صراع الحضارات أسطورة وسعي لعزل الاسلام عن التاريخ

لا ينطلق مؤلف كتاب (سقوط نظرية صراع الحضارات واعادة تقديم الاسلام للعقل الغربي) من افتراض يسعى للبرهنة عليه لكنه من السطر الاول يشدد على أن "الهدف الرئيسي من هذا الكتاب هو الدفاع عن تاريخ وحاضر الاسلام واسقاط نظرية صراع الحضارات" للمفكر الامريكي صمويل هنتنجتون كما تنقل ذلك رويترز.

وقال عزيز فهمي ان نظرية صراع الحضارات التي أطلقها هنتنجتون في التسعينيات أشبه بالاسطورة التي كانت بحاجة الى حدث ضخم يبعث فيها الروح.

وأضاف أن تلك النظرية ظلت مرفوضة الى أن جاءت هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 فأعادتها الى الحياة "بعد أن كادت تموت.. أضفت (الهجمات) على النظرية مصداقية غير مستحقة."

ولخص هنتنجتون أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد نظريته في كلمتين جعلهما عنوانا لكتابه (صدام الحضارات) الذي ذهب فيه الى أنه بعد انهيار الشيوعية وتفكك المعسكر الشرقي في مطلع التسعينيات وانتهاء الحرب الباردة سيشهد القرن الحادي والعشرون صراعا دوليا بين الشرق الاسلامي والغرب المسيحي.

وصدر كتاب عزيز فهمي في القاهرة ويقع في 414 صفحة كبيرة القطع ويضم فصولا منها (الاساس التاريخي لانحياز الغرب ضد الاسلام) و/الاساس العلمي لتبرئة الاسلام من تهمة العدوانية/ و/اسقاط النظريات الغربية العنصرية عن نشوء الحضارة/ و/موقع الاسلام في تاريخ المعرفة الانسانية/ و/مصيدة هنتنجتون للقارئ الغربي/.

وقال فهمي وهو اعلامي مصري يعمل في الولايات المتحدة منذ 1991 ان هنتنجتون متأثر ببيئة ثقافية أفرزت مئات المفكرين السابقين منذ عصر النهضة الاوروبية متهما اياهم بالاستعلاء حيث يرون "أن السيادة العالمية حكر على الشعوب الاوروبية والغرب" معتبرا ذلك موقفا سلبيا من الاسلام.

وأضاف أن هذا الموقف "السلبي" ليس جديدا بل تمتد جذوره الى مرحلة "الصعود الاسلامي على مسرح التاريخ" الذي بدأ في القرن السابع عشر الميلادي واستمر نحو ألف عام قضى فيها على الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية وبلغ حدود أوروبا الغربية في الاندلس.

وأشار الى أنه منذ تلك الفترة اعتبر بعض المفكرين الغربيين الاسلام "دينا عدوانيا... هنتنجتون لم يكتف باتهام الاسلام بالعدوانية في الماضي بل حاول اتهامه بالعدوانية في المستقبل أيضا وحذر الغرب أن الاسلام هو العدو الجديد بعد انهيار الشيوعية."

وبشيء من التعميم اتهم الباحث العقل الغربي الذي ينتمي اليه هنتنجتون بتجاهل ألف عام من الصراع الدولي بين شعوب الشرق الاوسط وشمال افريقيا من جهة والشعوب الاوروبية من جهة أخرى قبل الاسلام من عام 550 قبل الميلاد حتى 632 ميلادية.

وقال انه تأسيسا على ذلك "ادعى هنتنجتون أن الصراع الدولي في التاريخ الانساني بين الشرق والغرب لم يبدأ الا بسبب الفتح الاسلامي" واصفا هذا التجاهل بأنه لم يكن عفويا بل نتيجة "اعتقاد" المواطن الغربي بأن حضارات الشرق تنتمي الى مرحلة ما قبل التاريخ.

وأورد المؤلف شهادة للمؤرخ الاغريقي هيرودوت (نحو 484 - 425 قبل الميلاد) سجل فيها أن المصريين القدماء هم الاباء الشرعيون لعلوم الهندسة والرياضيات والطب والفلك والتقويم الشمسي.

ودلل فهمي على ما راه انحيازا من "المؤرخين الاوروبيين" في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ضد الشرق باعتبارهم طاليس (ولد نحو 640 قبل الميلاد) وفيثاغورس (نحو 582 - 500 قبل الميلاد) هما من أسس علم الرياضيات والهندسة قائلا ان معظم المصادر الغربية تجاهلت "أنهما تلقيا تعليمهما في الشرق وخاصة في مصر وبابل" حيث تلقي فيثارغورس تعليمه في مصر لمدة 22 عاما (بين عامي 547 و525 قبل الميلاد) وبعد الغزو الفارسي لمصر اعتقل مع طلاب وأساتذة معبد التحق به ككاهن ورحلوا الى بابل التي قضى فيها خمس سنوات "تعلم خلالها الرياضيات البابلية والعبادات البابلية أيضا."

وعلق على "عنصرية" الغرب مستشهدا بقول المؤرخ الامريكي مارشال هدجسون صاحب نظرية وحدة التاريخ العالمي ان "لفظ تاريخ في الخطاب الاكاديمي الغربي تعني تاريخ أوروبا ومع ذلك يطلقون عليه تاريخ العالم."

وقال ان هنتنجتون سعى لعزل الاسلام عن تاريخ الانسانية وهو بذلك يكون "ضحية لعقيدة المدرسة الفكرية الغربية عن عمر الحضارة الانسانية" التي قال انها تتجاهل دور الحضارة الاسلامية كجسر بين الحضارة الاغريقية وعصر النهضة الاوروبية.

ونفى أن يكون العالم الاسلامي قد توحد خلف زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أو الطاغية صدام "ولم ترسل أي من الدول العربية أو الاسلامية قوات للقتال مع نظام الملا عمر أو نظام صدام حسين" مضيفا أن الدول الاسلامية أدانت هجمات 11 سبتمبر.

وأثارت نظرية صراع الحضارات كثيرا من الجدل قبل نهاية القرن العشرين وان قلت حدة الانتقادات الموجهة لهنتنجتون بعد هجمات 11 سبتمبر التي فتحت طريقا لحروب قادت فيها الولايات المتحدة تحالفا دوليا وبدأت باسقاط نظام طالبان في أفغانستان نهاية 2001 حيث وصف الرئيس الامريكي جورج بوش تلك الحرب بأنها صليبية جديدة وان قال فيما بعد انها زلة لسان.

والكتاب كله مخصص لدحض نظرية (صدام الحضارات) التي ابتدعها هنتنجتون لكن مؤلفه يقر في الصفحة الاولى بأن هجمات سبتمبر جاءت "لتعيد الحياة" الى النظرية في اشارة الى أنها موجودة. هكذا يكون المؤلف -الذي قدم بانوراما تاريخية- قد تأخر بضع سنوات عن السياق الذي كان يمكن أن يناقش فيه أفكار هنتنجتون.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 4 شباط/2007 - 16 /محرم/1428