الإعلام الإسلامي أبلغ وسائل الدعوة والتبليغ

بقلم: هادي الحيدر – القطيف

لقد لعب الإعلام وما يزال دوراً مهماً وحيوياً في دعم ومساندة أي فكرة تطرح ويراد لها الانتشار والبقاء.

وكمثال بسيط على تبيان قوة الإعلام وما يمكن ان يفعله ويفرضه على أرض الواقع , يعد اليهود أقلية جداً بالنسبة لبقية الأمم والطوائف الدينية الأخرى خصوصاً الأمم التي تنتمي للأديان السماوية كالمسيحية والإسلامية والمجوسية , الا أنهم يعتبروا من اقوي الأمم بسبب سيطرتهم على الوسائل الإعلامية في العالم .

لهذا فهم يستطيعون ان يوصلوا مايشاؤون من أفكار وسياسات وان يتحكموا بالرأي العام العالمي وبواسطة قوة إعلامهم يستطيعون ان يستدروا تعاطف الأمم الأخرى معهم في قضاياهم إلى جانب نشر سمومهم وفتنهم وان يحولوا الحق باطل والباطل حق وغيرها من الأمور الأخرى .

لقد أحس اليهود ومنذ فترة مبكرة جداً بأهمية وسائل الإعلام في خدمة قضيتهم الصهيونية لهذا سعوا في اتجاه السيطرة على أجهزة ومراكز الإعلام العالمية ليوظفوها لصالحهم.

وعندما نتحدث عن النفوذ والإعلام فنحن نتحدث عن مختلف وسائل الإعلام المسموع والمقري والمرئي , وعن التغلغل والنفوذ القوي في مختلف المؤسسات والهيئات والأنظمة وذلك للسيطرة على القرارات السياسية أو توجيهها للوجهة التي تريد لا مايريد الآخر .

ان السيطرة على وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية المختلفة التابعة لها هو سيطرة على العالم ككل شأنا أم أبينا , لهذا لانعجب حينما توصف المؤسسة الإعلامية في أي دولة بالسلطة الرابعة وبأنها دولة داخل دولة .

لقد كان المجتمع الجاهلي يدرك حقيقة مدى أهمية الشعر والشعراء في ذلك العصر باعتبارهما الوسيلة الإعلامية التي لابد منها لهذه القبيلة أو تلك وذلك لمجابهة أية قبيلة في شأن المفاخرات والمنابذات للذب والدفاع عنها , بحيث انه ما إن يبرز شاعر وتتفتق شاعريته حتى تعلن قبيلته الأفراح والاحتفالات بذبح الذبائح وإقامة الولائم ابتهاجاً بميلاد شاعرٍ جديد يكون لها عضداً في مواجهة من يريد بها أي سوء في الدفاع عنها وعن كيانيتها ؟

وعليه الا يحق لنا ان نسأل عن موقف الإسلام من قضية الإعلام ؟

هل اغفل ديننا الحنيف أمر الدعوة والتبليغ واستخدام وسائل الإعلام المباحة؟

أليست شعيرة الأذان تعد وسيلة إعلامية وشعار لتنبيه الآخر بدين الله الذي ارتضاه لعباده أي أنها تعد بمثابة معلم بارز لاستظهار الدين الإسلامي والتعريف به وبالمجتمع المسلم من خلاله؟

وكذلك أوليس موسم الحج وهو حدث سنوي عالمي وغيره من المواسم والمناسبات الإسلامية المختلفة كلها تلعب دور إعلامي بارز في نشر دين الله والتعريف به ؟

في المقابل نحن المسلمون والشيعة اليوم ماذا قدمنا في سبيل الدعوة والتبليغ في الجانب الإعلامي ؟

أليس حرياً بنا ان ندعم وسائلنا الإعلامية في سبيل نشر مبادئنا وعقيدتنا ليتعرف عليها الآخر دون أي ضبابية أو تشويش مما كان يمارسه ضدنا الآخر ممن كانت بيده وسائل الإعلام والتي وظفها ضدنا وصور ديننا بأبشع الصور؟

الا يشكل استئثار الطرف الآخر بالوسائل الإعلامية خطراً ومضرة علينا وعلى ديننا ومذهبنا؟

الا يكفينا أكثر عشرة قرون ونحن نتعرض لإعلام الطرف المقابل المضاد والمشوه لسيرتنا وعقيدتنا ؟

السنا نحن الأحق بالتعريف بحقيقة ديننا وبرسالتنا ؟

إذا لماذا لا تكون وسائل التعريف والاتصال والإعلام بيدنا نحن لا بيد أعدائنا لنقول للآخر نحن كما نقول لا كما يقول عنا أو يتقول علينا غيرنا ؟

كم نملك من الصحف والمجلات قياساً بما لذا غيرنا ؟

كم عدد الكتب التي تخرج للنور مقارنة بالكتب الصفراء التي تطعن في عقيدتنا وتحارب قيمنا الإسلامية ؟

هل نستغل منابرنا الإسلامية الإعلامية سواء منبر الجمعة أوالمنبر الحسيني أومنبرالحج أوالمنبر ألمناسباتي أو أي منبر آخر كشبكاتنا العنكبوتية مثلاً كما يجب في سبيل ترشيد أبناء الأمة وبث روح الصحوة أم لبث روح الانهزامية والتضليل الفكري والعقائدي وتكريس حالة الجهل وبث سموم الفرقة والفتنة بين صفوف أبناء المذهب الواحد ؟

كم نملك من القنوات الفضائية الإسلامية المعتدلة التي تقدم الدين بصورة صافية ونقية بعيداً عن التطرف والإرهاب لتجعل من المخالف لنا يتقبلنا ويتقبل ما عندنا برحابة صدر؟

لماذا نستجدي الظهور على وسائل الإعلام الأخرى التي عرف عنها المكايدة لنا ولديننا الحنيف, ونهمل وسائل الإعلام المتاحة بين أيدينا ؟

أليست قنواتنا الإسلامية الشيعية الوليدة مثلاً بحاجة لدعمنا وهممنا لكي ننهض بها بما يخدم مذهبنا ألاثني عشري وعقيدتنا الإسلامية الصافية ؟

كيف يمكن ترشيد قنواتنا الفضائية بشكل حضاري لايتنافى مع قيم الدين والشرع الشريف لتواكب مسيرة التطور والتغيير ولتكون قادرة على مقاومة القنوات الأخرى المحاربة لديننا ومذهبنا , ولتمارس دور التبليغ ونشر الدين والمذهب بين صفوف الآخر المختلف معنا بشكل حضاري ؟

أليس حق التبليغ ونشر الفضيلة والقيم الانسانية الاصيلة مطلب وغاية عند كل شعوب العالم ؟

أليس أصحاب كل ملة ودين يهمهم نشر ملتهم ودينهم وقيمهم ومعتقداتهم بين أبناء الشعوب الأخرى ؟ باستثناء بعض الأمم كالأمة اليهودية والتي تنظر للدين اليهودي على انه دين قومي جاء لخلاص بني إسرائيل كونهم شعب الله المختار لهذا فهم يعملون على تسخير العالم من خلال ما يملكونه من نفوذ من أجل خدمتهم لا من أجل خدمة شعوب العالم.

إذا كان كل هذا أمر مسموح به مادام من يريد ان يمارس دور التبليغ بيده وسائل الإعلام والنفوذ فما الذي يمنعنا من ممارسة دور التبليغ والدعوة لمذهبنا وديننا الإسلامي عن طريق الوسائل المتاحة بين أيدينا ؟

البعض منا قد يستهين بدور المال ولا يملك الا ان يطعن في الطرف الآخر انه مذهب لم يقم الا على المادة والإغراء .

هذا الأمر لايعاب على الغير في ان يستثمروا الوسائل المتاحة بأيديهم لنشر عقائدهم ولكن المعيب على من يقف مكتوف اليدين ينظر ويرى ما يفعله الآخر ولا يحرك ساكناً في سبيل دعم ونصرة مذهبه فيما أتيح له من وسائل بين يديه , أولم يؤكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما لمال سيدتنا خديجة من دور في خدمة ونصرة الدين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر دور المال في دعم ونصرة الدين حينما قال : " ماقام الإسلام الا بثلاثة سيف علي ومال خديجة وأخلاق محمد " ؟.

ان من بين أسباب عدم انتشار أو بطئ انتشار مذهب أهل البيت عليهم السلام في المعمورة ليس لضعفٍ فيه وإنما هوبسبب ضعف وإهمال وعدم العناية بجانب التبليغ على مر التاريخ الإسلامي بسبب الكبت والإرهاب الذي كان يمارس ضد أبناء المذهب وأمور كثيرة أخرى , ولكن هذا لايعني عدم وجود محطات مضيئة في تاريخنا الإسلامي لرجال لعبوا دوراً رسالياً بارزاً في جانب التبليغ فعلى سبيل المثال كانت عملية تهجير ونفي الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري إلى الشام بركة في نشر محبة أهل البيت عليهم السلام ونشر فضائلهم وحقهم على المسلمين بين أبناء بني عاملة في إقليم جبل عامل والذين ببركاته أصبحوا فيما بعد من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام .

وكذلك الدور التي قامت به الدولة الصفوية في نشر المذهب في القارة الأسيوية خصوصاً في إقليم القوقاز وجنوب إيران وغيرها من المناطق الأخرى إلى جانب نشر المذهب في إيران نفسها .

كذلك نشاط الشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي قدس سره الدعوي في مختلف القارات وبتوجيه من أخيه الإمام المجدد الثاني الشيرازي قدس سره والتي كان من ثمارها توجيه العلويين لمذهب أهل البيت عليهم السلام واستصدار وثيقة تشيعهم لتنشر وتعلن على الملأ عام1392هـ والتي ببركات نشاطه الرسالي يدين اليوم أكثر من أربعين مليون علوي مسلم بالمذهب ألاثني عشري الجعفري, وغير ذلك كنشر التشيع في القارة الإفريقية عن طريق نشر وتوزيع الكتب والمجلات الإسلامية وأشرطة الكاسيت وتأسيس وبناء المساجد والحسينيات والمكتبات والمبرآت الخيرية والمراكز العلمية والثقافية والمؤسسات الاجتماعية في مختلف بقاع العالم وهو ماساعد على انتشار المذهب الأمامي في القارة الإفريقية .

وكذلك دور بعض علماء المذهب في جاني الجدل المذهبي والانفتاح على المذهب الأخرى لتعريف بحقيقة مذهب أهل البيت عليهم السلام وصحة وسلامة الاعتقاد والتعبد به بل وانه المذهب الحق الذي يلوي اعناق الرجال في إتباع منهجه القويم وانتزاع أمر الاعتراف به لذا رموز الطائفة الأخرى كالدور الذي لعبه سماحة العلم الرباني السيد عبدالحسين شرف الدين قدس سره صاحب كتاب المراجعات والتي دون من خلاله ما دار بينه وبين شيخ الأزهر الشريف الشيخ سليم البشري من مراجعات حيال حقيقة مذهب أهل البيت عليهم السلام والتي استمرت بينهما منذ 6 ذي القدة 1329هـ وحتى 2 جمادى الأولى 1330هـ وكانت حصيلة ذلك 112 مراجعة هي خلاصة ما دار بينهما من مراسلات وكاتبات اقر بموجبها وأذعن للحق شيخ الأزهر الشريف لتعلن عن ميلاد فجرً جديد لعالم التشيع وينتصر الحق بفضل عالمنا الجليل , ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل كان لسماحته دوراً كبيراً في التبليغ والإرشاد والتوعية بفكر ومذهب أهل البيت في أهم تجمع عالمي على المستوى الإسلامي الا وهو موسم الحج حيث كان عندما يحج يجتمع بعلماء المذاهب الأخرى ويناقشهم ويحاورهم حتى اكتسب مكانة كبيرة في العالم الإسلامي بل واحترام كبار علماء المذاهب الأخرى له حتى أنهم لم يجدوا غضاضة في أن يؤم جماهير المسلمين في الصلاة جماعة في حج عام1340هـ في المسجد الحرام بمكة المكرمة , بل ان ملك الحجاز حينها وهو الشريف الحسين بن علي شريف مكة كان يحتفي باستقبال سماحة السيد عبدالحسين شرف الدين قدس سره ويجتمع به ويتشرفا معاً بغسل الكعبة المشرفة .

أيضا كان سلطان المؤلفين الإمام الشيرازي قد عرف عنه وقبل ان يتصدى للمرجعية وإثناء تصديه لها عنايته البالغة بدور التبليغ في مواسم الحج وذلك بتوزيع ونشرالكتب التعريفية والتثقيفية المختلفة التي تعرف بمذهب أهل البيت عليهم السلام فكان يصدر الآف الكتب في موسم الحج لتوزع على عامة المسلمين شيعة وسنة , وبهذا الصدد أود ان أشير إلى انه بين يدي كتيب ( قصة الشيعة ) ــ وهو احد سلسلة الكتيبات التي قام الإمام الشيرازي بتأليفها بشكل مبسط وتوزيعها مع الكتب الأخرى للتعريف بهوية الشيعة والتشيع وهي عبارة عن اثني عشر كراساً جمعت فيما بعد في كتاب واحد تحت اسم ( الشيعة والتشيع ) ــ هذا الكتيب حصلت عليه من قبل والدي رحمة الله عليه , وقد حاز عليه الوالد في أحد مواسم الحج في الثمانينات الهجرية ويؤكد هذا الكلام ما دون بواجهة الغلاف الأمامي للكتاب حيث جاء فيه : " طبع منه خمسة وسبعون إلف نسخة على نفقة كسبة كربلاء المقدسة 1386هـ " والكتيب صادر عن مطبعة الآداب بالنجف الاشرف , ومن هذا نخرج بحقيقة وهي ان المجدد الشيرازي قد عرفته الناس من خلال كتبه ومؤلفاته قبل ان تعرفه من خلال تصديه للمرجعية الدينية خارج إطار مدينته وبلاده , وان كتبه ومؤلفاته قد سبقته وأخذت طريقها لذا أبناء الخليج وغيرهم قبل ان تعرف مرجعيته , وهذا كان بفضل رسالة التبليغ والدعوة التي أتاحت له الانتشار , إلى جانب ارساله للدعاة والمبلغين من طلبة العلوم الدينية لنشر الاسلام والمذهب الامامي في مختلف انحاء المعمورة .

وعند قيام الجمهورية الإسلامية في إيران على يد الإمام الخميني كان لها دور كبير أيضا في نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام والتعريف به لذا الشعوب الأخرى , وأنشطة الجمهورية الإسلامية اليوم في جمهورية البوسنة والهرسك لأتخفى على احد كونها ابرز مثال ظاهر في دور دعم نشر المذهب الأمامي في المعمورة إلى جانب أنشطتها الأخرى هنا وهنالك .

مع ملاحظة أود ان أشير إليها ان هذه أمثلة بسيطة جداً ليست على سبيل الحصر فهنالك ادوار كثيرة وكبيرة لبعض علمائنا الآخرين ولكنا اشرنا هنا للمحطات البارزة والمضيئة في تاريخنا الرسالي الإسلامي للدعاة والمبلغين خصوصاً في الفترة المتأخرة من هذا العصر.

ما أود التأكيد عليه في مقالي هذا هو الدور الرسالي في استغلال وسائل الإعلام بما يخدم ديننا الإسلامي ومذهبنا الأمامي ودعم هذه الوسائل مادياً وفكرينا لتصبح مراكز تبليغ حيوية تعضد أنشطة التبليغ المختلفة الأخرى على امتداد المعمورة .

كما أتمنى على مرجعياتنا الدينية التنبه لهذا الدور فرسالة الأنبياء جميعاً جاءت من أجل إصلاح العباد ونشر ثقافة وقيم السماء وهذه لاتكون بدون ترويج لهذه القيم .

ونشر وترويج هذه القيم لا تكون الا عبر وسائل الاتصال ووسائل الاتصال كثيرة ولكن كيف يمكن إن نحسن استغلالها واستخدامها فهذا هو المهم !!.

المسيحية مارست دور التبشير وهو المصطلح المرادف لمعنى التبليغ عند المسلمين والتبشير معناه نشر قيم ومبادئ المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وثقافة السلام بين بني البشر, ولذلك لعبت المسيحية دور كبير في عملية نشر الدين المسيحي عبر قارات العالم المختلفة عن طريق إرسال البعثات والإرساليات التبشيرية وبناء الكنائس وتوزيع كتاب الإنجيل وفتح المبرآت الانسانية ودورالرعاية والمدارس التعليمية والمصحات وعلاج المرضى وتوزيع الغذاء والدواء باسم المسيح ورسالة المسيح , ليمارسوا دور نشر المسيحية في المجتمعات الأخرى .

ونحن كمسلمين وشيعة لدنيا الكثير من الأنشطة والمشاريع الدعوية التي تضاهي هذه الأنشطة في الفاعلية والعطاء حيث يوجد لذينا على سبيل المثال الخمس وهو عصب الاقتصاد الأساسي المستقل لعلمائنا الإبرار الذي يجعل منهم في غنى واستقلال عن مد يد الدعم والعون من قبل الحكومات والأنظمة والتي قد تستغل هذا الدعم أو ذاك من أجل تمرير بعض من أهدافها ومشاريعها السياسية على حساب ديننا ومذهبنا .

فهل نحسن استخدام ما بأيدينا لخدمة ديننا ومذهبنا أم ندع الخلق للخالق كما يقول أصحاب الثقافة الانهزامية ويأتي اليوم الذي يغزو فيه الفكر الآخر بيوتنا وأبناءنا وأن كان شيئاً من ذلك قد حدث فعلاً ولو بشكل جزئي وبسيط ؟؟

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين11  /كانون الأول  /2006 -19 /ذي القعدة /1427