مأزق وإشكالية التعليم العالي في الدول النامية

إعداد: الأستاذ إبراهيمي أحمد*

  يعتبر قطاع التعليم العالي الركيزة الأساسية لتقدم ورقي الأمم في شتى مجالات الحياة لكونه يقدم أثمن وأغلى ثروة ألا وهي الكفاءات البشرية بشتى أنواعها ومستوياتها ودون شك أنه عند التحدث عن قطاع التعليم العالي  تتبادر إلى أذهاننا عدة تساؤلات مفادها لماذا يختلف مستوى التعليم العالي في الدول النامية عنه في الدول المتقدمة؟

وأين تكمن مواطن قوة التعليم العالي في الدول المتطورة ومواطن ضعفه في الدول النامية؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات يجب أن نستعرض ونشخص حالة القطاع في كل منهما وهو ما يظهر لنا مفارقات كبيرة ونبدأ أولا بقطاع التعليم العالي في الدول النامية والذي يمتاز بالفقر في كوادر التأطير ونقص في المؤهلات العلمية للمشرفين على القطاع بالإضافة إلى نقائص في ملكة البحث العلمي كما انه يمتاز بكثرة الجامعات و التزايد الكبير في عدد الطلبة الجامعيين بحيث نجد أن عدد الجامعات في الدول النامية يزداد بالضعف كل عشر سنوات كما أن التحصيل العلمي في جامعات الدول النامية في معظمه يتركز على الدراسات الإنسانية والنظرية بحيث تشير الإحصائيات إلى أن حوالي  سبعين بالمائة من عدد الطلبة في الجامعات بالدول النامية يدرسون التخصصات النظرية والإنسانية ونسبة قليلة فقط التي تصب دراساتها في المجالات العلمية والتكنولوجية وحوالي 90 بالمائة  ترى بأن الدراسة في الجامعة يكون من أجل الحصول على الشهادة للغرض الوظيفي لا أكثر وهو ما يبرز عدم وعي الطالب الجامعي في هذه الدول بمهمته وعدم تشبعه بملكة البحث العلمي.

 كما أن هذه الدول لا تهتم بالإنفاق على الطالب الجامعي بحيث نجد أن الإنفاق على الطالب الجامعي في الموسم الجامعي لا يتعدى 2500 دولار بينما في الدول المتقدمة ينفق على الطالب حوالي 50000 دولار سنويا.

 والمشكل الذي يعتبر عويصا في الدول النامية ويصعب التغلب عنه هو عدم التنسيق بين احتياجات السوق الوطنية والاقتصاد الوطني من الكوادر التي تعطي ثمارها وقطاع التعليم العالي إذ أن هذه النقطة بالذات هي نقطة القوة للدول المتطورة بحيث نجد إستراتجية وتخطيط طويل المدى لاحتياجات الاقتصاد الوطني من الكوادر في المجالات الحيوية للاقتصاد الوطني كما أن السلطات المشرفة على التعليم العالي في هذه الدول تهتم بإستقطات أساتذة التعليم العالي والمحافظة عليهم وتوفير كل احتياجاتهم العلمية والمعنوية لكي تستمر بحوثهم ومثابرتهم في التعليم العالي وزيادة عطائهم ولكن العكس في الدول النامية توجد بعض الجامعات للأسف يعامل فيها الأستاذ مثل الطالب تقريبا وهو ما تنجم عنه عدة نتائج لا تحمد عقباها منها محدودية العطاء للأستاذ وتفكيره في الهجرة كما حدث في نهاية الستينات والسبعينات إذ أن معظم الكفاءات هجرت بلدانها واستفادت من امتيازات التعليم  العالي في الدول المتطورة وهي الآن تدر بعطاء وفير في هذه الدول بحيث لو نجري مسحا للجامعات ومخابر البحث العلمي في الدول المتطورة لوجدنا حوالي عشرين بالمائة من إطاراتها من أصول عربية وإفريقية أساسا هجرت بلدانها بسبب عدم تقديرها وتقييمها وهم الآن يعيشون في أحسن الظروف وقمة العطاء للدول المتطورة .

إذن كما نرى يمكن للدول النامية الاستفادة من تجارب الدول المتطورة في مجال التعليم العالي. ومن هنا يمكن أن نقترح مجموعة من الحلول والاقتراحات قد تجعل الدول النامية تنهض بقطاع التعليم العالي وتضاهي به الدول المتقدمة ندرجها في ما يلي :

•       إعادة نظر في مستوى الهيئات المشرفة على تسيير قطاع التعليم العالي وفصل مهم الإداريين عن مهامهم كمدرسين وأساتذة جامعيين لكي لا تؤثر على عطائهم العلمي.

•       وضع إستراتيجية وتخطيط طويل الأجل لاحتياجات الاقتصاد الوطني بالتنسيق مع الجامعات التي تتكفل بتكوين إطارات المستقبل .

•       التركيز على تطابق رغبات الطلبة مع التخصصات التي يدرسونها

•       التكفل الجيد باحتياجات الأساتذة الجامعيين وتوفير المناخ العلمي لهم .

•       محاكاة الجامعات في الدول المتطورة بتبادل الخبرات وخاصة في مجال التكنولوجيا وإرسال بعثات للخارج .

•       إلغاء المسابقات في الدراسات العليا والزيادة في تكاليفها كما هو في الدول المتطورة لكي تزيد مداخيل القطاع من حقوق الدراسة ورادة الكفاءات العالية المستوى .

•       الاعتناء بالطالب وتوعيته بأهميته في دفع عجلة التنمية ببلده .

•       عقد ملتقيات ومؤتمرات لمناقشة وضع التعليم العالي وتوحيد البرامج التعليمية واقتراح حلول للمشاكل الحالية والتركيز على تبادل الكوادر بين الجامعات في القطر الواحد .

•       الاهتمام بنقطة التجديد العلمي ومواكبة التطور الحاصل في كل التخصصات .

وما نأمله في الأخير أن تنظر الهيئات المشرفة على قطاع التعليم العالي في الدول النامية على هذا القطاع الحساس نظرة جادة والنهوض به بكل تخصصاته ومستوياته ورسكلته وفقا لما هو عليه في الدول المتقدمة و الاندماج الصحيح في العولمة . 

*جامعة محمد بوضياف بالمسيلة *الجزائر*

كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير

قسم : علوم التسيير

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  26  /تشرين الثاني  /2006 - 4 /ذي القعدة /1427