العنف والسياسة يدفعان الفلسطينيين الى التطلع نحو الخارج

 

لم يطرأ قط على بال مهندس الالكترونيات الفلسطيني والمحاضر عماد حسن انه قد يرغب ذات يوم في مغادرة بلده.

لكن انعدام القانون والغارات الاسرائيلية والاقتتال السياسي الداخلي دفعت حسن الى التفكير بجدية في فكرة الهجرة. وكندا هي مقصده المفضل.

وقال حسن (35 عاما)وهو أب لطفلين من مدينة رام الله بالضفة الغربية المركز الاداري للاراضي الفلسطينية "كنت متمسكا ببلدي. لكن ليس بعد الآن."

وأضاف "ليس فقط الاحتلال (الاسرائيلي) لكن لاننا فقدنا احساسنا بالأمان الشخصي. لم يعد امنا بالنسبة لزوجتي ان تذهب للتسوق في رام الله."

وحسن ليس الوحيد الذي يعتقد ذلك. وقال احمد صبح وكيل وزارة الشؤون الخارجية الفلسطيني في اكتوبر تشرين الاول ان 10 الاف فلسطيني غادروا الاراضي الفلسطينية منذ يونيو حزيران بينما تقدم 45 الفا اخرون بطلبات في هذا الصدد.

وحزم كثيرون من الفلسطينيين المتعلمين متاعهم عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 وانهيار محادثات السلام مع اسرائيل.

ويقول بعض المسؤولين ان وتيرة الهجرة تسارعت بعد تولي حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الحكم في مارس اذار من العام الحالي وفرض المانحين الغربيين عقوبات مالية صارمة اصابت الاقتصاد الفلسطيني بالشلل بسبب رفض حماس الاعتراف باسرائيل وإلقاء السلاح.

وأعقب ذلك قيام نشطين فلسطينيين بأسر جندي اسرائيلي في عملية عبر الحدود في يونيو حزيران وبعدها شنت اسرائيل هجوما عسكريا في قطاع غزة قتلت خلاله 370 فلسطينيا حوالي نصفهم من المدنيين.

وأظهر استطلاع للرأي نشرته جامعة النجاح في مدينة نابلس بالضفة الغربية أن واحدا من بين كل ثلاثة فلسطينيين يرغب في الهجرة.

وكشف الاستطلاع الذي شمل 1350 شخصا في الضفة الغربية وقطاع غزة ان الظروف الاقتصادية العصيبة كانت السبب الاول في التفكير في الهجرة يليها انعدام القانون ثم الازمة السياسية والخوف من اندلاع حرب اهلية.

وقال المحلل السياسي علي الجرباوي ان رحيل معظم الفلسطينيين المتعلمين خلق مجتمعا هشا.

وتابع "موقفنا مثل البيضة. اذا أزيلت القشرة فما هي أهمية محتوى البيضة...انها النخبة التي تصنع فارقا وليس مئة بقال." ويعيش نحو 3.8 مليون فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.

وأثار صعود حماس وتوليها رئاسة الحكومة صراعا على السلطة مع حركة فتح التابعة للرئيس محمود عباس التي كانت تسيطر على مقاليد الامور. ويحاول الجانبان تشكيل حكومة وحدة وطنية على الرغم من تشكك بعض الفلسطينيين في نجاح هذا المسعى وخشيتهم من امكانية اندلاع حرب أهلية.

وقال فوزي برهم المتحدث باسم حركة حماس ان نزوح المهنيين المتعلمين بدأ قبل تولي الاسلاميين السلطة.

وصرح برهم بأنه من الواضح انه في حالة عدم وجود استقرار سياسي أو اقتصادي أو أمني سيتطلع هؤلاء الاشخاص الى مكان اخر ليبتكروا وينتجوا. وقال انه لا يتعين القاء اللوم على عاتق الحكومة الحالية في استنزاف العقول لانها لم تفرض الحظر المالي الذي طبقه الغرب.

وقالت عدة سفارات أجنبية في اسرائيل وبعثات دبلوماسية في رام الله ان هناك زيادة في عدد الفلسطينيين الذين يتقدمون بطلبات للهجرة.

وقال مسؤول أجنبي في رام الله طلب عدم الافصاح عن هويته "كنا نتلقى في المتوسط استفسارا او اثنين (في اليوم) لكننا نتلقى اكثر من سبعة هذه الايام."

وذكرت الشرطة في غزة الشهر الماضي انها صادرت 1200 تأشيرة سفر مزورة الى اوروبا.

وكان تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 عقب توقيع اتفاقيات اوسلو للسلام بمثابة هدية للفلسطينيين المتعلمين في غزة والضفة الغربية. كما اجتذبت الكثير من المغتربين الفلسطينيين في انحاء العالم.

لكن التفاؤل تضاءل على مدى السنوات.

وبالفعل قال البنك الدولي في سبتمبر ايلول ان القيود الاسرائيلية والعقوبات الغربية يمكن ان تجعل من عام 2006 أسوأ عام على الصعيد الاقتصادي منذ انشاء السلطة الفلسطينية.

وقال نبيل ابو ردينه احد مساعدي الرئيس الفلسطيني البارزين انه عند وقوع كل حدث كبير مثل الحروب السابقة وبعدها الانتفاضة يرحل قطاع مهني مهم من السكان. وأوضح أن لهذا تأثير سلبي على بناء الدولة في المستقبل.

ونظم موظفو الحكومة الفلسطينية اضرابات احتجاجا على عدم تلقيهم رواتبهم منذ سبتمبر ايلول رغم عودة المعلمين الى مدارسهم الشهر الجاري وأصيبت الحياة اليومية بالجمود على نطاق واسع.

وانتقل كثير من موظفي الحكومة البالغ عددهم 165 الف موظف الى منظمات غير حكومية في الاراضي الفلسطينية او ذهبوا الى دول الخليج الغنية او سعوا الى الهجرة نظرا لعدم تلقيهم اجورهم عقب فرض العقوبات الغربية.

وقال محمد شتية وهو وزير سابق للاشغال العامة انه اذا ما استمر هذا الوضع ستحدث مشكلة كبيرة. وذهب افضل المهندسين المدنيين بالوزارة للعمل في الخليج.

وذكرت الشرطة ان مستويات البطالة والجريمة ارتفعت.

وقال عدنان الدميري وهو متحدث باسم الشرطة في الضفة الغربية ان 11 فلسطينيا قتلوا في حوادث عنف جنائي في اكتوبر تشرين الاول مقارنة بثلاثة قتلى في مايو ايار.

وتقدم أبو أحمد وهو مصرفي بارز في الاآنة الاخيرة بطلب هجرة الى كندا ليتيح لابنائه الثلاثة مستقبلا افضل.

وقال أبو أحمد وهو من سكان نابلس التي تشهد اشتباكات متكررة مع الجنود الاسرائيليين ومعقل للنشطاء "الاطفال بحاجة لان يعيشوا حياة طبيعية" بدون نشطاء وبدون غارات عسكرية اسرائيلية.

وقال فلسطيني اخر أحجم عن ذكر اسمه لان ذلك قد يؤثر على فرصته في الانتقال الى كندا انه يعيش حياة طيبة في رام الله ولديه شقة جميلة وعمل يسير على نحو جيد.

واتخذ قراره بالرحيل بعد ان كاد طفلاه يلقيان حتفهما في طريقهما الى المنزل من المدرسة عندما بدأ نشطاء في اطلاق النار احتجاجا على قيام جنود اسرائيليين بقتل احد رفاقهم.

وقال "أريد ان يعيش اطفالي في مجتمع مدني وليس وسط اطلاق النار...هنا لا توجد حماية. الشرطة لا يمكنها حتى تنظيم المرور".

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 22  /تشرين الثاني  /2006 -30 /شوال /1427