حروب جيو ـ أهلية في الشرق الأوسط جذورها دينية وأنظمة ديكتاتورية هشة

  

تتواصل الحرب أهلية في العراق التي لم تخفت وتيرتها. اضافة الى توريط حزب الله من قبل سوريا وايران في حرب مع اسرائيل. رد اسرائيل شل خطوات لبنان المتعثرة تجاه السيادة والنظام المدني. الخلايا الارهابية التي تتخذ من القاعدة مثلاً أعلى لها أو يدعم بعضها البعض وجدت طريقها الى المسلمين البريطانيين.

ترى ما هي نوعية هذا الصراع الذي لا يكاد يخمد حتى يشتعل من جديد؟ إنه ليس "صراع حضارات" لأنه مشتعل بين المسلمين أنفسهم بالوتيرة نفسها بين الاسلاميين المتطرفين والغرب. الا انه ايضاً ليس مجرد "حرب أهلية" اسلامية داخلية بين المعتدلين والمتطرفين لأنه يشمل حروباً كامنة وخيمة بين المسلمين والدول الغربية واسرائيل أيضاً.

انه ليس "ارهابا عالميا" ببساطة لأن "القاعدة" والفصائل التابعة لها ليست دائماً المصدر الوحيد للتطرف والعنف، كما انه لا يتعلق فقط بالاسلاموية ضد البقية، لأن معظم الصراعات البشعة تحصل بين السنة والشيعة والواحد منهم مناهض للآخر. باختصار فإن الغليان الحاصل في العالم الإسلامي اليوم هو أهلي وجغرافي في آن واحد.

يقول جون برنكمان وهو  بروفسور في جامعة نيويورك في كتابه الجديد، "التناقضات الثقافية للديمقراطية: الفكر السياسي في عصر الحرب الجيو - أهلية" الذي سوف صدر من قبل دار نشر جامعة برينستون في عام 2007، ان:

الصراعات الجيو ـ سياسية قد تتفجر لتتحول الى حرب دينية، والصراعات الدينية قد تتفاقم لتصبح حروبا أهلية، والحروب الأهلية قد تحتدم لتمتد لما بعد الحدود وتصبح ـ جيوسياسية. علينا تسمية هذا الصراع المتنوع بإسمه: صراع جيو- أهلي.

ربما اعادة تسمية الصراع الذي أربك أميركا والغرب منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر قد يساعد على التخفيف من سوء الفهم الذي أحاطه. اذ ليس هناك أي فكر سياسي ولا اية سياسة تستطيع ان تتعامل مع ظاهرة معقدة ما لم تنجح الكلمات في تحديد أوصافه وهيكله.

يحافظ الرئيس بوش على لغة خطابه: الديمقراطية مقابل الطغيان والحرية إزاء الارهاب. تعبر كلماته عن سياسة ثابتة ولكنها تلقي بظلال مظلمة على هذا الصراع. نبعت التقديرات الخاطئة في حرب العراق من الاعتقاد بانه طالما الديمقراطية هي عكس الدكتاتورية، لذا فإن شعباً عانى الدكتاتورية والظلم سوف يعتنق الديمقراطية حالما يطيح غرباء متصدقون بدكتاتورهم.

تغيير النظام هي كلمة اساسية ما برحت تتكرر بدءاً من غزو أفغانستان وصولاً الى غزو العراق. رفضت أميركا فكرة الحوار الدبلوماسي مع ايران وسوريا لاستغلال نفوذهما في تأجيج الأزمة اللبنانية، حسب قول الرئيس، لأن أميركا تهتم بــ "شكل الحكومة" أكثر من اهتمامها بــ "الاستقرار".

ويضيف برنكمان: هذه الكلمة أصبحت مبتذلة. أولاً أنظمة حلفاء أميركا من الدول العربية مثل مصر والأردن والسعودية لا تمت للديمقراطية بصلة وليست على طريق الليبرالية أصلاً. كان الهدف من غزو العراق في الواقع اعطاء دفع لتلك الأنظمة الأوتوقراطية على طريق الديمقراطية، إلا ان المعارضة لم تأت من صفوف الاصلاحيين الليبرالين والديمقراطيين بل من السنة المتطرفين والمجاهدين الذين ما برحت تزداد شعبيتهم.

نظام الرئيس الباكستاني، مشرف، أهم حليف للغرب في الحرب ضد القاعدة وفي اقامة نظام لاشمولي نوعاً ما في أفغانستان، ليس بعيداً عن الديمقراطية فحسب، بل ان الرئيس يسير على خط رفيع ما بين التعاون مع أميركا وبين استرضاء جيشه وجهاز الأمن الداخلي، اللذين لهما علاقات قوية مع القاعدة وطالبان على وجه الخصوص.

ثانيا الدول ذات السيادة الضعيفة مثل العراق والسلطة الفلسطينية ولبنان وأفغانستان هي معقل لتعبئة الإسلاميين المتطرفين ونشر الارهاب. الخطأ الفادح الذي ارتكبته السياسة الأميركية كان تجاهلها مسألة النظام المدني كأساس للسيادة والديمقراطية، أولاً في أفغانستان والعراق ومن ثم في لبنان، حيث استمتعت أميركا وأوروبا والأمم المتحدة بمشاهدتها تفاصيل ثورة الأرز على شاشات التلفزة بينما كانت أذرع حزب الله تعزز نفسها لتزعزع سيادة لبنان وأمن إسرائيل.

أخيراً، إستند غزو العراق على اسس وهمية مفادها ان حالة اللااستقرار سوف تسهم في حصول تغيير سياسي تقدمي، ولكن اللااستقرار الاقليمي شجع القوى اللاديمقراطية التي تتنافس اليوم على السلطة.

قوى الصراع في العالم الإسلامي

ويشرح برنكمان ذلك بقوله: ان احصاءً لتلك القوى سيعطينا صورة عن الاتجاهات المتعددة المحتملة للحرب الجيو- أهلية في العالم الإسلامي:

القومية العربية التي قدمت البديل او على الأقل قمعت الخلافات بين السنة والشيعة، تبقى من العناصر المهمة في السياسات الشرق أوسطية. ربما ستكون الورقة الأخيرة التي تلعبها الدول التي تُسمى معتدلة مثل مصر والاردن والسعودية لتقليص الدعم الشعبي للقوى الاسلاموية التي تهدد أنظمتها.

في المقابل فإن المرجعية الشيعية في ايران تستخدم نفوذها على العرب الشيعة في العراق ولبنان لاقامة حركة اسلاموية تحت سيطرة ايرانية. ان الثورة الايرانية في عام 1979 – يجب اعادة تسميتها ايضاً – كانت لفترة طويلة بمثابة الهام حتى بين المجاهدين السنة الذين لولا ذلك لاعتبروا الشيعة اعداء لهم.

وكبديل فإن نوعاً جديداً من الاسلاموية العربية قد تُبرز أشخاصاً لهم جاذبية خاصة مثل حسن نصر الله الذي يحاول توحيد السنة والشيعة تحت راية "المقاومة" ضد إسرائيل والغرب. تأثيره قد يقوي الأخوان المسلمين في مصر والأردن وسوريا.

جهاديو القاعدة بدورهم لن يسمحوا على الأرجح بتفوق اتحاد سني شيعي عليهم لأن السلفية لا تعترف بالمذهب الشيعي وتصفه بالارتداد والالحاد بقدر ما تنادي بالحرب ضد اليهود والصليبيين. مطمحها الأساسي يكمن في فرض عقيدتها على العالم الإسلامي وتقديس القتل والإنتحار وهو ما يجعل القاعدة بعيدة عن اية تسوية تاريخية.

ويشير برنكمان الى مخاطر المستقبل بقوله:

وفيما تتنافس تلك القوى الساعية للهيمنة والمعادية للديمقراطية فيما بينها، فقد تتوسع حلقة الصراعات بين السنة والشيعة في هذه الأثناء لتصبح بمثابة مواجهة طائفية في رقعة تمتد من لبنان الى باكستان.

قد ينم الصراع الكامن بين أطراف الخصوم الأساسية في المنطقة مثل الشيعة في ايران والسنة في باكستان عن عواقب لا يمكن التنبؤ بها، مثل اعطاء الفرصة للمتطرفين داخل كلا الدولتين لاكتساب نفوذ أكبر. فقد يتولى مثلا الجهاديون الحكم في باكستان النووية ليتحالفوا مع القاعدة بعد ذلك، وسيكون هذا بالطبع من بين الاحتمالات الفظيعة.

على أميركا وأوروبا والمجتمع الدولي ان ترى الأشياء على حقيقتها وتعرف ان لا أحد بعيد عن براثن الحرب الجيو- أهلية في العالم الإسلامي. بالنسبة للسياسة الأميركية فانها بحاجة ماسة بالطبع لتغيير ثلاثي الأبعاد:

أولاً: يجب الفصل استراتيجياً وخطابياً بين مهمة القبض على قادة "القاعدة" التي لا تقبل اية مساومة وتدمير خلاياها المنتشرة في العالم وبين المشاكل المتعلقة بحماس وحزب الله وإيران.

ثانياً: يجب اتباع دبلوماسية جدية تجاه ايران لوضع حد لتطرفها المستمر. تعصب "الاسلام الفاشي" الذي نسمعه من الرئيس محمود أحمدي نجاد حقيقي كفاية، الا ان على السياسة الأميركية ان تأخذ بعين الاعتبار ان ايران بلد قد يرفع راية "الشمولية" الا ان دولتها ومجتمعها في الحقيقة لا يشكلان وحدة متراصة او يقفان كلياً وراء رجال الدين. اضافة الى أخذ قلق ايران على امنها النابع من التهديد النووي المحتمل من قبل باكستان والولايات المتحدة واسرائيل على محمل الجد وتهدئته بدلاً من اشعاله باتخاذ مواقف حربية.

ويختم برنكمان كلامه قائلا: بما أن لا "إعادة القوات الى بلادها" ولا "الاستمرار على هذا النهج" سوف يصحح غلطة احتلال العراق، فلا بد ان ينبثق اتجاه جديد من هذا المأزق: بما ان أفغانستان والعراق ولبنان تحارب لاعادة ترميم سيادتها تدريجيا تحت حماية منظمة حلف الأطلسي والاحتلال الأميركي-البريطاني والقوات الدولية لحفظ السلام تحت قيادة اوروبية، ينبغي على السياسة الأميركية تخصيص أقصى الموارد – المال والبواخر والقدرة على الاقناع – لتلك التدخلات المنظمة بأشكال مختلفة.

انها فرصة، مهما كانت صعبة، لنقول ان بناء الدولة والترويج للديمقراطية في العالم الاسلامي هما مسؤولية دولية وليست مهمة تبشيرية أميركية. أما بالنسبة لأسلوب واشنطن المختصر فيمكن أن يستمر: تدمير القاعدة، التحدث مع ايران، وبناء الدولة في أفغانستان والعراق ولبنان.

شبكة النبأ المعلوماتية--الثلاثاء 31/تشرين الاول  /2006 -8/شوال /1427