عقولنا... حقيقةً مرة

مازن مرسول محمد

 على الرغم من إننا قد وصلنا ودخلنا الى القرن الحادي والعشرين، وقد تطورنا كما يُقال في لباسنا ومظاهرنا الكمالية الاخرى، وقسم كبير منا يعيش في ظلماتٍ بعيدةٍ عن ما نتشدق به الآن بقولنا تطورٍ، في غياهب الجوع والفقر والحرمان، الا اننا مع ذلك كله لم نصل الى سموٍ حقيقي في عقولنا وتفكيرنا ونظرتنا لما نحن عليه وما ينبغي ان نكون عليه وكيف ستؤول الأمور من ناحيتنا.

من يقول اننا نفكر باستقامة وجدية وفرز وتدقيق ؟

ومن يدري هل نحن نتغافل عن دور عقولنا، ام ان هذه العقول ناشئة على هذا الشكل ولا نستطيع تغييرها ؟

 ومن يقول ان ما فيه نحن الآن من تردٍ بشري، لا يعود الى قصور عقولنا وتفكيرنا ؟ 

لقد ذهبنا بعيداً بأدعاءنا بأننا نجود بعقولنا لخدمة أنفسنا وخدمة البشرية، الا ان ذلك سرابٍ وربما شيء يكاد يكون لا وجود له.

ان البشرية اليوم ان كانت في تقدمٍ فهي تتقدم في الزمن ومضى عليها قرونٍ، ولكنها وللأسف في تراجعٍ وتقهقر إلى الوراء، فكلما تقدم الزمن تأخر وضعها الى الأسوأ.

فلماذا ذلك المأزق، وأين نحن من ذلك كله ؟

من المعروف إن شريعة الغاب قد اتُفق عليها أنها منطق القوة،  منطق الغالب القوي الذي يستخدم قواه العضلية دون عقله، أي ان العقل في تلك الحالة لا وجود له او ينتفي.

الا نعتقد ان اغلب تعاملات حياتنا في كل انحاء العالم، تميل بشكلٍ كبير لمنطق الغاب، الا يأكل احدنا الآخر اليوم، الا نطغي على غيرنا لتحقيق مكاسبنا، الم ترتفع شعوبٍ على حساب شعوب اخرى لغرض البقاء.

اما العقل فهو يفكر وقد اُستخدم واخذ له دور ولكن بماذا اُستخدم، انه وظف لكيفية وضع خطط الصراع والسيطرة لاجل البقاء.

ان اكبر دليل اليوم على تردي العقل الانساني هو كارثة الحروب والاقتتال، التي أحالت البشرية الى حطامٍ مؤلم.

فلماذا يستخدم أصحاب البدلات الراقية والأربطة الفاخرة من المتربعين على تسيد دول العالم منطق الغاب، ويفرضون الحروب على شعوبٍ اخرى لأسباب تكاد تكون واهية ربما، الا باستثناء ثبوت تعدي شعوبٍ على اخرى.

الم يظهر لهؤلاء إنهم عصريين ومتقدمين ويبرز ذلك من كلامهم وبعض تصرفاتهم ومظاهرهم، فأين عقولهم من ذلك، لماذا يُستخدم منطق ضرب البشر وقتلهم بدون العودة للعقل وحل الامور بطريقةٍ سلمية، الا يستطيعوا ذلك ؟

قطعاً وبالتأكيد هم قادرون على ذلك ولكن نزعة التغالب وفرض القوة قد عدوها الفيصل ولا مكان لصوت العقل.

إذن لماذا نكابر ولماذا نقول اننا نمارس دورنا الإنساني الحقيقي ؟

اننا حتى في ابسط تعاملاتنا اليومية نكاد لا نركن إلى العقل في كثير من الامور، وقد نستخدمه لامورٍ صراعية اخرى.

فهل ذلك متأتي من كوننا حقيقةً لا نفقه دورنا، او اننا قد تم ايهامنا باننا على هذه الشاكلة، ام ماذا ؟

ان جل حياة الانسان هي في تشابكٍ وتعقيدٍ مستمر ومتراكم، وما انزلاقات الانسان الا نتيجةٍ لعوامل مشتركة ذاتية وخارجية ساهمت في كوارث البشرية هذه، فهمومنا وتقزمنا هو صنيعتنا ايضاً اضافة لمشكلات ورداءة ظروف العيش الانساني القاهرة.

نحن نعتقد اننا اسمى المخلوقات، وذلك ما اكده الباري عز وجل، ولكن ما آل اليه حالنا اليوم يُشير الى إننا فقدنا هذا السمو عندما نزلنا الى مستوى النوع الحيواني وأعطاء العقل المفوض في تحقيق هذا السمو فترة سباتٍ طويلة، ولا نوظفه الا في حالات التعصب والغلبة.

فكيف نُعيد توظيف عقولنا لما يناسبنا بعد ان تناسينا اننا نملك هذه الجوهرة المتمثلة بالعقل.

ان المسالة تكاد تكون بسيطة، فإرجاع أمور الإنسان في كل شيء الى العق والمنطق، لهو كفيل بأعادة تنظيم الحياة على اتم وجه، واستخدام العقل معناه نبذ الصراع ومنطق القوة والغاب واكل الضعيف.

واستخدام العقل ايضاً معناه الانسانية وتحديد مكانها دون الاختلاط بالحيوانية التي لا تركن الى أي تصرف او سلوك يُشير الى عقلٍ.

كما ان استخدام العقل مرةٍ اخرى قادر على خلق الوعي الجاد والتفكير الصحيح، الذي يطرح رؤى عقلانية حول سير الحياة وتقدمها، وبذلك ممكن حينها ان تكون هناك معادلة صحيحة بأن البشرية تتقدم اليوم في تأريخها وزمن حياتها وكذلك في عقولها وتطورها، وخلاف ذلك تتكون القاعدة او المعادلة التي تقول انه كلما تقدم زمن الحياة تراجعت البشرية الى الوراء.      

شبكة النبأ المعلوماتية--الخميس 2/تشرين الثاني  /2006 -10/شوال /1427