القنبلة النووية الإيرانية المزعومة  والضجة المفتعلة

د. عدنان جواد الطعمة

 قامت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية منذ أكثر من سنة بشن حملات ضد إيران ومفاعلها النووي وتخصيبها لليوارنيوم في مدينة بوشهر وإصرار الإعلام الأمريكي على أن إيران على وشك تطوير قنبلة ذرية تهدد جيرانها. وقد صرح المسؤولون الإيرانيون بأن من حقهم تخصيب اليورانيوم وتشغيل المفاعل النووي لأغراض إستعماله في توليد الطاقة والإستعمالات الأخرى السلمية في الطب، بحيث أيدتهم روسيا، الدولة المتعاقدة مع إيران لبناء هذا المفاعل النووي.

مما لاشك فيه، يمكن إستعمال اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية إذا توفرت المخططات لصناعة القنبلة الذرية والمكائن والمعدات اللازمة ومشاركة علماء الذرة المختصين.

فلماذا لم تشن الولايات المتحدة المريكية وحلفاؤها حملاتها ضد إسرائيل التي تهدد منطقة الشرق الأوسط  لكثرة قنابلها وأسلحتها النووية، والهند وباكستان ؟

لماذا تتبع الولايات المتحدة الأمريكية المعايير المزدوجة تارة بالإيجاب تجاه الدول التي تسير في ركابها وتارة أخرى بالرفض تجاه الدول التي لا تسير في ركابها ؟

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأعظم في العالم، حريصة على نزح السلاح النووي وحظر انتشاره واستعماله، فعليها أن تنزع  الأسلحة النووية وتبطل مفعول القنابل الذرية لكل دول العالم، ومنها إسرائيل والهند وباكستان، وتجعل منطقة الشرق الأوسط  والعالم خالية وآمنة من السلاح النووي والقنابل الذرية.

نحن لا نريد الدفاع عن إيران، لكن تورط وكالة المخابرات  المركزية الأمريكية بتسليم إيران بواسطة عميلها الروسي  مخططات لصناعة القنبلة الذرية للوفد الإيراني الذي حضر إلى فينا للمشاركة في مباحثات  مؤتمروكالة الطاقة النووية الدولية الذي انعقد في فينا برئاسة الدكتور محمد البرادعي، هوالذي دعانا إلى كتابة هذا المقال.

وللقارئ الكريم تفاصيل عملية التسليم التي نشرها  الصحفي الكبير لصحيفة نيويورك تايمس جيمس ريسن في كتابه: دولة الحرب – القصة السرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية 

CIA  وإدارة بوش،  الفصل التاسع: العملية القذرة، صفحة 215 – 242، الذي صدر بالإنكليزية والألمانية عام 2006:

James Risen: State of War. The Secret History of the CIA and the Bush Administration, publisher Free Press, Print Simon & Schuster, Inc, New York, 2006

James Risen: State of War. Die Geheime Geschcihte der CIA und der Bush-Administration, Hoffmann und Campel, 1. Auflage 2006,

ISBN (10)3-455-09522-4

ISBN (13)978-3-455-09522-7, www.hoca.de

فوجئت لدى قرائتي الكتاب باللغة الألمانية للفصل التاسع: عملية الأنذال، من صفحة 215 إلى 242 بهذه اللعبة والتضليلات التي تشير إلى كيفية قيام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتسليم الوفد الإيراني مخططات لصناعة القنبلة الذرية،  الذي جاء إلى فينا للمشاركة في مباحثات المؤتمر الدولي الذي عقد فيها بحضور السيد الدكتور محمد البرادعي                                                                                           

والوفود الأخرى. شيء لا يمكن أن يصدقه العقل السليم. وأعتقد أن هذه الحملات الإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة تهدف بالدرجة الأولى إلى تخويف الدول العربية لا سيما دول الخليج الشقيقة وتهيئتها وتوريطها في الحرب التي ستشنها أمريكا ضد إيران، كما فعلتها سابقا بتخويفهم من إيران وحثت دول الخليج ومصر على دعم النظام العراقي بالمال والسلاح والعتاد لشن حربه العدوانية ضد إيران لمدة  ثماني سنوات، والتي أحرقت الحرث والنسل ودمرت إقتصاديات البلدين ودول الخليج في حينه.

لذا نحذر إخواننا العرب من هذه اللعبة الخطيرة التي لا سمح الله إن وقعت فإنها ستطالهم وتحرق الأخضر واليابس وتصبح إسرائيل هي المسيطرة على المنطقة.

أحاول إيجاز ملخص أهم ما ورد في الفصل التاسع لكي يطلع كل من الإخوة والأخوات على هذه اللعبة الخطيرة.

صفحة 215:

 (عملية الأنذال: بمساعدة التقنية الرقمية (الديجيتال) أصبحت الإتصالات السرية  بالعملاء عبر البحار عملية روتينية. ففي الحرب الباردة كان إجراء إتصال بعميل أوجاسوس  في موسكوأوفي بكين من أخطر المهمات التي استغرقت أيام واسابيع لإجرائها. إلا أنه في سنة 2004 أصبح ممكنا فتح الرموز والشفرات والمراسلات بسرعة فائقة ومباشرة من مبنى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وإرسالها إلى عملائها بواسطة أجهزة إتصالات صغيرة مخفية. وذات يوم فكرت ضابطة في مبنى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتي كانت مسؤولة عن الإتصالات بالعملاء في إيران، حيث أرسلت بعض الأوامر البسيطة مع مجموعة من المعلومات إلى عميلها السري الإيراني، كما كانت تفعل ذلك سابقا عدة مرات. إرتكبت الضابطة خطأة فادحة مأساوية أدت إلى كشف كل عملاء وكالة المخابرات المركزية في إيران. علمت وكالة المخابرات مؤخرا أن عميلهم الإيراني كان عميلا مزدوجا أي أنه كان يعمل موظفا في المخابرات الإيرانية، الأمر الذي أدى إلى اكتشاف شبكة الجواسيس في إيران، حيث تم اعتقالهم وسجنهم ولم يعرف مصير الآخرين).

صفحة 216.

 (كانت إدعاءات وتصريحات الرئيس بوش ومستشاريه في عامي  2004  و2005  معروفة، بأن إيران على وشك تطوير وصناعة أسلحة نووية. وفي ذلك الوقت بالذات لم يكن لموظفي الأمن ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية أية أدلة مقنعة وملموسة، لكي يقوموا بدعم تصريحات الحكومة الأمريكية. ولم تكن لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أية معلومات حقيقية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، لكي تشن الحرب عليه. وهكذا أصبح رجال الأمن ووكالة المخابرات المركزية للمرة الثانية فاقدي البصر (عميان).

وبعد الفضيحتين عيّن بورتر جي جوس   Porter J. Goss   رئيسا  جديدا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهوأيضا لم يعلم عن المستوى التطور الذي وصلت إيه إيران، لكي تصبح قوة أودولة نووية. فلم تصرح إدارة بوش علنا عن مقدار التقدم النووي لإيران، إلا أن السؤال التالي كان  يطرح في قلب وكالة المخابرات:

ماذ نتج من المخططات لصناعة الأسلحة النووية التي سلمت إلى الإيرانيين؟

والقصة تبدأ بسنة 2000  عندما ظل عالم روسي خائف طريقه في شتاء فينا، وكان ملتفا بمعطفه في برد  شهر  شباط، حيث قفز من الترام الذي كان يسير ببطئ في شوارع فينا.

كان العميل والعالم النووي الروسي مترددا في تنفيذ العملية أم لا).

صفحة  217:

 (قال في نفسه: أنا لست جاسوسا، بل أنا عالم. ماذا أفعل هنا إذن ؟

لمس الطرد الصغير (المظروف) الموضوع في جيب معطفه والحاوي على وثائق ومخططات  ثمينة جدا. إن هذه المهمة المجنونة لم تكن حلما طائشا. إستخرج الروسي ورقة ملاحظات من جيبه للتأكد من العنوان، وتحرك سائرا على قدميه. لم يعرف مدينة فينا ذات الشوارع العريضة، وكان هوبالقرب من دار الأبرا، حيث فقد تركيزه ولا يدري باي إتجاه يسير. كان عليه أن ينزل من الترام رقم 21 في موقف زقاق رويب   Rueppgasse   أو

موقف شارع هاينه  Heinestrasse. ركب الترام مرتين ذهابا وإيابا دون جدوى، ثم فكر بأن يتحول ويركب قطار  فينا تحت الأرض Wiener U-Bahn. كانت ممثلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقع  بالقرب من وكالة الطاقة النووية الدولية (IAEA)  في فينا، ولم يكن من السهل عليه  التعرف على مبنى الممثلية الإيرانية. قال في نفسه كان عليهم أن يعطوني المعلومات الدقيقة. بينما كان يسير في القسم الشمالي من فينا داخل مركز المدينة طرأ عليه هذا السؤال: لماذا فكرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بهذه المهمة ؟

إلا أنه لم يعرف الجواب. وكان له الحق أن يخاف. سار على قدمية في شوارع فينا ومعه المخططات لصناعة القنبلة الذرية. كانت له بالضبط تصاميم بلوكات تيار عالي الضغط من نوع Typ TBA-480   التي تعرف تحت إسم طاقم الإشتعال  Zuendsatz   لقنبلة نووية لنموذج روسي. كان يحمل معه كل العلوم والمعرفة في يديه التي يحتاجها المرء، لإحداث إنفجار ضمني داخلي دقيق في مجال نووي صغير، لأحداث ردود عكسية مستمرة).

أطلق على هذه العملية إسما " مرلين   MERLIN. القصة طويلة جدا أحاول إختزالها.

صفحة 225

(إكتشف العالم الروسي في المخططات التي استلمها من وكالة المخابرات الأمريكية خطأة فنية. قال الروسي للضابط المسؤول عنه الذي زاره في غرفته بالفندق:  إن هذه المخططات غير صحيحة).   

صفحة 277:

فوجئ ضباط المخابرات الأمريكية، إلا أنهم لم يردوا عليه، لأن مصورات المخططات غير صحيحة. وبعد فترة قصيرة  سلم ضابط المخابرات الأمريكية العالم الروسي طردا صغيرا (مظروفا) مختوما بالشمع الأحمر وأمره بألا يفتح الطرد. وعليه يجب إتباع أوامر المخابرات لإيجاد الإيرانيين وتسلميهم مظروف المخططات والوثائق. خرج الروسي إلى شوارع فينا لوحده وفكر مليا بمهمته وقرر أن يفتح الطرد. وبعد عودته إلى غرفته كتب رسالة خاصة موجهة إلى جامعة طهران، ذكر فيها سيرة حياته ورغبته بأنه يحمل معلومات قيمة جدا ومخططات لصناعة القنبلة النووية وأنه مستعد  لبيعها على الإيرانيين ومساعدتهم. وحذر الروسي الإيرانيين بأن هناك خطأة في المخططات وأنه مستعد لمساعدتهم وتصحيحها. وضع الروسي هذه الرسالة داخل مظروف أوطرد صغير وختمها بالشمع الأحمر بعد أن وضع المخططات داخلها. وبعد جهد طويل  والحث في الإنترنت وجد عنوان الممثلية الإيرانية أومكتب الوفد الإيراني في شارع هاينه رقم 19  (Heinestrasse 19) في مبنى مكون من خمسة طوابق للمكاتب التجارية والديبلوماسية وللسكن. لم يجد لوحة كبيرة على الباب تحمل إسم مكتب الوفد أوالممثلية الإيرانية، إلا أنه وجد لوحة صغيرة جدا بين إسمين نمساويين كتب عليها: PM/Iran

إنتظر مدة طويلة أمام الباب فلم يدخل أويخرج أحد. ثم ذهب إلى الفندق وعاد عصرا مرة ثانية إلى مبنى  الممثلية الإيرانية وانتظر فترة إلى أن جاء ساعي البريد النمساوي وفتح الباب ووزع الر سائل وأدخلها في صناديق بريد كل شخص أومكتب، ثم خرج ساعي البريد. وفي الحال دخل الروسي إلى داخل المبني وأدخل المظروف أوالطرد الصغير في داخل صندوق  البريد الخاص بالممثلية الإيرانية وغطاه بصحيفة ى، ثم ولى هاربا من المبنى دون أن  يعرفه أحد).

القصة طويلة جدا كأنها فلم  بوليسي تحتاج لكتابة عشرات الصفحات.

ومن يرغب قراءة الكتاب بالإنكليزية أوالألمانية فليتفضل بطلبه من الناشر مباشرة، وقد ذكرت رقم الطلب  ISBN   

وختاما آمل ألا تتورط دولنا العربية والإسلامية بهذه اللعبة الخطيرة الأمر الذي سيؤدي إلى  تدمير شعوبنا ومنطقتنا، لأن،لا سمح الله، لونشبت حرب نووية أوكيمياوية في منطقتنا، فإن عواقبها ستكون وخيمة على المسلمين والعرب  قاطبة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 9 شباط/2007 -21/محرم/1428