لجم سلوك الطفل (الحرك كثيراً)!

كتب: المحرر الثقافي العام

لم يثبت بعد عرفان كل الأسباب الكامنة وراء ميزة تحرك بعض الأطفال غير الاعتيادي بالمقارنة بما هو عليه الحال عند غيرهم رغم أن المقولة اليتيمة التي يفسر بها علم السلوك على كون ذلك هو تعبير الطفل عن طاقته الفائضة التي تترجم لديه على شكل تحرك جسماني وعلى أكثر من اتجاه في المكان المتواجد فيه.

 ويكاد أن يحدث ذلك لدى عديد من الأطفال بصور نادراً ما يتخللها توقف مأمول عن عشوائية حركاته ولعل هذا ما يثير قلق المربين وبالذات منهم الآباء والأمهات الذين عقدوا الآمال كثيراً ليرزقهم الله سبحانه وتعالى بطفل أو أكثر وثم طموحهم أن يكون أولادهم متمتعون بشيء من ميزة السكينة التي تريح عائلة الطفل أولاً والعوائل الصديقة ثانياً.

ففي الزيارات العائلية المتبادلة إذ نادراً ما يفضل عدم استصحاب الأطفال من قبل أي عائلة زائرة إلا في الحالات الاضطرارية نظراً لضرورة إبداء رفعة الذوق الشخصي الضامن لقضاء وقت ممتع مع العائلة المضيفة وما يؤديه ذلك من خلق حالات مثلى من التواصل الإنساني والانسجام الروحي الناجح بين أفراد العائلتين (العائلة الزائرة والعائلة المضيفة).

بديهي جداً أن القيام بالزيارات العائلية في أوقات مختارة بعناية تامة كلما سنح الجانب الموضوعي للقيام بزيارة العوائل الأخرى تزيد من آصرة الصداقة الجمة والعلاقة الحميمة بين الكيانات العائلية المنوعة ذات الاهتمامات البريئة والتي يشار لها بالشفافية والاحترام المتبادل..

 إذ من المعلوم أن عدم مواظبة العوائل للقيام بتلك الزيارات خارج حدود عدم مصاحبة الأطفال معهم وبالذات منهم الأطفال المتحركون بصورة مزعجة في المكان المتواجدين فيه يجعل أفراد العوائل المضيفة منزعجة وإن لم يبدي شيء على محيا هؤلاء الأفراد إكراماً لعيون الكبار في العائلة الزائرة.

 وبهذا الجانب يمكن القول إن العوائل سواء الرافضة للقيام بزيارة عائلية لإحدى العوائل أو المكررة الزيارات (بشكل زائد عن الحد) بافتعال زيارات عائلية للغير يخلق في الحالة الأولى شيء من تراكم الشعور بالاغتراب عن المجتمع في حين تؤدي الحالة الثانية إلى الأسف وربما الندم إذا ما لمس أفراد العائلة الزائرة أنهم قد أصبحوا (ثقلاء) على مضيفيهم.

إن مراقبة النفس عند الكبار ومواكبة هؤلاء الكبار لتحركات أطفالهم يفضل أن لا يترك على الغارب كما يقولون فالعائلة المستقبلة لضيوف أعزاء لا تتحمل من الناحية الاجتماعية والمعنوية تسييد أجواء الود والتقدير في تلك اللقاءات العائلية وبهذا الصدد تشير التجارب المستقاة من الوقائع الاجتماعية أن عزل أفراد أي عائلة جراء عدم قيامها باستقبال ضيوفها الموضوعين بإكرام واحترام يجعل من أولئك الأفراد منطوون على أنفسهم جراء حرمانهم من عدم الإطلاع على نفسيات الآخرين وما ينبغي أن تكون عليه مسيرة الفضيلة العائلية المتبادلة التي بدونها لا يمكن وصول المجتمعات إلى المنزلة الراقية.

إن التحرك الفائق عن الحد المعقول عند الأطفال يشكل بحد ذاته إحراجاً لعائلة الطفل (سواء لدى العائلة المستقبلة لضيوفها أو الزائرة لعائلة أخرى) ففي مثل هذه الحالات التي تكاد أن تصبح (ظاهرة طفولية) يمكن أن تصل لحدود عدم التحمل عند بعض الكبار فإذا ما صادف أن التقى تحرك الطفل مع طفل آخر في العائلة المقابلة حيث سيسيطر الصخب على أجواء اللقاء بين الكبار مما سيفسد معنى استمراره وبالذات إذا ما صاحب ذلك كسر (حاجة جميلة أو تحفة) في البيت قد تعتز بها العائلة المعنية بها.

من المفهوم تماماً أن تحرك الطفل الزائد الحركة يميناً وشمالاً بقدر ما يثيره من حنق لدى عائلته وكما يفترض ذلك، لكن هذا الأمر في جوهره لا يمكن إيعازه إلى كونه مرض نفسي مصاب به الطفل المتحرك كثيراً إذ يبقى حكم علم النفس الأولي سليماً بكون ذات التحرك هو تعبير عضلي يصرف منه الطفل شحناته من الطاقة الجسمانية اليانعة والتي يصعب توجيهها أو ضبطها أحياناً لكن ما يمكن إضافته لهذا التحليل هو العامل الوراثي أيضاً إذ من المعقول جداً أن تنقل بعض الصفات السلوكية عند الآباء والأمهات إلى أولادهم.

ولجم التحرك الزائد عند الحد لدى الطفل لو تم بطريق معاقبته بإحدى وسائل العنف فليس هناك ضمان تحصل بموجبه عائلة الطفل الحرك على نتائج جيدة ففي هذا المضمار توضح التجارب العائلية بشكل جلي أن أغلب الأطفال الحركين الذين تعاقبهم عوائلهم لسبب تحركاتهم العشوائية لم تنفع شيئاً.

 وتدل بعض الشواهد أن أكثر الأطفال المعاقبين من قبل عوائلهم بصور مغالاً بها تخلق منهم أفراداً جبناء أو غير دقيقون عند الكبر ولعل هذا ما يستدعي التوجه نحو حقيقة أن أحد أهم أسباب التحرك العشوائي عند الأطفال لا يخلو من كونه إقدام لإلفات نظر الكبار إليهم بيد أن عدم تحرك الطفل وهو خارج حدود جغرافية البيت لا يمكن أن ينتجه كـ(فعل دائم) لأنه يشعر في عقله الباطن أن الناس خارج المنزل هم غرباء بالنتيجة عن كيان عائلته ولا يقتضي الأمر إلفات نظرهم إلى شيء منه.

أما حين يصل الطفل إلى مرحلة الدراسة الأولية فيغير من صورة واقع حال تحركه العشوائي في البيت إلى محاولة إلفات النظر إليه من قبل أساتذته الكبار أولاً ثم أقرانه التلاميذ أيضاً وذلك من جراء محاولة إثبات تفوقه في فهم الدروس والتحضير الجيد لها.

وبقدر ما يبقى الطفل عزيزاً عند أبويه فهو في نظر الآخرين أقل من ذلك. ولذا اقتضى أمر زقه بالتربية الصالحة خطوة بخطوة ودقيقة بدقيقة كي لا يسبب ضرراً أو إزعاجاً للآخرين. ولعل تعليم الطفل على الجلوس قرب الآباء والأمهات عند تواجدهما في مكان واحد مع الغير يمكن أن يتعود عليه الأطفال كنوع من السجية المحببة التي ينبغي أن تسود بين الأفراد الأطفال الصغار ضمن مجتمع الكبار الذي يقود ويطمح لحياة إنسانية أفضل.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 8 شباط/2007 -20/محرم/1428