الاغتراب والاحتلال

د. جواد محمد الشيخ خليل

 لاشك أنه من جوانب الفرادة في التجربة الفلسطينية أنه لأول مرة يجبر شعب من الشعوب على الإقرار بأنه لا حق له في تقرير مصيره على أرضه، وأن مغتصبي هذه الأرض لهم وحدهم الحق والشرعية في التعبير عن هويتهم القومية والثقافية على شكل دولة أحادية القومية، ويطلب من هذا الشعب في أول تجربة من نوعها في التاريخ أن يقر بشرعية الاغتصاب وأن وطنه التاريخي يخص شعبا آخر.

إن الصورة العامة للحياة اليومية الفلسطينية قاسية ومؤلمة نظرا لظروف القهر والعدوان للاحتلال الجاثم على صدر المجتمع الفلسطيني والتي باتت تشكل المظاهر البارزة لنمط الحياة اليومية.

إن المواطن الفلسطيني يشعر بفقده لوطنه حتى وإن كان يعيش على ترابه، ويعزز هذا الشعور في نفسه إذا فقد عزيزا كأبيه، أو أخيه، أو رفيقه نتيجة ظروف الاحتلال، فيتعمق شعوره بالأسى والحسرة الذي يمكن أن يتطور إلى ما يسمى بـ " اكتئاب الفقدان " وتتعاظم في نفسه مشاعر الاغتراب النفسي والاجتماعي والوطني، وما يمكن أن يترتب علي ذلك من هبوط الروح المعنوية وإنحسار النشاط الاجتماعي والميل إلى الانطواء.

إن إحساس الفرد بالوقوع تحت سلطان التسلطية والقهر قد يدفع الفرد في ظل شروط معينة للخلاص من هذا القهر بتدميره وتحطيم هياكله، فالقهر يسبب للإنسان الإحباط الذي يولد العدوان.

وهكذا لا يدل هذا العدوان على قوة بقدر ما يدل على حالة ضعف كما يقول في هذا "أريك فروم" أن العدوان لا يبدو سلوكا إيجابيا بقدر ما هو تعبير عن ضعف سلبي.

إن المواطن العربي الفلسطيني الذي كان يعد لهدف سام وهو معركة التحرير قد دخل في دوامة الاغتراب فبات هذا المواطن يشعر أنه لاجئ في وطنه، لا يعيش لهدف سام، ولا يحس باهتمام أو مساواة، مهمش مهمل، ومع امتدادات التمزقات الداخلية والدخول في سلام مع عدو، وضياع الثوابت التي كان يعيش للدفاع عنها، افتقد كيانه وحار في انتمائه، إلى دينه وأمته، أم إلى وطنه وعشيرته، أم إلى قادته وحكامه، فعاش في انفصام قيمي ونفسي.

ويتحدد الاغتراب في العلاقة الاستعمارية بأنه متعدد الأبعاد: أولها البعد الاقتصادي حيث يسلب المستعمر كل خيرات الشعوب وإمكاناتها المادية والإنتاجية.

 وثانيا البعد العنصري والذي فيه تسلب إنسانية الإنسان المستعمر، بمعاملته على أنه نوعية عرقية منحطة من بني الإنسان.

 وثالثا البعد الثقافي، ولعله من أخطر أشكال الاغتراب، حيث يحاول المستعمر القضاء كلية على شخصية المستعمر وذلك بفصله عن تاريخه وتراثه الحضاري ولغته التي يفكر ويتواصل بها، ويحوله في النهاية إلى شخصية ممسوخة بلا هوية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد21 كانون الثاني/2007 - 1 /محرم/1428