الترحـيب بالمشكلات... لـمـاذا وكيف ؟

فـؤاد عـباس*

هل يمكنك أن تعيش بدون أصدقاء ؟

الجـواب: لا

لـماذا ؟

لأن الصداقة ضرورة إنسانية حياتية، والصداقة ضرورية للصحة، والإنسان اجتماعي بطبعه، و... الـخ.

البحوث تؤكد:

 أن الصداقة والعلاقات الاجتماعية الفاعلة والتحدث مع الآخرين تبقي الدماغ نشطاً وتحافظ على وظائفه الحيوية والفكرية.

وكذلك هي المشكلات التي تنقل الدماغ من تحد الى اخر.

وتضيف الإحصاءات:

 إن نسبة الوفيات ترتفع بين الأشخاص الذين لا يسعون إلى تكوين صداقات، أو الذين لديهم عدد محدود من الأصدقاء، بل هم يكونون أكثر من غيرهم عرضة لأمراض القلب، والسرطان، والتوتر النفسي، والشعور بالاكتئاب.

وكذلك هي المشكلات إذا كانت نظرتنا اليها وعلاقتنا معها سلبية عدائية.

هل يمكنك أن تعيش بدون مشكلات ؟

الجـواب: لا

لـماذا ؟

لأن المشاكل ستزورك، وقد تقيم معك مؤقتا مادمت تعمل... مادمت تتقدم، و إذا كنت تبحث عن عمل بلا مشكلات، ستبقى بلا عمل، ولأن... الـخ.

إذن لا وجود لعالم بلا صداقات كما لا وجود لعالم بلا مشكلات، وكما ان الصداقة فرصة كذلك هي المشكلة !!

العذاب والألم الذي تنسبه الى المشكلة لا يعود الى المشكلة بل الى نظرتك اليها وتعاملك معها لذلك يجب أن تسعى لتصحيح النظرة ومن ثم التعامل والعلاقة مع المشكلة، وكما هو في الصداقة حيث ينبغي أن تهتم أنت والأخرون بإصلاح العلاقة بينك وبين صديقك.

لـمـاذا تزورك المشكلة ؟

تزورك لتنصحك في عيبك... لتخبرك بوجود خلل ما في مكان ما، وكما هو حال الصديق الصدوق:

قال أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب "عليه السلام":

( الصديق الصدوق منْ نصحك في عيبك...).

وللمشكلة عيوب كما لهذا الصديق اوذاك في الصداقة، وفي ذلك قال الشاعر:

أتطلب صاحباً لا عيب فيه؟!      وأي الناس ليس له عيوب؟!

إذن في نظرتنا وعلاقتنا مع المشكلات ايضا يجب أن نكون واقعيين وعمليين وإيجابيين، فالذي يحاسب صديقه على كل هفوة لن يجد صديقاً كما يقول بشار بن برد:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً             صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فلنتوقف من معاتبة وملامة المشكلات حتى إذا عجزنا عن فهم حكمة وفلسفة مشكلة محددة ما، ونتسامح معها ونصفح عن جناياتها المتخيلة وكما هو الحال في الصداقة:

يقول أبو فراس الحمداني:

ما كنتُ مذ كنتُ إلا طوع خلاني

ليست مؤاخذةُ الإخوان من شاني

يجني الخليل فأستحلي جنايته

حتى أدل على عفوي وإحساني

إذا خليلي لم تكثر إساءته

فأين موضع إحساني وغفراني

يجني عليَّ وأحنو صافحاً أبداً

لا شيء أحسن من حان على جانِ

لا وجود لعالم بلا مشكلات

الإنجازات العـظيمة تـقـع عندما يلتـقي الرجال بالجبال، الهموم بقدر الهمم، المشكلات بقدرالهمم أيضاً، والمشكلة فرصة، فلو لم تكن هناك مشكلات لـمـا كانت هناك دروس وإنـتصارات، فـلنحاول الترحيب بالمشكلات كأصدقاء... لنحاول الترحيب بالمشكلة كما نرحب بالصديق، لأنه لا مفرّ من المشكلات مهما كانت الخطط متـقـنة، والخطوات مدروسة، والحسابات دقيقة، ولأننا بحاجة الى المشكلات لأنها فرص جديدة للتقدم، ومليئة بالدروس فالإنتصارات، ولأنها يمكن أن تجعل الدماغ في حالة من التحدي المطلوب لترويض الدماغ وإخراجه من الكسل والرتابة التي لا تحد من تطور الدماغ فحسب بل تضعف الذاكرة ايضاً، فنحن بحاجة الى المشكلات وبحاجة الى الصداقات والأصدقاء، لأن الله عز وجل خلق الإنسان اجتماعياً لا يقدر على العيش بمفرده، ولا بدّ له وأن يتفاعل مع منْ حوله ايجابياً.

قد تختلف أسباب الحاجة الى كل من المشكلات والصداقات لكن هناك أسباب مشتركة، اوبعبارة أخرى للمشكلات إيجابياتها الخاصة بها كما للصداقات إيجابياتها لكن نحن عادة نبغض المشكلات... نغضب منها... نثور عليها... نعاديها...نمقتها.. نحقد عليها، وبذلك نحرم أنفسنا من إيجابيات المشكلات، ونبعدها من الإمتثال لأوامر ربنا الرؤوف الرحيم الحكيم بالإصطبار والصبر والحلم والتحلّم والرضى بقضائه والتسليم لأمره. نـعم نحن عادة نبغض المشكلات نحاول محاربتها عوضاً من معالجتها فتـتـغـول وتـتـكرر... نتخذ منها موقفاً عدائياً سلبياً يحول دون التفكير المنطقي الإبداعي الهاديء للتمكن من تحليل المشكلة ومعالجتها وتحويلها الى فرصة جديدة أخرى للإنـتصار فالتقدم وأخذ الدروس والعبرمنها.

فـلنحاول تغييرهذه النظرة السلبية الى المشكلات بفتح حوار مع ذواتنا لتلقينها النظرة الإيجابية الى المشكلات... لتعـويدها على الترحيب بالمشكلات كما نرحب بالأصدقاء، وبكل ما للترحيب من معنى، وتقمص الترحيب في البداية يساعد كثيراً على ذلك.

مقارنات بين المشكلة والصديق لتغـيير علاقتنا بالمشكلة وجعلها ايجابية:

- لا تقلْ حلت بنا مشكلة جديدة... مصيبة جديدة بل فرصة جديدة أخرى.

- حاول أن تبتسم للمشكلة الجديدة مرحباً بها وكما تبتسم للصديق عند إستقباله والترحيب به.

- حاول أن تبعد عنك الآلام والأحزان كما يجب أن تفعل ذلك للصديق عند إستقباله والترحيب به، بل اشعر نفسك بالسعادة، ألا تشعر بالسعادة والفرح مع الصديق.

- إذا غاب صديقك يجب أن تسأل عنه، وهكذا إذا غابت المشكلات بصورة كاملة ينبغي تتسائل:

هل هناك عمل ؟

هل هناك إستمرارية للعمل ؟

هل هناك إنجازات جديدة ؟

هل هناك تطوير وتجديد في العمل ؟

هل هناك رقابة... متابعة... وتقييم  ؟

ولــمــاذا هذه الأسـئـلــة:

لأن بروز المشكلات لوحده أمر طبيعي، ويدل غالباً على وجود العمل وإستمراره وفعله وإنفعاله ونموه وتطوره، ولأن التصور بإنعدام المشاكل بالمرة قد يرجع الى ضعف في المتابعة اوتعثر في التقييم.

 نعم من المشكلات الكثيرة المتوالية ربما يمكن الإستدلال على وجود خلل معين في مكان ما، وذلك الخلل مشكلة يجب أن نستقبله ونرحب به كصديق، لنكرر مع أنفسنا ويومياً:

المشكلات تتناسب طردياً مع حجم العمل

المشكلات تتناسب طردياً مع حجم الطموحات

المشكلات تتناسب طردياً مع حجم الإنجازات

المشكلات تتناسب طردياً مع درجة المجازفة

التحسس بالمشكلات يتناسب طردياً مع حجم المتابعة، ويتبع حساسية ودقة نظام التقييم ومعاييره. إذن:

انت تملك مشاكل، اذن انت تعـمل

إذا كنت تبحث عن عمل بلا مشكلات، ستبقى بلا عمل

- الصديق الذي يحرص على إستمرار صداقتك له يكرر لك القول:

لا تمشي أمامي... لأنني لن اتبعك

 لا تمشي خلفي... لأنني لن أقودك

وإنما امشي بجواري وكن صديقي فقط

هـكذا الحال في المشاكل:

حيث البعض يقوم بالتضخيم والتهويل فينزلق نحو اليأس، فهو كمنْ يمشي خلف صديقه ليقوده، او يقوم بتصغير المشاكل أوإنكارها فتتراكم وتتفجر، فهو كمنْ يمشي أمام صديقه ليجعل صديقه يتبعه، وهذا ما يعبر عنه بالهروب من المشكلات الى الأمام اوالهروب من الواقع، الصحيح أن نستقبل ونرحب بالمشكلات ترحيباً متناسباً مع حجمها وشأنها، وكما نستقبل الأصدقاء ونرحب بهم، فنداريها ( مدارة للزمان ) ونمشي بجوارها كي لا نسمح لها بأن تسيطر علينا وتقودنا الى حيث تريد من التمحض في الدفاع والغفلة من الهجوم، والتمركز حول ردود الأفعال والغفلة من المبادرة، لأن المشكلات لن تتبعنا إذا هربنا منها الى الأمام.

- الترحيب بالمشكلات كالأصدقاء يحفظك من الضغط والقلق والإضطراب والتوتر النفسي والاكتئاب والكثير من المشاكل الصحية والنفسية، ويوفر لك المزيد من الهدوء والتفاؤل والإيجابية والطاقة والحيوية لتحليل المشكلة ومعالجتها.

- المشكلات تأتي لزيارتك مازلت حياً... ما زلت تـعمـل وتـتـقدم، لـمـاذا ترفض هذا الواقـع، ولا تحاول أن تتعايش معه، للتمكن من حلّ المشكلات ؟

حين تزورك المشكلة، استقبلها كصديق، بل صادقـها لتتفهمها وتحللها وتجزئها وتعالجها، قد تكون بعض الزيارات متعبة، لكن الزيارة تبقى زيارة، وسوف تنتهي بعد حين، احياناً يعود غضبك من المشكلة الى التصور بأنها حطت رحالها لتقيم معك طويلاً او دائماً. تقبلْ المشكلة كما هي هي، وتعايش معها للتمكن من الحل، وكما في الصداقة حيث: لا بد و أن يقبل كل واحد الأخر كما هو ويحترمه، وأن يصبر عليه في النصيحة ولا ييأس من الإصلاح، وأن يصبر على أذى صديقه، ويلتمس له المعاذير، ولا يسيء به الظن، ولا يحقر شيئاً من معروفه ولو كان قليلاً.... الـخ من حقوق الصداقة.

فلا تسيء الظن بالمشكلات، ولا تحقر شيئاً من معروفها، وصادقها وأصبر عليها فعلى المؤمن أن يكون بالله وبما صنع راضيا، لضمان الأجر، والإبتعاد عن الهموم والأحزان والإقتراب من الروح والفرح، والتمكن من معالجة أثار المشكلة وتصحيح المسار والمزيد من العمل والكفاح،فكما عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ):

 (( إن الله - بحكمه وفضله - جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. )) 

وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله - لجبرئيل -: (( قلت: فما تفسير الرضا ؟ قال " جبرئيل ": الراضي لا يسخط على سيده أصاب من الدنيا أم لم يصب، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل.))

حقاً ما يزعج الناس ليس مشاكلهم، وإنّما نظرتهم للمشكلات من جهة، ولذواتهم من جهة ثانية، ولنوع المشكلة من جهة ثالثة، وللحل الذي يطمحون اليه من جهة رابعة:

- بالنسبة الى الذات: إذا تكاثرت المشكلات اوطال أمد البعض منها تأكد أنّك لست جزءاً من المشكلة أو سبباً رئيساً لها، وهذه بحاجة الى مهارة وشجاعة في نقد الذات.

- بالنسبة الى نوع المشكلة: التعايش مع بعض انواع المشكلات أمر مطلوب أحياناً، او أمر لا بد منه احياناً، وربما من الأفضل تجاهل المشكلة بعد استكمال تحليلها و دراستها.

- بالنسبة الى حل المشكلة: يجب تحاشي القفز الى الحل مباشرة، بل التكيف معها فلملمة وتطويق أثارها ونموها حتى حلها خطوة خطوة وقبول حقيقة إستحالة التوصل الى الحلول المثالية اوالكاملة في واقع غير كامل.

*معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية- 54 الاحد/تشرين الثاني  /2006 -13 /شوال /1427