مجلس الخبراء، نمر من ورق

بقلم: حسن كاظم السباعي*

 من المقرر أن تجرى في إيران بعد حوالي شهر (15 ديسمبر 2006)، انتخابات مجلس الخبراء وذلك لتعيين أعضاء الدورة الرابعة لمجلس خبراء القيادة لفترة ثمانية أعوام القادمة.

إن مجلس الخبراء بالرغم من أنه يملك أعلى الصلاحيات في هرم السلطة الإيرانية من حيث المسؤولية والقوة، ومن خلال إشرافه الواسع وقدرته في مطالبة الإيضاح والإستجواب من القيادة، تستطيع أن تحدد صلاحيات القائد داخل إطار معين، ولكنها في ساحة العمل والتنفيذ لم تمارس أي دور من صلاحياتها في هذا المجال طوال الثلاثة عقود الماضية.

من صلاحيات هذا المجلس هو عزل القائد حينما يُشخِّص فيه الانحراف عن الموازين المطلوبة، كما يستطيع انتخاب القائد الجديد، من هنا فإن انتخابات مجلس الخبراء يعتبر الانتخاب الوحيد الذي يستطيع الوصول إلى رأس السلطة حسب القانون، وبالتالي يستطيع تنفيذ المطالبات الإجتماعية العامة.

 أهمية مؤسسة مجلس الخبراء تتضح أكثر حينما يتبين إن ما يزيد على 75% من المناصب الحكومية الحساسة غير الانتخابية تتعيين بتنصيب مباشر من قبل القائد الأعلى، لذلك فإن حصيلة هذه الانتخابات تستطيع أن توجد تغيير جذري في أركان الحكم. في حين إن إنتخابات كرئاسة الجمهورية ومجلس الشورى لا تملك هذه القابلية وتستطيع فقط أن تعيين الأجزاء الإنتخابية في داخل السلطة والتي لها الدور التبعي أمام الأجزاء الإنتصابية (غير الإنتخابية). لكن الحقيقة الحاكمة على حياة مجلس الخبراء حتى الآن، لم تكن فحسب فاقدة للتناسب مع قوتها وسلطتها الحقوقية، بل من خلال إجتماعاتها المحدودة كانت دائما تقوم بتصويب وتأييد قرارات القيادة وسياساته تأييدا مطلقا 100% وأنزلت شأن إشرافها إلى التبعية المطلقة والمدح والتحسين المطلق دون أي تحقيق في هذه السياسات والقرارات.

إن أمور كإنحصار العضوية في المجلس في إطار المجتهدين، وسلطة مجلس صيانة الدستور لمنع ترشيح الفقهاء المستقلين والمنتقدين، وتعطيل البعد الإشرافي وإنحرافه إلى المدح والإطراء، وعدم وجود المنافسة في الإنتخابات، وروتينية وصورية الإجتماعات و... أدى إلى أن لا يجلب مجلس الخبراء وإنتخاباته القادمة إهتمام الرأي العام.

في الحقيقة إن هذا الأمر هو نتيجة إرادة رأس هرم السلطة الذي لا يتحمل وجود خبراء مستقلين وجادين ويرجح أن يدخل أشخاص معينين ذو نمط خاص إلى المجلس لكي لا يوجدوا أية مزاحمة للنظام السياسي وللإرادة المطلقة في السلطة.

من هنا فإن هنالك نمط خاص قد صبغ مجلس الخبراء ولذلك فإن كل القرارات الصادرة من هذا المجلس تخرج في إطار الإرادة الشخصية لولي الفقيه.

إن هذا النمط الذي بدَّل أعضاء مجلس الخبراء من مشرفين على أعمال القائد إلى منتخبين من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يعين أعضائه القائد، إضافة إلى أنه قد جعل من مجلس الخبراء مجلسا عقيما فاقدا للقوة أمام القائد، يبين بوضوح إن الإنتخابات المذكورة ليس إلا إنتخابات صورية في هيكلية السلطة.

طبعا إن رؤية ولاية الفقيه المطلقة غير المنتخبة التي ترى إن ولي الفقيه مستغنيا عن تأييد الناس وكسب الشرعية منهم، وأن ولي الفقيه منتسب إلى الله وأن الناس لا دخل لهم في تعيينه، هذه الرؤية قد زادت من صورية مجلس الخبراء.

من البديهي إن الذي يرى نفسه أنه مأمور من قبل الله لكي يهدي الخلق وينظم أمور المجتمع من خلال سلطته غير المشروطة، ويرى جواز حكمه المطلق على الأموال والأنفس والأعراض، فإنه يرى نفسه أيضا أعلى شأنا ومرتبة من أن يعرض نفسه أمام تساؤل وإشراف من لا يمتلكون هذه الموهبة!

من جهة أخرى إن دراسة موجودية مجلس الخبراء ومسيرته التاريخية طوال الثلاثة عقود الماضية تدل بوضوح موقعه المتزلزل والضعيف في النظام السياسي.

لقد وُلد هذا المجلس على شكل متناقض وذلك بعد تعيين ولي الفقيه. لقد كانت الشخصية الكاريزماتية للإمام الخميني وهيبته وسيطرته على الأجواء السياسية في بدايات الثورة كانت بصورة قد جعلت من مقام ولي الفقيه - وذلك قبل تقنينه في الدستور وتأسيس مؤسسة ولاية الفقيه في إطار السلطة-  قد جعل هذا المقام ليصلح على قامة الخميني فقط. وفي الحقيقة إن ولاية الفقية كانت محصول شخصية الخميني المقتدرة، وكانت شخصيته الحقيقة قد فاقت شخصيته الحقوقية. لهذا فإن مؤسسة ولاية الفقيه وكذلك المجلس الذي كان من المقرر أن يشرف عليه قد تعرض للإنزواء.

القرار المهم الوحيد الذي إتخذه مجلس الخبراء في تلك الفترة كان هو إنتخاب آية الله المنتظري لقائم مقامية القيادة، ولكن ذلك أيضا تم إلغاءه بتدخل مباشر من قبل الخميني. رغم أن حسب الدستور كان على مجلس الخبراء أن يتخذ هذا القرار، لأن إبداء الرأي حول القائد المقبل ليست من صلاحيات ولي الفقيه.

في فترة قيادة المرشد الحالي علي خامنئي أصبح الوضع بالعكس، وتعرضت شخصيته الحقيقية تحت أضواء مقام ولاية الفقيه.  في الحقيقة إنه قبل أن يلبس رداء القيادة لم تكن شخصيته الحقيقية والفردية ذو دور مصيري في النظام السياسي والإجتماعي، وحتى لم يكن يعتبر من ضمن الأشخاص الخمسة الأوائل في هرم السلطة خلال العقد الأول لحياة (الجمهورية الإسلامية)، وحتى بعد عزل بني صدر من رئاسة الجمهورية، كان خامنئي الوحيد بين المسؤولين من الدرجة الأولى لنظام الحكم الذي تلقى أشد العتاب من قبل الخميني خلال خطاب عام، بحيث اتهم أنه فاقد للدرك الصحيح عن نظرية ولاية الفقيه!

من هنا حينما أصبح خامنئي حينما ولي الفقيه وحسب تعبير تيار اليمين إنتهت فترة مظلوميته، من خلال إلتفاته إلى هذا الأمر وخلافه القديم مع تيار اليسار في داخل نظام الحكم المسمى بـ"تيار خط الإمام" الذي أدى إلى حذفهم من المناصب الحساسة، فإن مراقبة مجلس الخبراء في حدود الإطار المطلوب تعرضت لأهمية مضاعفة وأخذ مجلس صيانة الدستور (المنصوب من قبل القائد) في سابقة غير منطقية أخذ على عاتقه قبول أو رفض صلاحية المرشحين للدخول في مجلس الخبراء.

وبناءا على هذا من الطبيعي أن يكون مجلس الخبراء الذي هو محصول للإشراف الإستصوابي لمجلس صيانة الدستور وإعمال أذواقهم السياسية الخاصة، أن يكون عمليا إداة لإرادة القيادة في النظام.

إن إعطاء صلاحية قبول أو رفض المرشحين للخبراء إلى مجلس صيانة الدستور التي تفقد المبنى القانوني، ومرفوضة من ناحية الأسس الديمقراطية، يعتبر أهم مانع لا يسمح لمجلس الخبراء أن يحصل على منزلته وشأنه القانوني.

إن التغيير في مجلس الخبراء وحصوله على مكانته الحقيقية في الدستور يتطلب منع مجلس صيانة الدستور من التدخل في تعيين صلاحية المرشحين، ورفع الإنحصار عن الترشيح بحيث يشمل جميع الأقطاب والشرائح الفكرية والإجتماعية، وضمان الحرية والنزاهة في التصويت، وهذا أمر يؤدي إلى الإنضباط في أمر الإشراف على القيادة وموازنة القوى في السلطة بصالح المؤسسات الإنتخابية ويوجه مصير النظام نحو الإصلاح الجذري والديمقراطي وبالتالي يسمح بتغيير المقاعد وإنتقال السلطة بشكل مسالم، ويسمح بتدوين دستور جديد مبني على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لكن الظروف الحاكمة على الأجواء السياسية في إيران والسلطة المطلقة من قبل تيار اليمين المتشدد على المؤسسات المشرفة والتنفيذية في الإنتخابات، وإحتمال التزوير والتدخل المقنن في مسير الإنتخابات وإرادة الركن المسلط للسلطة الذي يحوِّل الإنتخابات إلى إنتصابات، سوف لا يعطي مجالا للموفقية في هذا الأمر.

لذلك فإن الإنتخابات المرتقبة لمجلس الخبراء سوف لا تؤدي إلى أي تغيير إيجابي للقوى الناشطة التي تسعى إلى التغيير الديمقراطي، وحتى الجناح المحافظ في التيار الإصلاحي داخل نظام الحكم أيضا لم يبدي إهتمامه و رغبته في المشاركة والترشيح.

عموما فإن هذه الإنتخابات فاقدة لأبسط المعايير اللازمة للإنتخابات الحقيقية والقائمة على المنافسة، ولا تحمل أي جاذبية للفئات الإصلاحية والمعارضة.

لكن في داخل كتلة السلطة، تحمل هذه الإنتخابات منافسة جدية وشديدة والتي ستؤثر على هيئة التيارات داخل نظام الحكم، وهذا بحث يتطلب إلى مقال آخر..

* خبير في الشؤون الايرانية

شبكة النبأ المعلوماتية- 13 الاثنين /تشرين الثاني  /2006 -21 /شوال /1427