تأملات في المسألة الشيعية

دكتور أحمد راسم النفيس

أصبحت (المسألة الشيعية) إحدى الملفات السياسية الساخنة المطروحة في (الساحة) السياسية الدولية والمحلية والإقليمية.

أسئلة وعناوين كثيرة تطرح بين الفينة والأخرى حول هذه المسألة بعضها ظاهره الرحمة وباطنه العذاب والتحريض والبلاء.

لنبدأ بالعناوين التي يطرحها البعض بخبث شديد عن ولاء الشيعة لبلدانهم وكان آخرها تقرير نشره موقع تابع لفضائية عربية بتاريخ 29-10-2006 نقلا عن هيئة تابعة للكونغرس الأمريكي: إن أبرز الأخطار الأمنية التي تحدد المعالم الأساسية للتعاون الخليجي-الأمريكي هي ارتفاع نفوذ إيران الإقليمي بعد سقوط صدام، إضافة إلى رفع المجتمع الشيعي الخليجي لمطالب جديدة متأثرا بوصول الشيعة إلى سدة الحكم بالعراق. كما تحدث عن التقرير عن أبرز جوانب العلاقات الأمريكية- الخليجية من الناحية العسكرية وعلّق باحث خليجي على التقرير قائلا إن "غالبية الشيعة في الخليج يرون في آية الله علي السيستاني مرجعا لهم، مما قد يدعو للتساؤل فيما إذا كان الولاء للوطن أم للعقيدة والمرجعية التي هي خارج حدوده" مشيرا بذلك إلى قضية ثار حولها الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والاجتماعية في دول الخليج.

ما أثار قلق (الخبراء) الخليجيين والأمريكيين هو تأثير هذا الولاء (المزدوج) على الدعم الخليجي للغزو الأمريكي المنتظر لإيران كما أن العديد من (دول) الخليج تخشى تأثير صعود الأحزاب الشيعية للحكم بالعراق على الاستقرار الداخلي ببلادهم فقد شجع هذا المجتمع الشيعي بالبحرين والسعودية على فرض مطالب جديدة على حكوماتهم سعيا لتوسيع حقوقهم السياسية ودورهم في الحياة الاقتصادية كما علّق عبد العزيز بن جاسم بن صقر، مدير مركز الخليج للأبحاث والدراسات، على هذا التقرير قائلا: بالتأكيد حصل تشجع ونشاط لدى شيعة الخليج، حيث أن الغالبية منهم ترى أن السيستاني هو المرجع لها، وعندما تكون المرجعية الدينية خارج حدود الدولة تصبح قضية الولاء هل هي للوطن أم للعقيدة والمرجعية محط تساؤل ودراسة.

ولا شك أن هذا التقرير والتعليق يقدم لنا نموذجا نمطيا للفكر العربي السياسي القديم والمعاصر القائم على نفي الآخر المختلف سياسيا أو مذهبيا فضلا عن اتهامه وازدراؤه وإنكار وجوده من الأساس من ناحية والاستقواء بالخارج من أجل تحقيق المصلحة الذاتية ولو كان هذا على حساب حقوق الآخرين.

فعندما يشكك هذا الصقر الخبير في حقيقة ولاء الشيعة لبلدانهم واصفا إياه بالمزدوج لصالح مشروع التحالف الأمريكي الخليجي الذي يرهن ولاء هذه الدول وشعوبها للولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن ثرواتها وهو لا يرى في هذا ثمة ازدواجية على الإطلاق يصبح من حقنا التساؤل عن معنى الولاء للأوطان وهل هو عقد رق وإذعان من شعب بأسره لفئة حاكمة لا يجوز أن تتخلف عنه طائفة أو فئة من البشر قلت أم كثرت؟؟!!.

في العالم الديمقراطي المتحضر تتخذ قرارات الحرب والسلام داخل البرلمان وبواسطة حكومات منتخبة لا بواسطة حكومات وراثية أيا كان نوعها ومع ذلك ورغم ذلك فإعلامنا يواصل تسليط الضوء على معارضي الحرب الأمريكية على العراق والحرب الإسرائيلية على لبنان الذين لم توجه لهم تهمة الخيانة أو الولاء المزدوج أو كما قال صقرنا العزيز عبد العزيز.

الأمريكيون الذين عارضوا الحرب على العراق ليسوا سنة ولا شيعة وليسوا مسلمين من الأساس فلماذا يعتبر هؤلاء المصابون بداء الصلف الذي يبدو ألا دواء له, أن معارضة شيعة الخليج لشن حرب على إيران دليلا على ازدواجية الولاء.

الأهم من هذا أن هؤلاء المغرورين لم يستفيدوا مما جرى أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان حيث كان الشارع المسلم السني في أغلبه متعاطفا ومؤيدا لحزب الله فكيف لو قامت الولايات المتحدة أو إسرائيل بشن الحرب على إيران؟!.

لماذا يجري التعامل مع الأمر باعتباره انقساما مذهبيا بدلا من اعتباره انقساما سياسيا بين الشعوب التي ترى في أغلب النظم الحاكمة نظما غير ديموقراطية تتخذ مواقف سياسية تدافع عن مصالحها هي لا عن مصالح شعوبها ولا تمانع في التحالف مع أمريكا أو حتى مع إسرائيل من أجل تحقيق هذه الأهداف؟!.

من ناحية أخرى فهناك انقسامات سياسية بين التيارات والأحزاب وجماعات المصالح التي ترتبط مصالحها بهذه الدولة أو تلك من دون أن يكون المذهب الديني هو المحدد الأول لمثل هذا التوجه.

خذ عندك الموقف الذي لعبته إمارة دبي في منع التصعيد مع إيران حول أزمة الجزر الثلاث والسبب اقتصادي بحت إذ أن الاستثمارات الإيرانية في هذه الإمارة تشكل عصبا رئيسا لاقتصاد هذه الإمارة لا يمكن التضحية به مهما كانت الأسباب والذرائع!!.

إيران والشيعة في العالم العربي

يعرف صقور الخبراء وأساتذة ثقافة التحريض جيدا أن إيران لم تعد تدعم أي حركة معارضة للنظم السياسية العربية ومن الضروري أن نذكرهم أن حزب الله اللبناني ليس جماعة معارضة بل هو طرف مشارك في الحكومة اللبنانية وهو نفس الموقف الذي التزم به حزب الله وحتى في العراق الذي يكثر فيه الحديث عن دعم إيران لجماعة السيد مقتدى الصدر فهي أيضا طرف ممثل في البرلمان الإيراني ومشارك في الحكومة العراقية المنتخبة.

فما هي المشكلة إذن؟؟

تتلخص المشكلة من وجهة نظرنا في النقاط التالية:

أولا: الخلاف العربي الإيراني حول ملف التسوية بين العرب وإسرائيل.

ثانيا: الخلاف الإيراني الأمريكي السياسي والاقتصادي.

ثالثا: البعد النفسي (وليس الواقعي) الكامن وراء الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة.

فيما يتعلق بأولا وثانيا فالمشكلة لم تكن قائمة على عهد الشاه بين عرب الخليج وإيران التي كانت داعمة لهم في مواجهة الحركات المعارضة ولا أحد ينسى موقف إيران الداعم لسلطنة عمان في مواجهة ثوار ظفار.

كما أن الرافضين للتسوية مع إسرائيل ليسوا كلهم من الشيعة.

والمهم أن كلها ملفات سياسية من نوعية تقول ويقولون وتريد ويريدون وتقبل ويرفضون أو ترفض ويقبلون!!.

البعد النفسي (وليس الثقافي) يبدو واضحا في الطريقة التي يتحدث بها صقر الخليج الذي تحدثنا عنه آنفا كما يبدو أكثر وضوحا في الحملة التي تشنها إحدى مؤسساتنا الصحفية (التي كانت عريقة وليبرالية) ولكنها تستكتب الآن باعة الأشرطة والمساويك الوهابيين الذين اكتشف رئيس تحرير هذه المجلة عبقريتهم فكان أن منحهم فرصة السب والشتم من على منبره وكأن منابرهم المنفلتة من كل قيد لا تكفي ولا تفي!!.

الفارق بيننا

وبين إخواننا من أهل الخليج في التعامل مع (الملف الشيعي) لا يبدو لصالحنا ويبدو هذا الفارق جليا بين ما تقوم به تلك المجلة المشار إليها وبين ما تقوم به العربية السعودية التي استأنفت اتصالاتها مع حزب الله اللبناني حيث ذكرت صحيفة السفير اللبنانية الاثنين 30-10-2006 خبرا عن (إعادة فتح باب الحوار السياسي بين المملكة العربية السعودية وقيادة حزب الله حيث استقبل السيد حسن نصر الله، مساء يوم الجمعة الفائت، السفير السعودي في بيروت وعقدت خلوة، بين الجانبين، دامت أكثر من أربع ساعات، شارك فيها عدد من قادة الحزب، وتخللتها جولة مصارحة ومكاشفة في كل المواضيع والقضايا المتصلة بمرحلة ما بعد حرب تموز. وقال السفير الخوجة إن اللقاء مع نصر الله كان رائعا جدا، وأنه شكّل مناسبة لكي أنقل إليه تحيات قيادة المملكة وحرصها الدائم والتاريخي على لعب دور طيب بين جميع الأطراف في لبنان من أجل زيادة مناعة وقوة ووحدة هذا البلد العربي المميز، وأشار إلى انه سمع كلاما طيبا حول دور المملكة وهذا الأمر يفتح الباب أمام استمرارها بلعب دور مقبول من الجميع).

إنها إذا سياسة ومصالح تملي أن يبقى باب الحوار والنقاش رفيع المستوى مفتوحا بدلا من استمراء الصراخ: الذئب.. الذئب!! وفات هؤلاء أن الجميع عندهم من الذئاب ما يكفيهم وأن على كل عاقل أن ينزع شوكه بيديه وأن يدرك هؤلاء أن استكتاب و(استشتام) باعة العطور والمساويك لا يغني عن اتصالات رفيعة الخلق والمستوى!!.

ولا أدري من أين نأتي برفعة المستوى في زمن لم يعد فيه قيمة ولا مستوى؟؟!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- 10 الجمعه /تشرين الثاني  /2006 -18 /شوال /1427