
استقبل الشعب الصومالي القوات الحكومية الصومالية المدعومة من قبل
إثيوبيا بالتهليل، بعد أن كان قبل ستة اشهر فقط قد استقبل وبنفس
التهليل مقاتلي مجلس المحاكم الصومالية الذي يقوده إسلاميون عرفوا
بولائهم لتنظيم القاعدة حين كانوا يطاردون قوات الميليشيات الصومالية
خارج مقاديشو وفي الجنوب.
حيث خرج كثيرون من منازلهم مجددا لكن هذه المرة لاستقبال قوات
الحكومة الصومالية والدبابات الاثيوبية بالتهليل أيضا بعد فرار
الاسلاميين الذين تولوا مقاليد الامور لفترة قصيرة ووصفوهم بانهم
ارهابيون.
ولذلك لا يمكن للحكومة ان تستريح للترحيب الذي استقبلت به في
المدينة حيث تبدو السلطة كشيء تتقاذفه الايدي بشكل متسارع وأصبح من
الاسلم الاطراء على المنتصر في الوقت الراهن.
وليس بمقدور الرئيس الصومالي عبد الله يوسف ورئيس وزرائه علي محمد
جيدي الركون الى الراحة وسط اكاليل الغار حتى لثانية واحدة رغم السرعة
المدهشة المفاجئة التي هزم بها الاسلاميون في مقديشو ثم مسارعتهم
بالفرار من آخر معاقلهم في كيسمايو ليل الأحد.
وتظل الحكومة بالنسبة لكثير من الصوماليين حكومة فرضها الغرب تعتمد
على القوة العسكرية لاثيوبيا في صعودها المفاجيء وظهورها كقوة إقليمية
في القارة السوداء.
كما يتعين عليها أيضا مجابهة ظهور زعماء الميليشيات المسلحة مجددا
الذين تراجعوا خلسة الى الخلف بعد ان هزم الاسلاميون ميليشياتهم في وقت
سابق من العام الجاري.
وقد يجدون أيضا ان الاسلاميين ينتهجون نمط حرب العصابات الدائرة في
العراق ويستحثون "المجاهدين" الاجانب المتطلعين الى هزيمة "الغزاة
المسيحيين".
وقال مات برايدن الخبير في شؤون الصومال ان الحكومة بحاجة ماسة الى
طلب العون من عشيرة هاويي التي ينتمي اليها كبار القادة الاسلاميين
والتي شعرت انها استبعدت من العملية التي دعمها الغرب واسفرت عن تشكيل
الحكومة عام 2004.
وقال برايدن "الأولوية الكبرى هي للمصالحة وليس التهدئة...المسألة
حاليا هي ادراج قبيلة هاويي وعقد اتفاق يضم قيادة من هاويي تتمتع
بالمصداقية الى الحكومة."
ويذكر إن مجلس المحاكم الإسلامية قد أعاد مظهر الحياة الطبيعية
الخارجي الى واحدة من أكثر دول العالم فوضى والكرة الان في ملعب
الحكومة الصومالية لاثبات ان بامكانها عمل الشيء نفسه.
وحظيت فكرة تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بتأييد حذر من جانب واشنطن
واديس ابابا.
وحثت الولايات المتحدة الحكومة على التعامل مع كل الاطراف السياسية
في الصومال ومن بينهم أعضاء مجلس المحاكم الاسلامية المهزومون الذين قد
يرغبون في القاء السلاح والتعاون.
ومهما كان قرار يوسف وجيدي الا ان عليهما التصرف بسرعة لتبديد
الانطباع لدى كثير من المواطنين انهما مجرد لعبة تحركها أديس أبابا
كيفما تشاء.
وسيكون هذا صعبا الى ان ينسحب حماة الحكومة الصومالية الاثيوبيون
كما ان حديث النصر في الايام الاخيرة لم يدعم قضيتهما.
وقال المحلل جون برندرجاست "بعد السيطرة على بضع مناطق فقط من
البلاد عبر الاخ الاكبر الحدود وتدفق الى الداخل بواحد من اكبر الجيوش
الافريقية.
"ولهذا فان القول بحقهم في القيادة هو اهانة كبرى للشعب الصومالي
وأحد أكبر العوائق للسلام."
وتتمثل واحدة من أكبر التحديات الاخرى في ردع زعماء الميليشيات
الفاسدين الذين مزقوا البلاد طوال 15 عاما من الفوضى والذين استردت
الميليشيا التابعة لهم مواقعها عند نقاط التفتيش في مقديشو بعد ساعات
من فرار الاسلاميين من المدينة يوم الخميس.
لكن الحكومة قد تضطر الى طلب مساعدتهم ويرى محللون ان ذلك سيزيد
استياء مواطني البلاد الذين انهكتهم الحرب.
وقال برندرجاست "الحكومة ستواجه أعمالا عدائية في مقديشو ومناطق
اخرى وستسعى الى زعماء الميليشيات وتمدهم باسلحة اثيوبية للحفاظ على
السيطرة."
وهناك مخاوف من قيام الحركة الاسلامية بحملة مسلحة تتراوح بين شن
هجمات كر وفر على القوات الحكومية الصومالية والاثيوبية داخل الصومال
وبين القيام بتفجيرات انتحارية تستهدف المدنيين في عواصم دول في شرق
افريقيا.
وتقول واشنطن إن ثلاثة على الاقل من مدبري تفجيرات عام 1998 التي
استهدفت سفاراتيها في تنزانيا وكينيا هم من الصومال كما تقول ان خلية
من القاعدة تسيطر على مجلس المحاكم الاسلامية.
لكن المكاسب السريعة للقوات الحكومية الصومالية والاثيوبية أدت الى
ارتياح دولي وانهت الى حد كبير مخاوف من اتساع نطاق القتال ليتحول الى
حرب اقليمية تشمل اريتريا التي تتهم بدعم الاسلاميين.
وعرضت الحكومة الصومالية يوم الاثنين العفو عن المقاتلين الاسلاميين
الذين يسلمون أسلحتهم عقب مغادرة كيسمايو.
وقال برايدن إن سقوط كيسمايو لا يعني نهاية جناح الاسلاميين الاكثر
تشددا المعروف باسم (الشباب) الذي يتألف من جماعات من المسلحين الشبان.
وأضاف "من الأرجح أن تتجه جماعة الشباب الى العمل السري وعبر الحدود."
وما لم تتمكن الحكومة من حشد الدعم الوطني بشكل فعلي واسكات صوت
المدافع فربما لن يكون بمقدور الصوماليين التهليل لوقت طويل.
ونقلت وكالة رويترزعن خبراء ذكروا إن إسلاميي الصومال هزموا بصورة
سريعة أمام القوات الاثيوبية وقوات الحكومة الصومالية المؤقتة
المتحالفة معها لانهم خاضوا حربا تقليدية وهي نوع من الحرب لا يتناسب
مع قوتهم.
لكن قتل قواتهم في الوديان البرية القاحلة والذي تبعه انسحاب متعجل
من العاصمة وميناء كيسمايو الجنوبي الرئيسي قد ينذر ببدء حملة من
التفجيرات والاغتيالات.
ونال الإسلاميون الفضل بعد أن ألحقوا هزيمة منهجية بزعماء
الميليشيات خلال قتال استمر لاكثر من أربعة أشهر للاستيلاء على مقديشو
وذلك لانهم كانوا القوة الاكثر تنظيما في الصومال منذ عهد الرئيس محمد
سياد بري الذي حكم الصومال في ذروة الحرب الباردة.
وقال مات برايدن المحلل لدى مركز أبحاث الصومال المستقل "كان قبول
المحاكم الاسلامية مواجهة الاثيوبيين في حرب تقليدية وخوض هذه
الاشتباكات التقليدية التي تعتمد على المواجهة المباشرة بين تشكيلات
قتالية خطأ تكتيكيا."
واختار مسلحو مجلس المحاكم الاسلامية الصومالية محاربة القوات
الصومالية الاثيوبية المشتركة التي استعانت بدعم من الدبابات وطائرات
الهليكوبتر والطائرات الحربية على خطوط القتال الممتدة على سهول مكشوفة
مستعينة بغطاء بدائي وحسب.
وقال خبير عسكري ومحارب مخضرم يتابع التطورات في الصومال وغير مخول
له الحديث للصحافة "اعتقد أن الاسلاميين كانوا في غمرة انتصاراتهم
ولديهم ثقة مفرطة.. في مواجهة قوة عسكرية قادرة ومحترفة كالجيش
الاثيوبي."
وأظهرت إثيوبيا قوتها العسكرية في القرن الافريقي من قبل بارسال
قوات لمهاجمة جماعة الاتحاد الاسلامي الصومالية المتشددة عدة مرات بين
عامي 1992 و1998 وبمحاربة اريتريا في حرب على الحدود في الفترة بين
عامي 1998 و2000 أسفرت عن سقوط 70 ألف قتيل.
ولا توجد أرقام من مصدر مستقل عن الخسائر البشرية في الحرب
الاثيوبية الاحدث لكن الحكومة الصومالية تقدر أن مقاتليها والمقاتلين
الاثيوبيين قتلوا بضعة الاف من الاسلاميين.
وشاهد مراسل لرويترز نحو 24 مقاتلا اسلاميا قتيلا في مودي مودي التي
تبعد حوالي 12 كيومترا شرقي بيدوة وتناثرت جثثهم على مسافة أمتار قليلة
في أجمة شائكة مما يشير الى أن القتال كان من جانب واحد.
ومن المعتقد أن الدافع الايديولوجي لدى مجلس المحاكم الاسلامية وهو
فرض صيغة متشددة من الشريعة أعطاها تفوقا حاسما في معركة السيطرة على
مقديشو العام الماضي. لكن ذلك تبخر في مواجهة الجيش الاثيوبي.
قال الخبير العسكري "أدركوا أنهم غير قادرين على مقاومة هذه الالة
(العسكرية الاثيوبية) المتطورة. تلك هي قصة الحرب عبر التاريخ.
الايديولوجيا لا تكون كافية عندما يجري سحقك عسكريا."
لكن غلاة المتشددين في مجلس المحاكم الاسلامية الذين تقول الولايات
المتحدة والامم المتحدة أن لديهم صلات مع القاعدة قد يخططون للعودة الى
ذلك النوع من العمليات المسلحة الذي مارسوه في الصومال على نطاق محدود
قبل صعود مجلس المحاكم الاسلامية.
ويقول معظم الخبراء ان هناك احتمالا لان ينتقل ما تبقى من المقاتلين
وخصوصا الذين تلقوا تدريبا على التفجيرات والاغتيالات والقناصة للعمل
سرا واستخدام مهاراتهم في اثيوبيا والصومال بل في كينيا.
قال خبير أمني رفض الكشف عن اسمه "لا يمكنك الصمود أمام الدبابات
والطائرات وطائرات الهليكوبتر مادمت لا تملك وسيلة للتغلب عليها. لكن
هناك خطة أكبر ونحن فقط في انتظار زوال التوتر."
والجيش الإثيوبي واحد من أقوى الجيوش في أفريقيا. وهو عاقد العزم
فيما يبدو على القضاء على اخر ما تبقى من مقاتلي مجلس المحاكم
الاسلامية ومطاردتهم في مخابئهم في راس كامبوني على الساحل أو في
الصحراء حيث كانوا يرومون التوجه إلى كينيا فيماتحاول هذه إغلاق حدودها
الممتدة وغير المحكمة مع الصومال.
وتقول مصادر مخابرات ان كينيا عززت أيضا دورياتها البرية والبحرية
وأن الولايات المتحدة تقوم بمهام استطلاع للمساعدة في القبض على ثلاثة
مقاتلين يعتقد أنهم في صفوف مجلس المحاكم الاسلامية والمدرجين على
قوائم الارهابيين المطلوبين.
وقال الخبير العسكري "هذه ستكون الجولة الحاسمة في القتال. لا يزال
يتعين علينا أن ننتظر ونرى اذا كان (مقاتلو مجلس المحاكم الاسلامية
الصومالي) سينتقلون للعمل سرا أو ستجري ابادتهم."
ومضى يقول "الإثيوبيون يريدون إنهاء الأمر." |