المقامرة بالانتخابات المبكرة ونهاية حلم الدولة الفلسطينية

  قال محللون ومسؤولون إن دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاجراء انتخابات يمكن ان تنعكس سلبا على حركة فتح حيث لم يفعل الفصيل الكثير لتحسين موقعه وتوحيد صفوفه بعد ان هزمته حركة المقاومة الاسلامية (حماس) في انتخابات يناير كانون الثاني.

وقالت المصادر انه رغم انخفاض شعبية حماس في الاستطلاعات الاخيرة نتيجة لزيادة التذمر من اداء حكومتها الا ان فتح المقسمة التي يقودها عباس تخاطر بفقدان الرئاسة والبرلمان لحماس في الانتخابات المبكرة المزمعة مالم تقدم على اصلاحات جادة.

واشارت استطلاعات رأي حديثة الى ان فتح التي ظلت مهيمنة لفترة طويلة والتي تخوض صراعا مريرا على السلطة مع حكومة حماس يمكن ان تفوز بالانتخابات اذا ما اجريت اليوم.

ولكن خليل الشقاقي خبير استطلاعات الرأي البارز قال ان عباس يقدم على مقامرة كبرى.

وقال الشقاقي لرويترز "انها مخاطرة كبيرة. فتح منقسمة ويمكن ان تعطينا نفس النتائج كما كانت في الانتخابات السابقة."

واضاف "بدون حل المشاكل الداخلية مثل مزاعم الفساد ومالم يحدث تقدم في العملية السياسية ستفقد فتح الرئاسة والبرلمان لصالح حماس."

واظهر استطلاع اجراه المركز الفلسطيني للسياسة وبحوث الاستطلاع الذي يديره الشقاقي بين يومي 14 و16 ديسمبر كانون الاول حصول فتح على 42 في المئة من اصوات البرلمان وحصول الحركة الاسلامية على 36 في المئة.

وفاجأ عباس حماس واثار ردود فعل قوية في المجتمع الفلسطيني يوم السبت بالدعوة الى انتخابات جديدة في محاولة لكسر الجمود السياسي وانهاء العقوبات الغربية المفروضة على حماس بعد ان رفضت الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف.

واندلع القتال في غزة بعد اعلان عباس. وتتعرض هدنة تم الاتفاق عليها في وقت متأخر يوم الاحد لضغوط.

وانقسم مسؤولو فتح حول ما اذا كانوا مستعدين للانتخابات التي قالت حركة حماس انها ستقاطعها. ويتوقع مسؤولون ان تجرى الانتخابات خلال ستة اشهر.

وتعاني فتح من انقسامات عميقة بين الحرس القديم المهيمن وجيل اصغر يسعى الى دور في عملية صنع القرار.

وهذه الانقسامات اضافة الى مزاعم بالفساد بين كبار مسؤولي فتح اسهمت في خسارة الحركة امام حماس في انتخابات يناير كانون الثاني البرلمانية.

وبقيت فتح بدون زعيم فعليا منذ وفاة ياسر عرفات في 2004. ولم يعين عباس زعيما عاما للحركة الا في الشهر الماضي وبدأت لتوها محاولات للوحدة وتنفيذ اصلاحات داخلية.

وتسعى الحركة الى حل على اساس قيام دولتين لانهاء الصراع مع اسرائيل.

ويقول مسؤولو فتح ومحللون ان مشرع فتح وزعيمها الشاب مروان البرغوثي الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد في اسرائيل منذ عام 2002 يتمتع بشعبية كبيرة ويمكن ان تكون امامه فرصة كبيرة لقيادة فتح الى الفوز.

وليس هناك قانون يمنع الفلسطينيين الموجودين في السجون من الترشح للمناصب. ويقضي البرغوثي خمس فترات بالسجن مدى الحياة لتوجيه اوامر بشن هجمات مميتة اثناء انتفاضة فلسطينية. وينفي البرغوثي الاتهامات.

ودأب عباس على القول انه لن يخوض الانتخابات سعيا لفترة رئاسة اخرى ولكن بعض مسؤولي فتح قالوا انه ليس امامهم بديل افضل.

واعطى عباس الذي كان يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يوم الاثنين تلميحا غامضا بانه قد يسعى الى اعادة انتخابه ولكنه رفض التطرق الى تفاصيل عندما الح عليه صحفيون.

وبعد دعوته للانتخابات يوم السبت اقر عباس تشكيل قيادة محلية من فتح من الجيل الاصغر لتقوم باصلاح الحركة.

وقال محمد دحلان رجل فتح القوي في غزة ان الحركة ستخوض الانتخابات هذه المرة وهي قوية ومتحدة.

وقال جبريل الرجوب وهو من كبار مسؤولي فتح في الضفة الغربية المحتلة ان فتح ستبذل اقصى ما في وسعها لاقناع الفلسطينين بانها تغيرت وتبنت اصلاحات.

وقال الرجوب ان فتح بحاجة الى العمل على الفور في اصلاحات واذا ما كانت القيادة المحلية يتولاها اناس جادون فان فتح يمكنها ان تتحد وتفوز في الانتخابات.

لكن مسؤول فتح محمد حوراني وهو من الحرس الجديد يختلف مع هذا الرأي.

وقال حوراني لرويترز ان الوقت المتبقي لا يكفي لاجراء الاصلاحات الضرورية. واضاف ان شعار فتح في هذه الانتخابات يجب ان يركز على ان الحركة تمثل البراجماتية وتقود الى الانفتاح على العالم.

واشار حوراني ومسؤولون فلسطينيون اخرون الى ان فتح تاريخيا توحدت وعملت كقبيلة متماسكة عندما تواجه بخطر خارجي رغم انقساماتها.

وقال مسلح من فتح يشعر بالاحباط من قيادتها "سنتحرك غريزيا كقبيلة لمواجهة تهديد حماس..هذا قتال من اجل البقاء..ولذا فمهما كانت خلافاتنا سنكون متحدين."

وحاولت حماس وفتح على مدى أشهر تشكيل حكومة وحدة وطنية لإنهاء الصراع على السلطة لكن المحادثات تعثرت لأمور من بينها إصرار حماس على عدم الاعتراف بإسرائيل.

بدوره أعلن ايهود أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بعد ان اجتمع مع رئيس الوزراء البريطاني مساء الاثنين في مسعى فيما يبدو لدعم عباس ان اسرائيل تعتزم تشكيل لجنة مشتركة مع المسؤولين الفلسطينيين لمناقشة قضية الافراج عن فلسطينيين محتجزين في السجون الاسرائيلية.

ويمكن في حالة اصدار اسرائيل عن عفو يشمل اعدادا كبيرة ان يساعدها ذلك على استعادة الجندي الاسرائيلي الذي أسره نشطون في هجوم عبر الحدود في 25 يونيو حزيران والذي دفع بالعلاقات الاسرائيلية الفلسطينية الى أدنى مستوياتها منذ أكثر من ستة أعوام من القتال.

نعم قد لا يكون الصراع السياسي والقتال المحتدم بين حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة فتح مجرد معركة بين قوتين سياسيتين وأيديولوجيتين فلسطينيتين فحسب بل ربما يكون مؤشرا على تلاشي الآمال في توحيد قطاع غزة والضفة الغربية يوما في دولة واحدة.

وفي حين أن المسافة التي تفصل غزة والقطاع هي 45 كيلومترا فقط واسرائيل فيما بينهما فقد أصبحا عالمين مختلفين بشكل متزايد.

النشطاء الاسلاميون في حماس الذين يريدون زوال اسرائيل لهم نفوذ كبير في غزة في حين أن الضفة الغربية الاكبر مساحة تسيطر عليها حركة فتح الاكثر اعتدالا منذ عشرات السنين بلا منازع باعتبارها الفصيل الفلسطيني الرئيسي.

ومنذ أن تولت حماس السلطة في مارس أذار عززت نفوذها في قطاع غزة حيث ظلت ترسخ وجودها منذ تأسيس الحركة في أواخر الثمانينات.

وفي الوقت ذاته سعت حركة فتح لانعاش حجم تأييدها في الضفة الغربية حيث يعيش ثلثا الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية والبالغ عددهم 3.8 مليون نسمة.

والى جانب تنافس الحركتين على النفوذ السياسي فقد دعمت كل حركة قدراتها العسكرية ليس فقط في مكان نفوذها التقليدي بل أيضا في الجزء الذي يسيطر عليه الطرف الاخر مما يجعل المعارك بالاسلحة النارية في شوارع غزة في الايام الاخيرة أمرا لا مفر منه تقريبا.

كما أن الصعوبة المتزايدة أو شبه استحالة عبور اسرائيل من غزة الى الضفة أو العكس يزيد من مخاوف من أن الوصول الى هدف اقامة دولة فلسطينية مستقلة تضم الضفة الغربية وغزة ربما يصبح بعيد المنال قريبا.

وقال معين رباني وهو محلل في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "هناك خطر حقيقي أن يؤدي الصراع الحالي اذا ما استمر الى زيادة انقسام الاراضي."

وأضاف "هناك خطورة أن ينتهي بنا الحال الى وجود حركتين متناحرتين تسيطران على كل من جزئي الاراضي."

كما أن قلق صالح عبد الجواد وهو استاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت في الضفة الغربية والذي أثار قضية الانفصال بين الضفة الغربية وغزة في الماضي يتزايد.

وقال ان الخوف من هذه المسألة أصبح مشروعا جدا. وأضاف أن ما يحدث يعمق من احتمال الانفصال الكامل.

في أوائل التسعينات كان من الممكن بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية استقلال حافلة وزيارة الاصدقاء في غزة دون أدنى مشكلة أو حتى التوجه الى شواطيء تل أبيب.

ولكن منذ اتفاقيات أوسلو في منتصف التسعينات وخاصة منذ قيام الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 كثفت اسرائيل من اجراءات الامن وطوقت غزة التي كانت محتلة حتى العام الماضي بسياج وأقامت جدارا حول الضفة الغربية التي ما زالت تحتلها.

وأصبح العبور بين الضفة الغربية وغزة الان شبه مستحيل ولكن هذا لا ينطبق على كبار المسؤولين الفلسطينيين. ومن الصعب حصول الاخرين على تصريح بالعبور وليس من المعتاد أن يمنح هذا التصريح.

وذهل زميل صحفي فلسطيني غادر قطاع غزة مؤخرا لاول مرة منذ سنوات وسمح له بزيارة رام الله المدينة الرئيسية في الضفة الغربية من الاختلافات التي وجدها هناك.

وقال انه الى جانب أن المشروبات الكحولية متاحة وأن الكثير من النساء قررن عدم ارتداء الحجاب فانه حتى الناس الاكثر تدينا يفكرون بطريقة مختلفة.

واسرائيل ملتزمة بموجب خطة خارطة الطريق المدعومة من الولايات المتحدة بحل اقامة دولتين اي أن توجد اسرائيل جنبا الى جنب دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة.

وبعد انسحاب اسرائيل من غزة وقعت اتفاقية برعاية وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس تتيح للفلسطينيين "الحركة والدخول" بين غزة والضفة الغربية.

ولكن الاتفاقة لم تطبق أبدا بشكل ملائم.

وبدلا من ذلك زاد انفصال غزة الجغرافي عن الضفة الغربية مما زاد من العزلة الاقتصادية ومنذ تولي حماس السلطة حدثت فروق سياسية جديدة.

وقال رباني "خلقت اسرائيل واقعا هو وجود كيانين منفصلين واقتصادين منفصلين...يجب النظر الى احتمال أن تصبح غزة والضفة الغربية كيانيين سياسيين منفصلين في هذا السياق."

او كما قال الزميل من غزة الذي زار الضفة الغربية "لقد أصبحت عالما اخر الان." 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 20/كانون الأول  /2006 - 28 /ذي القعدة /1427