القضية الفلسطينة.. كذبة الطغاة وعلكة المهرجين

جاسم فيصل الزبيدي

 يحكى ان احد السكارى، شاهد دورية لاحدى فرق حزب البعث(المنحل)ابان النظام السابق وهي تقف عند نهاية الشارع لتجبر المواطنين على الانخراط في مايسمى بـ(جيش القدس) والذي امر بتشكيله طاغية العصر وفرعونه ابان فترة حكمة لتحرير(عروس عروبتنا) فلسطين على حد زعمه.

تمالك الرجل نفسه وتوجه صوب الدورية وهو يترنح من شدة السكر ،فبادرهم بالقول: رفاق...كم سعر سيارة الطابوق؟؟

استغرب افراد الدورية من كلامه.

فقال لهم: لا تستغربوا..انه مجرد سؤال ليس الا..!

فقالوا: بكذا الف دينار..

قال: وكم سعر طن الإسمنت؟

قالوا: بكذا الف دينار..

قال:وكم سعر سيارة الرمل؟

قالوا: بكذا الف دينار..

قال: يارفاق..أنا أبني لكم(قدساً) هنا واكفونا شر فلسطين؟!

ربما تكون مجرد طرفة او نكتة صدرت من رجل(سكير) دفعته الظروف القاهرة التي كان يعانيها المواطن العراقي ابان النظام السابق الى اللجوء للشرب كبديل مؤقت لنسيان معاناته وآلامه...

ولكن تلك الطرفة او النكته او سمها ماشئت نبعت من صميم قلب،أعرب عن رأي الكثير من العراقيين الخائفين من بطش النظام وازلامه، قلب مل شعارات وهتافات المتاجرين بالقضية الفلسطينية لحساب مصالحهم منذ نصف قرن من الزمن دون تحقيق اي تقدم ملموس على ارض الواقع.

لا ادري لماذا الى الان ماتزال شعوبنا العربية والاسلامية تُصدق بسذاجة أقوال المهرجين والمتاجرين بالقضية الفلسطينية ومن ملئ الاجواء صخباً بانه سيحرق نصف اسرائيل؟

الم تستوعب شعوبنا العربية والاسلامية دروس الهزائم النفسية والعسكرية ابان حقبة التاريخ..؟ الم تكتشف بعد ان القضية الفلسطينية أشرف من أن تُؤخذ من أفواه الحمقى والمجانين..؟الم تعرف بعد ان خيولنا العربية (الاصيلة) لا تعرف الإغارة إلا على ابناء القبيلة والوطن..؟الم تُدرك بعد إن سيوف(هذيل)طويلة لا تقطع إلا أعناق أبنائها..؟الم تفهم بعد إن عنتريات طغاتنا التي مزقت الاجواء صخباً ماقتلت يوماً ذبابة اسرائيلية..؟الم تعلم بعد إن الجاهلية التي حاربها محمد قد أستُبدلت بجاهلية فرعونية..؟ الم ترى بعد إن الدين يتحول الى مصيدة للمغانم والمآرب الشخصية حين يكون رياءاً وكذبا..؟

منذ مايزيد على نصف قرن والاناشيد الحماسية الفارَّة بشعوبنا العربية والاسلامية من ميدان الحق والحقيقة الى ميدان الكذب والاحلام تصك مسامعنا ،فلا رؤوس الرماح لاحت ولا النصال تكسرت على النصال سوى حروب خاسرة وهزائم نفسية وعلمية واقتصاد مُنها ودول تستجدي منح الدول الكبرى.

أحيانا أتساءل : بمن سنحرر (عروس عروبتنا)..؟ أبالفقراء الذين لايجدون لقمة العيش الا بشق الانفس..؟ام باغنياء الامة الذين بدّلوا نعمة الله كفرا..؟أم بجيوش لا تثق بقياداتها ولا قياداتها تثق بها والاثنان لا يثق بهما الشعب مادام الولاء للسلطان وجلالة الملك..؟ وعلى ماذا سنقاتل.؟ ولأجل من..؟ ولمصلحة من..؟ اذا كانت الخيانة جاهزة التوقيع على ظهر اول دبابة أسرائيلية...؟

حكامنا...فراعنة كذابون،وبعض دعاتنا منافقون من الطراز الاول يقولون مايريده السلطان ويفعلون مالا نحب!!بدعهم أقبح من معاصيهم ،يمتهنون من فنون الضحالة الكلامية الشيء الكثير،يقتادون قِدْ الخلافات الفقهية ويشربون طْرق الغيبيات،يهرجون بالقمامات الفكرية في تكفير هذا وتفسيق ذاك لمجرد الاختلاف في الرأي..؟

أنا لا أتململ من ترديد مقولة الشيخ المظفر(رحمه الله): مازلنا نتحاجج ونتجادل على من هو خليفتنا حتى اصبح (السير برسي كوكس) خليفتنا، مازلنا نتحاجج ونتجادل حول وجوب الغسل أم المسح على القدم حتى لم يبق لنا موطئ قدم في الشرق الاوسط..

صدقت يا مظفر لم يبق لنا موطئ قدم في الشرق الاوسط..فشعوبنا كإبل مائة لا تجد فيها راحة ((فالمسلمون الآن خمس أو ربع العالم واغلب سكان القارات لايدري شيئاً عن رسالة الحق،أو يدري عنها مالا يشرفها،ومالا يغري بالنظر فيها بله أتباعها.

إن المسلمين ـ وخاصة العرب ـ مسؤلون امام الله عن هذه الجهالة السائدة..

ويخيل إلي أن أُناساً من استراليا وامريكا عندما يقفون امام الله يوم القيامة ليسألهم : لماذا لم تعرفونِ معرفة صحيحة وتعملوا لي عملاً صالحاً وتستعدّوا لهذا اللقاء ؟ فإنهم سيقولون لله: إن العرب الذين ورثوا دينك،حبسوا نوره ،او أطفؤوا مصابيحة وتركونا وتركوا أنفسهم في الظلام..!!)).

لقد أتخذ بعض حكامنا ودعاتنا القضية الفلسطينية كذبة يداروا بها فشلهم على الصعيد الداخلي لبلدانهم وستاراً لتصفية خصومهم السياسيين والعقائديين ،وعلكة لكل مناسبة دينية أو وطنية ليظهروا للعالم بمظهر البطل المغوار والزعيم المنقذ.

ان البطولة في الزعامة ليست أعمال ومغامرات وشعارات ...البطولة رمز لكمال إنساني متكامل من صفات الشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل والاخلاص والوفاء والغيرة والمرؤة وتحدي الموت بلا تردد في سبيل كرامة الحياة...

إن شعوبنا متأثرة باسطورة وخرافة(الوطن العربي)والتي أوجدتها الحركات القومية القادمة من ضبابية الوضع آنذاك كنموذج لاهدافهم الرامية الى إنشاء دولة عربية تمتدُ من الخليج(الاسلامي)الى المحيط الاطلسي،وفقاً لمنظومة قومية ذات بُعد ضابي،والا فان الواقع اللغوي في بعض دول مايسمى(الوطن العربي)يناقض هذه الاسطورة،والمنظومة الاجتماعية القراآنية لاتقر أو تعترف بهذه الاسطور كونها تمثل(تكتلات)تقوم على اساس القومية والعرقية من شأنها زيادة التنافر والاحتقان بين شعوب العالم وتعميق التمايز العرقي بينها.

ففي وصية الامام علي(عليه السلام) لمالك الاشتر يقول(الناس صنفان إما اخو لك في الدين أو في الخلق)فلا يوجد في الفكر الاسلامي الصحيح وطن عربي او وطن فارسي او تركي او غيره وانما شعب واحد يقوم على اساس العدال والمساواة من غير رياء او أكاذيب..وهذا كل شيء.

ان مايحزنني حقاً ويؤلمني هي ان القيادات الفلسطينية التي تنعمت بخيرات العراق سنين طويلة ـ رغم جوعه وآلامه ـ قد كشرت عن أنيابها بوجه (عراق مابعد الطاغية) وكان المثل العراقي  القائل(كالسمك مأكول مذموم) قد انطبق على العراقيين.

مالذي يدفع (حماس) الى تمجيد الطاغية ورفع صوره في الشوارع واقامة مجالس العزاء.؟ أهو الحب الاعمى أم شيء آخر في نفس يعقوب..؟ومالذي يدفع بـ(هنيه)ان يتهجم على الكورد وقوات البيشمركة وقوات بدر ويصفهم بنعوت لا تليق الا به..؟ مثلة كمل الاعمى الذي يقود ضريراً.

لقد مل العراقيون من التضحية في سبيل الغير الذي عض اكفهم وخانهم في لحظة هم احوج الى الضماد،والمداراة ولكنها(شنشنة نعرفها من أخزم وهل تلد الحية الا حوية).

الان وقد تكشف كل شيء للعراقيين وعرفوا عدوهم من صديقهم فانهم سيعمرون ماهدمه طغاة العصر وسيشقون الغد أملاً يملأ الدنيا زهواً واقتدارا..وانهم ليسوا خراف العيد او اضاحي رخيصة الثمن تُقدم في حروب خاسرة وليحرر فلسطين من شاء لانها لن تتحرر الا اذا تحررنا جميعاً من أنفسنا.

عود على بدء الى صاحبنا (السكير)المشار اليه في بداية المقال والذي القي القبض عليه وتم اقتياده الى غرفة صغيرة في الفرقة الحزبية وتم أطعامه بكل مالذ وطاب من الضرب والشتم والسب والتعذيب من قبل ازلام البعث المقبور وهم يقولون له: ان تحرير فلسطين واجب وطني وديني فكيف تكفر بالواجب وتسب السيد الرئيس؟؟ فكان يقول لهم وهو تحت طائلة التعذيب: لنحرر أربيل والسليمانية اولاً ومن بعد ذاك نحرر القدس.

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد21 كانون الثاني/2007 - 1 /محرم/1428