تجمعاتهم الطائفية الاكثر امانا منذ الغزو الامريكي للعراق عام 2003 .

وقالت المنظمة ومقرها جنيف إن كثيرين يعيشون في منازل مؤقتة دون كهرباء او صرف صحي مضيفة أن المانحين لا يستجيبون لمناشداتها من اجل تقديم أموال لمساعدة المعوزين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 20 شباط/2007 -2/صفر/1428