فـوبـيـا الشـيعـة سـتـفـجـرّهـا وخـارج الـعـراق؟

د. أحـلام فــؤاد الـسـيد*

بعد التبشير بقرب الولادة العسيرة للشرق الأوسط الجديد زارت وزيرة الخارجية الأمريكية المنطقة، فبشرت بمشروع محور الإعتدال !! الذي تنوي تشكيله من السعودية ومصر والأردن و دول خليجية أخرى مثل قطر و...!!

من أين بدأت الفكرة ؟

يبدو أن الهزيمة في ما أطلق البعض عليه أسم الحرب السادسة أو حرب الـ 32 يوماً و ما ترتب عليه، وما تبعه من تعاطف تجاوز الخطوط الحمراء الطائفية، والقطرية، إضافة الى الأخطاء والإخفاقات المتتالية في إدارة الأزمة العراقية على مختلف الأصعدة، كانت من أهم الدوافع التي شجعت الإدارة الأمريكية على جسّ النبض لإنشاء مثل هذا التحالف في إطار تصديها للدول التي تصفها واشنطن بالمارقة، وتحملهم المسؤولية الكاملة لعدم إستقرار الأوضاع في العراق،والمنطقة ككل.

ليس هذا كل شيء!!

من الخصوصيات الفريدة للديمقراطيات أنها تجعل النجاح أو الفشل الذي تحصده السياسة الخارجية يجد صداه بسرعة في الداخل، والولايات المتحدة ليست إستثناءاً، وذلك فضلاً عن إنعاكاسات تلك التوفيقات أوالإخفاقات على صعيد مراكز الأبحاث والنخب السياسية المؤثرة على الإدارة الأمريكية.

أدت الإخفاقات في إدارة الأزمة العراقية من جهة، وتدويرها الى الجبهة اللبنانية الإسرائيلية من جهة ثانية، وإفرازت الحرب السادسة من جهة ثالثة الى إلى أفول مجدد لنجم كبار المحافظين الجدد من الأخلاقيين او المثاليين ! في الإدارة الأميركية، و بزوغ نجم بعض صغار المحافظين الجدد الذين يسمون أنفسهم بالواقعيين! وتسلل بعض رجالات الصفقات السوداء والإنقلابات الى أروقة الإدارة الأمريكية لتبدأ محاولاتها لتحويل أولويات واشنطن من دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط لضمان أمن الولايات المتحدة وتجفيف جذور الفكر المتطرف إلى ما يسميه هؤلاء "بأولوية الإستقرارعلى الديمقراطية"، و بعبارة أخرى بأولوية الإستقرار المؤقت الهش القائم على الطائفية، وأحادية التمثيل في الطائفة، والتمذهب الطائفي للدولة لسحق جميع الطوائف، وذلك بالرجوع الى خبراء اللعب بالطائفية المخضرمين  في المنطقة وخارجها مثل الرئيسين المصري والأردني المرشحين لمحور الإعتدال، وهنري كيسنجر حامل اللواء في الولايات المتحدة، والذي ما زال يحاول الترغيب لتجنيد الإحتقان الطائفي الذي أفرزته العمليات الإرهابية في العراق، وغذته الكثير من الدول العربية وغير العربية لدحر الإصلاح والدمقرطة، وذلك  للعب بالورقة الطائفية عبرإقناع الإدارة الأميركية لتبني مشروع ما يسمى بمحور الإعتدال بإستخدامه "الفزاعة الشيعية" في المنطقة عن طريق تصوير الشيعة في المنطقة والعالم كطائفة ثورية ذات مشروع سياسي أممي موحد مناهض للديمقراطية، و... لتخديم الأجندة السياسية الإيرانية !!!، ولـ... الـخ. وهذا مما لا يمكن تصوره حتى في عالم الخيال، وفي حزب حديدي ايدلوجي محلي صغير واحد، فكيف يمكن تصور وقوعه في طائفة طويلة عريضة ولدت مع الإسلام، وأنتشرت من السعودية الى العراق وإيران والعالم ؟ !

وليس هذا فحسب بل قامت بحملة منظمة لتسويق تلك الإتهامات والأكاذيب وما يغذيه ويسوق تصديقه الى الإعلام بشكل مكثف ومتواصل وإستفزازي لتصعيد الإحتقان وتكريس العصبية الطائفية، وبناء جدار الفصل العنصري، قرأت مؤخراً مقالاً يزعم كاتبه أن ّ الشيعة تمكنوا من إقناع مليون مواطن في دولة واحدة لا تتجاوز نسمتها الـ 16 مليوناً  لإختيار المذهب الشيعي، وبالتطميع و... الـخ !!!، وما أكثر هذه المزاعم والإتهامات والتضخيمات.

ماذا يمكن أن نستنج لو وضعنا أمثال هذه الإحصاءات التي تكاد أن تكون عصية على الإحصاء الى جانب أخبار محاولات تشكيل محور الإعتدال 

والى جانب أخبار الدعوات المشابهة لدعوة "مارتن أندك" إلى إقامة تحالف ستراتيجي سني- أمريكي لمواجهة المدّ الشيعي الهادر الكاسح ! والى جانب التصريحات التي تحذر من الإختراق الشيعي لهذه الدولة، اوتلك، وتضع الخطوط الحمراء وتدعو الصحفيين للعب دورهم للتحصين وتحث الدول لإقامة أنظمة للإنذار المبكر، وتجمع تلك الإحصاءات المضخمة والمحرفة وتضيف إليها ما يطيب ويروق من تصرفات عاطفية محدودة  او فردية لتتقدم بذلك الى هذا الملك اوذاك الرئيس اوهذه الادارة اوتلك للتظلم من الشيعة والتخويف منهم والتحريض على إستكمال مصادرة أبسط حقوقهم وحرياتهم الأساسية و... يبدو إن العالم قادم على حقبة "الشيعة فوبيا" بعد الإسلام فوبيا التي أفلحت في إجهاض الإصلاح والدمقرطة.

فبعد إستخدام الفزاعة الإسلامية لمحاصرة فذبح محاولات الإصلاح والدمقرطة او ترشيد الحكم يحاولون اليوم تسويق الفزاعة الشيعية على أمل تخليد المواقع والعروش بأليات مثل محور الإعتدال المزعوم الذي يسوقونه للإدارة الأميركية كمفتاح لحل الأزمة في العراق !!

فما أبعـد هؤلاء عن الإعتدال، وما أبعـد هذا المفتاح عن المفتاح، وما أبعـد هذا الحل عن الحل أوحتى عن مجرد الحلحلة.

إنه تـدويـر للأزمة، وتهرب أخر في مرحلة حاسمة وحرجة ومصيرية لجميع الأطراف، ومن تلك المراحل التي تسبق الحروب الكبيرة، ويتمّ فيها تحويل النزاع إلى صراع دموي شامل بتكلفة باهظة ولجميع الجهات، فهي ستكلف الولايات المتحدة ثمناً مادياً وأخلاقياً جديداً يستغرق تسديده أكثر من نصف قرن على أقل التقادير، وستمزق دولاً منها المرشحة لمحور الإعتدال قبل غيرها الى دويلات وإمارات، وتغرق العالم في الدماء والظلام والإرهاب. نعـم حلولاً كمحور الإعتدال الذي يروج له عند الإدارة الأميركية البعض من المنظرين المعروفين بالتعصب للنظريات الصهيونية الأصولية اليمينية لايمكن فهمه إلا كبديل للإجتياح العسكري وكأداة لنشر الفوضى الخلاقة الشاملة المتحركة، والأداة الأصلية لها تصعيد الإحتقان الطائفي وشحنه وترسيخه وتشديده لتخديم أجندة السياسة والنفوذ والتمدد التي لا تمت بصلة بالمذهب والتعدد المذهبي، وذلك بتسويق فوبيا الشيعة لخلق حالة هلع وذعرعند أتباع بقية المذاهب ولدى الحكومات، ولأسباب لا وجود لها في الواقع، والى درجة تصويرهم في هيئة فرانكشتاين الذي لا يقصد الفتك بالجميع بل يفكر الفتك حتى بصانعه، وعبر تسويق وترويج منظم لقائمة طويلة من الأكاذيب والشائعات والتصرفات الفردية غير المسؤولة، والتلفيقات المخابراتية والضخ بها الى الإعلام والسينما والشارع لزيادة الغليان في الإحتقان ودفعه نحو الإنفجار الدموي الشامل.

هذا في الوقت الذي يكاد يتجاوز عدد ضحايا الإرهاب من المدنيين الأبرياء الشيعة في العراق سقف النصف مليون من مجموع قيل أنه بلغ حوالي الـ 550 ألف حسب بعض التخمينات الشخصية المحايدة وغير الرسمية لبعض ناشطي حقوق الإنسان في العراق الجريح، وفي الوقت الذي لا يزال المرقد المقدس للإمامين العسكريين ( عليهما السلام ) الذي فجره الإرهابيين بصورة كاملة على حاله، وفي الوقت الذي تمّ الإلتفاف على نتائج الإنتخابات العراقية الأخيرة  بل وحتى على الدستور بمسميات الحكومة الوطنية، ومجلس الأمن القومي العراقي الذي حجّمَ دور الشيعة في إدارة البلاد التشاركية الى الثلث عملياً، وهم صابرون ملتزمون بالعمل الإيجابي والحكمة لوأد الفتنة، ولم تلوح كطائفة تشكـّل الأكثرية في العراق عبر مرجعياتها الدينية المستقلة حتى بالورقة الصفراء ناهيك عن الحمراء فأصبحوا مصداقاً للمثل الذي يقول :  

ضربني وبكى، سبقني واشتكى !!

وذلك الموقف رصين ومطلوب لكنه بحاجة الى أداء فاعل متناغم وأليات مكملة وحلول تكاملية سلمية منها العمل الإعلامي والدبلوماسي الإيجابي المتواصل المكثف في العراق وخارجه وذلك لمواجهة هذه الفوبيا الشيعية بشكل موثق وعلى المستوى الشعبي والبرلماني والحكومي في العالم كله، لأنها لا تهدد الشيعة فقط بل تهدد قبلهم الأمة ودول الجوار والمنطقة العالم، وتنذر بحرب كبيرة طاحنة مدمرة طويلة، وتمهد لإغواء الزاهدين والمترددين في دعم المشروع الديمقراطي العراقي الى نسيانه كما تجاهلوه أونسفوه منذ عام 1920 م، وحتى قبل تفجيرات الحادي عشر من سبتمر الوحشية بل وتهدف الى جرهم الى حرب إستنزافية طويلة تحرق ما بقي لهم مما هو قليل لكن يمكن إستثماره لو أعترف كل طرف بالأخطاء، وبدأ بالتصحيح، والعمل على صياغة مبادئ عالمية مشتركة لتعزيز الاعتماد المتبادل على طريق إصلاح الحكم وترشيده وزراعة الديمقراطية والعدل والسلام والرفاه في العالم وللجميع ودون تمييز.

*معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 19  /تشرين الثاني  /2006 -27 /شوال /1427