اعدام صدام فضيحة ام جريمة!

رياض الحسيني*

الفرق بين الدولة المؤسساتية والدولة العائمة فرق شاسع كما الفرق بين دولة القانون ودولة الغاب.

 الدولة التي حكمها صدام حسين باسم حزب البعث بعد ان حوّله الى حزب عائلي يتخذ منه ستارا وغطاءا لاعماله الاجرامية، تلك الدولة وان لم تكن مؤسساتية بالمعنى المتعارف عليه دوليا الا انها كانت مؤسساتية فعلا من حيث البناء الامني. معنى ذلك ان صدام وعلى مدى خمسا وثلاثين عاما لم يعرض اي عمل اجرامي ولم يفضحه على العامة وما ظهر اخيرا ماكان له ليظهر لولا سقوطه السريع في التاسع من نيسان من عام 2003.

كل الصور والتسجيلات التي ظهرت كانت محط تداول سرّي في دولة همها الاول كان الامن ثم الانسان العراقي ثانيا. لم يسمح صدام ونظامه الامني باخراج الى العلن اي من المشاهد التي تظهر اصول التعذيب الوحشي وصنوف العذاب التي يتلقاها السجناء السياسيين على ايدي افراد الامن الخاص والسيّافة وفرق الاعدامات وحفلاتها. لم يكن ذلك خوفا من الشعب العراقي او مداراة لمشاعره او تمويه للرأي العام العالمي بالقدر الذي كانت ادارة الدولة تتطلب احيانا مزيد من الحذر وقدر عال من المسؤولية اتجاه القضايا الحساسة خاصة وقضايا الحكم عامة.

فلم نشهد مثلا تسجيلا خاصا قام به شخص خارج المنظومة المكلّفة بالتعذيب او الاعدام كما لم نشهد تسريبا من اي نوع موثّق من اي من الاطراف حتى اولئك اللذين التحقوا بالمعارضة العراقية بعد حرب الخليج في وقت كان بامكانهم تزويد الرأي العام العالمي بنسخ ولو مقتظبة عما يجري داخل العراق رغم ان بعضهم كان على قمة الهرم الامني انذاك كرئيس الاستخبارات العراقية سابقا اللواء وفيق السامرائي مستشار الرئيس العراقي الحالي جلال الطالباني.

 كذلك لم يصطحب حسين كامل معه اي وثيقة تدين صدام ولا حزب البعث حينما غادر بغداد الى عمّان رغم انه واثق من عدم التفتيش او الاعتراض من قبل اي احد! علاوة على ذلك بنات صدام وعشيرة ازواجهن لم يفشوا اي من اسرار الدولة ولم يفضحوا مؤامرات الرئاسة حتى بعد اعدام صدام كامل واخيه ومن معهم بالطريقة المروّعة التي رويت فيما بعد ولو من باب التشهير او الفضيحة او حتى الثأر!

فرار صدام من مقاومة الاحتلال الامريكي في التاسع من نيسان باعتباره رأس السلطة والقائد العام لقوات المسلحة وغير المسلحة كان من الممكن ان يحُاكم عليه ولن تُلام الدولة العراقية عليه مطلقا، وهذه الورقة رابحة على الاقل في المحيط العربي. محاكمته على قتل الابرياء وتعذيب السجناء وابادة الجنس البشري لا اعتراض لاحد عليه ايضا وتلك ورقة رابحة عربيا ودوليا فضلا عن التأييد المحلي لها. كما ان اجراءات المحكمة كانت تسير على مايرام وان لم تكن بالمستوى الذي يتمناه اغلب العراقيين الا انها كانت مثالا لم يسبق له ان رأى النور لا في العراق ولا في اي من البلدان العربية.

صدام كان يستحق الاعدام حتى في رأي بعض مؤيديه ولم يعترض على اعدامه الا اولئك اللذين يكيلون باكثر من مكيال ويتمنون الحصول على غنائم من هذا الطرف او ذاك وليس حبا في شخص صدام كما يحاول ان يصوّر المشهد بعض القنوات الاعلامية.

اعدام صدام في اول ايام عيد الاضحى لم يكن ايضا بذاك القدر الذي كان عليه لولا تسريب التسجيل "الغير منضبط" الى مواقع الانترنت والقنوات الاعلامية الاخرى.

 التسجيل وما رافقه كان بمثابة القشة التي جاءت لتكسر حاجز الصمت العربي وتبرز بقوة ملامح الشرخ السياسي العراقي والتخندق الطائفي والعجز الحكومي على ضبط الاوضاع في العراق. الشئ المؤكد في كل ذلك كما يمكن قراءته من طريقة الاعدام والوضع العام للتنفيذ هو ان الحكومة كانت على عجلة من امرها لتنفيذ الحكم بالسرعة القصوى والا فان مالا يُحمد عقباه سيحدث!

ترى ما السبب الحقيقي وراء استعجال حكومة المالكي في اعدام صدام بالطريقة التي عرضها فلم صورته احدى كاميرات الهاتف النقال لاحد المرافقين او الحرّاس من دون اذن مسبق ولا ترتيب او تنسيق او ضبط؟!

المؤكد من بعض التسريبات ان حكومة السيد المالكي فُوجئت بقرار الادارة الامريكية تسليم صدام الى الحكومة العراقية بعد قرار التمييز كما طالبت تلك الادارة الحكومة العراقية بتأمين سجن ملائم لصدام حسين لحين الانتهاء من ايام العيد والانتهاء من الترتيبات القانونية العالقة. لم يكن بوسع المالكي رفض العرض المغري هذا والذي كان بمثابة تحد خطير لقدرة الرجل على تقبل واتخاذ القرارات الجريئة في وضع امني متدهور من دون تردد او مداراة والا لتغير شكل الرجل امام الادارة الامريكية والتي مازالت تبحث عن رجل مناسب لمرحلة خطيرة من تاريخ العراق الحديث.

 رفض المالكي لتسلّم صدام كان سيفضحه امام الرأي العام العراقي ايضا بالمستوى نفسه الذي سيضعفه امام خصومه وربما يؤدي الى الاطاحة به بسهولة من داخل الائتلاف الذي ينتمي اليه قبل ان يكون من خارجه! لذا جاء قرار الاعدام يوم السبت كانون الاول 30 بسرعة اتخاذ الادارة الامريكية قرارها بتسليمه ونقله خارج المنطقة الخضراء.

لم يكن بوسع احد ان يلوم المالكي على توقيت الاعدام الذي حددته الادارة الامريكية بصورة غير مباشرة لم تترك فيه للحكومة العراقية اي منفذ منه-على الاقل محليا- الا ان هناك اكثر من طريق تلام فيه تلك الحكومة لتقصريها في اتخاذ كل الاجراءات المناسبة لضبط تنفيذ امر الاعدام وفق الاصول المتعارف عليها! اعدام صدام بتلك الطريقة ربما يكون فضيحة للحكومة العراقية الا انه لايرقى الى مستوى جريمة يُعاقب عليها اي احد واذا كان هنالك من احد يُلام على ذلك التقصير الغير متعمد فحتما اولئك اللذين لايحترمون القانون ولا ينظرون ابعد من انفوهم ولايصونون الا مصالحهم الفئوية ضاربين عرض الحائط مصلحة الوطن وارواح المواطنين.

 "ربنا لاتؤاخذنا بما فعل السفهاء منا". اللهم اجعلها اخر فضيحة لاخر مجرم، اللهم امين.

*محلل وناشط سياسي عراقي مستقل

www.riyad.bravehost.com  

شبكة النبأ المعلوماتية - الاحد 7/كانون الثاني/2007 - 16 /ذي الحجة /1427