ظفر الصبور

نزار حيدر

   مرة اخرى يفرح المظلومون بوعد الله تعالى، ويحزن الظالمون بوعيده عز وجل، في هذا اليوم الذي نطقت فيه المحكمة الخاصة، بالحكم على الطاغية الذليل صدام حسين شنقا حتى الموت، جراء ما اقترفت يداه من جرائم ضد الانسان.

   انه ثمرة الصبر والجلد الذي تسلح به ضحايا النظام البائد على مدى نيف وثلاثين عاما عجاف.

   وصدق سيد البلغاء وأمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال {ما أعدم الصبور الظفر، وان طال به الزمان} لماذا يا أمير المؤمنين؟ وذلك ل {ان الله مع الصابرين} ومن كان الله معه، لن يعدم الظفر لأن رب العزة لا يخذل عبده، قد يطول انتظاره قبل ان يرى الظفر، ولكن لن يعدمه، لأن الله تعالى لن يخلف وعده.

   يذكر التاريخ، أن امرأة من بني اسرائيل ذبح فرعون ابنها الوحيد في حملة القتل والذبح التي نفذها بحق كل مولود جديد يولد في بني اسرائيل، فدعت المرأة الثكلى بابنها، الله عز وجل ان يهلك فرعون وجنوده.

   ومرت الأيام والسنين وهي تنتظر نتيجة دعاءها بفرعون، وفي ذهنها قول الله عز وجل {ادعوني استجب لكم}.

   وفي يوم من الايام، وفيما هي جالسة على جرف نهر النيل تغسل ملابسها، مر من امامها جسد فرعون طافيا على الماء بعد ان اهلكه الله تعالى.

   وما ان وقع نظرها عليه، سمعت نداءا من السماء يقول {انا من المجرمين منتقمون} فعلمت ان ما تراه بأم عينيها هو نتيجة دعائها، وانه حقيقة وليس وهما او خيال، فتيقنت بأن الله تعالى كان قد سمع الدعاء، وهو ان أخر الاجابة، فلن يهملها ابدا، ان عاجلا ام آجلا.

   كما تذكر كتب التفسير، ان الله تعالى استجاب لدعاء موسى عليه السلام، عندما طلب منه ان يهلك فرعون وجنوده بقوله {وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم} بعد اربعين عاما من قوله مخاطبا موسى وهارون عليهما السلام {قال قد اجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} فالاجابة العملية اعقبت الاستجابة بالقول اربعين عاما، فقط لا غير.

   وللصبر فلسفة، فبه يمتحن الله عباده، وبه يحترم الناس الزمن، وبه يتعرف الناس على معادن بعضهم، وبه يدخل الناس الجنة ثوابا من عند الله، او النار عقابا من عنده.

   المشكلة، هي ان الناس مستعجلون، فاذا تزوج احدهم اراد، فورا، ان يرى ثمرة زواجه رضيعا في حضن امه، واذا نجح في المدرسة تمنى فورا ان يحلق في الاعالي، واذا دخل السوق مضاربا في ماله، استعجل الربح، واذا قيل له بان العراق مقبل على بناء نظام ديمقراطي تمنى ان يتلمس ثماره بين ليلة وضحاها، وهكذا فالانسان مستعجل بطبعه، لا ينتظر ولا يصبر ولا يتريث، والى هذا يضرب العراقيون مثلا بقولهم يتحدثون عن أحدهم، قيل له أنك ستتزوج فرد فورا (الآن الآن وليس غدا}.

   وبسبب العجلة والاستعجال،  يخطئ الانسان كثيرا ولا يصيب في أكثر الاحيان، لأن المستعجل لا يدخل عنصر الزمن في حساباته، الزمن الذي يعد جزءا لا يتجزا من منظومة الانجاز، اي انجاز في هذا العالم.

   حتى الله العزيز الجبار الذي يقول للشئ كن فيكون، خلق السماوات والارض في ستة ايام، ليس عجزا او تباطؤا او اعيائا، حاشا لله كل ذلك، وانما اراد ان يعلم خلقه معنى الزمن وكيف يحسبونه ويحترمونه فلا يستعجلون فيفشلون.

   ان النطق بالحكم هو ثمرة تضحيات العراقيين على مدى عقود طويلة من الزمن، انه ثمرة تضحية العلماء والفقهاء والشباب والكبار والصغار والرجال والنساء والاطفال، انه ثمرة الظلم المتراكم الذي مارسة الطاغوت بحق العراقيين، انه ثمرة المقابر الجماعية والانفال وحلبجة والحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت والاعدامات الجماعية وحملات تنظيف السجون، انه ثمرة دعاء الارامل وأنين الايتام وصراخ الذين دفنوا احياء، انه ثمرة الصبر العجيب الذي ابداه العراقيون، خاصة اسر الضحايا، كما انه ثمرة صبر المحكمة والحكام، الذين صبروا على تجاوزات الطاغية الذليل وهو في قفص الاتهام، وعلى جسارته وكلامه البذئ الذي كان يتفوه به، وعلى عنترياته التي كان يتشدق بها امام من لا زال صم بكم عمي فهم لا يفقهون كنهه وحقيقته.

   صحيح ان النطق تاخر كثيرا عن موعده، كاد الصبر ان ينفذ لدى العراقيين، فيما حاول كثيرون التأثير على عمل المحكمة من خلال استعجالها، الا ان سير المحكمة لقنت القضاء العربي والعراقي درسا لن ينساه، درس يقوم على اساس العدالة والتأني في سماع افادات الشهود والتدقيق في الادلة والوثائق، كما يقوم على اساس حق المتهم في الدفاع عن نفسه من خلال اختيار المحامين ووكلاء الدفاع، على قاعدة ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته، وليس على قاعدة ان المواطن متهم حتى تثبت براءته، كما كان واقع الحال في عهد الطاغية الذليل صدام حسين، وهو واقع الحال في البلاد العربية التي يغيب عنها القضاء المستقل والقانون، بحكم ان الحاكم فوق كل شئ، وان كلامه قانون ورأيه دستور ومقترحه حكم والرؤيا التي يراها في منامه واقع يجب ان ينفذ في الحال.

   ان مشاعر الناس ازاء النطق يعد بارومتر الموقف من العدالة، وبارومتر الموقف من الانظمة الشمولية الاستبدادية، وبارومتر الموقف من ضحايا الاستبداد والديكتاتورية، وبارومتر الايمان بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.

   فالذين فرحوا بالنطق، يمثلون جبهة الحرية والعدالة والايمان بالانسان، والكفر بالانظمة الشمولية، اما الذين حزنوا عليه فهم جبهة العبودية والخضوع والاستسلام للطاغوت ممن كتب الله عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله تعالى، جبهة الكفر بالانسان الذي يجب ان يموت، في رأيهم، من اجل ان يحيا الطاغوت.

   فليتعلم العراقيون اذن من هذا اليوم، ما يلي؛

   اولا: ان يصبروا ويصابروا ويتقوا الله تعالى، فالمشوار الذي ينتظرهم طويل طويل، بحاجة الى صبر بقدره وتأن، فلا يستعجلوا النتائج، وليطمئنوا بان النصر حليفهم، وان الظفر معهم واليهم مهما طال الزمن، وليتذكروا قول امير المؤمنين عليه السلام في كل يوم وليلة، بل وفي كل ساعة ولحظة.

   ثانيا: ان للطاغوت اجل مهما طال عهده، وان للظالم جولة وللباطل صولة وللحق دولة، وان الله قد يهمل الا انه لن يهمل، حاشاه وننزهه عن ذلك تنزيها.

   ثالثا: على العراقيين ان يطووا صفحة الماضي، ليبداوا عهدا جديدا خال من الطاغوت وثقافته واسمه ورسمه واعلامه واخلاقياته وكل ما يتعلق به، عهدا جديدا قائم على قيم الحب والالفة والنصيحة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى والتكافل والتكامل والحرية والشراكة الحقيقية في البلد الذي انعم به الله تعالى عليهم.

   رابعا: اما الذين لا زال في قلوبهم شك مما يجري، فعليهم ان يتيقنوا بان عهد الطاغوت قد ولى الى غير رجعة، فالطاغية الذليل اصبح اليوم جزء من التاريخ، ولذلك، فان عليهم ان يفكروا بصوت عال ويعيدوا النظر بمتبنياتهم القديمة وبثوابتهم الماضية، ليبدأوا عهدا جديدا الى جانب كل العراقيين، فالعراق للجميع من دون استثناء، شريطة ان لا تأخذ احدهم العزة بالاثم، واذا كان احدهم لا يقدر على الاعتراف بخطئه امام الاخرين، فعليه ان يعترف بذلك مع نفسه فيحدثها بصوت عال ليصل الى النتيجة الصحيحة المطلوبة في مثل هذه الظروف.

   ليتيقن امثال هؤلاء، بان الذي يجري اليوم للطاغية وزبانيته، انما هو امر الله تعالى، وهو على كل شئ قدير.

   خامسا: ان النهاية التي انتهى اليها الطاغية الذليل، انما هي بسبب الدعاء اولا، ولذلك فليواصل العراقيون الدعاء والتضرع الى الله عز وجل في السراء والضراء، لنكون جميعا قريبين اليه تعالى، وليكن عز وجل اقرب الينا من حبل الوريد، نتحسسه في كل نفس من انفاسنا، فلولا ارادة الله تعالى التي تهلك ملوكا وتستخلف آخرين، لما انعم علينا برؤية ذل الطاغية .

   سادسا: كما ان علينا ان نتذكر بان شكر الله على نعمائه سبب استمرارها، أولم يقل رب العزة والجلال {وبالشكر تدوم النعم} وهل هناك نعمة اكبر من نعمة القضاء على الطاغوت، فرعون زمانه؟

   اذن، فلنشكر الله تعالى على نعمه، لننعم بها دائما.

   سابعا: اود ان اهمس في اذن المثقفين والاعلاميين العرب واقول لهم؛

   لقد ولى عهد أسود خيم بظلامه على العراق، وبدا عهد جديد، ولى عهد طالما نصرتموه بالكلمة والمقال والبحث والشعر والنثر، وبدا عهد طالما طعنتم فيه وسفهتم احلامه.

   فليكن اليوم حدا فاصلا بين عهدين، عهد تودعوه، وآخر تستقبلوه، أو اكرموننا بسكوتكم، فالحديث الشريف المروي عن رسول الله (ص) يقول {قل خيرا، او فاسكت} ورحم الله امرءا نطق خيرا او صمت.

   ثامنا: ليكن هذا اليوم عبرة لكل جبار اثيم، لا يرعى في عباد الله تعالى الا ولا ذمة، من الحكام المستبدين وجماعات العنف والارهاب، ومن فقهاء التكفير اللذن يحللون دم من يخالفهم الراي.

   ليكن عبرة للجميع، فعسى ان يكون سببا للردع فلا يطغى حاكم ولا يتجبر ظالم ولا يواصل ارهابي او تكفيري مسيرته المنحرفة، ومن الله تعالى التوفيق والسداد، وهو المنتقم الجبار.

   لقد ظن الطاغية الذليل بان الفلك سوف لن يدور لا زال هو في السلطة، فعاث في الارض الفساد، وأهلك الحرث والنسل، وتمادى في غيه وجرائمه، بعد ان أمن تغيير الفلك، ناسيا أو متناسيا بان الفلك دوار يدور عليه كما يدور على غيره، وقديما قالت الحكمة {لو بقيت لغيرك، لما وصلت اليك}.

   وتلك هي مشكلة الحكام، اذ يظنون دائما بان الملك دائم لهم، فينسون الله تعالى وينسون حدودهم، ناسين او متناسين كذلك بان {الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك} و {ان اليوم يوم له ما بعده} اذ ان الحياة لا تنتهي عنده ابدا، كما انها لا تبدا منه ابدا.

   أبارك لكل العراقيين، خاصة ضحايا النظام الشمولي البائد، واسر الشهداء الابرار، هذا اليوم الموعود، داعيا القدير ان يكون يوم خير ويمن وبركة على العراق واهله، انه سميع الدعاء، وبعباده رؤوف رحيم.

   كما ابارك لكل محبي السلام والحرية والقيم الانسانية والعدالة في العالم، هذا اليوم الاغر، وعقبال كل طاغوت وجبار ومعتد أثيم.

   أخيرا؛

   شكرا لكل من ضحى، وشكرا لكل من صبر، وشكرا للمحكمة، وشكرا لكل من شارك العراقيين فرحتهم في هذا اليوم التاريخي، وقبل وبعد كل شئ، شكرا لله تعالى على نعمائه، فهو الذي نساله من فضله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- 6 الاثنين/تشرين الثاني  /2006 -14 /شوال /1427