ثقافة التسامح ..ثقافة التطرف

سعد البغدادي

يتميز المجتمع العراقي بتنوعه الاثني والقومي فهو من البلدان التي تتعدد فيه المذاهب والقوميات والاثنيات . ينعكس هذا التنوع على الكثير من حياته الاجتماعية حتى انك  تجد الاختلاف في كل مسالة  ويمتد  ارث الاختلاف  العراقي الى  جذور الخلافة الاسلامية  ففي كتاب المكاسب للشيخ مرتضى الانصاري يذكر رواية ان ابا حنيفة قال حينما اصلي خلف الامام الصادق افتح عينا واغمض اخرى كي اخالفه.

 وفي رواية اخرى خالفت الصادق في كل شيء الا الصلاة فلم اعرف اهو يفتح عينيه او يغمضها وفي مشهد اخر من الاختلاف.

 سال احدهم عن فتوى فقهية من الامام اذا هو لم يجد من يرجع اليه في الفتيا؟

اجابه:

 انظر الى المخالفين وافعل بعكسهم؟

امتدت هذه الثقافة عبر تاريخ العراق وسارت الى جنب التغيرات السياسية التي حدثت في العراق من احتلال عثماني او صفوي او الاحتلال البريطاني ووصولا الى الاحتلال الامريكي

 فسنة العراق كانوا عثمانيين اكثر من الاتراك وشيعة العرق كانوا ايرانين اكثر من الايرانين والاثوريين والاكراد وكل الطوائف كانت تجد لها هنا او هناك فرص الاختلاف.

 تم تجذير هذه السياسية اجتماعيا بعد ان وجدت لها واقعا  على الارض العراقية.

وفي العهد الملكي كانت سياسة الاختلاف هي السائدة بفعل توجه ساطع الحصري الذي اشرف على المناهج التربوية . بمعنى اخر ان النظام الوطني لم يستطع الخلاص من تلك السياسة.

وفي العهد الجمهوري كانت سياسة الاختلاف هي السمة البارزة طيلة الحكم الجمهوري ولم تفلح محاولة السيد مهدي الحكيم وعبد الغني الراوي لاصلاح الوضع المتردي ولن تجد دعواتهم اذانا صاغية بل العكس تم اتهام مهدي الحكيم بالتجسس وثم تمت تصفيته في السودان

 خلال هذه السوات اصبح لدينا تراث كبير من سياسة الاختلاف ورفض الاخرمذهبيا او قوميا او اثنيا.

حتى وصل الى اعلى مراتبه في الفترة الاخيرة واتخذت سياسة الاختلاف او تحولت الى عمليات القتل على الهوية.

 عملية طرح ثقافة بديلة  ترتكز على مفهوم التسامح يجب ان تاخذ في حساباتها هذا التاريخ التراكمي لسياسة الاختلاف التي رافقت المجتمع العراقي منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة  او قبل ذلك التاريخ.

من الطبيعي اي عملية تاسيس هي عملية صعبة جدا لكنها ليست مستحيلة فقبل اعوام لم يكن احد من العرب يقبل بفدرالية كردستان.

لكننا نجد اليوم ان سنة العراق ليس لديهم اعتراض بالشكل الذي كان عليه سابقا في زمن الدولة العراقية.

 نجد اليوم جميع الاطراف السنية تنظر الى تجربة كردستان بشكلها الواقعي المطروح على الارض.

هذا التحول من الممكن ان يتحول الى بقية الاطراف ويتم استثماره لصالح سياسة التسامح ونبذ سياسة الاختلاف بمعنى ان هناك مشتركات واسس يمكن الاتفاق عليها.

من ضمن هذه الاسس:

- المصارحة والاعتراف بان هناك مكونات واثنيات واديان لها حق  العيش  في العراق ويتاسس على هذا المفهوم معرفة من نحن وماذا نريد انا الشيعي والسني والكردي واليزيدي والصابئي والاثوري يجب علينا معرفة وقراءة الاخر.

ثقافة التسامح تستند في احد مرتكزاتها ان يعرف الاخر ماذا اريد انا من العراق وما هي حدود طموحاتي وانا اعرف ايضا ماذا يريد الاخر من العراق وما هي طموحاته.

 لثقافة التسامح بيئة ينشئ ويتربى من خلالها وفي محيطه العائلي, الفرد باعتباره فرد فلماذا اهل البصرة تحديدا يتميزون بحب التسامح وقبول الاخر في حين نجد  ان بيئة النجف اقل منها حضورا في هذا المجال فضلا عن بقية المحافظات الاخرى الاشد انغلاقا وانكفاءا على نفسها.

مثل البصرة نمتلك السليمانية نمتلك كربلاء نمتلك كثير من ابناءنا ممن تربوا على قبول الاخر نمتلك جيلا وطنيا عريضا امتلك ثقافة الاخر والتسامح بالرغم من التضحيات الجسام التي قدمها في هذا الطريق.

 لدينا مناطق اجتماعيا تعتبر من المناطق المغلقة والمستندة الى ثقافة الالغاء والتهميش ففي تربيتهم البيئية والعائلية نجد هذا السلوك وتتداخل هذه المناطق بين الرمادي والنجف ودهوك بمعنى  لاتقتصر ثقافة الالغاء على مذهب او اثنية بل هي من المشتركات وان تميزت المناطق التي يسكنها السنة بهذه الصفة او السمة العامة.

 مفهوم ثقافة التسامح ينطلق اولا من الاعتراف بهذا الواقع المعقد وان هذه الثقافة فعل مكتسب وليس منحة الهية.

من الممكن ان تتحول الرمادي الى مدينة تحاور وتسامح لو كانت الظرف الجغرافية الطف معها من هذه البيئة الصحراوية القاتلة والمنعزلة عن العالم  وكذلك النجف وغيرها من المناطق.

قبول الاخر

كل هذا يقودنا الى تعريف المفاهيم من اجل الوصول الى صيغة معتدلة، فالثقافة  كما يراها البعض، تعبر عن نفسها بانساق من العادات والتقاليد المشتركة، التي تصطبغ بها مجموعة ما، بحيث تتميز من خلالها عن سواها، والثقافة من وجهة النظر الأخرى، علاقات الانتاج، التي ترتبط وظيفيا بنظمه وأدواته. ويراها فريق آخر تراث الأمة وركامها المعرفي، فهي في جانب منها راسبها الثقافي، فهي ليست مجرد أنساق ومنظومات من السلوك الجمعي، تعبر عن نفسها بعادات وقيم وتقاليد أو طقوس اجتماعية مجردة، يتلقاها الفرد مستسلما لها، ومستجيبا لاستحقاقاتها بشكل قسري وتعسفي، . وعلى العكس تماما، فهي على المستوى الشخصي، وجود حسي يعبر عن نفسه، بسلوك اجرائي يؤديه الفرد بوعي وارادة، وغالبا ، وهي نمطية ترقى في حالات معينة، الى مستوى التقديس. وعلى العكس من ذلك، نجد دائما ان هناك من الفروق الفردية، ما يكفي للتمييز بين أنماط مختلفة من الشخصية، سواء كان على مستوى المجتمع الواحد، أو ثقافة فرعية معينة،أو مجموعة دينية أو عرقية خاصة داخل المجتمع نفسه، وأيا" كانت أنساق الثقافة الشائعة اجتماعيا"، فانها غير قادرة على استنساخ أناس بشخصيات متطابقة، فالشخصية النمطية تكوين فرضي، لا وجود له على المستوى الفردي فمن غير الممكن ان نطلب من السني ان يبكي في عاشوراء او نرغب من الشيعي ان يصبح درويشا؟ المطلوب  هو اشاعة ثقافة التسامح.

  ومن المفيد أن نذكر، ان مفهوم ثقافة التسامح، لا يعني الجانب الايجابي المتمثل، في القبول والرضا والتساهل، بـل ان هذه الثقافة تنطوي أيضا، علـى ما هو عكس ذلك. وبتحليل هـذا اللـون من الثقافة، التي يمكن من وجهة نظر سايكولوجية، أن تعدّ سلوكا يطلق عليـه تعريف سلوك التسامح، سنجد أمامنا مجموعة من النزعات المتضادة، تمثل نوعا من الاتجاهات، بكل المعنى السايكولوجي لهذا المفهوم. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، بعض الأمثلة على هذا اللون من النزعات المتضادة، وكما يلي :

                        الرغبة X النفور

                        القبول X الرفض

                       الانفتاح X الانغلاق

                      الاندماج X الانعزال

                      الحـب  x الكراهية

                      التعصب X التسامح

ومن اجل الوصول الى صيغة مثلى لفهم مانعنيه من اشاعة ثقافة التسامح ورفض ثقافة التطرف علينا ان نبتدء بعدة امور اهمها اعادة النظر بعمليات التنشئة الاجتماعية، وتبني برامج أسرية على نطاق واسع، لتنمية وعي أسري، يقوم على أساس صحيحة ورفض تهميش الاخر.

  - تعديل جوهري في النظام التعليمي، ، فمرحلة التعليم الأساسي، وايلاء عناية خاصة لأعداد معلمي هذه المراحل، مع التأكيد على تنمية ثقافة التسامح لديهم

  - توجيه أدوات الاعلام المختلفة، واستثمارها بشكل أمثل، لتنمية رأي عام مضاد للنزعات، المتشددة ومحاربة الفكر التكفيري أيا كان نوعها.

  - توظيف الخطاب الديني واشاعة النماذج التأريخية، من العلاقات والمفاهيم المعبرة، عن ثقافة التسامح بجانبها الايجابي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء12  /كانون الأول  /2006 -20 /ذي القعدة /1427