لبنان على شفا هاوية طائفية.. قناصون وحواجز طرق تعيد ذكريات الحرب

امل اللبنانيون ان لا يشاهدوا ابدا مسلحين يقنصون من على اسطح الابنية في بيروت لكن هذا المشهد عاد الى البلاد هذا الاسبوع خلال اسوأ صراع منذ الحرب الاهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990.

واعادت حوادث اطلاق الرصاص والهجمات الطائفية وحواجز الطرق ذكريات الحرب الاهلية في لبنان الى اللبنانيين الذين يخشون من ان اعمال العنف التي اوقعت سبعة قتلى وجرحت نحو 400 شخص هذا الاسبوع قد تشير الى بداية صراع مع خطوط تماس جديدة.

وشهدت بيروت صدامات بين مسلمين سنة وشيعة مسلحين بالعصي والحجارة في العاصمة بيروت امس الخميس. وصوب مسلحون بنادقهم باتجاه اهدافهم من أعلى الابنية المجاورة مما ادى الى سقوط اربعة قتلى كما تنقل رويترز ذلك.

وقد تزداد الازمة في لبنان تفاقما ما لم تجد الحكومة المدعومة من الغرب والمعارضة التي يقودها حزب الله طريقة تحفظ ماء الوجه لانهاء الصراع المرير على السلطة الذي زاد تعقيدا بسبب النزاع الامريكي الايراني.

وتسببت الاشتباكات بين السنة والشيعة في مقتل أربعة أشخاص واصابة 200 في بيروت يوم الخميس بعد يومين من مقتل ثلاثة أشخاص واصابة 176 شخصا في أعمال عنف صاحبت الاضراب العام الذي أعلنته المعارضة.

وأعادت الفوضى في الشوارع الى أذهان الكثير من اللبنانيين ذكرى الحرب الاهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990 وأثارت دعوات منفصلة بالتزام الهدوء من الامين العام لحزب الله حسن نصر الله وغريمه الاساسي سعد الحريري الذي تهيمن حركة المستقبل التي يتزعمها على الحكومة التي يقودها السنة.

وقال أسامة صفا مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية "وصلنا الى نقطة الغليان وأدرك القادة السياسيون ذلك" مشير الى أن نصر الله الذي "يشعر بقلق واضح" يتراجع عن مزيد من التصعيد.

ويستطيع حزب الله وهو الفصيل اللبناني الوحيد الذي أبقى أسلحته منذ انتهاء الحرب الاهلية أن يتفوق على الجيش أو أي من خصومه السياسيين. لكنه تعهد بألا يستخدم سلاحه سوى ضد اسرائيل. وقد يؤدي تورط حزب الله في صراع طائفي أو حرب أهلية الى تقويض مصداقيته في لبنان والعالمين العربي والاسلامي.

وتقول أمل سعد غريب من مركز الشرق الاوسط لمؤسسة كارنيجي للسلام العالمي "انه مأزق بالنسبة للمعارضة."

وأشارت الى أن عدم قدرة حزب الله على استخدام قدراته العسكرية ربما دفع خصومه الى اللعب على الوتر الطائفي. لكنها أضافت أن حزب الله لن يقبل بالهزيمة.

ويموج لبنان بالاضطرابات منذ أن أدى انسحاب القوات السورية في ابريل نيسان 2005 الى تجدد الضغوط الامريكية والفرنسية على حزب الله المدعوم من ايران وسوريا لنزع سلاحه. وزادت الحرب ضد اسرائيل بين شهري يوليو تموز وأغسطس اب من حدة الصراع.

واتهم حزب الله الحكومة بأنها كانت تتمنى سرا لو أن اسرائيل سحقت مقاتليه تماشيا مع رغبات واشنطن. وثار غضب المنتقدين لحزب الله وقالوا ان نصر الله جر لبنان الى حرب غير مرغوب فيها ربما بتوصية من سوريا أو ايران.

ويطالب حزب الله وحلفاؤه الشيعة والمسيحيون بتمثيل حاسم في الحكومة كما أضافوا الشهر الماضي طلبا جديدا وهو اجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

ورفض رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بتشجيع من واشنطن وباريس هذه المطالب حتى بعد أن استقال جميع الوزراء الشيعة وعددهم خمسة ووزير مسيحي من الحكومة في نوفمبر تشرين الثاني.

وقالت أمل "هذه الحكومة ينظر لها الان (من قبل المعارضة) ليس فقط على أنها غير دستورية بل أيضا على أنها قمعية... يرونها حكومة ميليشيات."

وطغت التوترات على نجاح الحكومة في الحصول على تعهدات بدفع 7.6 مليار دولار كمساعدات للبنان من مانحين دوليين اجتمعوا في باريس يوم الخميس لدعم اقتصاد لبنان المثقل بالديون.

وترتبط بعض هذه المساعدات بتحقيق تقدم في مجال الاصلاحات التي لا يمكن أن تحقق الا في ظل وجود حكومة فعالة وما لم يخرج نظام اقتسام السلطة بين المسيحيين والمسلمين السنة والشيعة من الازمة الراهنة.

وقال هلال خاشان وهو أستاذ في العلوم السياسية بالجامعة الامريكية في بيروت "الزعماء من الطرفين يدركون أن الوضع خطير وأنهم بحاجة للتوصل لحل وسط."

وأضاف "القوى في المنطقة تدرك ذلك. السعودية تحاول بشكل محموم التوصل لشكل من أشكال الاتفاق مع ايران بشأن لبنان. المشكلة هي أن الجانبين مختلفان بشأن مسائل تتعلق بالمباديء الاساسية. المجال محدود للتسوية."

وأجرت السعودية التي تؤيد السنيورة بقوة اتصالات مع ايران بشأن لبنان هذا الشهر لكن وزير الخارجية السعودي سعود الفصيل نفى يوم الخميس أن تكون هناك أي مفاوضات جارية.

وقال محللون ان لبنان لن يتوصل لاي حل دون مساعدة خارجية. وحتى لو توصلت ايران والسعودية لاتفاق فان قوى أخرى مثل الولايات المتحدة أو سوريا قد تعارضه.

وقال خاشان "القضية الحقيقية ليست بين السعودية وايران لكن بين ايران والولايات المتحدة."

وفي خطابه السنوي عن حالة الاتحاد الاسبوع الماضي اتهم الرئيس الامريكي جورج بوش "ارهابيي حزب الله" بمحاولة تقويض "شرعية حكومة لبنان المنتخبة".

وفي شوارع لبنان المضطربة تزداد المخاطر الان من أن تتحول الخلافات بين السياسيين الى معارك بالعصي والحجارة والرصاص.

وقالت باتريك حنيني وهو محلل في المجموعة الدولية لادارة الازمات "هناك برنامج اخر في الشارع يقوم على ذكريات تجربة الحرب الاهلية. ذكريات الشارع تفرض قواعدها على القادة السياسيين."

وقال ربيع بدر (42 عاما) الذي هرع لاجلاء اطفاله من مدرسة قرب منطقة العنف الخميس "اصبت بالغثيان. كان علي ان اتناول الدواء ... لم اتصور ابدا ان ارى هذا اليوم . مهما كان من اخبري لم اكن لاصدقه"

اضاف" ابي قال ..عندما ولدت كان البلد هكذا وعندما اموت سيكون هكذا. الشيء نفسه سيحصل لك. مات ابي قبل شهرين والبلاد نفسها كما كان قد توقع."

وشهدت البلاد احتجاجات واسعة يوم الثلاثاء نفذته المعارضة التي تتضمن جماعات حزب الله وحركة امل الشيعيين والزعيم المسيحي ميشال عون وانفجرت الاشتباكات التي ادت الى مقتل ثلاثة اشخاص.

ووقعت معظم حوادث العنف يوم الثلاثاء بين انصار عون وسمير جعجع قائد القوات اللبنانية الموالية للحكومة.

وشلت المعارضة البلاد مع قطع الطرق في اطار تصعيد حملتها لتحقيق مطالبها بتمثيل افضل في الحكومة المدعومة من الزعيم السني سعد الحريري.

واشعل مناصرون للحريري يوم الخميس الاطارات في مدينة شتورة في سهل البقاع الشرقي والطريق السريع الى جنوب لبنان.

وقال الكاتب والمعلق السياسي توفيق شومان لرويترز "قناصون على سطوح الابنية والشرفات. تقسيم المناطق بين هذا الفريق وذلك للمطالبة بمعرفة الانتماء الطائفي للمارة...نحن امام ثلاثة مشاهد متكررة"

اضاف "عندما كان اللبنانيون يتقاتلون بين عامي 1975 و1990 كانوا يبحثون عن وسائل للوصول الى السلم الاهلي. الان هناك سلم اهلي ولكنهم يريدون حفر قنوات للعودة الى الحرب."

ووزع شبان يحملون العصي الضربات حسب الانتماء الطائفي في بيروت. اذا اعطى شخص اجابة خاطئة "شيعي او سني" كان ذلك كافيا لتعرضه لهجوم.

وقال محمد حسني وهو يراقب الشارع الذي بدت عليه اثار الحجارة جراء الصدامات الثلاثاء "السنة والشيعة يعيشون مع بعض هنا منذ سنوات... لكن الان ابني البالغ من العمر خمس سنوات يتحدث عن سني وشيعي."

ويخشى سكان في تلك المنطقة ان يصبحوا خط تماس في الصراع الجديد بين جماعات السنة والشيعة.

وراقب بلال ياسين السني البالغ من العمر 26 عاما الاشتباك من شرفة صديقه الشيعي في منطقة المزرعة. وقال الان اصبح اكثر امنا لتعيش في منطقة من غير تنوع طائفي.

وقال صديقه محمد سعد (20 عاما) ان التوتر الطائفي كان يؤثر حتى على الذين لم يبحثوا عن الصراع. وقال "انا شيعي اعيش في منطقة سنية. اذا بقيت هكذا سأفكر بالمغادرة."

وشيعت جماعة حزب الله الشيعية وحلفاؤها يوم الجمعة ثلاثة من أعضائها قتلوا بالرصاص خلال اشتباك طائفي في بيروت ودعت الى الوحدة بين اللبنانيين لمنع انزلاق البلاد الى حرب أهلية.

وقال الشيخ محمد يزبك المسؤول البارز في حزب الله للمشيعين في احدى الجنازات "نهيب بكل العلماء في لبنان مسيحيين ومسلمين وبكل المثقفين في لبنان وبكل العقلاء في لبنان ان يتحملوا مسؤولياتهم امام ما يخطط لنا قبل ان يفوت الاوان."

واضاف "نعم هي دماء طاهرة زكية سفكت من اجل الوحدة وسيكون لها الاثار وسيكون ذاك الانتصار."

وشارك المئات في شرق لبنان في تشييع طالب ينتمي الى حزب الله قتل بالرصاص في اشتباكات بين موالين للحكومة ومؤيدين للمعارضة من حزب الله وحلفائه الشيعة في جامعة في بيروت.

وفي جنازة ناشط اخر بحي الاوزاعي الفقير ببيروت أطلق مشيعون أعيرة نارية في الهواء أثناء نقل الجثة الى منزل المتوفى لالقاء النظرة الاخيرة عليها. ونثرت النساء الارز على الجنازة فيما ترددت أصداء الاعيرة النارية في المنطقة.

وردد المشيعون هتافات مثل "الموت للسنيورة والموت لجنبلاط" في اشارة الى رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وأحد حلفائه الرئيسيين الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

وقال ابراهيم نصرة (21 عاما) "الرفاق يريدون الرد. لكن الحزب لا يريد ونحن نتبع الحزب. اذا هاجمونا فعندها بالتأكيد سيكون هناك رد فعل."

وظل الازدحام محدودا في شوارع الاحياء ذات الاغلبية السنية في بيروت بعد ان رفع الجيش حظرا للتجول الساعة السادسة من صباح الجمعة (0400 بتوقيت جرينتش). لكن الجيش حافظ على وجوده الكثيف في الاحياء المتوترة.

وقال بائع خضر في منطقة مختلطة طائفيا في العاصمة اللبنانية "هذا شيء سيء جدا. سنصبح هنا مثل العراق."

وكتبت صحيفة السفير في عنوانها الرئيسي في اشارة الى الفتنة "لعن الله من ايقظها."

ودعا زعماء من الطرفين الى التهدئة لكن المحطات التلفزيونية المؤيدة لكل طرف ظلت اليوم الجمعة تلقي باللائمة على الجانب الاخر في بدء الاشتباكات.

وقال السفير الامريكي لدى بيروت الذي تساند بلاده رئيس الوزراء فؤاد السنيورة في مواجهة حزب الله وحلفائه من الشيعة والمسيحيين ان الوضع أصبح "خطرا جدا" وان سوريا متورطة مرة أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 28 كانون الثاني/2007 - 8 /محرم/1428