
قاد السكرتير الثاني في السفارة الإيرانية في بغداد سيارته إلى حي
عرصات الهندية التجاري لتفقد موقع بنك إيراني جديد، وعند خروجهم، أسرعت
باتجاههم أربع سيارات مصفحة وترجل منها 20 مسلحا على الأقل يرتدون
سترات مضادة للرصاص وزي الحرس الوطني العراقي. أبرزوا بطاقات رسمية،
واقتادوا السكرتير الايراني شرفي بخشونة إلى إحدى السيارات، فلاحقتهم
الشرطة العراقية مطلقة النيران عليهم. وأصابت إحدى السيارات، والقت
القبض على أربعة من الخاطفين لم يكن قد تم الكشف عن هوياتهم بعد حتى
الأسبوع الماضي. واختفى السكرتير شرفي والآخرون.
وحسب القصة التي نقلتها مجلة (نيوزويك) الامريكية الاسبوعية التي
تنشر الوطن الكويتية نسختها العربية قال مسؤول إيراني مستاء جدا، غير
مخول التحدث بشكل رسمي: "إنها مجموعة تعمل بشكل مباشر تحت إشراف
أمريكي". وأشار عبد الكريم العنزي ، وهو وزير عراقي سابق لشؤون الأمن
القومي، بأصابع الاتهام إلى وحدة عمليات سرية عراقية متمركزة في مطار
بغداد، تعمل تحت إمرة ضباط في القوات الخاصة الأمريكية، يقول مستشار
كبير في قوات التحالف غير مخول أيضا التحدث بشكل رسمي: "هذا الاحتمال
معقول". فهذه الوحدة موجودة» وهي متخصصة في عمليات الخطف.
من حق الإيرانيين أن يشعروا بالارتياب. في الأسابيع الأخيرة، دان
كبار المسؤولين الأمريكيين طهران متهمين إياها بتدريب متمردين وتأمين
متفجرات فتاكة لهم، وفي عملية دهم في 21 ديسمبر، اقتحم جنود أمريكيون
قبل طلوع الفجر مجمع أقوى حزب سياسي في البلد، وهو المجلس الأعلى
للثورة الإسلامية في العراق، وقبضوا على رجلين زعموا أنهما ضابطان في
حرس الثورة الإيرانية. وبعد ثلاثة أسابيع دهم جنود أمريكيون مكتبا
دبلوماسيا إيرانيا في أربيل، معتقلين خمسة إيرانيين آخرين، وقد ألمح
الأمريكيون إلى أن ذلك جزء من عمليات ثأرية تصعيدية، لاشتباههم في تورط
الإيرانيين في هجوم على كربلاء في 20 يناير، حيث اختطف أربعة جنود
أمريكيين ووجدوا لاحقا معدمين بإطلاق الرصاص على رؤوسهم. وقد وعدت
القوات الأمريكية بالدفاع عن نفسها.
ويرى البعض الهجمات المتزايدة على أنها جزء من نمط مقلق، ويقول واحد
على الأقل من المسؤولين السابقين في البيت الأبيض إن بعض مستشاري بوش
يتمنون سرا أن يجدوا عذرا لمهاجمة إيران. تقول هيلاري مان، المديرة
السابقة لمجلس الأمن القومي لشؤون إيران والخليج الفارسي في إدارة بوش:
"إنهم يحاولون أن يستفزوا الإيرانيين قدر الإمكان ويدفعوهم إلى القيام
بعمل سوف تُجبَر [أمريكا] على الرد عليه". غير أن المسؤولين الأمريكيين
يصرون على أنهم لا ينوون استفزاز إيران أو خوض حرب ضدها، وقد سارعوا
أيضا إلى نفي أي علاقة لهم بخطف السكرتير شرفي، لكن الواقع هو أن الحرب
الكلامية الطويلة بين واشنطن وطهران تتخذ منحى أكثر خطورة، مع إبحار
ناقلة طائرات ثانية تابعة لسلاح البحرية الأمريكي نحو الخليج الفارسي،
وقد علمت نيوزويك أن ناقلة طائرات ثالثة ستتبعها على الأرجح. فإيران
أطلقت بضعة صواريخ في تلك المنطقة البحرية نفسها الأسبوع الماضي، في
إطار تجارب أثارت ضجة كبيرة. ومع تنافس الأمريكيين والإيرانيين على أرض
المعارك التي تسودها الفوضى في العراق، فإن احتمالات تصاعد حدة أي حادث
صغير وتحوله إلى أزمة باتت أكبر مما كانت عليه طوال سنوات.
وتضيف النيوزويك: أحيانا يبدو كأن حالة النزاع بين الولايات المتحدة
وإيران أمر طبيعي» بعد تعكر العلاقة بينهما منذ الانقلاب المدعوم من
قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي أعاد الشاه إلى السلطة
عام 1953، والتقلبات التي شهدتها العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ
انتصار آية الله الخميني عام 1979، ومع انتخاب جورج دبليو بوش من جهة،
والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من جهة أخرى، يقود البلدين الآن
رجلان لا يثق أي منهما بنوايا الآخر، ويشك كل منهما في سلامة الآخر
العقلية. وتصر طهران على أن السياسات الأمريكية تهدف إلى إطاحة النظام
الإيراني وإخضاع إيران. في حين يتهم البيت الأبيض إيران بأنها تعوق
المساعي الأمريكية لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط بوسائل عنيفة فيما
تطور أسلحة نووية بشكل علني. وكما تظهر عمليات الدهم والمناوشات في
العراق، فإن حربا خفية بدأت تتجلى.
بالنسبة إلى الإصلاحيين في إيران، كانت هجمات 11 سبتمبر بمنزلة نعمة.
فالمحاولات السابقة للتقرب من أمريكا كان قد أحبطها المحافظون في ايران،
غير أن الخوف من ردات الفعل العمياء لقوة عظمى غاضبة غيرت الآراء في
طهران. محمد حسين عادلي كان واحدا من نائبين بوزارة الخارجية عند حصول
الهجمات، في وقت متأخر من بعد ظهر يوم صيفي حار. وقد بدأ فورا بالاتصال
بكبار المسؤولين، مصرا على أن تصدر إيران تعليقا بسرعة. يقول عادلي: "أردنا
إدانة الهجمات بشدة لكننا أردنا أيضا أن نظهر للولايات المتحدة أننا
مهتمون بالسلام". وقد شعر بالارتياح عندما وافق آية الله علي خامنئي،
المرجع الأعلى في إيران، على اقتراحه بسرعة. يقول مساعد لخامنئي طلب
عدم نشر اسمه بحكم منصبه: "كان القائد الأعلى شديد الارتياب إزاء
الحكومة الأمريكية، لكن تلك الأعمال الإرهابية أثارت اشمئزازه وقد حزن
على خسارة أرواح المدنيين في أمريكا". وطوال أسبوعين، توقف المصلون عن
الهتاف: "الموت لأمريكا" خلال صلاة الجمعة.
وتلاشى ذلك الخوف بعد 20 سبتمبر، عندما أعلن مكتب التحقيقات
الفيدرالي [الأمريكي] أن تنظيم القاعدة وراء تلك الهجمات. لكن كان هناك
سبب جديد للتعاون: فطوال سنوات كانت طهران تدعم المليشيات الأفغانية
التي تحارب طالبان، الذين يستضيفون أسامة بن لادن. وفجأة، لم يعد وجود
الجنود الأمريكيين في أفغانستان المجاورة يبدو فكرة سيئة. وقد التقى
المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون مرارا في جنيف في الأيام التي سبقت
الغزو الأمريكي في 7 أكتوبر. وكان الإيرانيون خير داعمين. يقول مسؤول
أمريكي معني بالمحادثات، طلب عدم الكشف عن اسمه لتحدثه عن مواضيع لا
تزال حساسة: "في الحقيقة، كانوا ينتظرون ذلك بفارغ الصبر. وكانوا
يسألوننا: «متى ستبدأ العمليات العسكرية؟ هيا لنبدأ!»".
وتختلف الآراء حول مدى مساعدة الإيرانيين على الأرض. لكن لا شك في
مدى أهمية دورهم في إرساء الاستقرار في البلد بعد سقوط كابول. في أواخر
نوفمبر عام 2001، سافر قادة الفصائل المنتصرة المعادية لطالبان إلى
بون، في ألمانيا، لتشكيل حكومة أفغانية مؤقتة بمساعدة ممثلين من 18 من
دول التحالف. كان الوقت في شهر رمضان والطقس ماطرا وقارس البرودة، لكن
ساد بين الموجودين جو من الفرح. أجريت المحادثات في فندق فخم على ضفة
نهر الراين، وبعد الغروب أقام المضيفون الألمان مآدب سخية تضمنت لافتات
كبيرة كتب عليها أن كل الأطباق خالية من لحم الخنزير.
كان قائد الفريق الإيراني، جواد ظريف، أحد خريجي جامعة دنفر، وهو
رجل ودود يتكلم بصوت منخفض ومتزن، وقد أصبح لاحقا سفيرا لدى الأمم
المتحدة. ويتذكر جيم دوبنز، أول مبعوث لبوش إلى أفغانستان، أنه تناول
القهوة مع ظريف في إحدى غرف الجلوس، ودرسا معا مسودة للاتفاقية التي
سيتم تشكيل الحكومة الأفغانية الجديدة بموجبها. يقول دوبنز: "سألني
ظريف: «هل ألقيت نظرة عليها؟» أجبته: «نعم، قرأتها مرة». ثم قال وفي
عينيه بريق: «لا أظن أنها تذكر شيئا عن الديموقراطية. ألا تعتقد أنها
يجب أن تتضمن التزاما بإرساء الديموقراطية؟» كان ذلك قبل اكتشاف إدارة
بوش أن الديموقراطية هي الحل لكل مشاكل الشرق الأوسط. فقلت له إنها
فكرة سديدة".
عند قرب نهاية محادثات بون، "بلغنا مرحلة محورية"، كما يضيف دوبنز.
كان مختلف الأطراف قد قرروا أن حامد كرزاي اللبق المدعوم من أمريكا
سيرأس الحكومة الأفغانية الجديدة. لكنه كان زعيما قبليا بشتونيا من
الجنوب، وكان خصومه من الشمال قد استولوا على العاصمة. في عالم
السياسات الأفغانية القاسي، كان ذلك ينذر بإمكانية التصادم. في الساعة
الثانية فجرا من اليوم الذي كان يفترض فيه التوقيع على الاتفاقية، ظل
مندوب تحالف الشمال يونس قانوني مصرا على المطالبة بـ18 من أصل 24
وزارة جديدة. وقد اجتمع المتفاوضون القلقون في جناح مندوب الأمم
المتحدة الأخضر الإبراهيمي. وتولى ظريف الناعس الترجمة لقانوني.
وأخيرا، قرابة الساعة الرابعة فجرا، همس في أذن الأفغاني: «هذا أفضل
عرض ستحصل عليه». فأجابه قانوني: «حسنا».
يقول دوبنز إن تلك اللحظة كانت حاسمة، مضيفا: "كان الروس والهنود
يلفتون نظره إلى الأمر نفسه، لكنه لم يقتنع إلى أن كلمه ظريف... وإلا
لكانت الحالة شبيهة بالحالة التي لدينا في العراق، حيث لم نكن قادرين
على الاتفاق على قائد واحد وحكومة واحدة". بعد شهر، أتبعت طهران دعمها
السياسي بدعم مالي: فقدمت في مؤتمر للمانحين في طوكيو 500 مليون دولار
(أي أكثر من ضعفي المبلغ الذي قدمه الأمريكيون، في ذلك الوقت) للمساعدة
على إعادة إعمار أفغانستان.
لكن سرعان ما فترت العلاقات بعد تحسنها، وهو نمط أصبح معهودا في ما
بعد. فقد تم إدراج إيران مع العراق وكوريا الشمالية في "محور الشر" بعد
مرور أقل من أسبوع على اجتماع طوكيو. مايكل غيرسون، الذي يكتب اليوم
مقالات لنيوزويك، كان يترأس في ذلك الحين فريق كتابة الخطابات في البيت
الأبيض. يقول إن إيران وكوريا الشمالية أدرجتا في خطاب حالة الاتحاد
المثير للجدل الذي ألقاه بوش لتجنب التركيز على العراق وحدها. في تلك
الفترة، كان بوش يخطط لإطاحة صدام حسين، لكنه لم يكن مستعدا للإقرار
بذلك. يقول غيرسون إن كوندوليزا رايس، التي كانت مستشارة الأمن القومي
آنذاك، هي التي اقترحت اسمي البلدين الآخرين مع العراق. لكن العبارة
أعجبت الرئيس الذي شعر بأنه في خضم نضال مهم. ويقول كبار مساعدي بوش إن
ذلك ذكره بتنديدات رونالد ريغان الشهيرة بـ"إمبراطورية الشر".
مرة أخرى، أحبًط الإصلاحيون في إيران. يقول عادلي: "الذين كانوا
يؤيدون التقرب من الولايات المتحدة باتوا مهمشين. فخطاب بوش أظهر أن
المشككين في نوايا أمريكا كانوا محقين". ومساعد خامنئي يوافقه الرأي
قائلا: "خطاب محور الشر لم يفاجئ القائد الأعلى ، فهو لم يثق
بالأمريكيين قط".
وقد تطلب تقرب البلدين من جديد حربا أخرى. في بداية عام 2003، عندما
كان البنتاغون يستعد للحرب ضد العراق، احتاج الأمريكيون إلى مساعدة
طهران في حال تدفق عدد كبير من اللاجئين إلى الحدود، أو في حال تم
إسقاط طيارين أمريكيين داخل إيران. بعد دخول الدبابات الأمريكية إلى
بغداد، تلاشت تلك المخاوف. يتذكر كولن باول، الذي كان وزير الخارجية في
ذلك الحين قائلا: "كنا في موقع قوة في تلك المرحلة". فحملة الأمريكيين
السريعة جعلت الإيرانيين أكثر توقا للتقرب. وكانت الاجتماعات بين
الطرفين على مستوى صغار المسؤولين قد استمرت حتى بعد خطاب محور الشر.
في أحدها ذلك الربيع، طرح ظريف مسألة مجاهدي خلق، وهي مليشيا مناهضة
للنظام الإيراني مقرها في العراق. كانت إيران قد اعتقلت عددا من كبار
عملاء القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر. واقترح ظريف إمكانية "التبادل"»
إرهابيوكم لقاء إرهابيينا.
وتم التطرق إلى هذه الفكرة في اجتماع في منتصف شهر مايو بين بوش
وكبار مستشاريه في غرفة العمليات ذات الجدران المكسوة بالخشب في قبو
البيت الأبيض. كان بوش مبتهجا، وبدا أن فكرة التبادل تروقه، بحسب مشارك
طلب عدم الكشف عن هويته لأن الاجتماع كان سريا، وجادل البعض بأن تصنيف
المقاتلين بأنهم إرهابيون في غير محله، ورأى آخرون أن بإمكانهم
الاستعانة بهم ضد إيران يوما ما. واعترض باول على التبادل لسبب آخر:
كان يخشى أن يتم تعذيب الأسرى. أما نائب الرئيس، الذي بقي صامتا طوال
الاجتماع كعادته، فقد تمتم شيئا عن "إبقاء كل خياراتنا مفتوحة". (رفض
تشيني التعليق على ذلك). وحتى الآن، لا يزال وضع مجاهدي خلق غير محسوم.
وتضيف النيوزويك: في الوقت نفسه تقريبا، تلقت واشنطن عرضا اعتبره
البعض في الحكومة الأمريكية أكثر أهمية» وهو اقتراح من صفحتين أرسل
بالفاكس لإجراء محادثات ثنائية شاملة. بالنسبة إلى مان من مجلس الأمن
القومي، وغيرها، بدا الإيرانيون مستعدين لمناقشة التضييق على حزب الله
وحماس، على الأقل، (أو تحويلهما إلى منظمتين سياسيتين سلميتين)
و"الشفافية الكاملة" بشأن برنامج إيران النووي. في المقابل، كانت
"الأهداف" الإيرانية في الوثيقة تقضي بـ"وقف السلوك العدائي الأمريكي
وتصحيح مكانة إيران في الولايات المتحدة وإلغاء العقوبات"، وكذلك
ملاحقة مجاهدي خلق.
ويظن باول أن بوش لم يكن مستعدا للتعامل مع نظام يعتبر أنه يجب ألا
يكون في الحكم. وبوصفه وزيرا للخارجية، واجه مقاومة شديدة لأي انفتاح
دبلوماسي تجاه إيران وحليفتها سوريا. وقد قال في نهاية مدة ولايته:
"بقي موقفي في السنة والنصف الأخيرة أن علينا إيجاد طرق لاستئناف
المحادثات مع إيران. لكن الرئيس كان مترددا في القيام بذلك". ويستنكر
وزير الخارجية السابق بشدة وصف الإدارة لجهوده وجهود كبار مساعديه في
التعامل مع طهران ودمشق بأنها كانت فاشلة. يقول: "لا يعجبني قول
الإدارة: «حاول باول وأرميتاج... ولم يتوصلا إلى أي نتيجة». لقد توصلنا
إلى نتائج كثيرة. لا يمكنك التفاوض عندما تطلب إلى الطرف الآخر أن
«يقدم قبل بدء المفاوضات ما تحاول الحصول عليه في المفاوضات»".
لم يكن الإرهاب مصدر القلق الوحيد في ما يتعلق بإيران. طوال عقود،
كانت واشنطن تخشى أن تستأنف إيران البرنامج النووي الذي بدأه الشاه
(بدعم من الولايات المتحدة أساسا)، وأن تجعل من الشيطان الأكبر هدفا
لأسلحتها النووية. وقد أصر الإيرانيون، الموقعون على معاهدة الحد من
الانتشار النووي، على أنه ليس لديهم ما يخفونه. لكنهم كذبوا. في أغسطس
عام 2002، كشفت مجموعة مرتبطة بمجاهدي خلق عن نشاطات نووية في أحد
المرافق بأصفهان، حيث كان الإيرانيون ينتجون غاز اليورانيوم، وفي
ناتانز، حيث يتم إنشاء البنية التحتية الضرورية لتخصيب هذا الغاز
وتحويله إلى يورانيوم يمكن استعماله لتصنيع الأسلحة. بعد سنة، انكشفت
شبكة العالم الباكستاني عبد القدير خان لتهريب التكنولوجيا النووية، ما
أدى إلى المزيد من الإحراج والتحقيقات.
طوال أشهر، عمل مفاوضون أوروبيون لإقناع طهران بالتوقيع على اتفاقية
مؤقتة لوقف برنامج تطوير الوقود النووي. وفي مايو 2005، التقوا بكبير
المفاوضين الإيرانيين في المسألة النووية، حسن روحاني، في مقر إقامة
السفير الإيراني الفخم في جنيف. كانت هناك بوادر تدعو إلى التفاؤل: في
واشنطن، أعلنت رايس أن الولايات المتحدة لن تعارض دخول إيران إلى منظمة
التجارة العالمية. غير أن التوتر كان سائدا في القاعة، وفقا لدبلوماسي
كان هناك لكنه طلب عدم نشر اسمه لكشفه عن محادثات رسمية. وقد قال
الأوروبيون لروحاني إنهم لم يحددوا ما ستحصل عليه إيران في مقابل وقف
برنامجها، ولم يكن الأمريكيون متعاونين بالكامل بعد. على إيران أن
تنتظر بضعة أشهر إضافية للحصول على التفاصيل. لكن في غضون ذلك، كان يجب
إبقاء البرنامج معلقا.
روحاني، المدثر بعباءة دينية وعمامة، لم يكن مخولا توقيع اتفاقية
كهذه. يقول الدبلوماسي الأوروبي: "كان الرجل أمامنا يتصبب عرقا. كان في
ورطة: لم يكن باستطاعته القيام بالمزيد... وكان واضحا لي أنه لايمكنه
أن يوافق، وغير مسموح له بأن يوافق، كان محطما نفسيا، ومرهقا جسديا
تقريبا".
وكان جزء من المشكلة مرتبطا باقتراب موعد الانتخابات التي كانت
ستجرى بعد بضعة أيام فحسب في إيران. وكانت نتيجتها وصول رجل إلى السلطة
يمثل آراء قادة إيران الأكثر تشددا. فقد أعلن محمود أحمدي نجاد استئناف
برنامج تطوير الوقود النووي الإيراني، وأزال الأختام التي وضعتها
الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المنشآت النووية في أصفهان واستكمل
العمل في ناتانز. وفي غضون شهر أو شهرين، أصبح التخصيب النووي رمزا
للفخر القومي بالنسبة إلى شريحة أكبر بكثير من منتخبي أحمدي نجاد في
المجتمع الإيراني. وفي تشابه غريب مع بوش، الذي أصبح أكثر شعبية بعد
هجمات 11 سبتمبر وحثه الأمريكيين على النضال ضد عدو منتشر لا يرحم، علا
شأن الرئيس الإيراني في كل أنحاء الشرق الأوسط بسبب كلامه المعادي
لأمريكا. المشكلة الأساسية التي لطالما واجهها المفاوضون الأمريكيون مع
إيران هي تحديد من يجب التكلم إليه في النظام الإيراني، وما إذا كان
أولئك الأشخاص قادرين على الوفاء بتعهداتهم. والآن يواجهون مشكلة أخرى:
لم يكن لدى الإيرانيين أي حافز للتفاوض. وبسبب المأزق الذي تواجهه
الولايات المتحدة في العراق، أصبحت إيران في موقع القوة» وانقلبت
الأدوار.
وتضيف النيوزويك: أما مسألة العراق فهي مختلفة، فالمسؤولون
العسكريون والسياسيون الأمريكيون يتهمون الحكومة الإيرانية بتوفيرها
للعراقيين ترسانة جديدة من قاذفات الصواريخ المتطورة ومدافع الهاون
الأكثر فعالية، وأحدث تكنولوجيا لصنع القنابل الخارقة للدروع التي يمكن
زرعها على جوانب الطرقات» وهي قنابل ذات تفجير موجه، يقال إن حزب الله
طورها. إن خبراء الأمن العسكريين قلقون بشكل خاص بشأن "أجهزة استشعار
بالأشعة تحت الحمراء" متوفرة بسهولة وغالبا ما تستعمل في أجهزة الإنذار
من السرقة أو أزرار الإضاءة الأوتوماتيكية، لكن يتم استعمالها بشكل
متزايد كصواعق للمتفجرات المرتجلة. على خلاف الهواتف الخليوية وأجهزة
التحكم عن بعد وأجهزة فتح أبواب المرائب، فإن أجهزة الاستشعار هذه لا
تصدر أي إشارات، ما يصعّب اكتشافها قبل انفجارها.
ما من أدلة واضحة على أن الحكومة الإيرانية تقدم هذه الأسلحة وليس
تجار أسلحة أو عناصر خارجة عن سلطة الدولة أو تابعة للحرس الثوري. بحسب
آخر تقدير للاستخبارات القومية الأمريكية بشأن العراق، فإن "الدعم
العسكري الإيراني لمجموعات مختارة من المليشيات العراقية الشيعية يزيد
بوضوح من حدة النزاع في العراق". لكن الأمر الوحيد الذي يمكن قوله بثقة
هو إن طهران لا توقف تهريب الأسلحة. ويعترف الإيرانيون أنفسهم بأنهم لا
يبذلون قصارى جهدهم في هذا المجال. يقول مسؤول استخباراتي إيراني طلب
عدم ذكر اسمه لأن السرية جزء من عمله: "أؤكد لكم أننا لا نعطي متفجرات
مرتجلة لجيش المهدي، لكن إذا سألتموني إن كان باستطاعتنا السيطرة على
حدودنا بشكل أفضل إن أردنا، فسأجيب: «نعم، إذا كنا نعلم أن الأمريكيين
لن يستعملوا العراق كقاعدة لمهاجمة إيران»".
غير أن الزخم الحقيقي في هجوم واشنطن المتعدد الجوانب ذو طابع
سياسي. فالقيود المصرفية التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية بدأت
تخنق الاقتصاد الإيراني. والناخبون الغاضبون بشأن ارتفاع الأسعار سددوا
لأحمدي نجاد ضربة موجعة في الانتخابات البلدية في ديسمبر، عندما مني
مؤيدوه بهزيمة نكراء. لو كان يحظى بدعم خامنئي، لما كان لذلك أهمية.
لكن هذا الدعم لم يعد مضمونا. يقول مساعد خامنئي إن القائد الأعلي يعزو
سبب اتخاذ مجلس الأمن قرارا بالإجماع في أواخر ديسمبر، يطالب طهران
بتعليق برنامجها النووي، إلى كلام أحمدي نجاد العنيف بشأن إسرائيل
ومحرقة اليهود.
لكن كلما أحرزت أمريكا أو إيران تقدما على الأخرى خلال السنوات
الخمس الماضية، أفرطت في استغلال الوضع. قد يؤدي ازدياد الضغوط على
أحمدي نجاد إلى زيادة شعبيته من جديد» باعتباره الشهيد الأول في ثقافة
الاستشهاد. لا يحتاج المتمردون السنة في العراق إلا إلى قتل بعض
الأمريكيين وترك بطاقات تعريف لإيرانيين بالقرب منهم لبدء حرب مفتوحة.
وكالكثير من المراحل في هذه العلاقة المعقدة، فإن هذه المرحلة تنطوي
على فرص يجب انتهازها. وعلى مخاطر كبيرة أيضا. |